الفيروس تحول إلى تجارة.. هذا سر تزايد عدد وفيات كورونا في العراق

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع اجتياح فيروس كورونا للعراق، يواجه الأهالي مشكلة بالغة الصعوبة في الحصول على جثامين ذويهم المتوفيين لأسباب بعيدة عن الجائحة، كاشفة عن منفذ جديد للفساد يضاف إلى المنافذ الكثيرة الأخرى التي نخرت في عظام الدولة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003.

في 16 يوليو/ تموز 2020، بلغت وفيات جائحة كورونا في العراق 3.522، وشهد الشهر ذاته صعودا لافتا مع وصول أعداد المصابين إلى أكثر من 86 ألفا، مسجلة معدل وفيات لا ينقص عن 90 حالة في اليوم الواحد، حسب بيانات رسمية.

قصص واقعية

لكن أعداد الوفيات المعلنة أثارت شكوكا في الأوساط الشعبية، بعد شهادات كثيرة أدلى بها عراقيون عن تعامل الجهات الصحية مع بقية المتوفين على أنهم من ضحايا فيروس كورونا، وسط دهشة واستغراب من إقدام بعض المستشفيات، ولا سيما في العاصمة بغداد على ذلك.

في حديث لـ"الاستقلال" قال عبد الله الشمري وهو قريب أحد المتوفين في بغداد: إن قريبا له في العشرين من عمره توفي قبل أيام بمرض مفاجئ أصابه، وبعدما تبين أثبتت التحاليل الطبية أنه مصاب بالسحايا، وأصرت الجهات الصحية على تسجيل سبب الوفاة "كورونا".

وأضاف الشمري أن إحدى المستشفيات في بغداد رفضت تسليم الجثة لذويه حتى مع ظهور نتائج "مسحة كورونا" أنها سالبة، وطلبت دفنه في المقابر المخصصة للمتوفين بكورونا.

ومثل ذلك، أكد علي الدليمي أحد أصدقاء الشاب عمر الذي وافته المنية مطلع يوليو/ تموز 2020، أن الأخير توفي نتيجة فشل كلوي بعد ارتفاع نسبة السكر بالدم، كونه كان يعاني من داء السكري، أصرت الجهات الصحية على تسجيله بأنه أحد ضحايا كورونا، لكننا رفضنا ذلك بشدة، فتراجعوا عن ذلك وسلمونا الجثة.

وأشار الدليمي لـ"الاستقلال" إلى أن حديثا سمعناه في المستشفى أنهم يحاولون تسجيل كل من يتوفى بأنه مصاب بفيروس كورونا، وأنهم يحصلون لقاء ذلك على أموال من وزارة الصحة بعد التكفل بدفنهم ضمن مقابر المصابين بالوباء القاتل.

وفي رواية مقاربة، تحدث محمد خلف عن وفاة جاره المسن بسبب أمراض مزمنة كان يعاني منها، إلا أن الجهات الصحية رفضت تسليمه الجثة مطالبة بضرورة تحويله إلى مستشفى أخرى في بغداد، وأخذ عينة مسحة منه للتأكد من إصابته بالفيروس من عدمه.

وتابع: أثبتت المسحة أنه غير مصاب بالفيروس، لكن الجهة ذاتها رفضت تسليمه وطالبه أحد السماسرة بدفع 300 دولار لقاء دفن الجثة بمقبرة النجف المخصصة للمصابين، والتي يفترض بأن الدولة تتكفل بمبالغ دفنهم إذا بالفعل كانوا من ضحايا كورونا.

أسباب متضاربة

حاولت "الاستقلال" معرفة إصرار جهات صحية في بغداد على تسجيل من توافيه المنية لأسباب لا علاقة لها بكورونا، على أنهم من ضحايا الفيروس، إلا أنها توصلت إلى روايات متباينة من جهات عدة في قطاع الصحة بالعاصمة بغداد.

وقالت إحدى الطبيبات في بغداد- رافضة الكشف عن هويتها- في حديث لـ"الاستقلال": إن "رفض تسليم الجثة أمر غير مبرر، وربما يكون تصرفا فرديا من أحد الموظفين، لأنه ليس من مصلحة المستشفى تسجيل زيادة في عدد ضحايا كورونا، كونه يعتبر دليلا على عدم الاهتمام وسوء الأداء".

وبخصوص ما يدور من حديث عن منافع مالية تعود على الأشخاص الذين يتكفلون بإرسال الجثامين إلى "مقابر كورونا"، قالت الطبيبة: "الكوادر الطبية لا تحصل على شيء إضافي لقاء ما تقوم به، إضافة إلى أن رواتب وزارة الصحة دونا عن باقي الوزارات تأخر صرفها لشهر يونيو/ حزيران 2020".

وفي المقابل، أفاد مصدر صحي في دائرة إسعاف الكرخ ببغداد طلب عدم الكشف عن هويته بأن "ما يدور عن محاولة تسجيل كل من يتوفى لأسباب غير الفيروس، صحيح وأصبح أمرا غير خفي على العراقيين، كونهم يمرون بهذه الإجراءات بشكل يومي".

ورجح المصدر الصحي أن "يكون الهدف من وراء رفع أعداد الضحايا، هو الحصول على مبالغ مالية عاجلة من منظمات وجهات دولية، تخصص أموالا لمساعدة البلدان الأكثر عرضة للمخاطر على مواجهة انتشار ‏فيروس كورونا، إضافة إلى أن العراق يعاني من ضائقة مالية".

وأكد أن "ذوي المتوفين يتعرضون بالفعل لمعاملة مملة وتأخير في تسليم الجثامين، الغرض منه دفع مبالغ مالية للكوادر الصحية المعنية بثلاجات الموتى"، مشيرا إلى أن "الكوادر الصحية حصلت في بداية الأزمة على دفعة  كمكافآت لهم في مواجهة الفيروس، وبعدها توقفت".

وعادة ما تصل الجثث أثناء الليل، ويقوم المتطوعون -الذين يرتدون سترات واقية كاملة- بأعمال الغسل والتكفين في أغطية سوداء قبل إعادة الجثث إلى التوابيت، ويحملون التوابيت إلى القبور مستعينين بأضواء المصابيح الأمامية لسياراتهم.

انهيار وشيك

وفي وقت يشهد فيه البلد تزايدا في أعداد المصابين والوفيات نتيجة فيروس كورونا، حذر البرلمان من "انهيار الوضع الصحي"، مطالبا الحكومة بـ"التحرك الجاد لاستغلال كافة الأراضي والمواقع الحكومية غير المستغلة من قبل الدوائر الحكومية لتحويلها لمواقع حجر صحي في هذه الفترة الحرجة".

وفقد القطاع الصحي في العراق عشرات الأطباء، جراء الضغط على المؤسسات الصحية وإصابتهم بفيروس كورونا، إذ طالب نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي في 5 يوليو/ تموز 2020 باعتبار من يتوفى بمرض كورونا من الكوادر الطبية بمرتبة "شهيد" ومنحه الحقوق الرسمية لها.

وكشفت تقارير صحفية، أن الكوادر الطبية وصلت بالفعل إلى مرحلة قريبة من الإنهاك التام، وأن العديد من الأطباء يعملون لساعات طويلة بدون راحة وسط ظروف سيئة ومعدات قليلة.

ونقلت عن أحد الأطباء قوله: "التعامل مع ذوي المصابين متعب. لا نمتلك أجوبة واضحة، بعض المرضى يتحسنون فجأة ويعاودون الانتكاس، وبعضهم ينتكسون بصورة سريعة، والأهالي يلوموننا على كل شيء".

ونشر مدونون فيديو لشخص قالوا إنه أدخل حيا إلى ثلاجة الموتى في أحد المستشفيات، ما اعتبره البعض نتيجة للإنهاك الذي تعانيه الكوادر الطبية.

وفي المقابل، نقل موقع قناة "الحرة" الأميركية عن أحد المتعافين (لم يذكر اسمه) قوله: "الخدمات المقدمة في المراكز الصحية الحكومية سيئة جدا. هناك حمام واحد لأكثر من 50 مريضا في مركز الحجر، والكوادر الصحية تخاف من التنظيف، والمستشفى تحول إلى بؤرة كبيرة للفيروس".

لكن وزارة الصحة، تقول إنها تبذل جهودا كبيرة مع خلية الأزمة في مواجهة الجائحة، إذ يؤكد المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر أنه رغم الزيادة الكبيرة للإصابات، فإن الوضع الصحي لا يزال تحت السيطرة، مؤكدا أن الوزارة طبقت سياسة العزل المنزلي للمصابين لكن وفق شروط معينة وليس بحسب رغبة المصاب.

وشدد البدر خلال تصريحات صحيفة في 2 يوليو/ تموز 2020 على أن جهود وزارته أثمرت عن توفير أعداد كبيرة من معدات الوقاية والأجهزة التنفسية وأجهزة الفحص، إضافة إلى قوافل المساعدات التي وصلت للعراق من تركيا والصين وأذربيجان وغيرها.

وفي مطلع يوليو/ تموز 2020، أعلنت نقابة الأطباء إضرابا في محافظة ذي قار (جنوبا)، بعد اعتداء طال طبيبة على يد أقرباء أحد المرضى المصابين بفيروس كورونا.

المحافظة شهدت أزمة نقص حادة في إسطوانات الأكسجين التي تستخدم في علاج مرضى كورونا، فيما حملت وزارة الصحة المسؤولية لإدارة المستشفى والأجهزة الأمنية وقالت: إن خللا حدث في توزيع الأكسجين في مستشفى ذي قار.