بعد انتخابات أميركا وإيران.. هل تتحسن العلاقات بين البلدين؟
قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية: إن مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي يعمل على تحصين الحكومة عبر الشباب الأصوليين لحماية شرعيته، مؤكدة أن تلك السياسة المؤسسة على "غسيل مخ الشباب ستبقي أي انفراجة مع الولايات المتحدة بعيدة المنال لفترة طويلة".
وأكد التقرير الذي أعده أشا ساوني الباحث في الشأن الإيراني وسعيد جولكار أستاذ العلوم السياسية أنه "في أقل من عام، ستنتخب إيران رئيسا جديدا، بعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020".
ويأمل المهتمون بالشأن الأميركي الإيراني في أن تكون هذه المناسبة إيذانا بتحسين العلاقات، ومع ذلك، ونظرا للطريقة التي كان خامنئي يضيق بها مجال المرشحين، يبدو ذلك مستبعدا.
وأعد خامنئي المشهد للتصويت المقبل من خلال بيان نُشر في شباط/فبراير 2019 بعنوان "المرحلة الثانية من الثورة"، وهو يتأمل في ذلك السنوات الأربعين التي انقضت منذ الثورة الإسلامية عام 1979 ويرسم رؤية للـ40 سنة التالية ساعيا إلى ضمان أن تستمر مبادئه، حيث يطرح البيان أمر التجديد واحتمالية تشكيل "الشباب التقي" للحكومة القادمة وإدارة البلاد.
وفي الحكومة اتخذت هذه الإستراتيجية طريقها من خلال إعادة تشكيل المكاتب السياسية غير المنتخبة من أعضاء أصغر سنا أو متشددين.
ومنذ عام 2019، حل خامنئي العديد من النخب العسكرية في القوات المسلحة (هيئة الأركان المشتركة)، والجيش التقليدي، والحرس الثوري، لضخ دماء جديدة في عروق النظام، كما تم استبدال ممثليه القدامى في الإدارات البيروقراطية للدولة والمحليات والجامعات بجيل شاب وأكثر تطرفا.
فعلى سبيل المثال، في آذار/مارس 2019، فاز المحافظ المتشدد إبراهيم رايسي أمام صادق لاريجاني كرئيس قضاة إيران.
وكان رايسي خسر في السابق أمام الرئيس حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2017، ولعب دورا بارزا في الإعدام الجماعي لآلاف السجناء السياسيين اليساريين كنائب للمدعي العام في طهران عام 1988، بعد أن أصبح رئيسا للسلطة القضائية الإيرانية، حيث تصاعد استخدام عقوبة الإعدام في البلاد.
وستكون الانتخابات الرئاسية لعام 2021 هي الجزء الأخير من إستراتيجية خامنئي والمرحلة الثانية من الثورة، كما يسميها، بغض النظر عما إذا كان الشعب الإيراني يشاطره رؤيته وأغراضه، فكل المرشحين لا بد أن يكون لديهم ولاء ثوري، ومهارات إدارية لإدارة نظام تحت الضغط الداخلي والخارجي، والأهم من ذلك، درجة ما من الشعبية بين الناس.
ومن تلقاء نفسه، فإن المشهد السياسي الذي صممه خامنئي يقيد بالفعل بشدة طيف الأيديولوجيات التي قد يتمسك بها المرشحون الرئاسيون.
فلم يعد للجماعات ذات الميول اليسارية، بما في ذلك الإصلاحيون مثل الرئيس السابق محمد خاتمي والبراجماتيون الوسطيون مثل الرئيس الحالي روحاني مكان في انتخابات تسعى إلى تشكيل إدارة ثورية آمنة وشابة.
وعلى الرغم من أن هذه الشخصيات كانت تمثل في السابق فجوة بين الهيئات المنتخبة في الدولة وهيئاتها غير المنتخبة، فإن خامنئي يركز الآن على ضمان توطيد السلطة المتشددة والخلافة السلسة عند وفاته، ولن يحتاج بعد الآن إلى أي ازدواجية تخلق مأزقا محتملا للنظام حتى لا تصبح المعارضة الداخلية أكثر خطورة من أي وقت مضى.
ومما لا شك فيه أن النظام لا يعترف بانعدام الأمن، ولكن مع ذلك هناك مخاوف كبيرة من أن أي خطأ يمكن أن يهدم نظاما في محنة بالفعل.
وفي الوقت نفسه، أصبحت وظيفة خامنئي في تطهير غير المرغوب فيهم من المنافسة أسهل من ذي قبل، حيث فقد الإصلاحيون والبراجماتيون الكثير من مصداقيتهم بين الإيرانيين بسبب الفساد وسوء الإدارة وعدم الكفاءة.
المتنافسون على الرئاسة
ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من وضع كل الحسابات السياسية لخامنئي في الاعتبار، هناك عدد قليل من المتنافسين المحتملين على الرئاسة، وهي تأتي من يمين الطيف السياسي.
فهناك ما يقرب من ثلاثة فصائل: الطوائف التقليدية (الأقرب إلى الوسط)، والجذور الجديدة (إلى اليمين)، والراديكالية (أقصى اليمين)، فالرئيس المثالي لخامنئي سيميل إلى أقصى حد ممكن نحو اليمين، مع اتباع رؤية اقتصادية حديثة.
وعلى الطرف الآخر، هناك الليبراليون الراديكاليون الذين يؤيدون الانعزالية عن الغرب والتوسع في الشرق الأوسط، وهم أكثر الفصائل المعادية للغرب وأميركا، على الجانب الأيمن من الطيف السياسي.
أحمدي نجاد، الذي كان رئيسا من عام 2005 إلى عام 2013، كان مقربا جدا من هذه المجموعات، وتشير التكهنات إلى احتمالية ترشحه، لكن الأمر لن يكون مؤكدا بسبب نزاعه مع خامنئي في عام 2011 بشأن محاولة الرئيس السابق السيطرة على وزارة الاستخبارات.
ولا يزال أحمدي نجاد يحظى بشعبية بين بعض الإيرانيين الأكثر فقرا، ولكن لا أمل في عودته، تقول المجلة.
هناك أيضا سعيد جليلي، الذي قد يكون مرشحا واعدا في نظر خامنئي، وهو قريب جدا أيضا من الراديكاليين.
وجليلي مرشح رئاسي خاسر في عام 2013، والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، وكان أحد المفاوضين النوويين المتشددين في إيران، فهو من الموالين المتطرفين – حتى أنه فقد ساقه كمقاتل متطوع في الحرب الإيرانية - العراق - ودبلوماسي على دراية جيدة، وحاصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية.
وتقول المجلة: "بات من الواضح أن أقوى مجموعة فرعية سياسية بين المحافظين على المستويات السياسية من معسكر الأصوليين الجديد، الذي تُعد قاعدتها الطبقة الوسطى والمستويات العليا للحرس الثوري".
ويشمل ذلك سياسيين مثل قاليباف، رئيس البرلمان الجديد، وهو قائد سابق للقوات الجوية للحرس الثوري، ورئيس الشرطة الإيرانية، ورئيس بلدية طهران.
أحد النجوم الصاعدين في هذه المجموعة هو بارفيز فتاح، وهو عضو سابق في الحرس الثوري ووزير سابق للطاقة في عهد أحمدي نجاد.
كتبت كسرى عرابي في معهد الشرق الأوسط كيف أن فتاح، بصفته رئيس مؤسسة موستازان الخيرية، التي يسيطر عليها المرشد الأعلى، قد يكون قادرا على تخفيف المخاوف بين الفقراء في إيران.
ومن المرشحين المحتملين في هذه المجموعة سعيد محمد، رئيس شركة "خاتم الأنبياء"، أكبر مقاول عسكري في إيران، بين رتبته العالية في "الحرس الثوري الإسلامي" ودكتوراة في الهندسة، يحقق توازنا بين الولاء الشديد والنية الفكرية الحديثة التي يمكن أن تروق محليا ودوليا.
ونظرا للمشاكل الاقتصادية التي تواجهها إيران – التي تفاقمت الآن بسبب جائحة "كوفيد-19" – فإن الحاجة إلى بعض مظاهر النمو هي مزايا المعسكر التكنوقراطي الجديد، الذي يمكن أن يروّج لنفسه على أنه مخلص وقادر على إصلاح النظام البيروقراطي المتصدع.
وستكون هذه المجموعة أيضا أكثر قدرة على تعبئة أجزاء من الطبقة الوسطى من خلال اللعب في الخلفيات التكنوقراطية بدلا من الراديكالية لمرشحيها، وبهذا لا يمكن للرئيس المقبل أن يشكل أي تحديات لرؤية خامنئي، كما فعل أحمدي نجاد.
أما بالنسبة لبقية العالم، فإن تنصيب رئيس جديد من طبقة الأصوليين التكنوقراط يقدم سيناريوهين محتملين.
وفي هذا الشأن يقول محللون، مثل صادق زيبالام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، وعلي مطهري، نائب رئيس المجلس السابق: إن تجانس النظام سيقلل من المعارضة الداخلية، ويؤدي في نهاية المطاف إلى مفاوضات أكثر سلاسة مع الغرب.
وبعيدا عن إيران، يفترض مايكل تانشوم، وهو زميل أقدم في المعهد النمساوي للدراسات الأوروبية والأمنية، أن المتشددين في إيران قد يقدمون تنازلات للولايات المتحدة من أجل بقاء النظام.
غير أن الصراع المباشر، وليس المعارضة الداخلية، هو الذي خرب الجهود الدبلوماسية، في إيران، حيث تنبثق جميع القرارات الإستراتيجية في نهاية المطاف من المرشد الأعلى، الذي يشك بشدة بالغرب والولايات المتحدة، حيث إنه لم يؤيد أبدا مفاوضات روحاني بشكل كامل، ولن يؤدي انهيار الاتفاق النووي إلا إلى تعزيز هذا الموقف، تقول المجلة.