الجارديان: الصين تعيد كتابة "حقائق كورونا" لتناسب روايتها
خلال أزمة فيروس سارس في عامي 2002 و2003، أخفت الصين الأعداد الحقيقية للإصابات، وراقبت الأطباء، وحجبت المعلومات عن العالم لمدة أربعة أشهر؛ والنتيجة توفي ما يقرب من 800 شخص.
وقالت صحيفة الجارديان البريطانية: إن ما حدث من إخفاء للمعلومات بعد تفشي وباء كورونا، يثبت أن هذه لم تكن المرة الأولى.
وينتقل تقرير للصحيفة سريعا إلى عام 2020، حيث ظهر (كورونا) خليفة سارس (المتلازمة التنفسية الحادة الشديدة)، وتسبب حتى الآن في وفاة 600 ألف شخص، وأكثر من 15 مليون إصابة في جميع أنحاء العالم.
ودفاعا، تقول الحكومة الصينية: إنها كانت "منفتحة وشفافة ومسؤولة" طوال الوقت، بينما يقول منتقدوها: إنها لم تكن كذلك، ولم تحاول تجنب الكارثة.
وتابع التقرير: "بعد سارس، بنت الصين شبكة وطنية لمراقبة الأمراض، وقدرات هائلة في مجال العلوم الحيوية". فقد استثمرت الكثير في البحوث والدراسات حول الفيروسات التاجية التي تصيب الخفافيش، والتي كانت مصدر وباء سارس.
وقال رؤساء مراكز مكافحة الأمراض: إن ذلك من شأنه أن يوقف تفشي المرض مرة أخرى. واستدرك التقرير: "لكن في عام 2020، لم يكن أي من هذه الاستعدادات كافيا لمواجهة المخاطر القادمة من مصادر أخرى".
ومن أهم تلك الإخفاقات، السياسة المركزية المتشددة من الأعلى إلى الأسفل داخل الصين، وحركة السكان حول العالم مع الرحلات الجوية الدولية المباشرة من وإلى ووهان.
بداية الأزمة
ويعود التقرير إلى البداية، بالقول: "بدأ المرضى، في ديسمبر/كانون الأول 2019، في الظهور بمستشفيات ووهان مع أعراض الالتهاب الرئوي التي لم تستجب للعلاج".
فسارع الأطباء بإرسال عينات لفحص التسلسل الجيني لمعرفة طبيعة هذا العدو المجهول، وسرعان ما كشف الفحص عن فيروس تاجي يشبه ذلك المسبب لمرض سارس.
وأضاف: "حذر علماء صينيون من أن الفيروس الجديد معدي، وينتشر عن طريق قطرات الجهاز التنفسي، ومن على الأسطح".
لكن في ووهان وبكين، سعت السلطات الصحية إلى تهوين القصة إلى الحد الأدنى، فقد أصرت، في بادئ الأمر، على أنه لا يوجد سبب للشك في أن الفيروس ينتقل عن طريق البشر.
وبعد أن ثبت أنه يمكن للفيروس الانتقال عن طريق البشر، ادعت الصين أن الخطر الناتج عن الإصابة به ضعيف.
وتابع التقرير: "لم يوافق الأطباء الذين يعملون في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء، على هذه الادعاءات، وحاولوا تحذير بعضهم البعض على وسائل التواصل الاجتماعي".
ولكن سرعان ما تم إسكاتهم، واضطر بعضهم للتوقيع على اعترافات للشرطة بأنهم نشروا معلومات مضللة.
ولفت إلى أنه: "حالما رأى عالم الأحياء الدقيقة في هونج كونج البروفيسور يوين كووك يونغ، الذي ساعد في التعرف على سارس في عام 2003، منشورات وسائل التواصل الاجتماعي من ووهان، حث حكومة هونج كونج على اتخاذ احتياطات الصحة العامة".
وقال لبانوراما، البرنامج المرئي الشهير على شبكة BBC: "إذا لم تستغل كل ساعة، فأنت في وضع صعب وخطير".
ويقول التقرير: "بدلا من ذلك، أضاع القادة السياسيون في الصين وقتا ثمينا، من 31 ديسمبر/كانون الأول إلى 20 يناير/كانون الثاني، بالتقليل من مخاطر الفيروس، وبددوا بذلك فرصة التقدم بخطوة، التي قدمها لهم أطباؤهم وعلماؤهم".
وأشار إلى أن بكين حساسة بطبيعتها حيال تعاملها المبكر مع ما أصبح كارثة عالمية. ففي الداخل، تكون رقابتها ساحقة للغاية بحيث يمكنها التحكم في الجدول الزمني وتعديل الحقائق لتناسب روايتها.
وأوضح أنه "منذ يناير/كانون الثاني، قام المراقبون جاهدين بحذف الأدلة الوثائقية، وإضافة الأحداث والتعليقات بأثر رجعي، التي تشير إلى مشاركة القيادة".
وحتى بعد مرور سبعة أشهر، ما زال إسكات الأطباء والعلماء مستمرا، بل حتى أنه اختفى بعض المواطنين الصينيين الذين حاولوا الحفاظ على حقائق، غير الملائمة للنظام، أو تقديم نسخة مختلفة من السرد.
وتابع التقرير: "نتيجة لذلك، لا يوجد تحد حقيقي داخل الصين للنسخة الرسمية من الأحداث".
مدى الاستجابة
ووفقا لهذه النسخة من الرواية، بمجرد أن حصلت بكين على دليل واضح على انتقال الفيروس بين البشر، أعلنت عنه علنا، وأعدت إجراءات رقابة صارمة بما في ذلك إغلاق ووهان في 23 يناير/كانون الثاني.
يقول التقرير: "الحقيقة أكثر تعقيدا، فعلى سبيل المثال، كان لبكين بالتأكيد جزء رئيسي من أدلتها على انتقال الفيروس بين البشر قبل أسبوع من اعتراف الرواية الرسمية".
ففي 12 يناير/كانون الثاني، نبه البروفيسور "يوين" السلطات في بكين على الفور، بعد أن تمكن من تشخيص عائلة مصابة بالفيروس التاجي الجديد في شينتسين، على بعد 700 ميل من ووهان، العائلة التي كان فقط بعض أفرادها في ووهان.
ولكن بين بداية العام والحظر، غادر 5 ملايين شخص مدينة ووهان إلى وجهات في الصين وخارجها.
وأخبر البروفيسور أندرو تاتام، من جامعة ساوثامبتون، بانوراما: "إذا تم تنفيذ نفس التدخلات، التي جرى تطبيقها بـ 23 يناير، في 2 يناير، فربما رأينا انخفاضا بنسبة 95٪ في عدد الحالات".
ودفاعا عن موقف بلاده، قال السفير الصيني لدى المملكة المتحدة ليو شياو مينغ لبي بي سي: "لقد أبلغت السلطات الصحية الصينية منظمة الصحة العالمية، في 31 ديسمبر، في أقصر وقت ممكن".
في الواقع كانت منظمة الصحة العالمية هي التي التقطت تقارير عن تفشي المرض على الإنترنت، وفي 1 يناير/كانون الثاني، طلبت إجابات من الحكومة الصينية، وردت الصين بعد ذلك بيومين.
وتابع: "لقد كان وقت استجابة الصين أسرع بكثير مما كان عليه خلال اندلاع سارس قبل 17 عاما، لكن معظم المراقبين لأداء الحزب الشيوعي الصيني، يقولون إن الشفافية الكاملة ليست من مميزاته أبدا، وأنه تحت قيادة شي جين بينغ، أصبحت مراقبة المعلومات أكثر تشددا من أي وقت مضى".
ويقول التقرير: "في تحد لمحاولة إسكات الأطباء والعلماء في أوائل يناير، أخبرنا البروفيسور لي لانج وان، أحد المستشارين الحكوميين المهمين أن الإعلان عن إمكانية العدوى بين البشر، إذا لم يتم تأكيدها بعد، سيؤدي إلى حالة من الذعر العام. لذلك يجب أن نكون مسؤولين أمام الشعب، ونتأكد من الحقائق أولا".
طالبت بعض الحكومات بإجراء تحقيق دولي في الصين لتحديد منشئ الفيروس وانتشاره في وقت مبكر. وردا على ذلك، قالت الحكومة الصينية: إنها ستنضم إلى تحقيق عالمي بشأن الوباء ولكن فقط عندما تنتهي الأزمة.
وتقول الصين: إنه لا يجب إلقاء اللوم عليها لأنها ضحية أيضا، وأن إجراءاتها الصارمة لمكافحة تفشي ووهان منعت مئات الآلاف من الإصابات ووفرت للعالم بعض الوقت.
يقول الدكتور علي خان، الذي قضى معظم حياته المهنية في المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض: إن العالم يحتاج الآن إلى التفكير في المستقبل، مضيفا: "لا يمكننا تحمل ذلك مرة أخرى، إذا قررت بعض البلدان عدم انتشار هذه المعلومات، فيجب أن تكون هناك عواقب".
ويتساءل التقرير: "لكن ما العواقب؟، إن لوائح منظمة الصحة العالمية بشأن الحماية من الانتشار الدولي للمرض ملزمة قانونا، ولكن لا توجد عقوبات على الدول التي لا تلتزم بها".
في الأسابيع الأخيرة، بدأت الحكومات الغربية في تبني لهجة أكثر صرامة تجاه بكين بشأن مجموعة من القضايا، وفق التقرير.
واستدرك: "ولكن لا توجد إشارة تذكر على وجود موقف دولي متضافر، من أجل سلطات تفتيش جديدة لمنظمة الصحة العالمية للتصدي لتفشي الأمراض في المستقبل".
وسحبت الولايات المتحدة تمويلها لمنظمة الصحة العالمية، مدعية أنها كانت بمثابة دمية لبكين خلال المراحل الأولى لانتشار الفيروس التاجي.
ونتيجة لذلك لم يتبق إلا أن نأمل في أن تكون القيادة الصينية قد تعلمت درسها، حول الحاجة إلى العمل بشكل أسرع لحماية شعبها والعالم، وفقا للتقرير.