"الدم والنفط".. كتاب غربي يرفع الغطاء عن ثروة ابن سلمان المذهلة
نشرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تقريرا موسعا سلطت فيه الضوء على "هوس" ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بإنفاق المليارات من ثروته الطائلة على نزواته، وذلك من خلال بذخ الملايين على النساء والملاهي، وسط تدابير عدة اتخذها للتكتم على أفعاله.
وقال تقرير الصحيفة: إن بضع عشرات من الرجال السعوديين وصلوا عبر طائرة مائية كضيوف مميزين لمضيف دفع 50 مليون دولار لاستئجار جزيرة فيلا الصغيرة لمدة شهر لتحويلها إلى "ملعبه" الخاص في جزر المالديف.
احتياطات للخصوصية
وأضاف: "سافر بعض من أفضل منسقي الأغاني ومغني الراب في العالم للترفيه عنهم كل ليلة في ديسكو الشاطئ، الذي كانت فيه آلة جليد خاصة حتى يتمكن الراقصون من الدوران في عاصفة ثلجية صناعية إذا رغبوا في ذلك مع مجموعة من النساء الجميلات".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "جرى اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لضمان الخصوصية في صيف عام 2015 في الحفلات التي أقيمت في واحدة من أكثر الوجهات فخامة والأغلى في العالم''.
ونوهت إلى أن "الزوار أحضروا خدمهم لتلبية احتياجاتهم الشخصية، في حين مُنع موظفو الفندق البالغ عددهم 300 موظف من اصطحاب هواتفهم المحمولة. وفي ضمان آخر لتقديرهم، حصل كل منهم على مكافأة قدرها 5 آلاف دولار، وبالنسبة للكثير منهم، يعد ذلك ما يقرب من نصف راتب عام".
وتابعت الصحيفة: "لقد كان لدى المتبرع كل الأسباب للتأكد من أن ما حدث في الجزيرة سيبقى هناك فقط، لأنه كان محمد بن سلمان- الابن المفضل للملك السعودي (الصاعد حديثا إلى سدة الحكم) والذي كان يبلغ من العمر 29 عاما فقط، وهو بالفعل القوة المتحكمة في العرش في بلد يحظر الكحول والرقص وحتى التفاعل العام بين الرجال والنساء".
وأكدت "ديلي ميل" أن "رفاقه من رجال ونساء ألقوا بالفعل نظرة قاتمة على السلوكيات الغريبة لبعض الملوك السعوديين في لندن، وهم المعرفون بشراء محتويات هارودز والتجول حول مايفير في لامبورغيني. ولم يكن من الممكن أن يستغربوا من مشهد ابن سلمان، وهو يصعد بحماس على خشبة المسرح أثناء عزف دي جي أفروجاك الهولندي، مصرا على تولي مهمة التحكم في الموسيقى".
وبينت الصحيفة أن "الحفلات استمرت حتى الفجر، قبل أن يعود الضيوف - وجميعهم أصدقاء أو أقارب الأمير - إلى فيلاتهم، قبل أن يعودوا مرة أخرى بعد ظهر اليوم التالي. لكن ومن سوء حظ ابن سلمان وطاقمه تسربت أخبار الحفلات، بعد أسبوع فقط من وصولهم، وهو ما دفعهم للمغادرة على عجل".
وأردفت: "لقد كان العديد من السعوديين غاضبين بشكل خاص من أن الأمير كان يغدق على نزواته في وقت كانت فيه القوات السعودية تقاتل في اليمن، في صراع بدأه ابن سلمان دون عناء كوزير للدفاع".
وبعد ثلاث سنوات فقط، احتل الأمير السعودي عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم عندما تورط في عمل آخر من أعمال العنف الطائشة، إذ إنه قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. وبحلول ذلك الوقت، كان الرجل الذي لم يكن معروفا خارج بلاده قبل أن يصبح والده ملكا، وهو ولي للعهد والحاكم الفعلي لإحدى أغنى دول العالم.
"الدم والنفط"
ونقلت الصحيفة عن كتاب "الدم والنفط: مهمة محمد بن سلمان القاسية للسلطة العالمية" للكاتبين برادلي هوب وجوستين شيك، تفصيل الصعود الاستثنائي لابن سلمان، حيث يؤكد أن المخطط الميكافيلي يجمع - ربما ليس مثل أي زعيم معاصر آخر - بين القسوة الماكرة والجشع المذهل والبذخ، مشيرين إلى أن "ولي العهد متهم أيضا بأنه منافق هائل".
وبينما ادعى محمد بن سلمان أنه اتخذ إجراءات صارمة ضد فساد النخبة الحاكمة في بلاده، واسترد المليارات من رجال الأعمال والمسؤولين الذين احتجزهم جماعيا في فندق فخم بالرياض، يتساءل البعض عن كيفية القيام بذلك إن لم يكن من خلال الكسب غير المشروع الذي أتاح له المجال لهذا الإنفاق الشخصي المذهل، بحسب الصحيفة.
وأشار التقرير إلى أنه وفي العام نفسه الذي كان فيه يستمتع بنزواته مع ضيوفه في جزر المالديف، بدأ ابن سلمان في الإنفاق، حتى عندما كان يدعو إلى التقشف المالي في المملكة.
واشترى الأمير السعودي يختا فخما بطول 439 قدما يسمى "سيرين" والذي كان مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل جيتس قد استأجره مسبقا مقابل 5 ملايين دولار في الأسبوع. وكان يحتوي على كل شيء من غرفة اجتماعات وغرفة عرض تحت الماء إلى جاكوزي عملاق ومنصتي هليكوبتر.
وذكر التقرير أن ابن سلمان أمضى نصف يوم فقط على متن اليخت قبل أن يقرر أنه يجب أن يحصل عليه - لدرجة أنه دفع لمالكها، قطب الفودكا الروسي، 429 مليون يورو، أي ضعف سعرها الأصلي.
وقام ولي العهد، الذي يستخدم هذا اليخت لاستضافة زعماء العالم بالإضافة إلى أصدقائه الأقل شهرة، بتركيب أحدث معدات الوسائط المتعددة التي تسمح له بتلبية كل احتياجاته. وبلمسة من بضعة أزرار، يمكن تحويل اليخت من مكان للقمة السياسية إلى قصر للحفلات.
وتضم حظيرة طائرات هليكوبتر سابقة في اليخت ملهى ليليا مع أعمدة للراقصات، حيث يقول المؤلفان: "لا يُسمح لطاقم السفينة بالذهاب إلى هناك تحت أي ظرف من الظروف".
وأكدت الصحيفة البريطانية أن هذا اليخت لم يكن كافيا لإشباع رغبات ابن سلمان البحرية، لذلك فهو يحرص أن يسافر في قافلة من 11 يختا، بما في ذلك سفن الدعم واليخوت الصغيرة للضيوف الإضافيين.
ويبدو أن الأمير محمد بن سلمان كان بحاجة إلى قاعدة أرضية مثيرة للإعجاب بنفس القدر. ولذلك قام في العام نفسه بشراء قصر فرنسي فخم مقابل أكثر من 300 مليون دولار، مما دفع مجلة "فوربس" إلى تسميته "أغلى منزل في العالم".
ويتعلق الأمر بقصر لويس الرابع عشر بالقرب من فرساي المعروف بتصميمه المبهرج والمبهج للمطور الشرق أوسطي عماد خاشقجي، ابن شقيق تاجر السلاح الراحل عدنان، الذي هدم مبنى يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر واستبدله بقصر وهمي من القرن السابع عشر، يتميز بنافورة من أوراق الذهب، وتماثيل رخامية لا نهاية لها وخندق مائي. وتقع كلها في حديقة بمساحة 57 فدانا.
ويحتوي الخندق المائي على غرفة تحت الماء بها أسماك كوي وسمك الحفش التي تسبح فوقها، في حين يمكن التحكم في النوافير - جنبا إلى جنب مع أضواء القصر ونظام الصوت وتكييف الهواء- عن بُعد باستخدام جهاز "آيفون". وقد ورد أن نجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان قد فكرت في استخدامه كمكان لحفل زفافها مع مغني الراب كاني ويست.
كما اشترى ابن سلمان أيضا عقارا مساحته 620 فدانا يعرف باسم "Le Rouvray" على بعد ساعة بالسيارة من باريس، وتقدم لاحقا بطلب للحصول على إذن لبناء مجمع للصيد في المنطقة. وكما هو الحال مع اليخت، تم إخفاء علاقة العقارات الفرنسية بابن سلمان عن طريق سلسلة من الشركات الوهمية.
وفي عام 2017 ، تبين أن الأمير أضاف جوهرة أخرى باهظة الثمن إلى مجموعته على شكل لوحة بقيمة 450 مليون دولار للفنان ليوناردو دافنشي، وهي لوحة سالفاتور موندي التي تعد إحدى روائع العالم، بعد أن حققت أعلى سعر لأي عمل فني يُباع في المزاد. وتبين أن المشتري المجهول كان أميرا سعوديا غامضا- قبل أن يؤكد مسؤولو المخابرات الأميركية لاحقا، أنه كان يتصرف نيابة عن ولي العهد السعودي.
مشاريع الغرور
وبحسب الصحيفة، فإنه من المؤكد أن الكشف عن إنفاقه الخاص الفاضح أضر بصورة ابن سلمان التي أراد أن تبدو مختلفة اختلافا جوهريا عن الأمراء الخليجيين السابقين، خاصة وأنه يسوق لنفسه على أنه مصلح اجتماعي يهدف لمحاربة الفساد وتأمين انفتاح المجتمع والاقتصاد السعودي.
وبينما كان ملء خزائنه مسألة حساسة دائما، كان محمد بن سلمان سعيدا بدفع مبالغ طائلة على مشاريع الغرور، بينما كان يحاول تغيير التصورات الدولية عن المملكة العربية السعودية باعتبارها غير ليبرالية ومتخلفة.
وبعد أن صدم السعوديين بإعلانه في عام 2016، بيع جزء من "أرامكو"، شركة النفط الحكومية في البلاد، استثمر ملايين عدة في عمليات شراء واستثمارات أخرى.
وتضمنت متحفا و''مساحة عرض'' في الصحراء تشبه مركبة فضائية، ومجمعا بقيمة 55 مليون دولار، لاستضافة مسابقة ملكة جمال الجِمال السنوية، والأكثر جنونا- مشروعه الرائد، نيوم، بقيمة 500 مليار دولار، وهي مدينة ضخمة صحراوية مستقبلية.
و"نيوم" مدعومة بالكامل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهي من تصميم المهندس المعماري البريطاني نورمان فوستر جزئيا. وسيتم صيانتها بواسطة الروبوتات (بما في ذلك الديناصورات الروبوتية) والسيارات الطائرة.
وفي عام 2017، أعلن ابن سلمان عن نيوم في ما وصف بأنه "دافوس في الصحراء"، في قمة بالرياض جذبت شخصيات ورجال أعمال غربيين، أغرتهم وعود ابن سلمان بسعودية جديدة بتحقيق أرباح طائلة، خاصة بعد تعهده بإنشاء صندوق استثماري بقيمة 2 تريليون دولار.
وقد اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السعودية كوجهة لأول رحلة خارجية له من البيت الأبيض في عام 2017. و خلال الزيارة وعد ابن سلمان بصفقات تجارية بقيمة 200 مليار دولار، ومشتريات أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار من الولايات المتحدة (وهي صفقات مبالغ فيها بشكل كبير، لكنها خدمت ابن سلمان جيدا )، وفقا للمؤلفين، والصحفيين في "وول ستريت جورنال".
وذكر التقرير أن "ولي العهد شن هجومه الساحر في الخارج في عام 2018، وتوقف في لندن حيث التقى بالملكة. وأنفق مساعدوه الملايين لشراء مساحات إعلانية في المملكة المتحدة لتعليق صور محمد بن سلمان إلى جانب الشعارات الإيجابية".
وقد كان أمنه قلقا للغاية بشأن التهديدات والاحتجاجات لدرجة أنهم جندوا العشرات من الحراس الشخصيين البريطانيين لتأمين زيارته إلى بريطانيا، قبل أن يشد الرحال إلى كاليفورنيا لحشد الاهتمام بالاستثمار في السعودية، وإغراء ملوك وادي السيليكون، بما في ذلك رئيس "فيسبوك" مارك زوكربيرج، ومؤسسو "جوجل" ولاري بيدج وسيرجي برين ورائد السيارات الكهربائية إيلون ماسك.
كما التقى في لوس أنجلوس، برؤساء هوليوود وملكة التلفزيون أوبرا وينفري، بينما أقام رجل الأعمال الإعلامي روبرت مردوخ عشاء ضخما، حيث تم تقديم الأمير لممثلي القائمة الأولى مايكل دوغلاس ومورجان فريمان.
اعتقال النساء
ولكن وفقا للكتاب، فإن الأميركيين ذوي العقلية الليبرالية الذين توافدوا لمقابلته عانوا من وهم أساسي. فعلى الرغم من إصراره على رغبته في جلب "إسلام معتدل" إلى السعودية، إلا أن ابن سلمان تقليدي من نواح كثيرة. وتماما كما تم تصميم "إصلاحاته الاجتماعية" - مثل إعادة فتح دور السينما والسماح للمرأة بالقيادة - لإرضاء الشباب السعودي الساخط، عمل الأمير السعودي على استمالة الولايات المتحدة، حيث يهدف ببساطة إلى ضمان احتفاظ آل سعود بقبضتهم على السلطة.
وقال المؤلفان: "بينما احتفل الأميركيون بالحريات الجديدة في المملكة العربية السعودية للمرأة، كان رجال محمد بن سلمان يقومون باعتقال النساء اللواتي ينادين من أجل الإصلاحات الجديدة".
وأوضح المؤلفان كيف أقام ابن سلمان مأدبة عشاء ودية مع رئيس أمازون جيف بيزوس في لوس أنجلوس، لكنهما أغفلا ذكر الادعاءات اللاحقة بتعرض هاتف بيزوس- أغنى رجل في العالم- "للاختراق" بعد تلقيه رسالة "واتساب" تم إرسالها على ما يبدو، من الحساب الشخصي لولي العهد.
وأشار التقرير إلى أنه "جرى استخراج كميات كبيرة من البيانات من هاتف بيزوس في غضون ساعات، على الرغم من أن السعوديين يصرون على أنهم أبرياء".
وأفاد بأنه في الوقت الذي كان فيه القادة الغربيون ورؤساء الأعمال على استعداد للتغاضي عن جميع أشكال الانتهاكات المزعومة للسلطة- طالما أنه يغدق عليهم بالمليارات- لكنهم لم يتمكنوا من تجاهل القتل الرهيب في أكتوبر/تشرين الأول 2018 للصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وأشارت إلى أنه "في عملية مخططة بعناية سجلتها المخابرات التركية، تعرض خاشقجي لكمين أثناء زيارته لقنصلية إسطنبول، وقتل على يد فريق من 15 شخصا. وقد اعترف السعوديون في النهاية بأنه قُتل لكنهم أصروا على أن ابن سلمان لم يأمر بقتله - وهو ادعاء رفضته كل من تركيا ووكالة المخابرات المركزية".
الجريمة دفعت ريتشارد برانسون للانسحاب من خطة للتعاون مع السعودية عبر شركته للسفر إلى الفضاء، حيث أرسل رسالة نصية إلى محمد بن سلمان بشأن الإصلاحات التي "من شأنها أن تُظهر للعالم أن الحكومة تنتقل حقا إلى القرن الحادي والعشرين".
وفيما كان لاعب كرة القدم واين روني أحد المشاهير القلائل الذين سافروا لسباق السيارات الكهربائية في الرياض في ديسمبر/ كانون الأول 2018، أعلن عدد من الأثرياء الغربيون عن تراجعهم عن زيارة المملكة حتى بحلول أسبوع البحر الأحمر في العام التالي، الذي نظم خلاله ابن سلمان سباق القوارب الجذاب مع أطباق طعام من تقديم الطاهي البريطاني الحاصل على نجمة ميشلان جيسون أثيرتون.
وخلص التقرير إلى أنه في نهاية المطاف، يعتبر ابن سلمان منفقا كبيرا جدا - والأهم من ذلك - أنه "متشابك'' في الاقتصاد الأميركي بحيث لا يمكن تحمله إلى الأبد. وفيما لن يغفر له البعض أبدا، لكن بالنسبة للآخرين، قد لا تكون أي جريمة فظيعة جدا بحيث لا يمكن استخدامها بشكل دائم ضد حاكم بلد غني مثل السعودية."