ليلى سويف.. أكاديمية مصرية ثائرة حبس السيسي ابنها فنامت أمام زنزانته

12

طباعة

مشاركة

"لانتزاع الحقوق والحريات، لا بد من نواة صلبة قوية لا تتنازل عن حقوقها مهما كانت المعاناة". هذا ما قالته يوما د. ليلى سويف، الناشطة السياسية والحقوقية وأستاذة الرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة. 

انتشرت صورة سويف في منتصف مايو/أيار 2020 وهي في حالة يرثى لها أمام سجن طرة شديد الحراسة جنوب القاهرة، لتجسد مأساة أهالي المعتقلين بمصر، وتفجر موجة من الغضب والاستياء على مواقع التواصل الاجتماعي من تعرضها للإهانة بهذا الشكل، وفي شهر رمضان الفضيل. 

وقارن بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بين هذا المشهد وبين صورة حفل زواج صبري نخنوخ الذي خرج من السجن مؤخرا بعفو رئاسي رغم اتهامه في قضايا بلطجة ومخدرات.

وقد وصل تعنت السلطات الأمنية إلى حد إلقاء القبض على رئيسة تحرير موقع "مدى مصر" الإخباري المستقل، لينا عطا الله، بمجرد اقترابها من سويف لإجراء مقابلة معها، قبل أن تقرر النيابة العامة إخلاء سبيلها بكفالة.

فمنذ انقلابه على التجربة الديمقراطية الوليدة في البلاد، وسعيه المحموم للقضاء على أي حراك مجتمعي بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، اعتمد نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، سياسة التحطيم الممنهج لقطع الطريق أمام أية معارضة، بعد أن أصبح الترهيب والتخويف غير كافيين لتحقق ذلك.

ونسف السيسي الخطوط الحمراء، وأظهر قسوة تجاوزت أسوأ التوقعات، بهدف زرع اليأس والإحباط في النفوس، إلا أن مسيرة سويف توحي بأن هذه النوعية من "أمهات الربيع العربي" غير قابلة للكسر.

وخلال المخاض الذي سبق ثورة 2011، نشطت خلف زوجها أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح، المحامي والحقوقي البارز، وأحد مؤسسي مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان، حتى وفاته في 2014، كما شاركت أبناءها علاء ومنى وسناء، في الأنشطة والفعاليات الثورية، وخاصة أثناء فترة المجلس العسكري، ومن أهمها حملة "لا للمحاكمات العسكرية" التي أدت إلى اعتقال ابنتها منى مرتين.

أما الابن علاء فاعتقل في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 ضمن أحداث ماسبيرو، ثم اعتقل مرة أخرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 بتهمة التحريض على التظاهر.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أعلنت عن إضرابها وابنتها "منى" عن الطعام والشراب، احتجاجا على الحكم الصادر على ابنتها الأخرى سناء و22 آخرين، بالحبس 3 سنوات وغرامة 10 آلاف جنيه، فيما سمي بتظاهرات الاتحادية التي وقعت أواخر يونيو/ حزيران 2014 ضد قانون التظاهر.

وفي فبراير/ شباط 2015، حُكم على علاء بالسجن لمدة 5 سنوات. وبعد انقضاء فترة سجنه خضع لإجراءات احترازية تقضي بزيارته قسم الشرطة يوميا. 

وعندما كان ينفذ حكم المراقبة الشرطية في شهر رمضان 2019 ويغادر البيت قبل موعد الإفطار ولا يعود إلا بعد السحور، ظلت والدته تفطر يوميا أمام قسم الشرطة حتى أجبرتهم على تعديل الموعد ليتمكن علاء من الإفطار مع أسرته، قبل أن يقبضوا عليه مرة أخرى أثناء إحدى هذه الزيارات.

وعلى مدى أكثر من 30 يوما من إضرابه عن الطعام، مكثت ساعات طويلة يوميا أمام السجن، في محاولة منها لإدخال بعض المستلزمات الطبية له، بعد أنباء عن تدهور حالته ومناشدة منظمة العفو الدولية النائب العام المصري حمادة الصاوي "التحرك العاجل بسبب بواعث قلق حيال صحة علاء".

تقول سويف لموقع رصيف 22: "التعنت ضد علاء أشد لأنه مضرب عن الطعام، والنظرية عندهم إما تنكسر أو تموت، فليس مسموحا لك أن تتحداهم". 

الدعم لكل مظلوم

عقب أحداث إضراب 6 أبريل/ نيسان 2008، وقمع أجهزة الأمن لأهالي مدينة المحلة الكبرى، دعت ليلى سويف ـ مع عدد من الأساتذة الجامعيين المصريين ـ إلى حملة تضامن لمساندة أهالي المحلة.

وفي مايو/ أيار 2014، وعقب فض اعتصام رابعة العدوية، شاركت د. ليلى سويف، الناشطة الحقوقية بمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف وأستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، د.عايدة سيف الدولة، إضرابا عن الطعام.

وجاء ذلك تضامنا مع مواطنين مصريين محتجزين في سجون النظام، أحدهما عبد الله الشامي، الصحفي في قناة الجزيرة، والثاني محمد سلطان مواطن مصري أميركي جاء إلى القاهرة ليكون بجانب والدته المريضة بالسرطان، فاعتقلوه من منزله هو وأصدقاؤه كيدا وعقابا لوالده، د. صلاح سلطان، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين"، وفقا لما جاء في البيان الذي نشرته عايدة على حسابها في فيس بوك.

وأضافت: أن " كليهما لم يسعفهما القانون ولم تستمع لهما أي جهة رسمية، فبدآ إضرابا عن الطعام منذ أكثر من 120 يوما".

 وختم البيان بالقول: "بناء عليه قررنا البدء في إضراب عن الطعام تضامنا مع محمد سلطان وعبد الله الشامي وزوجته جهاد خالد المضربة عن الطعام منذ أكثر من أربعين يوما، ويبقى مطلبنا هو ذات المطلب الذي وقع عليه زملاؤنا في داخل مصر، وتضامن حوله مدافعون عن الحرية في شتى أنحاء العالم".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2014، اتهمت د. سويف إدارة جامعة الأزهر بالتعنت ضد الطلاب المعتقلين، كما ناشدت أعضاء هيئة التدريس بمختلف جامعات مصر، الضغط على إداراتهم لإصدار قرارات تحمي حقوق جميع الطلاب خاصة المعتقلين منهم لأسباب سياسية.

وفي 29 يناير/ كانون الثاني 2015، شاركت في الوقفة التضامنية النسائية، بمكان مقتل الناشطة شيماء الصباغ بميدان طلعت حرب، رغم وجود ابنها علاء وابنتها سناء في السجن، ودعت إلى "الدفاع عن حقوق الشهداء والمطالبة بالقصاص دون خوف". 

اتهامات معهودة

في يوم 18 مارس/ آذار 2020، ألقت الشرطة القبض على كل من ليلى سويف وابنتها منى وشقيقتها الكاتبة الروائية أهداف والأستاذة في الجامعة الأمريكية د. رباب المهدي، من أمام مجلس الوزراء، بالقرب من ميدان التحرير بوسط القاهرة.

ووجهت لهن تهمة التظاهر بدون تصريح، ومحاولة نشر شائعات ضد الدولة المصرية، والترويج بوجود فيروس كورونا داخل السجون المصرية، واستغلال الأحداث سياسيا للإفراج عن المحبوسين. قبل أن تأمر نيابة قصر النيل، بإخلاء سبيل السيدات الأربع بكفالة 5 آلاف جنيه لكل منهن.

وجرى الاعتقال أثناء تنظيمهن وقفة للمطالبة باتخاذ قرارات عاجلة للإفراج عن المعتقلين في السجون المصرية، في ظل الخوف من تفشي فيروس كورونا، بالتزامن مع مطالبة ناشطين على مواقع  التواصل الاجتماعي ومنظمات حقوقية بالإفراج عن المعتقلين والسجناء، وإطلاق وسم تحت عنوان "خرّجوا المساجين"، لمناشدة السلطات التعامل بمسؤولية معهم.

وانتشرت بعدها عدة تقارير تتهم سويف بـ"الكذب ونشر الشائعات عن وضع نجلها علاء، ومحاولة تشويه صورة البلد، وتلقي تمويلات خارجية، وخدمة أجندات كيانات إرهابية". 

وتقدم المحامي المثير للجدل سمير صبري، ببلاغ للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد سويف، مطالبا بتقديمها إلى "محاكمة جنائية عاجلة" باعتبارها إحدى "أفاعي الجماعة الإرهابية اللواتي يحاولن الإساءة إلى مصر وتشويه نجاحات الدولة". 

عُمر من النضال

48 عاما قضتها ليلى سويف في الاشتباك مع الأنظمة، بدأتها في العقد الثاني بمظاهرة خرجت من جامعة القاهرة بعد إلقاء القبض على عدد من الطلبة في ديسمبر/ كانون الأول 1971، في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ومن يومها لم تتوقف عن رفض الظلم.

ولدت في مايو/أيار 1956 بالعاصمة البريطانية لندن لأسرة أكاديمية، فهي ابنة د. مصطفى سويف، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، ود. فاطمة موسى، أستاذة اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة القاهرة، وهي أرملة أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح المحامي (1951 – 2014) أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر.

وتعد سويف أما لأسرة مناضلة، فالابن الأكبر علاء، الذي كان يعمل مبرمجا في جنوب إفريقيا وعاد إلى مصر في أعقاب ثورة يناير، يقبع الآن في السجن، وهو أحد أبرز الناشطين الشباب في مصر، وكذلك الابنة سناء التي سجنت بتهمة التظاهر، وشقيقتهما منى الناشطة السياسية والحقوقية، ومؤسسة مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين". 

تعمل ليلى سويف بالتدريس في قسم الرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة، وقد شاركت بأوراق بحثية في العديد من المؤتمرات العلمية من بينها مؤتمر "الرياضيات والقرن الحادي والعشرون" بالقاهرة في يناير 2000 ومؤتمر القاهرة للجبر والجبر المرافق سنة 2006.