فورين بوليسي: قروض صندوق النقد ترسخ الفساد والاستبداد بمصر
سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، الضوء على القروض التي منحها صندوق النقد الدولي إلى مصر في 26 يونيو/ حزيران 2020، البالغة 5.2 مليار دولار، مشيرة إلى أنها سترسخ الاستبداد والفساد المستشري بالبلاد في ظل نظام يرأسه عبد الفتاح السيسي.
وقالت المجلة في تقرير أعدته إيمي أوستن هولمز، الأستاذة الزائرة في مباردة الشرق الأوسط بجامعة هارفارد، وأستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأميركية بالقاهرة: إن "تمويل صندوق النقد الدولي لمصر لن يساعد سوى نظام السيسي وترسيخ حكمه الاستبدادي".
وأشارت الباحثة إلى أن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي صوت في 26 يونيو/ حزيران 2020 على صرف 5.2 مليار دولار إضافية لمصر، بهدف تعويض مصر عن خسائرها الاقتصادية في مواجهة تبعات فيروس كورونا، لكن الواقع يؤكد أن هذا القرض سيستخدمه السيسي الذي أشرف على تعذيب آلاف السجناء السياسيين، بمن فيهم أميركيون، أيضا لمكافأة أولئك الذين ما زالوا موالين له.
وتابعت: "فلا يمكن للثورة المضادة قوية الإمكانات والمستمرة في مصر أن تنجح، إلا بتواطؤ الفاعلين الدوليين الذين يقدمون المليارات من المساعدات المالية لنظام ما بعد الانقلاب، فبدلا من تعزيز الإصلاح الهيكلي للاقتصاد المصري، سيزيد قرض صندوق النقد الدولي من ترسيخ وحماية الاقتصاد الذي تهيمن عليه القوات المسلحة والشركات التابعة لها".
من ناحية أخرى، أشارت الكاتبة إلى أن السيسي صعد إلى السلطة بعد انقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز 2013، أطاح بالرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا للبلاد منذ تأسيس الجمهورية في عام 1953، ومما ساعد السيسي في خطته لإحكام السيطرة على البلاد الدعم المالي من حكام الخليج الأقوياء الذين يكنون مواقف عدائية تجاه الديمقراطية وانتشارها في الدول المجاورة خشية من أنها قد تنعكس على شعوبهم، أدى ذلك إلى دعم الاقتصاد المتعثر في مصر وضمان بقاء النظام الجديد بعد الانقلاب.
وأردفت: "وبالمثل، تلعب قروض صندوق النقد الدولي لمصر، التي بلغت حد 20 مليار دولار منذ عام 2016 حتى الآن، تلعب نفس الدور الذي لعبه الدعم الخليجي غير المشروط لنظام السيسي".
الأكثر فسادا
ولفتت الكاتبة إلى أن حازم الببلاوي رئيس وزراء السيسي بعد الانقلاب مباشرة في عام 2013 والذي شهدت فترة وزارته أكبر الأحداث دموية في التاريخ المصري، حينما فتحت الأجهزة الأمنية النار على المعتصمين في ميداني رابعه العدوية والنهضة في أغسطس/آب 2013 وأدى إلى مقتل أكثر من 900 من المعتصمين، يعد الشخصية المدنية الأكثر فسادا في منظومة الحكم العسكرية في مصر.
وأوضحت أن حكومته (الببلاوي) لم تكتف بقتل المئات من المتظاهرين، بل إنها أصدرت قانون منع التظاهر الذي يجرم التجمعات وجميع وسائل المعارضة السلمية في البلاد، والذي يعد أكثر تشددا من قانون منع التجمهر الذي أصدره الاحتلال الإنجليزي في مصر عام 1914، مما حظر فعليا التجمعات العامة لأكثر من 10 أشخاص، إلا أن دور الببلاوي في خدمة الحكم العسكري الاستبدادي لا يزال محوريا حتى الآن، حيث يخدم النظام بموقعه الآن في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، مما يمنحه نفوذا يجعله يساهم في تحويل أموال الصندوق إلى حلفائه في الحكومة المصرية.
وبينت الكاتبة أن الناشط الحقوقي المصري الأصل، الأميركي الجنسية، محمد سلطان، الذي نجا من مذبحة رابعة كشف عن شبكة العلاقات التي تربط صندوق النقد الدولي وبين أبرز متملقي السلطة في مصر، مشيرة إلى أن سلطان نشأ في غرب الولايات المتحدة وتخرج من جامعة ولاية أوهايو، إلا أنه في الوقت الذي كان يحضر فيه اعتصام رابعة في أغسطس/آب 2013، أطلقت قوات الأمن النار عليه، ثم قامت باعتقاله لمدة عامين تلقى فيها معاملة غير إنسانية، للحد الذي تركته فيه قوات الأمن في زنزانة وحيدا، مما دفعه إلى محاولة الانتحار.
وأضافت: بعد تدخل رفيع المستوى من إدارة أوباما، تم إطلاق سراح سلطان وأعيد إلى الولايات المتحدة في عام 2015، إذ رفع سلطان دعوى ضد معذبيه السابقين، وعلى رأسهم الببلاوي، رئيس الوزراء في حينها، مستشهدا بقانون حماية ضحايا التعذيب، متهما الببلاوي بتوجيه ومراقبة سوء معاملته بينما كان يقضي 643 يوما في السجن.
منهجية الانتقام
ونوهت إلى أن سلطان رفع دعوى قضائية ضد الببلاوي في الأول من يونيو/حزيران2020، بعد خمس سنوات من إطلاق سراحه من السجن، إلا أنه في يومي 9 و15 من الشهر ذاته، شنت قوات الأمن المصرية حملات أمنية منسقة ضد أفراد عائلة سلطان عبر عدة محافظات في مصر، حيث تم اعتقال خمسة من أبناء عمومته في نفس الوقت من منازلهم بمحافظتي الإسكندرية والمنوفية، وكعادة الأجهزة الأمنية في مصر، لم يكن لديهم مذكرات اعتقال ولم يعطوا أي سبب لاعتقال أبناء عمومته.
وبحسب ما ورد أخبروا أبناء عمومته أنه إذا أسقط سلطان القضية ضد الببلاوي، فسيتم إطلاق سراحهم، وفي اليوم نفسه، قام رجال شرطة مجهولون بزيارة والد سلطان، صلاح سلطان، في سجن وادي النطرون، حيث تم سجنه منذ انقلاب عام 2013، وتم نقله الآن إلى مكان مجهول. الرسالة التي يرسلها نظام السيسي إلى سلطان واضحة: أسقطوا القضية ضد الببلاوي أو سنستمر في احتجاز أسرتكم كرهائن. ويبدو أن هذا المسار وتلك الأحداث لم تفعل الكثير لردع صندوق النقد الدولي عن خطواته في عقد الاتفاقات مع نظام السيسي، وفقا للكاتبة.
ووصفت الباحثة قضية سلطان بأنها "رمز للفساد المالي الممنهج والتعذيب في مصر"، مشيرة إلى أنه في مارس/آذار 2016، طرد السيسي هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بعدما أفاد جنينة بأن مصر خسرت 600 مليار جنيه مصري (حوالي 76 مليار دولار) بسبب الفساد الرسمي، وبعد ذلك حُكم على جنينة بالسجن خمس سنوات.
من ناحية أخرى، تضيف الكاتبة، فإن إحدى هيئات الدولة التي خولها السيسي بتفويض مكافحة الفساد هي هيئة الرقابة الإدارية (ACA)، على الرغم من كونها مؤسسة مدنية اسميا، فإن لديها سلطات مراقبة وقدرة على اعتقال واستجواب المشتبه بهم، وقد وضع السيسي أحد أبنائه في منصب رفيع المستوى في هذه الهيئة واستخدم الوكالة لتشديد قبضته الشخصية على بيروقراطية الدولة المترامية الأطراف في مصر، وفي الواقع، لم يعد هناك أي وكالات رقابية مستقلة في مصر، مما يعني أنه لا يوجد أي ضمان تقريبا بأن مساعدة صندوق النقد الدولي لن تنته في أيدي الجهات والشخصيات الفاسدة.
فرصة للتغيير
وأكدت الكاتبة أنه لم يفت الأوان لتغيير المسار بعد حيث قدمت ثمان منظمات لحقوق الإنسان التماسا إلى صندوق النقد الدولي للتأكد من وجود آليات تضمن استخدام 5.2 مليار دولار وأنها ليست لمكافأة الموالين للسيسي، بل للأغراض المقصودة منها لدعم النمو الشامل وتحسين الشفافية المالية وزيادة الإنفاق الاجتماعي.
وأوضحت: سيتم صرف 5.2 مليار دولار على ثلاث شرائح، بينما سيتم دفع الشريحة الأولى على الفور، في الوقت الذي سيتم فيه دفع الشريحتين التاليتين فقط بعد عملية المراجعة، ويجب أن يكون الإفراج عن الشريحتين الثانية مشروطا، على أقل تقدير، وينبغي لصندوق النقد الدولي أن يطلب إتاحة مراجعة مستقلة وتقرير عن كيفية إنفاق أموال صندوق النقد الدولي للجمهور.
واستطردت الكاتبة، قائلة: لقد حدد صندوق النقد الدولي بحق الفساد كتهديد رئيسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر، لكن النظام الفاسد لا يعفي الأفراد من المسؤولية، ففي الوقت الذي عمل فيه الببلاوي كرئيس للوزراء، كان محمد البرادعي يعمل إلى جانبه كنائب للرئيس، إلا أنه استقال على إثر مذبحة رابعة، لكن الببلاوي يواصل العمل كداعم رئيسي للنظام الوحشي للسيسي.
ولفتت إلى أن المديرة الإدارية الجديدة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، يبدو أنها مهتمة بمعالجة الفساد، فإذا كانت جادة حقا، فيجب عليها فرض شروط تتعلق بنظام الحكم والشفافية على القروض المتتالية لمصر، وينبغي أن يشمل ذلك إنشاء وكالة مستقلة فعلا لمراقبة استخدام أموال صندوق النقد الدولي.
وختمت الباحثة مقالها بالقول: يمكن تحقيق ذلك من خلال استعادة استقلالية الجهاز المركزي للمحاسبات المصري وإلغاء المرسوم التنفيذي الذي يسمح الآن للسيسي بتعيين وعزل المدير، قد يكون هذا قرارا يغير اللعبة، ويشير إلى أنه لا يمكن استخدام أموال صندوق النقد الدولي كمكافآت لداعمي الديكتاتور، وقد يرغب صندوق النقد الدولي أيضا في إعادة النظر في الحيثيات المتعلقة بوجود الببلاوي، الذي ارتكبت حكومته مجزرة رابعة والذي يُتهم بتعذيب مواطن أميركي، عندما كان دوره كمسؤول تنفيذي.