أمر استدعاء.. ما مصير آلاف العراقيين الحاصلين على الجنسية السودانية؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

على عكس ما يشتهي المجنسون الأجانب، جرت رياح الثورة في السودان التي أطاحت برئيس البلاد عمر البشير، وسرعان ما قررت السلطات الجديدة إسقاط الجنسية عن جميع من اكتسبوها خلال المدة من عام 2014 وحتى 2019.

وأصدرت وزارة الداخلية السودانية في 25 يوليو/ تموز 2020، قرارا بوقف تجديد جوازات السودانيين من أصول أجنبية الحاصلين على الجنسية بالتجنس، إضافة إلى أنها أوقفت جميع المعاملات الهجرية لهم إلى حين مراجعة إدارة السجل المدني التابعة للوزارة.

فرض الحظر

يشكو آلاف العراقيين المقيمين في السودان من تضييق السلطات عليهم، جراء قرارها الأخير القاضي بحظر ممتلكات وأصول العراقيين المقيمين في أراضيها ومنعهم من السفر، بحجة امتلاكهم جنسية بالتجنس.

وقال رئيس الجالية العراقية في السودان فيصل الدليمي، خلال مقابلة مع موقع "سودان تربيون" في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "وزارة الداخلية السودانية منعت سفر المقيمين حتى بوثائق سفرهم العراقية بحجة امتلاكهم جنسية سودانية بالتجنس".

وأضاف: "إذا كانت الحكومة الانتقالية الحالية لديها مشكلة مع النظام السابق فنحن لسنا طرفا في ذلك"، مشيرا إلى اتصالات جرت مع مسؤولي وزارة الداخلية نهاية سبتمبر/ أيلول 2020، أثمرت عن معالجات كانت "بالغة التعقيد" الأمر الذي دفع بهم للجوء إلى السلطات القانونية لإبطال حظر أسماء العراقيين المتجنسين من السفر حتى بجوازاتهم العراقية.

وأفاد الدليمي بأن القرارات الأخيرة ألزمت المجنسين بتسليم وثائقهم السودانية إلى لجنة مختصة للحصول على "إشعار" يبدأ به في دائرة الأجانب معاملة أخرى "معقدة جدا" ويشترط فيها "ضامن" سوداني ولا يستطيع المراجع المتابعة بنفسه، بل يفرض عليه تكليف سوداني لمتابعتها، وعليه دفع مبلغ من المال كرسوم نظير رفع اسمه من الحظر رغم أنه قانونيا سوداني الجنسية.

من جهته، قال المحلل السوداني يوسف الجلال في حديث لـ"الاستقلال": "قرار وزارة الداخلية يعود في الأساس إلى تنقية ومراجعة السجل المدني، على اعتبار أن النظام السابق منح الجنسية والجواز السوداني إلى كثير من الأشخاص من منطلقات فكرية وأيديولوجية".

وأضاف: "أقرباء الرئيس المعزول عمر البشير، كثيرا ما تورطوا بمنح الجنسية والجواز السوداني مقابل الحصول على أموال ورشاوى، وهذا يتنافى كليا مع القواعد السليمة في الحصول على الجنسية السودانية".

ولفت الجلال إلى أن "السودان مثله مثل كثير من الدول لا يتمنع في منح جنسيته وجوازه للذين يعانون من تضييق في بلدانهم من منطلقات إنسانية، لكن الذي جرى كان عملا ممنهجا تخلله تجيير مصلحة الدولة لمصلحة أشخاص، وهذا أمر يتقاطع مع القانون، وكان سببا رئيسا وراء قرار وزارة الداخلية الأخير".

ورأى أن "معالجات وزارة الداخلية للمتضررين من القرار، هو منحهم مهلة لمراجعتها للحصول على أذونات أو ما يفيد بأن حصولهم على الجواز والجنسية جرى بطريقة رسمية، مع العلم أن هذا القرار ليس لكل من حصل على الجنسية السودانية، وإنما هو محدود من عام 2014 وحتى 2019".

حركة الاستثمار

وليس كغيرها من الجاليات العربية والأجنبية، فقد انتخبت الجالية العراقية فريقا قانونيا دفع بشكوى للمحكمة العليا ضد وزارة الداخلية السودانية، حيث جرى قبولها وعقدت أولى الجلسات في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

وقال رئيس الجالية: "الحظر طال جميع المعاملات الإدارية الأخرى ما تسبب في أضرار جسيمة وسط أفراد الجالية وبينهم مستثمرون وأساتذة جامعات وحرفيون، فضلا عن أن بعضهم يرغب في تلقي العلاج بالخارج".

وردا على ذلك، أكد الدليمي أن الجالية قدمت طعنا بقرار السلطات السودانية، والمحكمة العليا قبلت الطعن ضد قرار وزير الداخلية الذي أمر بحظر المتجنسين وسحب جنسياتهم، وجرى إعلام وزارة الداخلية للمثول أمام المحكمة في 13 من أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

وحسب الدليمي الذي يعيش في السودان مستثمرا منذ 20 عاما، فإن عشرات العوائل العراقية مكثت في السودان منذ التسعينيات وتجنست وفق أسس قانونية، حيث كان الحصول على الجنسية في عهد نظام البشير متاحا وسهلا، كما يقول حال مكث الأجنبي في السودان ما بين 5 إلى 10 سنوات.

وحصل الكثيرون على الجنسية السودانية بعد لقاءات مباشرة جمعتهم مع البشير خلال مناسبات اجتماعية أو لقاءات أخرى يتم خلالها تقديم الطلب للبشير فيوقع عليه استنادا إلى صلاحياته القانونية، حسبما أفاد الدليمي.

ويؤمن الدليمي بحق الدولة السودانية في مراجعة كل الملفات، لكن شريطة أن يتم ذلك وفقا للطرق القانونية، فحظر السفر لا ينبغي أن يكون إلا من النائب العام أو من القضاء، ولا يجوز حظر سفر آلاف الناس دون النظر إلى حجم المشكلات التي يسببها القرار.

وفي هذه النقطة تحديدا، قال المحلل السوداني يوسف الجلال: "بالتأكيد أن القرار ليس المقصود به إضرار قطاع الاستثمار أو أي جالية، وإنما المقصود به تنقية السجل المدني من بعض الذين حصلوا على الجنسية السودانية- وهم أرقام كبيرة وفقا لوزارة الداخلية- والآن المعالجات تمضي بشكل جيد، وأعتقد أنها يمكن أن تصب بتحقيق الهدف السامي في تنقيح السجل المدني".

واستبعد الجلال أن "يؤثر قرار الداخلية السودانية بضرر بالغ على حركة الاستثمار على اعتبار أن المعالجات الفردية والشخصية مفتوحة ومتاحة، فكل من يتضرر من القرار يمكن مراجعة وزارة الداخلية، وأعتقد أن مجرد قبول الطعن المقدم من الجالية العراقية للمحكمة العليا فيه إشارة إلى أن العدالة في السودان متاحة بشكل كبير جدا".

وأكد المحلل السوداني أن "الثورة السودانية ترفع شعار (حرية سلام وعدالة)، وهنا العدالة للجميع، وليست مخصصة لشخص على حساب آخر، وقبول الطعن وتحديد جلسة للبت في القضية في ظل وجود ممثل من الجالية العراقية، وآخر من وزارة الداخلية السودانية، أعتقد أنه يعطي مؤشرا إيجابيا وكبيرا بأن إمكانية إنصاف المتضررين واردة بشدة".

آلاف المجنسين

ونقلت تقارير صحفية عن أحد أعضاء اللجنة الفنية المتخصصة بمراجعة الهوية السودانية قوله: "الجنسيات المشمولة بقرار المراجعة تضم كل الأجانب، والغالبية هم من السوريين الذين منحهم البشير الجنسية استنادا إلى المادة 9 من قانون منح الجنسية السودانية بالتجنس".

وتوقع عضو اللجنة الذي فضل عدم ذكر اسمه، خلال تصريحاته في 3 مارس/آذار 2020 أن يتم اتخاذ إجراءات جديدة لمنح الجنسية للأجانب، وألمح إلى قرار سيادي عقب اكتمال عمليات مراجعة الجنسيات، بتشكيل مجلس أعلى للهجرة بشأن الأجانب.

وحسب تقارير، فإن قرار تجنيس الأجانب الذي اتخذه البشير في تلك الحقبة منح سوريين ويمنيين وعراقيين الجنسية بعد دخولهم السودان لاجئين، جراء ثورات الربيع العربي التي شهدتها بلدانهم.

لكن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أصدر مطلع مارس/آذار 2020 قرارا بسحب نحو 13 ألف جنسية، منحت لأجانب من أصول غير سودانية خلال الفترة من 1989 وحتى 2019.

وتفيد تقارير صحفية بأن عدد المجنسين من العرب وحدهم يصل إلى نحو 18 ألف شخص، فيما يُقدر عدد أفراد الجالية العراقية في السودان بنحو 3500 شخص، منهم نحو 700 طالب.

ولجأ العراقيون إلى الحصول على الجنسية السودانية جراء الظروف الأمنية التي عصفت في البلاد بعد اجتياح تنظيم الدولة في يونيو/ حزيران 2014 وسيطرته على ثلث مساحة العراق، ما تسبب بموجات نزوح كبيرة قدرت بنحو 5 ملايين اضطر بعضهم للهجرة إلى خارج البلاد.