اتفاق الطاقة بين العراق وإيران.. هل تصمت واشنطن على خرق العقوبات؟
أبرم العراق اتفاقا جديدا مع إيران لاستيراد الطاقة الكهربائية لمدة عامين، وذلك خلال زيارة رسمية أجراها وفد إيراني برئاسة وزير الطاقة رضا أردكانيان إلى بغداد في 3 يونيو/ حزيران 2020، التقى خلالها برئيسي الجمهورية والحكومة والعراقيين.
الاتفاق الجديد يأتي بعد تمديد 4 أشهر منحته الولايات المتحدة للعراق بمناسبة تشكيل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 7 مايو/ أيار 2020، وأن الهدف منه هو رغبة واشنطن في توفير سبل النجاح للحكومة الجديدة، بحسب تغريدة نشرها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على "تويتر".
Great to speak today with new Iraqi PrimeMinister Mustafa al-Kadhimi. Now comes the urgent, hard work of implementing the reforms demanded by the Iraqi people. I pledged to help him deliver on his bold agenda for the sake of the Iraqi people.
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) May 7, 2020
"خرق للعقوبات"
لكن الاتفاق الذي أبرمه العراق مع إيران مؤخرا، أثار الجدل حول مدى قدرة الطرفين على تطبيقه في ظل عقوبات أميركية مشددة على طهران.
الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم قالت لـ"الاستقلال": "الاتفاقية تعتبر خرقا للعقوبات الأميركية، لذلك كانت واشنطن تحدد الاستثناءات من هذه العقوبات بمدد زمنية. القضية (الموقف الأميركي) ستظهر في المحادثات الإستراتيجية بين بغداد وواشنطن التي بدأت في 11 يونيو/ حزيران 2020".
سميسم أكدت أن "أميركا تريد أن تفهم بالضبط ما هي وضعية العراق في اتفاقياته الاقتصادية مع إيران، والتي يبدو أن طهران غير مهتمة لذلك، لكن العراق بهذه الحالة رهن مستقبل الطاقة فيه، لا سيما الكهربائية، بيد إيران".
وأشارت سميسم إلى أن "الاتفاقية تعرض مصلحة البلد، ولا سيما الاقتصادية إلى الخطر، والسؤال إلى المسؤولين العراقيين، ما هي الأسس التي استندتم إليها في المراهنة بالمصالح العراقية مقابل الاتفاق الجديد مع إيران؟، لأن هذا ملف حساس جدا، ويضرب بقرار العقوبات الأميركية عرض الحائط".
ورأت الخبيرة الاقتصادية أن "ربط ملف الطاقة كليا مع إيران، هو مغامرة سياسية اقتصادية وطنية لا يقوى العراق على تحملها، ولاسيما أننا سمعنا من بعض القادة الجمهوريين عن رغبة الولايات المتحدة لشمول الدول المتعاطفة والمتعاونة مع الاقتصاد الإيراني بنمط جديد من العقوبات، وأبرز من ذكروا هم سوريا ولبنان والعراق".
"ضربة جديدة"
ورغم غياب الموقف الرسمي الأميركي من الاتفاق الجديد بين العراق وإيران، لكن موقع "ذي واشنطن فري بيكون" كشف خلال تقرير نشره في 8 يونيو/ حزيران 2020 عن استعداد أعضاء بالحزب الجمهوري بالكونجرس لاقتراح أكبر حزمة من العقوبات على إيران الأسبوع الجاري.
وحسب الموقع، فإن هذه العقوبات "غير مسبوقة" وستهدف إلى "شل مشروع الإرهاب العالمي في طهران وإفلاس النظام الذي يعاني من ضائقة مالية"، مشيرا إلى أن الجمهوريين سيصدرون مقترحا تشريعا ضخما يستهدف "الأنظمة الخبيثة" في جميع أنحاء العالم بما في ذلك روسيا والصين وإيران، ويتضمن أكثر من 150 مبادرة جديدة.
ونقل الموقع عن السيناتور الأميركي مايك جونسون رئيس لجنة الدراسات الجمهورية، قوله: "الجزء الخاص بإيران يتضمن فرض أقسى العقوبات لتوسيع حملة الضغط التي تفرضها إدارة الرئيس ترامب على النظام الإيراني لأقصى حد".
وشدد جونسون على أن "الجمهوريين يعتزمون اقتراح سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى إعاقة التعاون الاقتصادي بين إيران مع العراق ولبنان، ومنها إلغاء إعفاءات العقوبات".
وكشف موقع "ذي واشنطن فري بيكون" الأميركي أن الإجراءات الجديدة تستهدف إلغاء عقود تصدير الكهرباء بين بغداد وطهران، ووقف حصول إيران على 800 مليون دولار من العراق.
"تسوية سرية"
الصمت الأميركي على الاتفاقية الجديدة بين طهران وبغداد، زاد من تكهنات المحللين السياسيين، إذ ذهب بالبعض إلى الحديث عن وجود تسوية سرية بين الولايات المتحدة وإيران.
الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي أحمد الشريفي قال في تصريحات صحفية: إن "إبرام اتفاقية تخص الطاقة مع طهران والإعلان عنها دون أن يكون هناك رأي واضح من واشنطن، يدل على أن العراق ذاهب باتجاه خرق العقوبات على إيران".
ورأى الشريفي أن" الصمت الأميركي يفيد بوجود تسوية سرية، قد تدخل بشكل أو بآخر في إطار التفاهمات التي تجري بين العراق والولايات المتحدة، بمعنى أنها تسوية بين إيران والولايات المتحدة يقودها العراق".
ولفت إلى أن "الرأي العام معني اليوم بموقف الحكومة العراقية، هل ستعود إلى لعب دور ساعي البريد بين الولايات المتحدة وإيران وتجسير العلاقة بينهما وتنسى الشأن العراقي ومصالحه وثوابته الوطنية".
وتزود طهران العراق بالكهرباء بواقع 1200 ميغاوات عبر أربعة خطوط؛ هي خط (خرمشهر - البصرة)، و(كرخة - العمارة)، و(كرمنشاه – ديالى)، و(سربيل زهاب – خانقين)، إذ تشكل صادرات الغاز والكهرباء الإيرانية إلى العراق نحو 4 مليارات دولار سنويا.
ارتياح إيراني
ما أثار الجدل أيضا في اتفاق استيراد الطاقة الكهربائية الجديد، هو مبلغ الـ 400 مليون دولار الذي دفعه العراق إلى إيران أثناء زيارة وزير الطاقة الإيراني إلى بغداد، في وقت تعاني بغداد من أزمة مالية خانقة دفعت الحكومة إلى إصدار قرار بخفض رواتب المتقاعدين والموظفين وهو ما رفضه البرلمان لاحقا.
وقال وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان في تصريح نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا": "العقود السابقة لتصدير الكهرباء إلى العراق، کانت مدتها سنة واحدة، لكن هذه المرة، وقعنا عقدا مدته عامان - 2020 و2021".
وأضاف الوزير: "إيران تلقت خلال الزيارة نحو 400 مليون دولار، وهو مبلغ يعادل نصف مستحقاتها من بيع الكهرباء للعراق".
وأكد أن "محادثاته مع المسؤولين العراقيين تمخضت عن نتائج جيدة، وأنها شهدت البحث حول الاتفاقيات السابقة ومنها برنامج إعادة تأهيل صناعة الكهرباء العراقية من قبل القطاع الخاص الإيراني، ومستحقات طهران إزاء صادراتها من الكهرباء إلى العراق".
وأشار أردكانيان إلى أن الاجتماعات تمخضت عن أن "تقوم فرق فنية وتخصصية من القطاع الخاص الإيراني بزيارة العراق الأسبوع القادم لتوقيع اتفاقين مهمين في مجال خفض إهدار الطاقة في شبكة توزيع الكهرباء العراقية وكذلك تصليح وإعادة تأهيل معدات وأجهزة الكهرباء".
وأعرب الوزير الإيراني، عن "ارتياحه لنتائج الزيارة"، موضحا أنه "تحادث أيضا بالنيابة عن سائر الوزارات حول إيجاد المزيد من التسهيلات للتبادل التجاري في المجالات الأخرى بين البلدين".
توضيح عراقي
وبعد الجدل الكبير في العراق حول المبلغ المدفوع لإيران، أوضح الناطق الرسمي باسم وزارة الكهرباء أحمد العبادي، الجمعة، طبيعة الاتفاق الأخير بين العراق وإيران، بشأن الطاقة الكهربائية.
العبادي قال في بيان 5 يونيو/حزيران 2020: إن "ما تم دفعه لإيران هو مستحقات سابقة وواجبة الدفع عن ديون سابقة لقاء الكهرباء ومن سددها وزارة المالية وليست وزارة الكهرباء"، مضيفا: أن "تمديد اتفاق الكهرباء هو لما تبقى من عام 2020 وعام 2021".
وأشار إلى أن "اتفاقنا مع إيران يُعطى من ما يُقر للكهرباء من موازنات على ضوء الموازنات العامة للدولة ووزاراتها"، مؤكدا أن "الاتفاق مع إيران تم حسب قيم وأسعار النفط وفق سلة منظمة أوبك".
وبين العبادي أنه "كان حسب ما يحتاجه العراق من طاقة، مما يعني أن المدفوعات لقاء ما يجهز به العراق من طاقة، ويمكن الاستغناء عنها في فترات اعتدال الموسم دون أية تبعات مالية".
ولفت إلى أن "الوزارة تقف على مسافة واحدة من جميع دول الجوار لصناعة ملف طاقة واعد، ولدينا خارطة طريق لمشاريع ربط كهربائي مع السعودية وهيئة الربط الخليجي والأردن وتركيا".
وفي 23 مايو/ أيار 2020، أوفد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وزير المالية علي عبد الأمير علاوي إلى السعودية، لبحث الحصول على نقد مالي يسد رواتب الموظفين، وتزويد العراق بالطاقة الكهربائية.
وقال الوزير علاوي في حينها أثناء مقابلة مع صحفية "الشرق الأوسط": إن قطاع الكهرباء أخذ بعين الاعتبار خلال لقاءاته مع المسؤولين السعوديين بالرياض، ووصفها مشاريعه بأنها من المشاريع المهمة، ونريد أن تكون السعودية هي من يحصل على الحصة الأكبر من هذه المشاريع.
وشدد على ضرورة أن "نربط الشبكة الكهربائية بالعراق مع شبكة السعودية والكويت، وهذا التنوع مهم بالنسبة للتوازن الاقتصادي في العراق"، الأمر الذي اعتبره مراقبون أنه قد يهدد المصالح الإيرانية في العراق، ولاسيما بملف الطاقة الكهربائية.
المصادر
- Exclusive: Congressional Republicans to Unveil Largest Iran Sanctions Plan in History
- وزير الطاقة الايراني: محادثاتنا في العراق جيدة واتفقنا على تصدير الكهرباء
- بومبيو يمدد "إعفاء بغداد" من عقوبات طهران.. 120 يوما
- قاآني في بغداد.. هذه دلالات الزيارة والأهداف المرجوة منها
- إيران توقع عقد تزويد العراق بالكهرباء لمدة عامين
- إيضاح من وزارة الكهرباء بشأن الاتفاق الأخير مع إيران
- علاوي لـ«الشرق الأوسط»: الاستثمارات السعودية محرك رئيس لإعادة إعمار البلاد
- العراق.. الكاظمي يبحث مع وزير الطاقة الإيراني سبل التعاون