إرهاصات ثورية.. هل يكرر المصريون تجربة يناير بعد مضي 10 سنوات؟
يحلم كثير من المصريين على مدار نحو 7 سنوات، بانتفاضة شعبية مماثلة لتلك التي خرج فيها الشعب المصري لخلع الرئيس الراحل حسني مبارك عام 2011؛ ليتخلص مجددا من بطش النظام العسكري الحاكم بقيادة عبد الفتاح السيسي.
مراقبون للمشهد المصري يرون أن المشهد الحالي في مصر بالعام 2020، يشبه إلى حد كبير بل ويتفوق على الصورة التي عاشها المصريون في العام 2010، وتسببت في تفجير ثورة غضبهم التي أنهت 3 عقود من حكم مبارك.
الكاتب الصحفي المصري وائل قنديل، ربط بين مشهد ما قبل يناير والمشهد المصري الآن، في مقال له تحت عنوان "الكل ينتظرها بيقين".
وقال: إن "مصر تشهد حالة مماثلة لتلك التي وصفتها بها قبل ثورة يناير، تبدو معها كأنها قطعة من الإسفنج، تشربت على فترات كميات كبيرة من الكيروسين، إذا ما اشتعل بجانبها عود ثقاب واحد، فما يشبه البركان سوف يثور".
وقائع مقلقة
في واقعة تشبه جريمة مقتل الشاب المصري خالد سعيد على يد الشرطة المصرية عام 2010، والتي تسببت باندلاع ثورة يناير 2011، تحدى مئات المصريين آلة البطش الأمني للنظام العسكري الحاكم بمصر ونظموا مساء 7 أيلول/ سبتمبر 2020، مظاهرات "غاضبة"؛ احتجاجا على مقتل شاب بقسم الشرطة.
ولأكثر من 3 ساعات، جابت تظاهرات الأهالي شوارع حي المنيب الشعبي، وتجمهروا أمام نقطة الشرطة؛ للمطالبة بحق الشاب إسلام الأسترالي.
وفي مشهد آخر، رشق الأهالي الغاضبون جرافات وآليات وقوات النظام العسكري الحاكم خلال هدم البيوت بمدينة "الخانكة" بمحافظة القليوبية شمال القاهرة.
متابعون ومراقبون، أكدوا أن تلك التظاهرات ورد الفعل الشعبي الغاضب قطع حالة الصمت الرهيب بالشارع المصري بسبب البطش الأمني وحملات الاعتقال المتواصلة بحق المصريين.
التظاهرات الغاضبة والتي انطلقت ضد وزارة الداخلية بالأساس، تتزامن مع دعوة المقاول والفنان محمد علي المصريين بالتظاهر يوم 20 أيلول/ سبتمبر 2020، ضد نظام السيسي، في ذكرى تظاهرات وقعت بنفس الشهر من العام 2019.
الإعلام الغربي، من جانبه رصد حالة الغضب التي يعيشها المصريون ووجود إرهاصات ثورة محتملة، حيث علقت صحيفة Middle East Monitor"" على دعوة علي، للاحتجاج ضد القمع والظلم.
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى ما كشفه علي، عام 2019، حول جرائم الفساد وتبديد الأموال العامة وبناء القصور الفخمة، التي اتهم فيها النظام الحاكم وعائلة السيسي وكبار قادة الجيش.
وأشارت الصحيفة إلى تدهور الظروف المعيشية للمصريين، واستمرار نزيف الاقتصاد، وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، وهدم السلطات آلاف المنازل، متطرقة أيضا للغضب الواسع من تعامل الحكومة مع ملف ليبيا، و"سد النهضة".
وفي المقابل، رصد مراسل "الاستقلال"، بعض مظاهر القلق والتوتر الذي يعيشه النظام العسكري الحاكم، حيث تزايدت وتيرة الحملات الأمنية لتطال عددا من المقربين من جماعة الإخوان المسلمين في محافظات الدلتا، كما عادت عمليات تفتيش هواتف المواطنين في الكمائن مجددا، وبوسط القاهرة، وهو ما أكده الناشط الحقوقي أحمد العطار.
وأشار ناشطون إلى أن الأذرع الإعلامية للنظام بدأت في تخفيف حدة حديثها، وخاصة حول قانون المصالحات وهدم المنازل المخالفة وتخفيض مبلغ المصالحات.
وقال الناشط السياسي وعضو حركة 6 أبريل محمد نبيل: إن الإعلامي أحمد موسى غير لهجته مؤخرا من قوله إن "القانون سينفذ على رقبة الجميع"، إلى الدعوة بالرأفة بالمواطنين.
كما دعا الإعلامي المقرب من الجهات الأمنية، رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لمد فترة التصالح، ودعا المحافظين والموظفين الحكوميين للتعامل بشكل جيد مع المواطنين.
بين السيسي ومبارك
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري قدم في حديثه لـ"الاستقلال"، رصدا ومقارنة لأوجه التشابه بين حال نظام السيسي، خريف 2020، مع حال نظام مبارك خريف 2010".
وقال: "سنجد أن مبارك كان بوضع داخلي وخارجي أقوى من السيسي بمراحل، فبرغم وجود حراك سياسي قوي بـ2010 ؛ كان نظام مبارك يتمتع بوضع اقتصادي مستقر وقبضة أمنية حديدية".
وتابع الخبير بالتحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام: "ناهيك عن قيمة مبارك نفسه إقليميا ودوليا، خاصة مع احتفاظ نظامه بالكثير من الملفات الإقليمية والدولية كونه الوسيط الأكثر تأثيرا بالقضية الفلسطينية، وعمله كوسيط دولي بتجارة السلاح، وتداخله مع الإدارة الأميركية بملف الإرهاب المزعوم".
وأضاف: "أما السيسي حاليا فأشبه بفقاعة مائية؛ خسر نظامه كل أدوات قوته الإقليمية بالملفات الفلسطينية والليبية والسودانية، مع انهيار الجبهة الداخلية تماما".
خضري، أشار إلى أن "المواطن يعيش حالة اقتصادية وصحية متردية؛ زاد حدتها تنفيذ السيسي، تعليمات البنك الدولي واعتماده نظام الجباية الجائرة لتجفيف السوق الموازي بدلا من إقامة اقتصاد حقيقي يصنع تنمية مستدامة".
"في الوقت الذي كان يتمتع فيه مبارك بدعم مؤسسات الدولة لآخر لحظة بحكمه؛ يفتقد السيسي حاليا لدعم تلك المؤسسات، التي بدأت بالانحسار عنه بعد فشله المتعمد بملفات مصيرية كالسد الإثيوبي والقضية الفلسطينية ومكامن غاز المتوسط وتيران وصنافير.. إلخ"، يقول الباحث المصري.
وأكد أن "ذلك ظهر جليا بوقوف شيخ الأزهر -المدعوم من مؤسسات سيادية- بقوة أمام السيسي، بقانون الإفتاء وأجبره على التراجع، ورفض الجيش الوقوع بالفخ الذي أراد السيسي، توريطه فيه بالصدام مع الجيش التركي بليبيا والبحر المتوسط، وكذا تفاهمات المخابرات العامة ووزارة الخارجية مع تركيا برغم العداء الذي يكنه السيسي لرئيسها".
تصاعد الإجرام
ومن جانبه، قال السياسي والبرلماني المصري السابق طارق مرسي: "نعم أستطيع القول إن هناك تشابها كبيرا بين ما تعيشه مصر من واقع سياسي في نهاية 2020، وبين خواتيم العام 2010 ".
مرسي، أكد في حديثه لـ"الاستقلال": أن "أبرز صور وأوجه التشابه تتمثل بقتل السياسة، ووأد الحريات، وازدراء الشعب وإرادته، وغلق الفضاء العام على أسماء وكيانات مرتبطة بمبارك وعائلته بينما هي اليوم مرتبطة بشكل شخصي بالمنقلب السيسي وجنرالاته المقربين".
وأضاف: "ربما لم نصل بعد لمرحلة التوريث؛ لكن الحالة تتشابه مع أبناء مبارك، حيث يمنح السيسي أحد أبنائه سيطرة على كل من المخابرات العامة والتي تملك السطوة بكل شيء ومنسوب لها السيطرة على مجلس النواب، ومؤخرا الشيوخ".
وتابع: "فضلا عن إحكام توجيه الإعلام بالكلمة والنَفَس، وإطلاق يد نجله الآخر بالرقابة الإدارية والتي تضخم دورها بملفات عدة حتى أصبحا يهيمنان على النفوذ العام".
ويرى السياسي المصري، أن "التغيير ربما فقط بالأسماء؛ حتى أصبحت مصر 2020، رهينة نجلي السيسي محمود ومصطفى، كما كانت رهينة سيطرة لنجلي مبارك جمال وعلاء في 2010 على السياسة والاقتصاد".
ويعتقد أن أصدق مبرر يقود حالة الغضب مستوى معيشة المصريين الذي أهدر كرامتهم وألغى الطبقة الوسطى إلى حد بعيد وأدخل ملايين منها إلى دون حد الفقر، بعد ارتفاع أسعار الخدمات وكثرة الضرائب والرسوم، فضلا عن تغيير سعر العملة، ومؤخرا نقص وزن رغيف الخبز إضافة لهدم المنازل.
وأشار كذلك إلى أن استبداد الشرطة الذي كان سببا مباشرا لثورة يناير؛ تفاقم اليوم فأصبح التعذيب وانتهاك الحرمات منهج الأقسام الشرطية، فضلا عن التوسع الرهيب ببناء السجون وتدوير مئات الألوف من المعتقلين والمطاردين.
بين الحقيقة والأماني
ويعتقد الباحث والمحلل السياسي عزت النمر، أن "الحديث بالتشابه بين واقعنا المعاصر وبين خريف 2010، فيه من الحقيقة والصدق بقدر ما فيه من الأماني والأمل، رجاء أن تقودنا الأحداث الجارية لإنتاج ثورة عظيمة تجدد أمجاد يناير، ولكن بتلافي أخطاء وخطايا كل الأطراف".
النمر، يرى في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "الأمر يتجاوز التشابه بكثير، فسواد وقتامة الواقع اليوم بأشد منها في خريف 2010، على اعتبار أن مبارك كان ديكتاتور كيوت يترك مجالا لمؤسسات الدولة تنصحه ويستجيب".
وأضاف: "فيما يمثل السيسي قمة الديكتاتورية بأغبى صورها إذ قام بمصادرة كل شيء وأصر على إذلال الشعب في معيشته وقوته اليومي وفي دماء المصريين التي أجراها أنهارا ولا يزال".
"من صور التشابه كذلك سيطرة عائلة مبارك على مصر ومقدراتها كما الحال مع السيسي ونجليه، ولكن الواقع أسوأ وأشد"، هكذا يرصد الباحث المصري الحالتين، جازما بأنه "على الصعيد الاقتصادي فإن الضيق المعيشي وارتفاع الأسعار يفتك بالمصريين بما يفوق بمراحل 2010".
وقال: "أضف إليها المبالغة في سطوة الشرطة وأعداد المعتقلين والقتل على الهوية بالشارع، وارتفاع لا يقارن بنسب البطالة وحد الفقر وغيرها"، مؤكدا أن "السيسي تجاوز كل الخطوط الحمراء بقهر الشعب ومنها رغيف الخبز وأخيرا وليس آخرا هدم بيوت الناس وإزالة المساجد".
النمر، لفت إلى حقيقة أخرى وهي أن "السيسي عادى كل مكونات المجتمع، بل وكون له أعداء بالمؤسسات السيادية ومطاريدها، وفي مراكز القوى التاريخية، ويبدو أن الرجل لم يحتفظ سوى بصداقة إسرائيل والإمارات واكتفى بذلك".
وعلى الصعيد الخارجي، أكد الباحث والمحلل السياسي، أنه "في الوقت الذي اعتبروا مبارك كنزا إستراتيجيا لإسرائيل فإن السيسي تجاوز ذلك ليكون عميلا مباشرا وصريحا يمثل أجندة ومصالح تل أبيب بمنتهى السفور، فقام بإهدار مقدرات مصر وعبث بأمنها القومي ما أحال مستقبل المصريين لسراب".
إرهاصات أشد
ويقول النائب البرلماني السابق مؤمن زعرور: إن "الشعب المصري يعاني الآن مثلما لم يعان من قبل، حتى أن إرهاصات 2020 أكثر بكثير من إرهاصات 2010".
السياسي المصري، أوضح بحديثه لـ"الاستقلال": أن "الكل يعلم بفساد رجال عهد حسني مبارك، حتى أن رئيس ديوانه والرجل القوي بعده زكريا عزمي اعترف أمام البرلمان بأن -الفساد في المحليات للركب-؛ ولكن كان هناك رجال دولة أما الآن فلا يوجد أي قدر منهم".
وأكد أنه رغم تشابه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في دركات السوء؛ إلا أن ما يحدث بمصر الآن غير مسبوق، ولو أن أكثر المتشائمين فكر كيف يحقق هذا الفشل لم يكن لينجح فيه بهذه الطريقة".
زعرور، أشار إلى أننا نرى "مصر تباع، بداية من المياه وفشل النظام في حل أزمة (سد النهضة) وحتى بيع (تيران وصنافير)، بل إن النظام لم يكتف بل إنه يذيق الشعب الويلات، وما يحدث له الآن من هدم البيوت والمساجد لا يمت للإنسانية بشيء ويعيش الناس في كابوس أمني واقتصادي".
وأضاف: "سياسيا، فحزب مستقبل وطن قابع كل من فيه وهم مخابراتيون على صدر الشعب المصري، حتى أنه حصل على جميع مقاعد مجلس الشيوخ، كما فعل الحزب الوطني في 2010، وأصبح لدينا بدل من رجل مبارك -أحمد عز- واحد، مئات أحمد عز جدد".
ولفت عضو برلمان 2012، إلى "ما حدث للرموز السياسية سواء من الإخوان أو المعارضة بأكملها، فليس هناك معارض سياسي واحد خارج السجون، ومن نجا منها فهو في سجن داخلي ببيته ولسانه داخل فمه".
ولكن؛ هل تفجر أحداث 2020 ثورة المصريين كما قادت أحداث 2010 لثورة يناير؟
يرى رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" مصطفى خضري، أن "الثورة القادمة ثورة مهندسة وليست شعبية، فالأجهزة السيادية تستعد منذ فترة لاستبدال السيسي، ولولا بعض الظروف الإقليمية والدولية لما انتظرت عليه كل ذلك الوقت".
ويعتقد خضري، أن "هذه المؤسسات تعبئ الرأي العام حاليا حتى يصل للكتلة الحرجة اللازمة لإسقاطه؛ أما المعارضة السياسية بالخارج فيتم استخدامها بهذا السياق من الأجهزة السيادية بدون أن تشعر".
ولكن مرسي يرى، أن "الثورة قادمة لا محالة لكن لا أحد يملك التورط في تاريخ محدد؛ فأي متابع للأحداث يعرف أن الغضب يعم الجميع وأن الأوضاع أشد التهابا منها في 2010، وأن نذر الثورة تملأ الفضاء ولن تمنعها القبضة الأمنية القاسية ولكن قد تؤخرها قليلا، وربما تذهب بها في اتجاه الخشونة والعنف وليس كما في ثورة يناير المجيدة".
وقال الباحث النمر: "ببساطة اليوم كل شيء يدعو إلى الثورة في مصر بأضعاف ما كان في 2011، لكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بموعد الانفجار الوشيك، لكن يقيني أن كل شيء بالواقع المصري يهتف بثورة عنيفة تأكل السيسي وسدنة انقلابه غدا أو بعد غد".
وأكد زعرور في ختام حديثه أننا "نمر بإرهاصات 2010، وأكثر منها، والغضب الشعبي يسري كالنار في الهشيم وسيخرج الشعب الذي اكتوى بنيران هذا النظام في ثورة لن يوقفه أحد عنها".