مليار دولار تبرعات لإيران.. لماذا غضب العراقيون من السيستاني؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أحيت تصريحات مسؤول إيراني بخصوص تبرع المرجع الشيعي في العراق علي السيستاني، بمبلغ مالي ضخم إلى إيران لمساعدتها في مكافحة كورونا، الجدل مجددا بخصوص الأموال الكبيرة التي تخصصها مرجعية النجف لبناء مؤسسات صحية وتعليمية بالجارة الشرقية للعراق.

السيستاني، الذي تصفه الصحافة الغربية بأنه "بابا الشيعة" في جميع أنحاء العالم، دخل عامه الـ90 في أغسطس/ آب 2020، فهو من مواليد مشهد الإيرانية ويعيش منذ 60 عاما في النجف العراقية، وأصبح زعيما لأكبر مرجعية شيعية بعد وفاة أبي القاسم الخوئي عام 1992.

"مبلغ خيالي"

في 10 أغسطس/آب 2020، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" عن رئيس لجنة الصحة بالبرلمان الإيراني حسين علي شهرياري قوله: "مكتب آية الله السيستاني، خصص نحو مليار دولار لمكافحة كورونا في إيران، وجرى من خلالها الإنفاق لشراء معدات في بعض مدن سيستان وبلوشستان".

تصريحات شهرياري أحدثت موجة من ردود بين العراقيين، بشأن ضخامة المبلغ المخصص لإيران في وقت يكافح فيه العراق للاقتراض الداخلي والخارجي من أجل الحصول على سيولة تسدد رواتب الموظفين المتأخرة منذ شهور، بعد تدهور كبير بأسعار النفط جراء أزمة كورونا العالمية.

ردود الفعل الغاضبة دفعت مكتب السيستاني إلى إصدار بيان في 11 أغسطس/ آب 2020، على لسان أحد المسؤولين في مكتبه بالنجف، نفى فيه ما تحدث عنه حسين علي شهرياري، لافتا إلى أن "كل الذي حصل هو أن بعض أهل الخير قاموا بالتبرع بتجهيزات طبية لمكافحة فيروس كورونا لمستشفيات ومراكز صحية إيرانية عن طريق مكتب السيستاني في مدينة قم".

ورغم أن تصريحات شهرياري جاءت في مؤتمر صحفي وتناقلتها وسائل إعلام إيرانية عدة على رأسها وكالة الأنباء الرسمية، إلا أن نفي المصدر في مكتب السيستاني، الذي لم يذكر اسمه أشار إلى أن "قيمة المعدات المتبرع بها لم تتجاوز مليونا ونصف المليون دولار، وأما المبلغ المذكور (مليار دولار) فهو رقم خيالي ولا أساس له من الصحة".

وتعليقا على الموضوع، قال المحلل السياسي العراقي صفاء صبحي: "السيستاني رجل دين، وفي العقيدة لا يوجد مفهوم للوطنية إطلاقا، لا بل أن مفهوم الوطنية هو مفهوم غربي مستورد وملتبس وما زال غير متوافق مع العديد من أساسيات العقيدة الإسلامية".

وأوضح صبحي في تغريدات على "تويتر" أن "السيستاني أو غيره يستلم، الخُمس من كل المكلفين حول العالم من الذين يعتقدون بتقليده، ويدفعها إلى من يشاء بمعزل عن حدود الدول أو القوانين الوضعية أو الانتماءات الوطنية"، مشيرا إلى أن "حجم الأموال المستلمة يرتبط بقوة رجل الدين الروحية، وازدياد عدد مقلديه وأتباعه".

وحسب قوله: "المشكلة في أموال السيستاني وقبله الخوئي هي أنها أموال طائلة ولا توجد أي آلية أو ديوان محاسبة يستطيع تدقيق عملياتها المالية، ومن الممكن أن حركة هذه الأموال تتعارض مع القوانين الوطنية أو حتى الدولية أو قد تنخرط في عمليات إجرامية مثل غسيل الأموال أو دعم الإرهاب والدكتاتوريات".

مشاريع ضخمة

في أغسطس/ آب 2019، أذاعت قناة "الحرة" الأميركية تقريرا عن المشاريع الرهيبة التي يديرها وكيلا "المرجعية الشيعية العليا" في كربلاء أحمد الصافي وعبد المهدي الكربلائي، وما يدور حولها من علامات استفهام عن مصير الأموال الطائلة التي تجنيها "العتبتين العباسية والحسينية".

المثير في التقرير، أن المرجعية الشيعية تنشئ مشاريع استثمارية من المال العام، وعلى الأراضي التي تعود إلى الدولة، بعد تخصيص ميزانية ثابتة لها ضمن الموازنة المالية السنوية التي تقدمها الحكومة العراقية.

وذهب إلى أن سلطة المرجعية، أقوى من سلطة الحكومة العراقية، وذلك ما يمنع على الأغلب من الإطاحة بـ"الفساد المقدس" الذي تديره جهات تابعة لأعلى مرجعية دينية في البلد، والتي من غير الممكن مساءلتها أين تذهب أرباح تلك المشاريع؟.

في يناير/ كانون الثاني 2019، تناقلت تقارير إعلامية عن بناء مرجعية السيستاني مستشفى "فخر النساء"، قدمت هدية إلى مدينة خرمشهر الإيرانية، والتي تعد واحدة من سلسلة مشاريع صحية وسكنية وتعليمية نفذتها في إيران.

وعلى الموقع الرسمي للمرجع السيستاني، إضافة إلى تقارير إعلامية أوردت عددا من تلك المشاريع التي نفذت على الأراضي الإيرانية، من أبرزها المجمعات السكنية في مدينة قم، وهي: مجمع السيستاني السكني ويضم 320 وحدة، ومجمع المهدية ويضم 200 وحدة، مجمع الإمام الهادي ويضم 180 وحدة، مجمع الزهراء ويضم 50 وحدة، ومجمع ثامن الحجج ويضم 200 وحدة في مشهد.

وعلى صعيد المشاريع الصحية في مدينة قم المقدسة لدى الشيعة في العالم، هي: مستشفى جواد الأئمة التخصصي للعيون، مستوصف الإمام الصادق الخيري، مستوصف ولي عصر الخيري، إضافة لمستوصف الإمام الحسن المجتبى الخيري، ومستوصف السيدة رقية الخيري للولادة بمدينة إيلام.

ليس ذلك فحسب، إنما هناك مشاريع بناء مساجد ضخمة، وكذلك العديد من الساحات والتقاطعات المرورية المعروفة في العديد من المدن الإيرانية، كلها كانت ممولة من الحوزة الدينية للمرجع الشيعي السيستاني.

فقراء الشيعة

تلك المشاريع الكثيرة في إيران، أثارت تساؤلات الكاتب العراقي خضير طاهر خلال مقال نشره موقع "صوت العراق" في 23 يناير/ كانون الثاني 2019، بالقول: "ما هي المشاريع التي قدمتها المرجعية لفقراء الشيعة في العراق؟".

وأجاب طاهر، قائلا: "الجواب لا يحتاج إلى بحث، لا توجد مطلقا أية مشاريع خيرية للمرجعية في مدن شيعة العراق. أنا من أهالي مدينة كربلاء والمشروع الوحيد الذي تتباهى به المرجعية هو بناء عدة مستشفيات في كربلاء تابعة للعتبة، لكن المصيبة أن هذه المستشفيات تجارية تهدف إلى الربح المالي، بل أكثر من هذا الأجور التي تتقاضاها من المرضى الشيعة أكثر بكثير من أجور المستشفيات الأهلية الأخرى ولا ترحم فقر وعوز الشيعة".

وتابع: "منطقيا لا أحد يتوقع من مرجعية إيرانية تشعر بالتعاطف والشفقة على الشيعة العرب، فمنذ تأسيس المرجعية الدينية في العراق قبل نحو 1000 عام ( سنة 1056) وهي تعامل شيعة العراق بالإهمال والتجاهل والاحتقار وتمنع بروز مرجع عراقي عربي".

تساؤلات مشروعة

الكاتب صادق جبار حسين، قال في مقاله بموقع "الحوار المتمدن" في ديسمبر/ كانون الأول 2019: "العتبات المقدسة في العراق خصوصا في كربلاء والنجف وبغداد وسامراء والحلة وغيرها، من أهم مصادر الثروة العراقية إضافة إلى الثروة النفطية والزراعية والصناعية باعتبارها مناطق ذات جذب سياحي ديني كبير".

وأشار إلى أن "أموالا طائلة تأتي من زيارة هذه المناطق والأضرحة المقدسة عند الشيعة، والتي على شكل هدايا ونذور من الزوار الشيعة الذين يتوافدون بالملايين لزيارتها سنويا، وليس هذا فحسب بل دخلت العتبات الحسينية والعباسية وحتى العتبة العلوية بشكل كبير في جميع المجالات الاستثمارية سواء في المجالات الصناعية والزراعية والسياحية والصحية".

مضيفا: "هذه المجالات تدر عليها عائدات مالية ضخمة تقدر بملايين الدولارات شهريا من خلال الأراضي الزراعية وحظائر المواشي والبساتين وعائدات المؤسسات الصحية والخدمية ومشاريع استثمارية إنتاجية والعقارات والمصانع التحويلية التابعة لتلك للعتبات المقدسة".

وتابع الكاتب: "هذا بالإضافة إلى الأموال التي تأتي إليها على شكل تبرعات والنذور المادية والعينية التي تصل من داخل وخارج العراق، إضافة إلى المنح التي هي بالمليارات مقدمة من رئاسة مجلس الوزراء لإرضاء هذه الفئة المستحوذة والمسيطرة على تلك العتبات حيث تصل تلك الأموال بالمجموع إلى مليارات الدنانير شهريا".

وطرح حسين في مقاله مجموعة تساؤلات، بالقول: "من حق كل مواطن عراقي أن يسأل: أين تذهب تلك الأموال الطائلة وما مصيرها؟ وعلى ماذا تصرف؟ وأين تذهب أرباح الاستثمارات والمشاريع التي تنفذها العتبات؟ ومن هو المسيطر عليها؟ ومن هو صاحب الحق في التصرف بها؟ هل يصل لخزائن الحكومة العراقية نصيب منها؟ هل توزع تلك الأموال على الفقراء من الشعب؟".

وأردف، قائلا: "المواطن كان ولا يزال بأمس الحاجة للمشاريع الخدمية كالمستشفيات والمدارس ودور الأيتام وما شابه ذلك وما يوجد من أموال في خزينة المرجعية تعود إلى الشعب العراقي كما أن دور المرجعية ورعايتها ينبغي أن تشمل الجميع. فإذا كان يمتلك السيستاني كل هذه الأموال فلماذا يحرم أبناء العراق من أتباعه من هذه الأموال التي هم أولى بها؟".