نور الدين العرباوي لـ"الاستقلال": أجندة خارجية تسعى لإسقاط تونس

12

طباعة

مشاركة

حملة إعلامية شرسة استهدفت الشيخ راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي الحالي وزعيم حركة النهضة، من اتهامات بالفساد وترويج لهاشتاج "من أين لك هذا" ثم مطالبات لبعض نواب المعارضة بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.

باتهامات أخرى طالت علاقة الغنوشي بتركيا ولقاءاته مع مسؤولين أتراك، وصولا إلى تهنئته لفائز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية بعد انتصارهم على قوات حفتر في قاعدة الوطية العسكرية.

حملة الهجوم على الغنوشي وتشويه صوته والتشكيك في رحلة كفاحه ونضاله من أجل حرية تونس، تبناها محور الثورة المضادة بوسائل إعلامه فكتبت عنها ونشرت أخبارها صحف وقنوات إماراتية وسعودية ومصرية في آن واحد.

فما حقيقة تلك الاتهامات، وكيف تتعامل معها حركة النهضة، وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر على التجربة التونسية برمتها. أسئلة كثيرة طرحناها على نور الدين العرباوي رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، الذي حكم عليه بالسجن المؤبد عام  1992 فترة حكم المخلوع الراحل زين العابدين بن علي ومكث في السجن 17 عاما.

  • اتهامات كثيرة تم توجيهها إلى الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، برأيك من الجهات التي تقف وراء هذه الحملة؟

هذه الحملة أولا هي حلقة جديدة في سلسلة طويلة ممتدة لسنوات ضد النهضة والشيخ راشد، لكن هذه المرة يبدو أن الحملة أكثر شراسة وتتبناها جهات كثيرة، هناك تقليديون درجوا وتعودوا على مناكفة الربيع العربي والتحول الديمقراطي وخاصة بعض الدول الخليجية المعروفة.

وإلى جانب هؤلاء هناك القوى المعادية للديمقراطية في تونس، وهي قوى داخلية بعضها يحمل نفس الإستراتيجية وهي معاداة الإسلاميين والديمقراطية، وهؤلاء يشتغلون على محاولة إرباك التجربة وإذا أمكن وأدها.

اتهامات تافهة

  • ما حقيقة الاتهامات الموجهة للشيخ راشد الغنوشي وكيف كان رد حركة النهضة عليها؟

هذه الاتهامات طبعا هي محاولات مستمرة منهم للتشويه منذ عام 2012، وكانت موجهة تارة لشخص الشيخ راشد وتارة لحركة النهضة، اتهامات من عينة الإرهاب، لكنهم لم يثبتوا أي شيء، لأن حركة النهضة أبعد ما تكون عن تلك الممارسات.

من يطلقون هذه الاتهامات ليس لديهم شعبية أو برنامج اقتصادي واجتماعي يمكنهم من مواجهة حركة النهضة عبر الصندوق أو بالديمقراطية، لذلك استمرت تلك المحاولات منهم دون جدوى أو تأثير.

لكن هذه المرة كانت الاتهامات لشخص الغنوشي بالفساد والتربح والثراء غير الموجود أصلا ولا يمكن لأي عاقل إلا أن ينتبه أن تلك القوى راهنت على إسقاط التجربة سواء بتغذية الاحتقانات الاجتماعية ودفع الدولة إلى الإفلاس واصطناع الإرهاب واصطناع الاغتيالات السياسية وفشلوا في كل مرة.

فالآن هم يبحثون عن شعار جديد وحملة تشويه جديدة، لكنها فشلت قبل أن تبدأ لأنهم لم يمتلكوا ولن يمتلكوا أي دليل لإثبات تلك التهم بحق الشيخ راشد الغنوشي.

السعودية والإمارات

  • تحدثت عن بعض الدول الخليجية المعروفة التي تقف وراء هذه الحملة، من تقصد بهذه الدول؟

بالطبع السعودية والإمارات، وهل يوجد غيرهما يقول هؤلاء إخوان مسلمين ويردد تلك التهم الخاصة بالإرهاب.

  • ما طبيعة العلاقة بين الدولة التونسية ككل رئاسة وبرلمان وحكومة، وحركة النهضة بشكل خاص مع الأنظمة في الرياض وأبوظبي؟

علاقة الدولة التونسية بتلك الدول هي علاقة طبيعية، وحتى على مستوى حركة النهضة أقول إنها علاقة نريدها أن تكون طبيعية.

لكن تلك الدول لا تريد تلك العلاقة أن تكون هادئة، النهضة لم ولن تعتبرهم أعداء للشعب التونسي، لكن تلك الأنظمة الخليجية هي من تصر على استعداء حركة النهضة واستعداء التجربة التونسية ومحاصرة التجربة الديمقراطية في تونس.

أقول إن العلاقة بين تونس وتلك الدول الأصل أن تكون علاقة طبيعية وجيدة بين حكومات عربية، لكن المشكلة في الأنظمة داخل الرياض وأبو ظبي أنهم يريدون إسقاط الحكومة وإرباك التجربة وإفشال المسار الديمقراطي في تونس، لذلك أقولها بشكل واضح المشكلة في هذه الدول الخليجية وليست فينا.

  • إلى أي مدى تدخلت هذه الدول الخليجية في المطالبات التي ترفعها المعارضة التونسية الآن بشأن حل البرلمان وإسقاط الحكومة والدعوة لانتخابات مبكرة؟

دعني أقول لك إنه بعد الانتخابات الأخيرة نهاية العام الماضي (2019) كانت الجبهة الشعبية وهي تكتل لأحزاب اليسار التي خسرت خسارة كبيرة قد أعلنوا منذ اليوم الأول ضرورة إسقاط البرلمان وإعادة تشكيل الحكومة وشككوا في نزاهة الانتخابات، لكن هناك فارق بين تيار وطني يحمل تلك الأفكار ولا يستطيع تنفيذها وبين أن يتآمر مع قوى أخرى خارجية تتقاطع معه في نفس الأهداف لإسقاط التجربة التونسية.

هنا تلتقي الأجندات الخليجية مع بعض الأطراف التونسية في الداخل للعمل على أجندة واحدة وهي إسقاط البرلمان والحكومة وبالتالي إسقاط التجربة بأكملها، هدف تلك الدول الخليجية ليس تعويض نظام ديمقراطي بآخر يكمل مسار الثورة التونسية، وإنما الهدف الرئيسي هو استبدال تلك التجربة الديمقراطية بنظام استبدادي ينسف كل المكاسب التي حققتها الثورة في سنواتها العشر الأخيرة.

ليبيا كلمة السر

  • لماذا قامت تلك الحكومات الخليجية ووسائل إعلامها بالهجوم في هذا الوقت تحديدا على الشيخ راشد الغنوشي وحركة النهضة؟

كلمة السر هي ليبيا، الأسابيع الأخيرة شهدت تطورات ميدانية وعسكرية وسياسية كبيرة في الداخل الليبي، المؤكد أن القوى الداخلية بالتنسيق مع القوى الخارجية كلها كان شغلها الشاغل إسقاط التجربة في تونس وعينها على تطورات المشهد الليبي.

المعادلة ببساطة أن ينتصر حفتر ويتقدم نحو العاصمة ليسيطر حليف الإمارات والسعودية على المشهد في ليبيا، فتستغل الفرصة قوى داخلية تونسية بالتنسيق مع أبوظبي والرياض لإسقاط التجربة التونسية، كان السيناريو يسير في هذا الاتجاه أو ما أسميه ساعة الصفر بسقوط العاصمة الليبية طرابلس لتنطلق بعدها مباشرة موجة اضطرابات لإسقاط البرلمان والحكومة التونسية.

ما حدث من انتصار وتقدم قوات حكومة الوفاق أسقط حساباتهم وانتهى بذلك وهم إسقاط طرابلس ومن ورائه وهم إسقاط تونس أيضا، لذلك أقول دلالة التوقيت تعطينا مؤشرا على أن حملتهم الأخيرة ضد الغنوشي جاءت كردة فعل مباشرة على هزيمة حليفهم في ليبيا.

  • رغم تهنئة زعيم حركة النهضة لرئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج بعد انتصاره على قوات حفتر في قاعدة الوطية، إلا أن البعض يرى أن تونس تقف موقف الحياد من الأحداث في ليبيا؟

الموقف الرسمي وموقف حركة النهضة كان دائما متناغما ومتجانسا، وهو الدعوة إلى حل سلمي للأزمة الليبية يقوم به الليبيون فيما بينهم، ورغم أن قوات حفتر لم تكن تخفي عداءها للتجربة التونسية ولحركة النهضة ، كان موقفنا معبرا عن رؤية وطنية تتعلق بارتباط أمننا الوطني بأمن ليبيا.

ليبيا هي جارتنا والغرب الليبي هو الأقرب لنا، والموقف باختصار أن ليبيا يوجد فيها طرف يسيطر على الشرق وهو عدو للتجربة التونسية، وطرف آخر يسيطر على العاصمة وأجزاء من الغرب الليبي وهو صديق للتجربة التونسية، من الطبيعي أن يكون موقفنا داعما لجارنا الأقرب والصديق لتجربتنا الديمقراطية، موقفنا داعم للحكومة الشرعية وهي حكومة الوفاق الوطني الليبية المنبثقة عن اتفاق الصخيرات.

الدبلوماسية التونسية تحترم المواثيق الدولية وما تقوله الشرعية الدولية، لذلك من الطبيعي أن نكون إلى جانب الموقف الرسمي التونسي الداعم للحكومة الشرعية في ليبيا.

  • بالعودة للداخل التونسي، ما حقيقة الخلاف بين الرئيس قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي؟

يمكن القول إن هناك جهات تعمل على خلق توتر بين مؤسسات الحكم وخاصة بين مؤسسة الرئاسة من جهة ومؤسسة البرلمان من جهة أخرى، لكن نحن واعون بهذا الأمر.

الشيخ الغنوشي وحركة النهضة حريصون كل الحرص ونعبر عن ذلك في بياناتنا أن مؤسسات الدولة جميعها يجب أن تكون منسجمة وتعمل كوحدة واحدة.

إننا رغم تلك الحملات المشبوهة للوقيعة بين الرئاسة والبرلمان، إلا أننا سنعمل بكل قوة على وأد تلك الحملات في مهدها.

مورو والغنوشي

  • كيف ترى الانسحابات الأخيرة من قيادات كبيرة داخل حركة النهضة على غرار الأستاذ عبد الفتاح مورو والأستاذ عبد الحميد الجلاصي؟

الأستاذ مورو أعلن انسحابه بعد مسيرة زاخرة وهذا ديدن الرموز السياسية الكبيرة في التجارب الديمقراطية، من عاش وعايش التجارب والمحطات التي عايشها ومر بها الأستاذ مورو من الطبيعي أن يتوقع انسحابه وإنهاء مشواره السياسي بهذا الشكل المشرف.

الأستاذ مورو أنهى مسيرته في عام 2019 بمحطتين سياسيتين لا يوجد ما هو أكبر وأهم منهما، رئاسة البرلمان ثم الترشح لرئاسة تونس، وقد حل في المرتبة الثالثة في هذا السباق الرئاسي.

من قضى 50 عاما في الحياة السياسية لا نستغرب أن ينهي مسيرته السياسية وقد وصل إلى تلك المكانة الكبيرة داخل حركة النهضة وداخل مؤسسات الدولة أيضا.

لو كنت مكان الأستاذ مورو سيكون من حقي أن أحصل على نصيبي من الراحة بعد نصف قرن من العمل الوطني والنضال السياسي.

  • كيف يؤثر انسحاب قيادات كبرى ورموز تاريخية داخل حركة النهضة على مسيرتها السياسية؟

لو أن الحركة مستقبلها مرهون بشخص أو بضعة أشخاص فهذا ليس مؤشرا إيجابيا، لكن الأصل أن الحركة طيلة السنوات الأربعين منذ عام 1981 وكوادرها تعد بالعشرات ويمكن بالمئات، لن نكون سعداء بانسحاب أي رمز من الحركة، لكننا لن نتوقف وسنحاول إعادتهم مرة أخرى.

الحركة لن تتوقف بذهاب هؤلاء وسنعمل على استعادتهم وبناء كوادر جديدة تكمل مسيرة النهضة فنحن نحمل مشروعا وطنيا كبيرا ليس مرهونا بأشخاص بعينها.

  • النهضة تستعد لمؤتمرها الحادي عشر وقانونها الأساسي يمنع الشيخ الغنوشي من الترشح لدورة قادمة، هل يمكن القول إن الاستعداد لخلافة الغنوشي قد بدأ بالفعل؟

هذا هو موضوع الساعة داخل الحركة، في خلال أيام تقريبا سينعقد مجلس الشورى في دورة خاصة، وسنكون منفتحين على كل السيناريوهات حول هذا الأمر، هناك من يرى أن هناك قانونا أساسيا يجب احترامه، وهناك من يرى أن القانون الأساسي يحتاج إلى مراجعة.

الهدف الرئيسي هو تنظيم حياة الحركة وشؤونها طبقا لمصلحتها العليا، لذلك سيتم مناقشة كل الآراء بكل انفتاح، ليس هناك شيء نهائي الآن بخصوص هذا الأمر، لكني أؤكد أننا سنصل إلى قرار نهائي يحفظ للحركة مستقبلها ويحترم قانونها الأساسي.