"إندبندنت دبلومات".. هكذا ساهمت بتغذية حركات انفصالية في الشرق الأوسط
.jpg)
"نؤيد الجماعات والحركات المعارضة وتلك التي تقاوم القمع، ونعيد كتابة قواعد الدبلوماسية ونحدث ثورة في النظام، لضمان حصول أولئك الذين هم على المحك على مقعد على طاولات التفاوض"، هذه هي المهمة المعلنة لمنظمة "إندبندنت دبلومات" عبر موقعها الرسمي.
تلك المنظمة المستقلة غير الحكومية، تدعم الجماعات الانفصالية، وتساعد الدول والمناطق الرامية إلى الانفصال على تحقيق أهدافها، خاصة وأن الدبلوماسي البريطاني كارن روس، الذي عمل كمسؤول في الحكومة البريطانية لسنوات، أسسها عام 2004 لهذا الغرض.
بعد ذلك لعبت المنظمة الدولية أدوارا محورية في العديد من مناطق النزاع في الشرق الأوسط، مثلما حدث في تأييدها المطلق لجبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، أثناء نزاعها مع المغرب، وكذلك المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن الموالي للإمارات، بالإضافة إلى دعم "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" العسكرية في شمال مالي.
كما ساعدت "إندبندنت دبلومات" في انفصال جنوب السودان، ودخلت في صدامات مع مجموعة من الحكومات لدورها في تقسيم البلاد، ومن أبرزها الحكومة التركية التي منعت رئيس المنظمة من دخول البلاد.
إحلال وتجديد
وأوردت مجلة "إنتيليجنس أون لاين" أن الدبلوماسي البريطاني كارن روس، المسؤول السابق في "وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث"، الذي أسس "إندبندنت دبلومات"، شركة اللوبي المتخصصة في شؤون الدول المهمشة والجماعات الانفصالية، أعلن أنه سيتنحى عن منصبه كمدير تنفيذي للشركة.
وقالت المجلة الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، في عددها الصادر يوم 24 يونيو/ حزيران 2020: إنه سوف يحل محله، رضا أفشار، المسؤول السابق بوزارة الخارجية وشؤون الكومنولث ووزارة الدفاع، والمتخصص في الشأن السوري.
بينما سيستمر روس في العمل كمستشار كبير بدوام جزئي للشركة في الوقت الذي يباشر فيه السعي للعمل كمستشار مستقل.
ولـ "كارن روس" تاريخ مع ثورات الربيع العربي، وسبق أن أجرى زيارة إلى مصر في أعقاب ثورة 25 يناير مباشرة، ومن وحي زيارته أصدر كتابا عام 2011، وعنونه بـ "الثورة بلا قيادات .. كيف سيبادر الناس العاديون إلى تولي السلطة".
ووضع روس توصيفا، قال فيه: "يدور هذا الكتاب حول نمط جديد من السياسة، خرج من رحم خيبتي المطلقة من الحكم الديمقراطي المزعوم، الذي سبق لي أن عملت في خدمته".
ونظر الدبلوماسي البريطاني في كتابه إلى فكرة أن "مسخ الديمقراطية المزعومة في الغرب وتحويلها إلى أداة لخدمة مصالح فئوية وجماعات ضغط معينة، ثم ما لبثت أن باتت مهددة بخطر الوقوع في أيدي دجالي اليمين"، في إشارة إلى موقفه من الجماعات اليمينية، وإلى رؤيته للديمقراطيات الصاعدة في الشرق الأوسط.
وكارن روس، دبلوماسي بريطاني سابق، درس في جامعة إكستر البريطانية، وترأس قسم السلام في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية، وهو محرر خطابات لوزيرها.
كما تفاوض مع دبلوماسيي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الأمم المتحدة، وعمل في أفغانستان بعد سقوط حركة طالبان.
قدم استقالته من وزارة الخارجية البريطانية احتجاجا على أكاذيب الحكومة البريطانية المتعلقة بحرب الخليج عام 2003.
وشهد روس من خلال تقرير بتلر، الذي حقق في أخطاء المخابرات البريطانية في الفترة التي سبقت غزو العراق، بأنه في وقت من الأوقات أثناء عمله في العراق خلال الفترة بين أعوام (1998 إلى 2002)، لم تقدر المملكة المتحدة أو واشنطن أن أسلحة الدمار الشامل العراقية تشكل تهديدا.
كما أفاد بأنه تم تجاهل البدائل المتاحة للحرب، واستهداف عائدات النفط بطريقة غير قانونية في العراق.
وقد عارضت هذه الشهادة بشكل مباشر تأكيدات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بأن الحرب كانت مبررة قانونا بحيازة صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل التي شكلت تهديدا ضد المصالح البريطانية.
وفي عام 2004 أسس منظمة "إندبندنت دبلومات" المستقلة غير الحكومية، التي لعبت دورا من نوع آخر في معرض السياسة الدولية، والشرق الأوسط تحديدا.
إندبندنت دبلومات
وبالانطلاق إلى تعريف المؤسسة، فهي منظمة غير حكومية، وغير ربحية تأسست عام 2004، على يد كارني روس، بغرض تقديم المشورة والمساعدة في الإستراتيجية والتقنية الدبلوماسية للحكومات والجماعات السياسية.
تعمل المؤسسة على توفير وتدريب دبلوماسيين مستقلين للحكومات غير المعترف بها، وذلك من أجل العمل على مشاركة أكبر في المنتديات الدبلوماسية، وموائد الحوار الدولية.
وفي الموقع الرسمي لـ "إندبندنت دبلومات" وضع تعريفا لدورها بالقول: إنه "في عالم غير مستقر وخطير على نحو متزايد، نحتاج فيه إلى دبلوماسية فعالة لتأمين اتفاقيات السلام وإنهاء الصراع وإيجاد حلول للأزمات العاجلة، فنحن بحاجة إلى النظام للعمل، في ظل وضع دبلوماسي عالمي مصمم ليكون غير فعال في الواقع".
وعن عمل المنظمة تحدث كارني روس، في إحدى مقالاته التي نشرهها موقع "إندبندنت عربية" الممول سعوديا، في يوليو/ تموز 2019 قائلا: "عملت ومنظمتي إندبندنت دبلومات، على إسداء النصح والإرشاد للدول التي نالت استقلالها في الآونة الأخيرة، ومنها كوسوفو وجنوب السودان وآخرها مونتينيغرو".
وأضاف: "قدمت الاستشارات للحكومات والأحزاب التي لم تفلح حتى الآن في تحقيق مبتغاها بالاستقلال، وأعني بها مناطق مثل كتالونيا، كما تشاورت أو عملت لحساب قادة وناشطين في بابوا الغربية وكشمير والصحراء الغربية وسوماليلاند وجنوب تيرول".
وبسبب نشاطاته الانفصالية، دخل روس في صدامات مع عدة دول منها تركيا التي منعته من دخول أراضيها، وقد وصف ذلك الأمر بأنه "درس قاس بالنسبة لي".
عملت "إندبندنت دبلومات" لصالح عدد من المنظمات الانفصالية، بما في ذلك "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، التابعة للطوارق، والتي ساعدتها الشركة في عقد اجتماعات مع مسؤولي الأمم المتحدة ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) خلال العام 2019.
وفي ميانمار، عملت الشركة لأول مرة لصالح ائتلاف "أونغ سان سو تشي"، ثم لاحقا لصالح مجتمع الروهينجا. وبالإضافة إلى كوسوفو وجمهورية شمال قبرص التركية، عملت "إندبندنت دبلومات" كذلك لصالح "جبهة البوليساريو" في الصحراء الغربية على مدار سنوات.
وتعتبر من المنظمات المناهضة للمملكة المغربية، بسبب موقفها من قضية الصحراء الغربية، وفق مطلع أبريل/ نيسان 2020.
وأرسلت المنظمة رسالة تعزية إلى جبهة البوليساريو والشعب الصحراوي، معبرة عن بالغ حزنها في رحيل قيادي ودبلوماسي بارز في الجبهة، حيث قالت في نعيها: "بصفتنا شركاء سنفتقد كثيرا الدبلوماسي أمحمد خداد، لقد تشرفنا بالعمل معه، كيف لا وهو الخبير في الدبلوماسية والإستراتيجية الدولية؟!".
وأضافت: أنه "لظلم شديد ألا يرى السفير أمحمد خداد الاستفتاء على الاستقلال الموعود للشعب الصحراوي منذ 30 عاما تقريبا".
وجدير بالذكر أن شركة "إندبندنت دبلومات" تتكلف في العقد بأكثر من مليون دولار سنويا منذ أن انسحبت "وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث" من تمويلها عام 2018.
نموذج فج
كنموذج فج على المنظمات التي تدعمها وتروج لها "إندبندنت دبلومات"، كان لها دور مع "المجلس الانتقالي الجنوبي" في اليمن، المدعوم إماراتيا.
وفي ذلك الإطار قال الصحفي اليمني ياسر عامر لـ"الاستقلال": إن "الإمارات عملت منذ تدخلها في اليمن في صيف 2015، على تقسيم البلد وتفتيته، وذلك من خلال تفجير صراعات، والتحرك في المساحات والهوامش التي تنتجها تلك الصراعات".
ومن أجل تحقيق ذلك الهدف، أنشأت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي في صيف 2017، وشكلت ميلشيا مسلحة، تعمل كذراع عسكرية وأحزمة أمنية، لحماية المجلس وتحقيق أهدافه، والتشكيلات المسلحة هي عبارة عن خليط مكون من أصحاب سوابق ومعتقلين وعناصر سلفية عرفت بولائها لأبوظبي.
وأضاف عامر: "وكأداة أوكل لها القيام بهذه المهمة، مضى المجلس الانتقالي الجنوبي في تنفيذ دوره، فسعى لتقسيم اليمن تحت مسمى (حق تقرير المصير للجنوب)، فنفذ انقلابا مسلحا في أغسطس/آب 2019، بدعم سياسي وعسكري ولوجستي من الإمارات، وأعلن الإدارة الذاتية على الجنوب في نهاية أبريل/نيسان 2020، وهي خطوة باتجاه إعلان الانفصال".
وذكر أن "المجلس الانتقالي احتكر حق تمثيل الجنوب، وتحييد كل المكونات السياسية التي كانت تمثل القضية الجنوبية في المحافل الدولية والمحلية منذ 2007، وقام كذلك بسجن واعتقال ومطاردة كل الذين قاتلوا لإخراج الحوثي من عدن، لأنهم لم يقاتلوا تحت مظلة الإمارات".
ولضمان تنفيذ ذلك المخطط وتلك الأجندة، أزال المجلس الانتقالي الجنوبي كل العقبات التي وقفت في طريقه، وتحول دون تحقيقه لذلك الهدف، فشكل شبكة اغتيال سرية تستهدف الشخصيات الاجتماعية والدينية التي تحظى بثقل اجتماعي وسياسي من أبناء مدينة عدن".
وأردف: "نفذ المجلس الانتقالي منذ 2015 وحتى 2018، نحو 103 عمليات اغتيال في حق أبناء مدينة عدن، وهذا ما كشفته تسريبات كشف عنها الجناة بأنفسهم في محاضر تحقيق موثقة، وقالوا إنهم كانوا ينفذون أوامر من هاني بن بريك، وهو نائب رئيس المجلس الانتقالي الموالي الذي عرف بولائه للإمارات".
وأفاد: "عمل المجلس الانتقالي كذلك جنبا إلى جنب مع شركة الرمح الدولية للتعهدات الأمنية، على تنفيذ جرائم اغتيال لعدد من رموز حزب الإصلاح في عدن".
والرمح هي شركة أسسها الهنغاري الإسرائيلي أبراهام غولان ومقرها في ولاية ديلاوار الأميركية، وقد كشف تحقيق مفصل لوكالة بازفيد نيوز في الولايات المتحدة عن اعترافات لمسؤولين في الشركة أنهم وقعوا عقدا من النظام الإماراتي، عبر القيادي الفلسطيني محمد دحلان، للقيام بتنفيذ عمليات اغتيال لأعضاء من حزب الإصلاح في مدينة عدن اليمنية".
وكشف الصحفي اليمني عن "تورط المجلس الانتقالي كذلك في إنشاء شبكات من السجون السرية، كانت قد كشفت عنها وكالة أسوشيتد برس، تمارس من خلالها عمليات الإخفاء القسري، والتعذيب، والتصفية، وهذا ما أكده أيضا المعتقل السابق والقيادي في المقاومة الجنوبية عادل الحسني".
ولا شك أن "إندبندنت دبلومات" كانت من أبرز الأدوات المستخدمة لدعم الانتقالي اليمني، والترويج له خارجيا، ومساعدته داخليا في إحداث تلك الشروخات العميقة في التجربة اليمنية بعد ثورات الربيع العربي.
المصادر
- Independent Diplomat
- الدبلوماسي البريطاني كارن روس في «الثورة بلا قيادات»: أفكار تطهيرية نابعة من خيبة الأمل
- Diplomat at large
- كارن روس يتنحى لكن "إندبندنت ديبلومات" تستمر
- THE “LEADERLESS REVOLUTION” CARNE ROSS with Nikolas Kozloff
- "الثورة بلا قيادات".. كيف يصل العامّة إلى سدة الحكم؟
- منظمة إندبندنت دبلومات : رحيل "أمحمد خداد" فقدان لرجل سياسة خبير في الدبلوماسية والاستراتيجية الدولية.