"يخرّب الانتخابات".. لماذا عمل ترامب على إعاقة التصويت عبر البريد؟

4 years ago

12

طباعة

مشاركة

يخشى الديمقراطيون والمدافعون عن الحقوق المدنية وبعض الجمهوريين من أن خفض التكاليف والتغييرات التشغيلية في خدمة البريد التي يجريها رئيس الهيئة قد تهدد بطاقات الاقتراع عبر البريد في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها خلال نوفمبر 2020.

الكونغرس قطع إجازته الصيفية يوم السبت 22 أغسطس / آب 2020، وعقد جلسة نادرة، وافق خلالها بأغلبية الأصوات على منح دائرة البريد مساعدة بقيمة 25 مليار دولار لتغطية الإيرادات المفقودة.

قرار الكونغرس تمت صياغته في إطار تمويل طارئ لمواجهة آثار فيروس كورونا، بناء على طلب مسبق من مجلس محافظي خدمة البريد الأميركية.

وفي تفاصيل الإجراء الذي صاغه الديمقراطيون في الكونغرس سيتطلب من دائرة البريد إعطاء الأولوية لتسليم جميع البريد المرتبط بالانتخابات ومعالجة ما يتوقع أن يكون أكبر عملية تصويت عبر البريد في تاريخ الولايات المتحدة من خلال المساعدة التي أقرها الكونغرس.

لكن، ورغم موافقة 257 عضوا بالكونغرس على مشروع القرار مقابل رفض 150، فإنه من غير المرجح أن يمر القرار عبر مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.

ظهر ذلك بوضوح في تصريحات السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الذي قال: إنه "لا يخطط لطرح مشروع قانون مستقل في المجلس، والحقائق تظهر أن خدمة البريد مجهزة للتعامل مع هذه الانتخابات، ومجلس الشيوخ لن يمرر على الإطلاق تشريعات قائمة بذاتها لخدمة البريد بينما تستمر الأعباء على العائلات الأميركية".

مكاسب للديمقراطيين

صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ترى أن قرار استدعاء المشرعين إلى مبنى الكابيتول يظهر إلى أي مدى أصبحت المخاطر السياسية والانتخابية كبيرة حول عمليات الخدمة الفيدرالية التي عادة ما تكون رتيبة، خاصة في نظر الديمقراطيين.

وأشارت الصحيفة إلى أن الديمقراطيين يرون أنه حتى لو لم يصبح مشروع القانون الذي تم التصويت عليه في الكونغرس قانونا، فإن مجرد التصويت سيساعد في طرح القضية أمام الرأي العام الأميركي ويزيد من تلطيخ صورة الرئيس دونالد ترامب.

مكسب آخر حصل عليه الديمقراطيون خلال التصويت داخل الكونغرس بعد دعم 26 جمهوريا للقرار بالمخالفة لقرار الحزب والرئيس ترامب بالإضافة إلى امتناع 20 جمهوريا آخرين عن التصويت، وهو ما يمكن تفسيره بأنه تأييد مبطن للقرار لكنهم لا يريدون مخالفة الحزب والوقوع تحت طائلة المسائلة الحزبية.

وحسب الصحيفة، فإن من بين الجمهوريين الذين صوتوا لصالح القرار معتدلين وممثلين عن مناطق ريفية كثيفة تعتمد على البريد في الخدمات الأساسية والعديد من المشرعين الذين يناضلون من أجل إعادة انتخابهم في الانتخابات العامة المقبلة.

النائب الجمهوري بريان فيتزباتريك قال في تصريحات لنيويورك تايمز: "يجب المحافظة على معايير وخدمات تسليم البريد وتعزيزها، وليس تنفيذ التغييرات التشغيلية التي يمكن أن تؤخر أوقات التسليم وتقوض خدمات الجودة التي يعتمد عليها كل أميركي".

 

تخريب الانتخابات

لا تكاد تخلو كلمة للرئيس ترامب خلال الآونة الأخيرة إلا وينتقد فيها التصويت عبر البريد رغم استخدام ذلك النوع من التصويت خلال الانتخابات التي جرت في 2012، و2016.

ترامب الجمهوري يرى أن التصويت في الانتخابات القادمة عبر البريد يعطي مساحة واسعة للتزوير، بينما يرى الديمقراطيون أنه يجب توسيع دائرة التصويت عبر البريد في ظل جائحة كورونا التي يمكن أن تؤدي إلى عزوف كبير عن المشاركة في التصويت خوفا من الإصابة بالفيروس الذي أصاب نحو 6 ملايين أميركي حتى الآن وتسبب في وفاة أكثر من 180 ألفا.

وفيما يبدو أن ترامب والعديد من الحلفاء الجمهوريين يعتقدون أن أي شيء يزيد من الوصول إلى التصويت سيكون لصالح الديمقراطيين، بما في ذلك زيادة التصويت بالبريد، لذلك اتهمت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في كلمة لها منتصف أغسطس/آب 2020، ترامب بأنه يقود حملة لتخريب الانتخابات.

بعدها مباشرة، وخلال مقابلة لترامب مع قناة فوكس نيوز قال الرئيس الأميركي بأنه لا يريد دفع مزيد من التمويل لهيئة البريد التي تعاني ماليا لأنه يعارض التصويت بواسطة البريد.

كما وجهت بيلوسي انتقادات لرئيس هيئة البريد لويس ديجوي الذي تصفه الصحف والمواقع الإخبارية الأميركية بأنه حليف ترامب في الانتخابات وأحد مموليه، واتهمته بأنه يسعى للحط من قدر الخدمة وإرجاء توصيل البريد والتهديد بحرمان عدد كبير من الأميركيين من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة".

تقرير لموقع فوكس الأميركي أكد أن استمرار ترامب في مهاجمة التصويت عبر البريد جعل البعض يتهمون ديجوي الذي تولى منصب مدير مكتب البريد في يونيو/حزيران 2020، بتعطيل الخدمة البريدية عمدا بناء على طلب حليفه ترامب بطريقة تهدد بحرمان بعض الأميركيين من حق التصويت خاصة وأن مسؤولي الانتخابات يتوقعون تدفق التصويت عبر البريد بسبب الوباء.

وأشار التقرير إلى أن خدمة البريد حذرت بالفعل في 46 ولاية من أنها قد لا تكون قادرة على تسليم بطاقات الاقتراع لمسؤولي الانتخابات في الوقت المناسب ليتم احتسابها وهو ما قد يزيد من سوء الخدمة.

صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن خبراء بأن مزاعم التزوير على نطاق واسع التي يروج لها ترامب لا أساس لها من الصحة، وأن حالات تزوير الانتخابات بشكل عام نادرة، ومع ذلك، يمكن للدول استخدام سياسات بسيطة لزيادة أمن ونزاهة التصويت، وتتطلب مثل هذه السياسات في كثير من الأحيان تقديم المزيد من الموارد، والتي كان ترامب والجمهوريون مترددين أيضا في تقديمها.

آرثر ساكلر، مدير التحالف من أجل خدمة بريد القرن الحادي والعشرين، اتهم الرئيس ترامب بأنه يضيف الوقود إلى النار وأنه لطالما كانت خدمة البريد هدفا له.

 

ضغوط والتفاف

وفيما يبدو أن الضغوط التي مارسها الديمقراطيون عبر الكونغرس وعبر التصريحات الإعلامية اليومية بدأت تؤتي ثمارها وجعلت مدير مكتب البريد الجديد يتراجع عن موقفه ويعلن إيقاف سياسات خفض التكاليف بعد أن أثارت التحركات الأخيرة الجدل وزادت المخاوف من أن مثل هذه الإجراءات قد تقوض الانتخابات.

سعى ديجوي لطمأنة الجماهير الأميركية بأن مكتب البريد مستعد للتعامل مع حجم الزيادة المتوقع خلال الانتخابات وقال في بيان له في 18 أغسطس / آب 2020: "أعتقد أن الإصلاحات المهمة ضرورية لتحقيق هذا الهدف، وسيبدأ العمل تجاه تلك الإصلاحات بعد الانتخابات.

وأشار إلى أن ساعات البيع بالتجزئة في مكاتب البريد ستبقى كما هي، وستبقى مرافق معالجة البريد مفتوحة، وستستمر الموافقة على العمل الإضافي، وأن معدات معالجة البريد وصناديق الجمع الزرقاء ستظل في مكانها.

وأوضح ديجوي أنه اعتبارا من بداية أكتوبر/تشرين الأول 2020، سوف تقوم خدمة البريد بإشراك الموارد الاحتياطية حسب الضرورة، لتلبية الزيادة في الطلب.

وقال أيضا: إنه يقوم بتوسيع فريق عمل خاص بالبريد الانتخابي وسيحضر اتحادات البريد والإدارة للمساعدة في التنسيق مع مسؤولي الانتخابات على مستوى الولاية.

وبينما أعلن ديجوي أنه علق التغييرات التشغيلية لخفض التكاليف قبل الانتخابات، وصفت بيلوسي التحركات بأنها "غير كافية على الإطلاق" وقالت: إن التوقف المؤقت "لا يعكس الضرر الذي حدث بالفعل".

وقالت بيلوسي ، خلال استجواب ديجوي أمام الكونغرس في 21 أغسطس/ آب 2020: إنه "اعترف بصراحة أنه ليس لديه نية لاستبدال آلات الفرز وصناديق البريد الزرقاء والبنية التحتية الرئيسية الأخرى للبريد التي تمت إزالتها، وهو أمر بالغ الأهمية لتسليم البريد في الوقت المناسب".