يتحايل على رحيله.. لماذا يرفض "مجلس" السيسي إجراء انتخابات الصحفيين؟

12

طباعة

مشاركة

في 9 فبراير/شباط 2021، ألقى مجلس نقابة الصحفيين المصريين بالكرة في ملعب أعضاء الجمعية العمومية، معلنا الاستعداد لإجراء انتخابات التجديد النصفي في موعدها بمارس/آذار 2021، لكنه عمليا اتخذ المجلس قرارات تضمن عدم إجرائها.

النقابة يرأسها نقيب حكومي هو ضياء رشوان، يتولى في الوقت ذاته رئاسة هيئة الاستعلامات التابعة لنظام عبد الفتاح السيسي، وسكرتير عام النقابة هو محمد شبانة المدعوم من الأجهزة الأمنية، و6 مقاعد حكومية مقابل 6 لمستقلين وناصريين.

المجلس الحالي أرسل يطلب فتوى من "مجلس الدولة" حول إمكانية عقد الانتخابات في ظل كورونا، ورد الأخير بأن "البت في قانونية الانتخابات رهن بقرار جهة صحية".

وزارة الصحة، ردت ورفضت عقد الانتخابات وحذرت منها خشية إصابة عشرات الصحفيين بالفيروس بسبب التزاحم، وبدوره أرسل المجلس رد وزارة الصحة، إلى "مجلس الدولة"، المتوقع أن يفتي، حسب متابعين، بعدم إجراء الانتخابات، وبذلك ينفض مسؤولي النقابة الحكوميين يدهم من تبعات تأجيلها، بدعوى أنه "حكم قضائي".

يتهم الصحفيون النقيب ومجلس النقابة الحالي بالسعي للبقاء في مناصبهم بلا انتخابات، بعد انتهاء مدتهم، للإجهاز على ما تبقى من حرية الصحافة وتكبيل النقابة ومنعها من ممارسة دورها في مساندة الحريات.

أتت جهود الحملة التي شنها الصحفيون عبر "جروباتهم الإلكترونية" أكلها، وأجبرت النقيب والسكرتير العام على فتح باب الترشيح وإعلان عقد الانتخابات في موعدها 5 مارس/آذار 2021.

بسبب شماعة كورونا، ولمنع الاحتجاجات، تم وضع سقالات حديدية على سلالم النقابة، التي أشتهرت بأنها "هايد بارك" الحريات، لتظاهر كافة المصريين فوقها، وغلق كافيتريا النقابة لمنع اللقاءات، ووضع كاميرات لمراقبة الصحفيين.

ووصل الأمر لإزالة كافة المقاعد الموجودة بالنقابة لإجبار الصحفيين على المغادرة، ووضع ماكينات ممغنطة (على غرار مترو الأنفاق) للتضييق على دخولهم وخروجهم مع ضيوفهم، وتحويل من اعترض على هذه الإجراءات للتحقيق.

الفتوى المنتظرة

سببان يرجحان ألا يتم إجراء الانتخابات وتأجيلها رغم الإعلان الشكلي عن عقدها في موعدها، الأول، وفق مراقبين، يتمثل في توقعات صدور فتوى من محكمة "مجلس الدولة" خلال أيام قليلة بتأجيل ورفض إجراء الانتخابات في موعدها، وربما تأجيلها 6 أشهر أو عام كامل، بعدما أرسل مجلس النقابة خطاب وزيرة الصحة الرافض لإقامة الانتخابات بدعوى كورونا.

"مجلس النقابة كان يميل للتأجيل بناء على خطاب وزارة الصحة الواضح بعدم صلاحية مبنى النقابة لعقد الانتخابات بداخله، ثم جرت محادثات بين أعضاء المجلس انتهت لقرار مضاد تماما، وهو الدعوة للانتخابات رغم قرار الصحة"، بحسب ما يرويه الصحفي ياسر سليم عن "كواليس" الاجتماع.

"المجلس يريد أن ينفض يده من تبعات تأجيل عقد الجمعية العمومية والانتخابات، فيرسل رأي وزارة الصحة لمجلس الدولة للفتوى ويأتيه الرد برفض عقد الانتخابات"، بحسب "سليم".

أما السبب الثاني، فإن اختيار مجلس النقابة يوم 18 فبراير/شباط 2021 لفتح باب الترشح هو موعد غير قانوني طبقا لنص اللائحة، ما يعني سهولة الطعن عليه، وإلغاء انعقاد الانتخابات.

حيث سيتم غلق باب الترشح في 22 فبراير/شباط 2021 قبيل موعد عقد الجمعية العمومية الأولى بنحو 10 أيام، مخالفا بذلك القانون الذي يحدد مدة 15 يوما فاصلة بين غلق باب الترشح وموعد عقد الجمعية العمومية، ما يجعل الطعن عليها قضائيا سببا ثانيا لإلغائها.

ما سيزيد من احتمالات عدم إجراء الانتخابات، عدم اكتمال الجمعية العمومية المعتادة للصحفيين في أغلب الانتخابات التي تجري، وهو ما يتوقع تضاعفه هذه المرة بسبب جائحة كورونا، ما سيدفع كثيرين للاحجام خشية العدوى.

مجلس النقابة تعمد نقل الكرة من ملعبه إلى ملعب الصحفيين، رغم تواطئه بالسلب لرفضه توفير ظروف صحية مناسبة للانتخابات، ورفضه مقترحات لعقدها على مراحل أو بإجراءات تقي الصحفيين العدوى.

الغريب أن نقابات مثل المحامين (80 ألف عضو) والمهندسين (730 ألف عضو) أجرت انتخاباتها في ظل كورونا، كما أجرى نظام السيسي انتخابات مجلسي النواب والشيوخ بحضور قرابة 8 ملايين ناخب، رغم كورونا أيضا.

لهذا استغرب الصحفيون أن تطالب نقابتهم بتأجيل الانتخابات، المفترض أن يشارك فيها أقل من 10 آلاف صحفي (9259 لا يحضر سوى نصفهم غالبا)، حسب تقديرات جمال عبد الرحيم، رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات.

سر التأجيل

تأكيد مسئولي النقابة الحكوميين أن تأجيل الانتخابات يستهدف الحرص على صحة الأعضاء، يراه غالبية الصحفيين، حجة واهية بغرض استمرار تجميد نشاط النقابة التي كانت شعلة الحريات في مصر.

سر تأجيل الانتخابات، كما يراه الصحفيون، هو رغبة الأجهزة الأمنية في استمرار المجلس الحالي، لأنه قام بسلسلة إجراءات جمدت العمل النقابي، وهوت بهيبة الصحافة للحضيض، وتغاضي عن اعتقال الصحفيين، وإهانة مؤسسات السلطة لهم.

"الأمر متعلق بالخشية من حالة الغضب في الوسط الإعلامي لغلق صحف واعتقال صحفيين وتدهور المهنة والمرتبات وتنفيذ المجلس أجندة أمنية"، حسبما قال اثنان من الصحفيين المرشحين للانتخابات لـ"الاستقلال".

"السلطة تخشى فوز مزيد من المعارضين في الانتخابات المقبلة بما يجعلهم أغلبية بمجلس النقابة (12 عضوا) ومن ثم عودة النقابة كبؤرة ساخنة للاحتجاجات في وسط القاهرة".

 "النقابة كانت تخرج منها المظاهرات ضد السلطة على مر العصور، ومنها انطلقت مظاهرات ثورة يناير 2011 ويخشون عودتها لهذا الدور"، بحسب قول الصحفيين اللذين فضلا عدم ذكر اسميهما.

سيناريوهات متوقعة 

السيناريوهات المتوقعة لمسارات انتخابات الصحفيين قد لا تخرج عن ثلاثة، الأول: الاقتصار على الدعوة التقليدية للانتخابات دون حماسة لها، وعدم اكتمال الجمعية العمومية في المرتين الأولى (مطلوب لها النصف زائد واحد أي نحو 5000 صحفي)، والثانية (المطلوب لها الربع زائد واحد أي نحو 2500).

في هذه الحالة يستمر التأجيل أسبوعا بعد آخر حتى أبريل/نيسان 2021 الذي أعلنت وزيرة الصحة أنه سيشهد ذروة كورونا في مصر بعدما بدأ تزايد أعداد المصابين والوفيات، ومن ثم تؤجل الانتخابات.

أما السيناريو الثاني المتوقع فيتمثل في أن تقوم السلطة بحشد صحفييها في الانتخابات واستنفارهم للتصويت لمرشحيها في ظل توقع غياب كثيرين خوفا من العدوى بكورونا، فتجري انتخابات خاطفة يفوز فيها مرشحو السلطة.

ويشجع على هذا أن الأعضاء الستة الذين سيغادرون مجلس الصحفيين 5 منهم من المستقلين والمعارضين وهم: جمال عبد الرحيم، محمد خراجة، حسين الزناتي، عمرو بدر ومحمد سعد عبدالحفيظ، إضافة لعضو حكومي هو أيمن عبد المجيد.

وهو ما قد يشجع السلطة على الحشد لإجراءها أملا في فوز موالين لها على المقاعد الستة، رغم مؤشرات تصاعد الغضب الصحفي على كل مجلس النقابة الحالي.

ويُتوقع أن يواكب هذا إعلان من النقيب الحكومي بزيادة "بدل النقابة" الذي يعتاش عليه مئات الصحفيين وقيمته 2100 جنيه (حوالي 135 دولارا)، كرشوة مقنعة لإعادة انتخابه هو ومرشحي السلطة.

وتتخذ السلطة في مصر قضية زيادة "البدل" كرشوة يقدمها مرشحها لمنصب النقيب، فيما يطالب الصحفيون بأن تكون الزيادة دورية ولا ترتبط بمواعيد الانتخابات فتتحول إلى رشوة فعلية.

وشهدت السنوات اللاحقة لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013، فصل عشرات الصحفيين وعدم تعيينهم في النقابة، مقابل عملية تعيين مكثفة لصحفيين موالين لأجهزة المخابرات والأمن، بغرض خلخلة توازن التصويت لصالح مرشحي السلطة.

السيناريو الثالث المتوقع هو أن يلبي مجلس النقابة اقتراحات الصحفيين ويقوم بتنفيذ مقترحات وقائية من كورونا تشجع حضور الصحفيين، مثل عقدها على مراحل للصحف، أو اعتبار الشارع الذي يقع فيه مقر النقابة حرما للنقابة توضع فيه صناديق التصويت.

ويضم مجلس نقابة الصحفيين نقيبا، مدته عامان، وله حق الترشح مرة ثانية، و12 عضوا يغادر منهم 6 أمضوا 4 سنوات، بينما يستمر 6 آخرون لمدة عامين مقبلين فازوا في الانتخابات الأخيرة قبل عامين (2019).

وانتخابات 5 مارس/ شباط 2021 سيتم بموجبها اختيار النقيب رقم 23، و6 أعضاء للمجلس رقم 52 في تاريخ النقابة، فيما يعرف بالتجديد النصفي لمجلس النقابة المكون من 12 عضوا بخلاف النقيب، نصفهم تقريبا مؤيدين للسلطة ويتولون المناصب الكبرى في إدارة النقابة، و6 شبه معارضين أو مستقلين.

ويطالب غالبية الصحفيين عبر جروباتهم الإلكترونية بإقصاء كل الـ 12 عضوا لـ "تواطؤ وصمت المعارضين أيضا عما يفعله الحكوميون"، و"مباركة بعضهم القمع الحكومي واعتقالات الصحفيين، وعدم حل مشاكلهم المالية أو حل مشاكل الصحف المغلقة"، حسبما يقولون.

قضايا الانتخابات

تنقسم القضايا التي تدور حولها المنافسة بين قضايا اقتصادية تدور حول: الدعم المالي الشهري للصحفيين (البدل) ورفع الأجور، وإنقاذ مؤسسات صحفية من الإفلاس، وتأخر رواتب الصحفيين في مؤسسات لمدد تصل إلى 4 أشهر.

وأخرى سياسية تدور حول: الحريات (اعتقال صحفيين وغلق صحف) وقوانين تأميم الكتابة، وحجب ما يزيد على 600 موقع إلكتروني، وعقاب من يكتب على مواقع التواصل منتقدا السلطة سواء صحفي أو مواطن.

وترصد "الشبكة العربية لحقوق الإنسان" عبر موقعها الإلكتروني أسماء 36 صحفيا وإعلاميا تقول إنهم معتقلون في مصر.

وفي تقريرها الأخير 27 يناير/ كانون ثاني 2021، بمناسبة مرور 10 سنوات على ثورة يناير، رصدت منظمة "مراسلون بلا حدود 100 صحفي معتقل.

وأكدت أن حرية الصحافة بمصر "في الحضيض بعد 10 سنوات على الثورة"، منتقدة "التصعيد القمعي الذي يطال وسائل الإعلام وموجة الاعتقالات التي شملت ما يفوق 100 صحفي".

وفصلت صحف العشرات لعدم قدرتها على دفع رواتبهم، وخفضت أخرى الأجور، وأصبحت الصحف تدار بـ"جهاز سامسونج" بتعليمات من ضابط مخابرات برسائل واتس آب، وتتشابه عناوينها وأخبارها، فعزف المصريون عنها.

ويقول سعد عبد الحفيظ عضو مجلس النقابة الحالي إن "أكبر الصحف لا توزع أكثر من 50 ألف نسخة".

 

مرشحون محتملون

وتضم بورصة المرشحين المحتملين لمنصب النقيب، ضياء رشوان النقيب الحالي ورئيس هيئة الاستعلامات، وعبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، ورفعت رشاد عضو مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وكارم محمود عضو مجلس النقابة السابق، وخالد البلشي عضو لجنة الحريات السابق.

والمرشح الأول المحتمل هو بمثابة موظف لدى السيسي (رئيسا لهيئة الاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية)، دخل في معارك مع قناة BBC مارس/شباط 2019، ومراسلين أجانب بسبب نقدهم للقمع وغياب الحريات.

وفي 24 مارس/ آذار 2019، أصدر – بصفته رئيسا لهيئة الاستعلامات- بيانا يدين موقع BBC بدعوى "التحريضي المُسيء"، ويطالب بمقاطعتها، بسبب تغطية حملة ضد السيسي باسم (اطمن أنت مش لوحدك).

وأجبر "رشوان" المراسلين الأجانب على عقد لقاء شهري معهم لتلقينهم ما يقولون وتوزيع أخبار وفيديوهات جاهزة لعرضها في محطاتهم وصحفهم.

واشتكى مراسلون أجانب لـ"الاستقلال" من ضغوط رشوان عليهم وانتقاده لتناول صحفهم انتهاكات حقوق الإنسان بمصر، ما دفعه بعضهم لطلب مغادرة مصر.