رغم معاناتهم.. البايس: هكذا سيحدد "سود أميركا" ساكن البيت الأبيض
جعل الناخبون الأميركيون من أصل إفريقي، ولايات مثل نورث كارولينا لأن تصبح قادرة على المنافسة، بعد أن حشدت صفوفها بأغلبية ساحقة ديمقراطية بعد صيف من الاحتجاجات ضد العنصرية.
وقالت صحيفة البايس الإسبانية: إن جورج فلويد (أميركي من أصل إفريقي قتل في حادث عنصري)، أعاد إلى أذهان الأميركيين الأفارقة الكثير من الذكريات حول المعاملة الوحشية للسود في هذه البلاد.
وجدد أيضا مقتل الشاب -في 25 مايو/أيار 2020-، الجدل حول التماثيل والرموز التي تمجد قادة أميركيين دعموا العبودية في ولايات الجنوب.
ونقلت الصحيفة أن موريس ويلز، الذي يناضل ضد هذه التماثيل بطريقته الخاصة، يدعوا إلى إزالة تمثال في مدينته، جراهام، في وسط ريف كارولينا الشمالية؛ ووضعه في متحف دون أن يضطر إلى رؤيته كل يوم.
وعلق ويلز قائلا: "يقولون إنه تراثهم الثقافي، لكنني أعتبره إرثا من الكراهية والقمع للسود. إن معرفة ما مرت به عائلتي وأجدادي أمر محبط للغاية، لكنني أخرج هنا لأحتج ضده. لقد اعتقلت مرتين لقول ما أشعر به حيال هذا النصب التذكاري والتفوق الأبيض السائد في هذه المقاطعة".
ونوهت الصحيفة بأن هذا التمثال يوجد على بعد أمتار قليلة من شجرة الدردار التي جدت فيها حداثة عنصرية ووحشية ضد السود.
وتحديدا، في 26 فبراير/ شباط من سنة 1870، شنق العشرات من أعضاء "كو كلوكس كلان"، وايت أوتلاو، وهو أول أميركي من أصل إفريقي يشغل منصبا منتخبا في المقاطعة.
علاوة على ذلك، استخدم أعضاء كلان العنف والترهيب لمنع العبيد المحررين حديثا من ممارسة حقهم في التصويت. أما في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل (الانتخابات الرئاسية)، سيكون هذا التصويت الذي كلف وايت أوتلاو حياته حاسما بالنسبة لمصير البلاد.
تصويت السود
وأوردت الصحيفة للورنزو موريس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هوارد في واشنطن، قوله: إن "أهمية التصويت الأميركي الإفريقي، بما يتجاوز التقدم نحو المساواة، تفسّر بحقيقة بسيطة: منذ الحرب العالمية الثانية، لم يكن أي ديمقراطي باستثناء ليندون جونسون قادرا على الفوز بالرئاسة دون تصويت السود".
زيادة على ذلك، "إذا أزلنا تصويت السود في انتخابات عام 2012، على سبيل المثال، فلن يخسر باراك أوباما أمام ميت رومني فحسب، بل كان سيخسر بأغلبية ساحقة".
وأضافت الصحيفة أنه منذ انفجار حركة الحقوق المدنية في منتصف الستينيات، كان حوالي 88 ٪ من أصوات الأميركيين من أصل إفريقي في جميع الانتخابات ديمقراطية.
وقد ارتفعت هذه النسبة إلى 93 ٪ في الانتخابات الرئاسية الثلاث الأخيرة. وفي استطلاعات الرأي المختلفة في أواخر سبتمبر/أيلول وأوائل أكتوبر/ تشرين الأول من هذه السنة، حصل المرشح الديمقراطي، جو بايدن، على أكثر من 90 ٪ من أصوات السود.
وأشارت الصحيفة إلى أن الناخبين الأميركيين من أصل إفريقي يملكون هاجسا مشتركا، ألا وهو العدالة العرقية.
وبشكل متكرر في استطلاعات الرأي، يصف هؤلاء تصويتهم هذا العام بأنه علامة بارزة وحاسمة في كفاح الولايات المتحدة الطويل ضد الظلم العنصري، والذي أظهرت الأحداث هذا الصيف أنه ما يزال قائما وما زالت أمام البلاد أشواط للتغلب عليه.
وأوردت الصحيفة أن جنوب الولايات المتحدة مليء بالقصص مثل ساحة جراهام؛ عاشها الجيران دون مشاكل كثيرة حتى هذا الصيف.
وتحديدا في 25 مايو/أيار، في مينيابوليس، وهي مدينة نائية تبعد حوالي 1900 كيلومتر شمال شرق جراهام، قتل ضابط شرطة الأميركي من أصل إفريقي جورج فلويد بعد خنقه لمدة ثمان دقائق و46 ثانية بينما كان يردد: "لا أستطيع التنفس".
هذه العبارة كانت شعار صيف حشد الكثير من الأصوات والمحتجين من أجل المطالبة بالعدالة العرقية بعد وفاة فلويد.
كانت هذه المظاهرات عبارة عن أكبر موجة من الاحتجاجات الاجتماعية والتي تواصلت لفترة طويلة مثلت سابقة في البلاد بأكملها، وفقا للعديد من الأكاديميين.
كما كانت حركة أثارت العديد من المواضيع المسكوت عنها، من تحيز الشرطة العنصري إلى سياسات المساواة في الشركات، وأيضا علاقة جنوب البلاد بأيقونات الولايات الكونفدرالية، مثل هذا التمثال في ميدان جراهام.
وأوردت الصحيفة أن مينيابوليس ونيويورك وبورتلاند شهدت احتجاجات حاشدة بعد وفاة فلويد، حفزتها حركة بلاك لايفس ماتر، التي تحدثت عنها جميع التقارير الإخبارية في جميع أنحاء العالم خلال الصيف.
لكن في المناطق الريفية الجنوبية، في ولايات مثل شمال كارولينا، يمكن فهم مدى التأثير والتحول الذي أحدثته الحركة في جميع أنحاء البلاد.
وبينت الصحيفة أنه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تراجعت مشاركة الأميركيين الأفارقة سبع نقاط ووصلت إلى حدود 59.6 ٪، مقارنة بحوالي 65.3 ٪ بين البيض، وفقا لبيانات مركز بيو للأبحاث.
وبشكل عام، أدى هذا الانخفاض في الإقبال على التصويت بين الأميركيين الأفارقة إلى تراجع هيلاري كلينتون في ولايات ويسكونسن وميتشيغان وبنسلفانيا الشمالية، الأمر الذي تسبب في خسارة المرشح الديمقراطي الرئاسة.
استطلاعات الرأي
لكن هذا العام، تمت إضافة ولايتين جنوبيتين على الأقل ـ التي يزيد عدد سكانهما من الأميركيين من أصل إفريقي عن المعدل الوطني، وهما نورث كارولينا (22 ٪) وجورجيا (32 ٪)ـ إلى قائمة الولايات المتنازع عليها.
وفي هذه الولايات تشير استطلاعات الرأي إلى أنه يمكن للناخبين الوقوف في صف أحد المرشحين؛ مما يعني أن مشاركة الأميركيين الأفارقة يمكن أن تكون حاسمة.
وفسرت الصحيفة بأن هذه التحولات ترجع جزئيا إلى ظاهرة ديموغرافية غريبة شهدتها الولايات المتحدة في العقود الأخيرة.
فقد عاد آلاف الأميركيين الأفارقة من مدن شمالية مثل "نيويورك أو شيكاغو أو ديترويت" إلى الجنوب، حيث بدأت جذورهم تتلاشى. وقد غيرت هذه الهجرة العكسية، الخريطة الانتخابية في الولايات المتحدة.
في هذا السياق، أوضح البروفيسور ويليام فراي، مؤلف كتاب "انفجار التنوع"، قائلا: "إن عودة الأميركيين من أصل إفريقي إلى الجنوب جعل هذه الولايات أكثر تنافسية بالنسبة للديمقراطيين".
وأضاف: أن "الولايات التي حظيت بزيادة أكبر عدد من الأميركيين من أصل إفريقي هي ولايات جمهورية تقليديا، مثل تكساس ونورث كارولينا وجورجيا وفلوريدا، ويمكن أن تكون جميعها حاسمة خلال هذه الانتخابات".
وفي هذه الانتخابات، كما حدث عندما ترشح أوباما، يمكن للناخبين السود إحداث فارق، وفق فراي.
وأوردت الصحيفة أنه قبل أسبوعين من الانتخابات، أدلى حوالي 30 مليون أميركي بأصواتهم. وخلال هذه المناسبة، أصبح تأثير تصويت الأميركيين من أصل إفريقي ملموسا بالفعل.
ونقلت الصحيفة عن شيلدون، وهو أميركي من أصل إفريقي يبلغ من العمر 24 عاما قوله: "لقد كانت انتخابات سنة 2016 مهمة للغاية، لكن هذه المرة أنا على يقين بأن الأمر لا يتعلق فقط بمن سيحتل البيت الأبيض، بل سنقرر كيف سيكون هذا البلد في المستقبل".
وفي عام 2011، ولأول مرة في التاريخ، ولد عدد أكبر من الأميركيين لأقليات عرقية مقارنة بالولادات من البيض.
ومثلما يتوقع البروفيسور فراي في كتابه، سيشكل البيض في غضون ثلاثة عقود أقلية من الأميركيين.
ويشرح قائلا: "يمثل هذا المعطى بداية التحول من الثقافة البيضاء نتيجة طفرة المواليد التي هيمنت على البلاد خلال النصف الثاني من القرن العشرين، نحو دولة أكثر عولمة ومتعددة الأعراق".
وفي الختام، أشار فراي إلى أن "الجمهوريين لم يفعلوا الكثير خلال السنوات الأخيرة للتكيف مع هذا التحول الديموغرافي".