انتداب "يونتيامس" في السودان.. تقسيم جديد أم دعم للسلام؟
أثار قرار انتداب بعثة أممية متكاملة في السودان، وتمديد مهمة قوة حفظ السلام الدولية في إقليم دارفور، مخاوف من تقسيم جديد يشهده البلد العربي، الموضوع منذ سنوات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة العسكرية والعقوبات السياسية والاقتصادية ضد البلد المعني أو أي أفراد فيه يهددون الأمن والسلم.
وفي 4 يونيو/ حزيران 2020، أصدر مجلس الأمن الدولي، قرارا بالموافقة على طلب الحكومة السودانية، إرسال بعثة أممية تحت مسمى "يونتيامس"؛ مهمتها دعم المرحلة الانتقالية.
ولم يوضح المجلس، في تقريره بصورة جلية أن "البعثة الجديدة ستعمل تحت الفصل السادس (الذي يتضمن تقديم الاستشارات السياسية والفنية فقط) أم لا"؛ إذ إنه نص غير مكتوب، وهو ما أثار تخوفات من تحول السودان إلى ساحة لـ"التدخل الخارجي أو فرض الوصاية".
كما حث على ضرورة التنسيق الوثيق بين بعثتي "يونتيامس" و"يوناميد" والأخيرة عملية مختلطة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور، بما في ذلك ضمان أن يكون انتقال المهام الأممية بالسودان في نهاية المطاف من الثانية إلى الأولى، على مراحل متسلسلة، دون تحديد موعد دقيق لإنهاء أعمال الأولى.
وتباينت رؤى محللين ومراقبين سودانيين بشأن القرار الأممي الجديد، بين من رآه "فرضا للوصاية واستعمار جديد قد يفضي إلى تقسيم البلاد"، في مقابل كونه يأتي في سياق دعم السلام واحتواء الأزمات.
غضب وتحفظ وصراع
ورفضا للقرار الأممي، تجمع عشرات المتظاهرين، 10 يونيو/حزيران، قرب مقر قيادة الجيش السوداني، وسط الخرطوم، رغم حظر التجمعات بسبب فيروس "كورونا" (كوفيد 19)، ما أدى إلى صدامات مع الشرطة.
ووفق تقارير، هتف المتظاهرون: "الموت ولا حمدوك" في إشارة إلى رئيس الوزراء، و"الله أكبر.. تسقط حكومة العملاء"، التي اعتبروها "حكومة تجلب الاحتلال".
وفي المقابل جاء الرد الحكومي مرحبا بـ"بتحفظ" (دون تفاصيل)، بعد أيام من الصمت على صدور القرار؛ ما جعل مراقبين يصفونه بانعكاس لصراع المكونيين العسكري والمدني في الحكومة.
بينما رحبت "قوى إعلان الحرية والتغيير" بالقرار واعتبرته استجابة لمطالب توفير السند الدولي للسودان.
وبدوره، قلل الباحث السوداني والخبير في القانون الدولي محمد علي فزاري، من "مخاوف ومزاعم التقسيم" في بلاده حيال عمل البعثات الأممية، وقال: إن "سودان اليوم يختلف عن سودان النظام السابق الذي كان يدخل في مساومات أدت إلى فصل الجنوب".
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "رغم وجود بعض الحركات المسلحة التي تطرح خيار العلمانية أو تقرير المصير مثل الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، إلا أن هذا الأمر سابق لأوانه، وكل الأمور متروكة لمؤتمر دستوري عام يختار فيه السودانيون شكل الدولة".
وبشأن ما يثار عن وجود أطماع إقليمية ودولية وراء انتداب البعثة الأممية الجديدة في السودان، على غرار الشرق وموانئ البحر الأحمر، قال فزاري: "بالتأكيد توجد أطماع قوى إقليمية ودولية كثيرة في السودان وثرواته، لكن ليس للمدى المخيف؛ لأن هذه البعثة تدخل بقرار محدد وتفويض واضح من مجلس الأمن الدولي".
وزاد بالقول: إن "واقع السودان الجديد يبدد تلك المخاوف، سودان ما بعد الثورة رسم معالم وملامح سياسية خارجية واضحة مبنية على التوازن وترجيح مصلحة الشعب".
وشدد أن القضايا في البحر الأحمر والخلافات في المناطق الحدودية مع دول الجوار العربي والإفريقي، تحسم بالمفاوضات والرجوع إلى القانون الدولي والاتفاقيات السابقة.
كما استبعد فزاري وجود بوادر انقسام في الجبهة الداخلية بشأن القرار الأممي، موضحا أن قوات الأمم المتحدة (يوناميد) موجودة منذ 2007، والتحفظ الوحيد على القرار يتمثل في عملية صناعة الدستور، الأمر الذي تراه بعض القوى السياسية تدخلا في الشؤون الداخلية.
وردا على ما أثير عن مساعي القوى المدنية والحكومة القبول بدعم دولي أمام المكون العسكري، قال فزاري: "لا أعتقد هنالك مكون يحاول الاستقواء بالخارج، والسودان لا يتوسل الأمم المتحدة –كما أكد رئيس الوزراء- بل هو (الدعم الأممي) حق أصيل للسودان كونه عضوا في المنظمة الدولية يدفع اشتراكات ويحضر اجتماعات سنوية".
غير أنه أشار إلى احتمالية نشوء خلاف فيما يتعلق بعمل المحكمة الجنائية الدولية في بلاده، يؤيده المكون المدني بالمطلق ويتحفظ عليه المكون العسكري في الحكومة الانتقالية.
صلاحيات موسعة
وشمل خطاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في طلب الدعم من الأمم المتحدة، مجالات على رأسها " دعم مفاوضات السلام، والمساعدة في تعبئة الدعم الاقتصادي الدولي، ودعم عمليات نزع السلاح وعودة النازحين واللاجئين".
غير أن رئيس حزب دولة القانون والتنمية بالسودان، محمد علي الجازولي، قال: إن صلاحيات البعثة الجديدة (يونتيامس) في البيان الأممي، تخطت مطالب حكومة حمدوك.
وأوضح في مقطع فيديو بثته فضائية "طيبة" السودانية، أن البعثة الجديدة ستشمل ولايتها كل السودان، وسيكون لها قوة عسكرية، وذات صلاحيات واسعة، بجانب التنسيق الكامل مع "يوناميد" التي تعمل وفق البند السابع (التدخل العسكري) في دارفور.
ولم يوضح مجلس الأمن الدولي، في تقريره بصورة جلية أن "البعثة الجديدة ستعمل تحت الفصل السادس أم لا"، إذ إنه نص غير مكتوب في التقرير الصادر عنه.
وتطرق الجازولي، أيضا، إلى إشارات في قرار تشير إلى أن بعض موظفي بعثة "يوناميد" ومنقولاتها ستؤول لبعثة "يونتيامس"، موضحا أنه بانتقال صلاحيات يوناميد إلى البعثة الجديدة، سيكون للأخيرة صلاحيات الأولى لكن في جميع مجالات العمل الحكومي في كل السودان، بما في ذلك التنسيق العسكري.
وسبق أن ربط مراقبون بين عدم إعادة النازحین في دارفور، واستدامة وجود البعثة الأممية وعدم خروجھا من السودان؛ لتلعب دورا في مستقبل ما بعد الرئيس السابق عمر البشیر.
وخلافا لما ذكره حمدوك بأن "يونتيامس" بعثة "مدنية" إلا أن قرار مجلس الأمن بشأنها يشير إلى مساهمة الدول الأعضاء بـ"نظاميين" في البعثة، مما يدل وفق الجازولي على وجود عسكريين فيها، رغم عدم إقرار المجلس ذلك.
وأشار إلى القرار الأممي يكاد يغطي جميع أوجه النشاط الحكومي والاجتماعي بالتركيز على "أجندة ليبرالية غربية".
إلى ذلك، حذر حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم سابقا في السودان، من تداعيات عمل البعثة الجديدة المتمثلة في "التدخل الخارجي والوصاية الدولية أو الاستعمار بوجهه الجديد"، وفق بيان.
يؤكد المؤتمر الوطني رفضه التام لكافة أشكال التدخل الخارجي والوصاية الدولية أو الاستعمار بوجهه الجديد
— Prof. Ibrahim Ghandour (@GhandourProf) June 6, 2020
وقال في 6 يونيو/حزيران: إن "مشروع يونتيامس عوضا عن يوناميد، لا يعدو إلا أن يكون تلبيسا والتفافا من الدول التي تقف خلف القرار (صاغته بريطانيا وألمانيا) لتمرير ذات الأجندات الأولى".
وذكر أن الأجندات تتمثل "في تشكيل غطاء استخباري لحماية مصالحها، ومواصلة للمبادرات الاستعمارية المتصلة، والتي تستبطن إضعاف البلاد والإبقاء على الوضع المأزوم، واستغلال الموارد بصورة ماكرة، سعيا للمزيد من الأزمات وإشاعة الفوضى".
وكان الكاتب الصحفي السوداني ياسر محجوب الحسين، قد حذر في مقال بمايو/أيار 2020 من أن الانتداب الأممي "يسعى لإنفاذ مخطط استعماري جديد يهدف إلى تقسيم السودان وتفتيته إلى دويلات صغيرة تخضع جميعها لرعاية ووصاية الولايات المتحدة التي تتحكم في منظمة الأمم المتحدة".
أهداف سرية
بدوره تحدث الكاتب والصحفي السوداني محمد عثمان، في مقال مطول قبيل الإقرار الأممي في مايو/أيار، عن الجدل الذي يدور حول عمل البعثة الأممية في بلاده.
وأكد أن "أي بعثة أممية للسلام في العالم، لم تنجح في تأسيس حكومات ديمقراطية أو مدنية أو استبعاد الجيوش من كرسي الحكم".
وحصر ما اعتبره "أهدافا سرية لطلب البعثة" في رغبة بعض الدول الغربية البقاء في السودان والتأثير على مجريات الأوضاع فيه من خلال المنظمة الدولية عوضا عن التدخل المباشر.
كما أشار إلى أن بعض الدول الإفريقية تريد الاستمرار في إبقاء قواتها ضمن قوات حفظ السلام وتغيير وحداتها العسكرية، بحيث تضمن المكاسب المالية الهائلة واستقرار حكامها على حساب السودان.
واتهم عثمان، عناصر بحكومة حمدوك ونخب الخرطوم، بفتح الطريق أمام البعثة الأممية، كي توفر وظائف ضخمة للمئات ولرجال الأعمال المحليين تعاقدات مالية بمليارات الدولارات، وفق قوله.
وتوقع أن تزيد البعثة الأممية من الشقاق غير المعلن، أو المواجهة المؤجلة بين الجيش وقوات الدعم السريع (بقيادة حميدتي)، بينما هناك ضرورة ملحة للتحالف وإعادة تنظيم العلاقة بينهما.
وفي مقابل ذلك، أكدت الصحفية السودانية شمائل النور، أن "السودان كعضو في الأمم المتحدة يحق له الاستفادة من خدماتها"، مشيرة إلى أنه يبقى المحك في كيفية استفادة الحكومة من البعثة السياسية (الأممية) وبرامجها.
واعتبرت في حديث لـ"الاستقلال" أن القرار الأممي بانتداب البعثة الجديدة خلق حالة اصطفاف داخلي، لكنه جاء لصالح الحكومة لأن المجاهرين برفض البعثة هم مؤيدو النظام السابق، وفق قولها.
ورأت أن النظام السابق هو الذي وضع البلاد في مهب التدخل الخارجي، مشيرة إلى أن "طبيعة التغيير فرضت شراكة بين قوى الثورة وعسكريين ذوي صلة بالنظام السابق، وخلقت مخاوف وسط المكون المدني، الذي وجد نفسه هائما في جهاز الدولة المسيطرة عليه القوى القديمة".
وفيما يتعلق بتمديد عمل "يوناميد"، أوضحت الصحفية السودانية أن "الوضع على الأرض في دارفور لا يزال مقلقا (..) رغم تراجع العمليات العسكرية بين الحركات المسلحة والحكومة؛ لكن هناك ما هو أسوأ وهو سيطرة المليشيات والاقتتال القبلي الذي لا زال مستمرا".