رفضت التطبيع.. هل تأخذ تهديدات إيران للإمارات طريقها للتنفيذ؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم تتوقف إيران عن إطلاق تهديداتها تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة، عقب إعلان الأخيرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل في 13 أغسطس/ آب 2020، والذي يعد الأول مع دولة خليجية، والثالث عربيا بعد معاهدتي "كامب ديفيد" و"وادي عربة" مع مصر والأردن.

واعتبرت السفارة الإماراتية في واشنطن أن إعلان تطبيع كامل العلاقات "انتصار للدبلوماسية وللمنطقة، وسيتيح خفض درجة التوتر ويخلق طاقة جديدة لتغيير إيجابي"، مضيفة أن الإمارات ستظل داعما قويا للشعب الفلسطيني، ولكرامته وحقوقه ودولته السيادية.

"هدف مشروع"

لكن إيران وصفت خطوة أبوظبي بأنها، خطأ كبير وتمنح "موطئ قدم لإسرائيل في المنطقة"، فيما قال رئيس الأركان الإيراني محمد باقري في 16 أغسطس/ آب 2020: إن "نهج طهران تجاه الإمارات سيتغير بعد اتفاقها مع إسرائيل لتطبيع العلاقات فيما بينهما".

وذهبت صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، إلى أبعد من ذلك، حيث قالت في عددها الصارد 15 أغسطس/ آب 2020: إن "وجود الإمارات يعتمد بنسبة 100 ٪ على المؤسسات الاقتصادية ووجود مستثمرين أجانب يفرون في حال عدم وجود أمن".

وأضافت: أن الاتفاق مع إسرائيل "انتحار وإطلاق نار على الوضع القائم، وسيجعل الإمارات هدفا بسيطا لجماعات المقاومة"، في إشارة إلى المليشيات الموالية للنظام الإيراني في المنطقة.

وفي اليوم ذاته، حذر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، من هذا الاتفاق، قائلا: "إذا فتحوا الباب لإسرائيل في المنطقة فسنتعامل معهم بشكل مختلف". وقال: إن الإمارات ارتكبت "خطأ كبيرا"، عندما تصورت "أن التصاقها بأميركا والكيان الصهيوني سيحقق لها الأمن وينعش الاقتصاد".

وبموازاة ذلك، هدد الحرس الثوري الإيراني "ساكني القصور الزجاجية" في الإمارات، ووصف التطبيع بأنه "خطأ إستراتيجي، وحماية تاريخية، وخنجر سام في جسد الأمة الإسلامية".

وأضاف: أن تطبيع العلاقة بين الإمارات وإسرائيل لن يؤمن المصالح الإسرائيلية، بل "يشكل خطرا على مستقبل أميركا وداعمي الاتفاق"، مشيرا إلى أن "الاتفاق خطأ في حسابات أبوظبي ومقدمة لجعلها مستعمرة إسرائيلية، ويشكل خطرا على ساكني القصور الزجاجية في الإمارات".

"استهلاك إعلامي"

وبخصوص إمكانية تحول هذه التهديدات إلى وقائع على أرض الإمارات، قال الأكاديمي وأستاذ الإعلام فاضل عباس: إن "إيران لن تستطيع استهداف الإمارات، وأن بيانات التهديد الصادرة عن قادتها ليست سوى رسائل صوتية لن ينتج عنها فعل على الأرض، والهدف منها الاستهلاك الإعلامي ليس أكثر".

وفسر عباس في حديث لـ"الاستقلال" ذلك بالقول: "إيران إن لم تصرح بذلك فسيكون الأمر مستغربا ساعتها، كونها ترفع راية الدفاع عن القضية الفلسطينية، لكنها بعيدة كل البعد عن قضية العرب المحورية، والدليل ما تقوم به من جرائم في المنطقة، ولا سيما في سوريا واليمن والعراق ولبنان".

وأضاف: "الخطوة الإماراتية مرفوضة جملة وتفصلا من جميع الأحرار والشعوب العربية والإسلامية، لكن لا يصدق أحد أن النظام الإيراني يدافع عن فلسطين، بل إنه بات مكشوفا أنه يتخذها معبرا لتنفيذ مخططاته التوسعية والإجرامية في المنطقة".

وأشار عباس إلى أن "كل دول المنطقة والعالم يعلمون أن اقتصاد إيران يعتمد على الصادرات إلى دولة الإمارات بشكل كبير، ولديها مصالح اقتصادية وأموال في البنوك والسوق الإماراتية، ولا أعتقد أن طهران تجازف بها".

وأعرب عن اعتقاده بأن "إيران المنهكة اليوم صاحبة الأزمات الكثيرة، لا طاقة لها بفتح جبهات جديدة مع دول حليفة للولايات المتحدة. ورغم استهدافها سابقا لحاملات نفطية إماراتية وأرامكو السعودية، لكن الظروف لا تسمح لها الآن فعل ذلك على الأقل في هذه المرحلة التي تراقب فيها الانتخابات الأميركية".

من جهته، قال المحلل السياسي، حسين عبد الحسين خلال تصريحات صحفية في 17 أغسطس/ آب 2020: إن إيران "أضعف من أن تمارس أي حرب منظمة أو تقليدية على الإمارات. وحتى إن دخلت في حرب، فأبوظبي لها حلفاء كثر، فيما ليس لطهران أحد".

ونوه إلى نقطة أخرى وصفها بـ"المهمة"، وهي أن التهديد الإيراني أساسا لم يكن من الباب العربي، بل لأن الإمارات استدعت إسرائيل إلى ما تسميه إيران "الخليج الفارسي"، وتهديد  طهران ليس سوى تهويل وأقل من "زوبعة في فنجان".

احتجاج إماراتي

وعلى ضوء التهديدات، استدعت الإمارات القائم بالأعمال في سفارة إيران في أبوظبي، وسلمته مذكرة احتجاج.

واعتبرت أبوظبي خطاب روحاني "غير مقبول وتحريضيا"، معربة عن رفضها "أي تدخل في شؤونها وما تتخذه من قرارات". وأكدت أن العلاقات بين الدول والاتفاقات "مسألة سيادية".

وأكدت الخارجية الإماراتية، أن الخطاب الإيراني غير مقبول، كما أنه تحريضي ويحمل تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في الخليج العربي. وأضافت أن تهديدات روحاني تكررت على لسان وزارة الخارجية الإيرانية والحرس الثوري ومسؤولين إيرانيين آخرين.

ومثل ذلك، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش على "تويتر": إن "معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية قرار سيادي ليس موجها إلى إيران، نقولها ونكررها، ولا نقبل التدخل في قراراتنا كما نرفض التهديد والوعيد سواء كان مبعثه التنمر أو القلق. القرارات الإستراتيجية تحولية ولها وقعها وتأثيرها، وقرارنا مستقبلي يعزز موقعنا وتنافسيتنا".

وفي السياق ذاته، استنكر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح مبارك الحجرف "التهديدات" الإيرانية تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة إثر إعلانها تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وحذر بيان صدر عن المجلس في 16 أغسطس/ آب 2020 من مغبة التصريحات الصادرة من جانب الرئيس الإيراني ومسؤولين آخرين في طهران، قائلا: إنها "تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على أمن واستقرار منطقة الخليج العربي، وتتنافى مع الأعراف الدبلوماسية".

كما أكد الأمين العام "وقوف مجلس التعاون مع الإمارات العربية المتحدة ضد أي تهديدات تمس سيادتها وأمنها واستقرارها"، بحسب البيان.

ودُشنت الاتصالات الهاتفية المباشرة بين الإمارات وإسرائيل، حيث اتصل وزيرا خارجية البلدين هاتفيا ببعضهما البعض، و"تبادلا التهاني عقب اتفاق السلام التاريخي".

وغرد وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، في 16 أغسطس/ آب 2020 قائلا: إن الجانبين "قررا معا إنشاء قناة اتصال مباشرة، قبل توقيع اتفاق التطبيع بين الطرفين. وكذلك على لقاء قريب (بين وزيري الخارجية)".

"محادثة ودية" 

في 2 أغسطس/ آب 2020 جرى اتصال نادر، بين وزيري خارجية الإمارات وإيران، واتفق فيها الجانبان على ضرورة التعاون لمواجهة جائحة كورونا "كوفيد-19".

وذكرت وكالة أنباء الإمارات أن وزير الخارجية، عبد الله بن زايد آل نهيان، أبلغ نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، خلال اتصال، عبر الفيديو، تبادلا خلاله التهنئة بعيد الأضحى، بأن تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين مسألة هامة في مواجهة تداعيات فيروس كورونا ومعالجة آثاره.

وحسب الوكالة، فإن عبد الله بن زايد أكد على "موقف دولة الإمارات الثابت في التضامن مع دول العالم المختلفة في مواجهة هذه الجائحة".

وقال ظريف على حسابه في "تويتر": "كانت محادثة جوهرية وصريحة وودية للغاية" حول كوفيد-19 وكذلك بشأن "الأوضاع في بلدينا والأوضاع الإقليمية والعالمية".

وأضاف وزير الخارجية الإيراني: "اتفقنا على مواصلة حوار يحدوه الأمل، خاصة في ظل ما تواجهه المنطقة من تحديات صعبة وخيارات أكثر صعوبة في المستقبل".

وسبق أن أجرى الوزيران اتصالا هاتفيا في مارس/ آذار 2020، عبر خلاله عبد الله بن زايد عن دعم الإمارات لإيران في مواجهة تفشي وباء كورونا.

وتصاعدت حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة منذ عام 2018، عندما انسحب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الست الكبرى عام 2015 وأعاد فرض العقوبات على طهران.

وألقت الولايات المتحدة الأميركية باللوم على إيران في سلسلة هجمات على مصالح نفطية في الخليج عام 2019، لكن الإمارات لم تحمل دولة معينة المسؤولية بشكل علني.

ويشوب التوتر علاقات الإمارات والسعودية، حليفتي الولايات المتحدة، مع إيران، منذ وقت طويل، لكن رغم العلاقات الثنائية المتوترة سياسيا، إلا أن طهران وأبوظبي ظلتا شريكان اقتصاديان وثيقان.