"لدينا دليل".. واشنطن بوست: هذا رد أسرة الجبري على اتهامات ابن سلمان
قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية: إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يقود حملة وحشية ضد مسؤول مخابراتي سابق، بعدما كان يُوصف في السابق من قبل الأمير الحاكم على أنه ودوائره المقربة على أنه "بطل".
وذكر ديفيد ايجناتيوس الكاتب في الشؤون الخارجية بالصحيفة أن "أكثر ما يُسبب الرعب في قلوب ضباط المخابرات هو تخلي الأصدقاء الذين شاركوهم الحرب ضد الأعداء المشتركين، فيتولد لديهم شعور بالخيانة الوحشية وتحطم الثقة، ويمثل هذا انتهاكا للقواعد غير المكتوبة في عالم التجسس".
ويؤكد الكاتب أن كبار مسؤولي المخابرات البريطانيين والأميركيين يشعرون بتأنيب الضمير هذه الفترة مما يتعرض له ضابط ومسؤول المخابرات السعودي السابق سعد الجبري الذي ساعد في بناء قدرات المملكة العربية السعودية، والذي قدم لهم في هذا الإطار ما يطلقون عليه: "ما لا يُقدر بثمن".
وقال خالد، نجل الجبري، طبيب القلب الذي يعيش مع والده في تورونتو، خلال المقابلة: إن اثنين من أشقائه الأصغر - عمر 21 سنة، وسارة 20 سنة - اعتقلا وسُجنا في منتصف مارس/ آذار من قبل نظام ابن سلمان كوسيلة ضغط لإجبار والدهم على العودة إلى المملكة من المنفى في كندا.
وأكدت واشنطن بوست أن ابن سلمان يمارس ضغوطا هائلة على مسؤولين ممن يطلق عليهم ركائز محاربة الإرهاب في السعودية، والذين تعاملوا مع الجبري مُتهما الأخير بأنه ضالع في اختلاس أموال عامة في عهد ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف، وأنه متعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين.
أنكر خالد الجبري كل هذه الاتهامات حين قال: "هذه ادعاءات لا أساس لها، ولدينا دليل على أن لها دوافع سياسية، ومهما كانت الادعاءات التي يقدمونها، لا شيء يبرر احتجاز أطفالي كرهائن"، في حين رفض سعد الجبري التعليق. كما ورفض مسؤول سعودي رفيع المستوى التعليق على القضية.
يؤكد أصدقاء الجبري أن الحكومات الغربية التي ساعدها الرجل على مر السنين يجب أن تهب لمساعدته الآن، ويقول مسؤول بريطاني سابق، متحدثا للعديد من زملائه: "من منظور أخلاقي، من واجبنا مساعدته في وقت الشدة".
دراسته وجهوده
وقال مايكل موريل، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن الجبري في رسالة نصية هذا الأسبوع: "ما يحدث له ولعائلته خطأ، لقد أنقذ عمله حياة السعوديين والأميركيين، في المملكة وخارجها، كنت أثق به في حياتي مع عائلتي، لا أستطيع أن أفهم أنه سيتآمر ضد حكومته".
وعبر جورج تينيت، الذي شغل منصب مدير وكالة المخابرات المركزية خلال إدارتي بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، عن ثقته في الجبري. وقال تينيت في مقابلة: "لقد كان شخصا قويا للغاية".
وقد عمل تينيت مع الجبري، بدءا من عام 2003، لبناء نظام أمني سعودي حديث يمكنه محاربة تنظيم القاعدة واختراق صفوفه في اليمن.
وساعد الجبري في الإشراف على شبكة من المخبرين التي كشفت مؤامرة عام 2010 لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لإرسال قنابل لا يمكن اكتشافها في خراطيش طابعة الكمبيوتر على الطائرات الأميركية.
ويقول المسؤولون الأميركيون والبريطانيون السابقون في مكافحة الإرهاب: إن الجبري، ساهم في الإشراف على هذه العملية والعديد من العمليات الأخرى، وساعد في إنقاذ المئات - وربما الآلاف - من الأرواح.
وفي القتال ضد القاعدة، كان الجبري أحد الأبطال العرب، إلا أنه يتعرض هو وعائلته إلى حملة وحشية، في الوقت الذي لا تتحرك فيه الحكومات الغربية لمساعدته، تقول واشنطن بوست.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن والد الجبري كان قد توفي عندما كان صبيا في حائل، وهي مدينة صحراوية شمال غرب الرياض، وللمساعدة في إعالة أسرته، التحق بأكاديمية للشرطة السعودية، ثم ذهب للعمل كضابط شرطة في الطائف، في الزاوية الجنوبية الغربية من البلاد.
درس اللغة الإنجليزية، وفي أواخر الثمانينيات، حصل على درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر في كلية سعودية بالظهران، ثم ساعد في تأسيس برنامج لتلك العلوم في كلية الملك فهد الأمنية بالرياض، حيث قامت وزارة الداخلية في المملكة بتدريب ضباطها المستقبليين.
حصل على درجة الدكتوراه في عام 1997 من جامعة إدنبرة مع أطروحة، أراد العمل لدى أرامكو، شركة النفط العملاقة بعد عودته، لكن الأمير نايف، وزير الداخلية آنذاك، أراد لهذا الشاب الموهوب أن ينضم إلى وزارته ويدرس في مدرسة الأمن.
كانت أجهزة المخابرات والأمن السعودية تعاني من التخلف وسوء الإدارة عندما بدأ الجبري شراكته مع الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية، الذي كان محافظا وأدار تحالفا غير مستقر مع القيادة الدينية، تقول الصحيفة.
في ذلك الوقت، خلقت الحملة التي تدعمها الولايات المتحدة لدعم المجاهدين في أفغانستان خلال الثمانينيات شبكة من الشباب المتطرفين الذين أرهبوا العائلة المالكة.
بعد مايو/أيار 2003، بدأ تغيير جذري، عندما هاجمت عناصر القاعدة مجمعا غربيا في الرياض، فقتلوا 35 شخصا، بينهم 10 أميركيين.
سافر تينيت، مدير وكالة المخابرات المركزية، إلى الرياض وحذر ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله من أن العائلة المالكة والبلاد نفسها في خطر.
جعل ذلك الحدث السعوديين أخيرا جديين، حيث بدأ محمد بن نايف في إنشاء خدمة أمنية حديثة، تعرف باللغة العربية باسم المباحث، وكان الجبري، بصفته رئيس هيئة موظفي ابن نايف، الرابط الرئيسي بين المملكة والغرب.
كتب تينيت في مذكراته لعام 2007: "في مركز العاصفة: سنواتي في وكالة المخابرات المركزية": "لا يزال العالم ليس مكانا آمنا، ولكنه مكان أكثر أمانا الآن بسبب الخطوات العدوانية التي بدأ السعوديون في اتخاذها".
و ذكر مسؤول بريطاني كبير عمل عن كثب مع الجبري خلال مقابلة عن إصلاحات ما بعد 2003: "فجأة كنا نتعامل مع مجموعة مهنية لديها دعم سياسي، سعد هو الشخص الذي وفر الروابط التي جعلت الأمور تحدث".
أنشأ الجبري وراعيه، محمد بن نايف، منازل لإعادة تأهيل الشباب "الجهاديين"، حيث عمل مارك ساجيمان، الذي كان آنذاك ضابطا صغيرا في وكالة المخابرات المركزية، كطبيب نفسي، في تطوير برامج مكافحة الإرهاب هذه، عن كثب مع الجبري. يتذكر ساجيمان "لقد نظر إلى الحقائق وليس التحيزات".
نتيجة لكل ما قام به ضدهم، أصبح ابن نايف وكبار مساعديه أهدافا لتنظيم القاعدة وفروعها، حيث يقول خالد الجبري: إن والده نجا من محاولة اغتيال عام 2005 من قبل التنظيم في شبه الجزيرة العربية عندما تم القبض على القتلة المحتملين في مرآب للسيارات أثناء قيامهم بتغيير لوحات ترخيصهم والاستعداد للهجوم.
حياته السياسية
وأكدت واشنطن بوست في تقريرها أنه في مجتمع البلاط السعودى فى المملكة، فإن عامة الناس مثل الجبري ينهضون ويسقطون مع رعاتهم الملكيين، وهي حقيقة حياة أحادية تكون أساسية للنهاية المأساوية لمسيرة الرجل.
في يناير/كانون الثاني 2015، تولى الملك سلمان العرش بعد وفاة سلفه عبد الله. في البداية بدا أن الأمور تسير على ما يرام بالنسبة للجبري، حيث جرى تعيين راعيه محمد بن نايف وليا للعهد.
كان لدى الجبري مشكلتان في التعامل مع محمد بن سلمان: أولا، كان يعارض بشكل صريح قرار ولي العهد بشن حرب في اليمن في مارس/آذار 2015، ويتذكر خالد أن والده قال: "إذا دخلت في حرب، فسيكون ذلك بمثابة موت". بعد خمس سنوات، يبدو أن السعوديين توصلوا إلى نفس النتيجة.
المشكلة الثانية هي أن ولي عهد أبوظبي، كان يشك في الجبري. فوفقا لعدة مصادر سعودية وبريطانية، عندما زار محمد بن سلمان أبو ظبي في أبريل/نيسان 2015، حذره محمد بن زايد من أن الرجل "إسلامي قد تكون له روابط سرية مع جماعة الإخوان المسلمين".
رفض خالد الجبري هذا الاتهام وقال: "والدي مسلم متدين، لكن الادعاء بأن شخصا مستهدفا من قبل القاعدة في شبه الجزيرة العربية سيكون أيضا عضوا في جماعة الإخوان المسلمين هو ادعاء مناف للعقل".
جرى عزل الجبري في 10 سبتمبر/أيلول 2015، بينما كان الملك سلمان وابنه عائدين إلى الرياض من زيارة للقاء الرئيس باراك أوباما في واشنطن. غادر الرجل الحكومة، لكنه استمر لمدة عامين تقريبا كمستشار شخصي للأمير محمد بن نايف.
في 17 مايو/أيار 2017، قبل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرياض، فر الجبري من المملكة إلى منزل لقضاء عطلة في تركيا، وانتقل بعد ذلك إلى تورونتو.
سعى السعوديون لتسليمه بتهمة إساءة استخدام أموال المخابرات ولكن تم رفض الطلب، بحسب خالد الجبري. حاول الرجل إخراج جميع أطفاله الثمانية من البلاد عند استشعار الكارثة المقبلة، لكن العديد منهم بقي داخل السعودية.
في 18 يونيو/حزيران 2017، وفقا لنجله خالد، تواصل ابن سلمان مع سعد في تورونتو، حيث كان فحوى الرسالة هو أن ولي العهد أراد عودته إلى الحكومة وسيعرض عليه وظيفة أفضل مما كان يشغله من قبل.
أعطي الجبري نفسه فرصة للرد والتصرف وأخبر ولي العهد بأنه يحتاج إلى أسبوعين للتفكير حيث غادر ابنه صالح السعودية في نفس اليوم، بينما لم يتمكن ابنه وابنته الآخرين من المغادرة.
حدث الانقلاب في 20 يونيو/حزيران، حيث اختفى محمد بن نايف لمدة ثماني ساعات، وعندما خرج، أقسم الولاء لولي العهد الجديد محمد بن سلمان.
بالتزامن مع ذلك، كان عمر وسارة أبناء الجبري، قد حجزا رحلة جوية من الرياض في صباح اليوم التالي، لكنهما أوقفا في المطار ومنعا من مغادرة البلاد بناء على أوامر من المباحث.
اتصل ابن سلمان بالجبري مرة أخرى في سبتمبر/أيلول 2017، بعد أن نشر مقالا عبر مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في مدرسة هارفارد كينيدي.
وبحسب خالد، طلب الجبري الأب الإذن لأطفاله بالذهاب إلى المدرسة في بوسطن، لكن قِيل له إنه لا يمكنهم المغادرة إلا إذا عاد هو إلى المملكة.
بقيت العائلة صامتة لمدة سنتين ونصف، وسعى المسؤولون الأميركيون بهدوء إلى التدخل في القضية، دون نجاح، فولي العهد لا يزال يريد الجبري وكان على استعداد لزيادة الضغط عليه.
بعد اعتقال ولي العهد السابق محمد بن نايف في السادس من مارس/آذار 2020، جرى استجواب أبناء الجبري في مكتب أمن الدولة لمدة 90 دقيقة، حيث كانت الرسالة الموجهة إليهما أن عليهما إقناع والدهما بالعودة إلى المملكة.
في 16 مارس/آذار، داهم العشرات من ضباط الأمن مجمع الأسرة في شمال شرق الرياض واعتقلوا عمر وسارة، وجرى نقلهم إلى مكان مجهول، حيث لم يتم تقديم أي اتهامات، في الوقت الذي يقول فيه خالد الجبري: إن إخوته رهائن والفدية هي عودة والده للمملكة.
وتختتم واشنطن بوست تقريرها المطول بقولها: إن عائلة الجبري خائفة، فهم يخشون أن يؤدي الحديث عن محنتهم إلى نتائج عكسية، ولكن ماذا يمكنك أن تفعل عندما يحتجز أطفالك رهائن وتبدو الولايات المتحدة، صديقك السابق، غير قادرة على المساعدة؟
يقول خالد الجبري: "أبي وطني سعودي، وكان أحد أصول العالم في الحرب على الإرهاب، لن يهدد أي شخص، لا خيار أمامنا سوى حماية أسرتنا بكل الوسائل الممكنة".