واشنطن بوست: إجراءات السعودية التقشفية تنذر بكوارث اقتصادية

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إن الأزمة المالية الخانقة التي تتعرض لها السعودية في الوقت الراهن تُعد الأصعب منذ عقود، مما يطيح بطموحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وذكرت الصحيفة في تقرير لمدير مكتبها في إسطنبول كريم فهيم أن حارس أمن يعمل في أحد مراكز التسوق الشهيرة في المملكة، ويقيس حرارة المترددين علي السوق التجاري، قال: إن راتبه جرى تخفيضه منذ انتشار وباء فيروس كوفيد 19، وأكدت روايته بائعة أخرى تعمل في أحد المحلات التي تبيع الأواني اليابانية الفاخرة.

وتطابقت الروايتان السابقتان مع رواية مصمم العرض في متجر للأحذية الذي أكد أن راتبه تم تخفيضه هو الآخر، مما وضعه في موقف صعب جدا جعله يتساءل عما إذا كان ذلك هو الوقت المناسب للعودة إلى مسقط رأسه في الفلبين، حيث أنه لم يستطع توفير احتياجاته حتى قبل تحفيض راتبه بمقدار 40%.

ونوهت الصحيفة إلى أن المصيبة المزدوجة، المتمثلة في تفشي وباء فيروس كوفيد 19 و تدني أسعار النفط عالميا تسببت في إرهاق المملكة بأسوأ أزماتها المالية منذ عقود.

مهمة صعبة

ونبشت تلك الأزمات آلاما غير معتادة في جميع أنحاء المملكة، بما في ذلك بين العاملين في القطاع الخاص وأصحاب الأعمال الذين هم في صميم اهتمامات ولي العهد محمد بن سلمان لتوجيه الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط.

وأكدت واشنطن بوست أن عجز الموازنة الآخذ في الاتساع ترك الحكومة أمام المهمة الصعبة المتمثلة في محاولة زيادة الإيرادات، وكبح جماح الإنفاق وتقديم الدعم المالي للسعوديين الذين اضطروا إلى إغلاق أعمالهم لأشهر، فلجأت الحكومة إلى إجراءات تقشف مؤلمة، بما في ذلك زيادة ضريبة القيمة المضافة ثلاث أضعاف.

وشكل هذا القرار ضربة قاصمة لدولة الرفاهية السخية، مما يهدد بمزيد من الصعوبات وربما الاستياء على نطاق أوسع، وفق الصحيفة.

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي نقل رسائل الحكومة القاسية إلى الجمهور، في مقابلة مع قناة العربية الإخبارية في وقت سابق من هذا الشهر: "من المهم جدا اتخاذ إجراءات صارمة ومشددة، قد تكون مؤلمة، لكنها ضرورية لتحقيق الاستقرار المالي العام". 

ونقلت الصحيفة عن جدعان ومسؤولين سعوديين آخرين أن الرياض ليست وحدها من تقاسي تبعات قاسية جراء تفشي وباء كورونا المستجد، ولكنها هي الدولة صاحبة الاقتصاد العربي الأقوى، مما دفع ولي العهد إلى دراسة أسباب وطرق الخروج من عنق الزجاجة التي فرضها كورونا على العالم.

ولفتت إلى أن الفيروس عندما تفشى في مارس/آذار 2020 بالمملكة، انشغل المراقبون السعوديون بقرارات ملكية دراماتيكية أخرى، منها على سبيل المثال اعتقال ولي العهد لكبار أفراد العائلة المالكة وحرب نفطية بين السعودية وروسيا أدت إلى انخفاض أسعار النفط الخام وتسببت في حدوث شقاق بين المملكة وإدارة دونالد ترامب.

ومع ذلك، كافحت الحكومة السعودية التي نالت الثناء لاستجابتها السريعة للوباء، لاحتواء انتشار الفيروس الذي أصاب أكثر من 40 ألف شخص في المملكة حتى الآن، ومع تفاقم تفشي المرض، أصبحت القطاعات الاقتصادية المتوسعة حديثا مثل السياحة والترفيه تعاني من حالة ركود غير مسبوق.

وأكدت الصحيفة أن الإنفاق على المشروعات الضخمة التي يعتبرها ولي العهد مفاتيح خطته للتحول الاجتماعي والاقتصادي للسعودية قد تباطأ كثيرا، بما في ذلك مشروع نيوم على ساحل البحر الأحمر و المتنزه الضخم الذي ينوي تشييده في العاصمة الرياض.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة استمرار دفعها لرواتب العالمين في القطاع الحكومي المتضخم، أعلنت أن علاوة غلاء المعيشة للعاملين في القطاع العام ستتوقف بداية من شهر يونيو/حزيران 2020، مما سينتج عنه احتمالية فقدان عشرات الآلاف من الأجانب وظائفهم.

مستقبل مختلف

وبينما كان المسؤولون السعوديون يلمحون إلى سياسات تقشف في المملكة، انتشرت شكاوى بأنهم يرسلون رسائل متضاربة، بعد أن شرع صندوق الثروة السيادية لولي العهد في صفقات خلال الوباء، منها شراء حصص في أكبر خط رحلات بحرية في العالم وأيضا متابعة صفقة لشراء نادي كرة القدم البريطاني نيوكاسل يونايتد.

وأبلغ جدعان قناة العربية أن الاستثمارات مهمة للغاية لأن لها عوائد يمكننا استخدامها في حالة حدوث أزمة للحد من العجز.

وقالت كارين يونج الخبيرة في الاقتصاد السياسي لدول الخليج في معهد أميركان إنتربرايز: إن الحديث الصريح لوزير المالية وإجراءات التقشف الجديدة هي أحدث إشارة للجمهور بأن الأوقات تغيرت، وأن المستقبل مختلف، حيث ستكون الأمور مختلفة بالنسبة للشباب السعودي.

وقال محللون آخرون: إن الرسالة التي بعثت بها الحكومة خلال انتشار كورونا، ومفادها مطالبة السعوديين بالتضحية في خدمة الدولة، تشير إلى المشروعات القومية التي نشرها ولي العهد مرارا وتكرارا وهو يحاول حشد المواطنين، وخاصة الشباب، إلى جانبه.

وتحدثت الصحيفة إلى سيدة مبيعات سعودية تبلغ من العمر 20 عاما في شركة موجي، العلامة التجارية اليابانية للتصميم، التي لم تعد تتلقى الدعم الحكومي الذي قدم 40% من أرباحها الشهرية، وقالت: "الجميع متضامنون معا. بما أن الجميع متأثرون، فلا يمكنني الشكوى".

وأشارت ياسمين فاروق، الزميلة الزائرة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إلى أن الحكومة تتحدث منذ سنوات عن دولة الرفاهية لكنها تكافح من أجل تنفيذ ذلك، وغالبا ما تناقض نفسها بعد سحب المزايا التي كان يتمتع بها المواطنون.

وأضافت أن رسائل الحكومة أثناء الوباء كانت متناقضة في الواقع، فبالإضافة إلى الحديث عن التضحية المشتركة، قام المسؤولون بممارسة السلطة الأبوية، ووعدوا بأن المملكة ستسبق الدول الأخرى في رعاية مواطنيها، حيث أدى هذا التعهد إلى إحساس أكبر بالأمن، ثم ما لبثت أن بدأت قرارات التقشف.

صافي مروان، رجل أعمال يبلغ من العمر 29 عاما، وهو واحد من العديد من السعوديين الذين يحاولون التأقلم على المشهد المتغير بسرعة، قال: إن التوقيت بدا جيدا، حيث يتم تخفيف بعض القيود الاجتماعية، بما في ذلك المفروضة على النساء، مما يسمح لهن بالمشاركة في الأنشطة الخارجية بحرية أكبر، مضيفا أن معظم عملائه من النساء والفتيات.

وعمل مروان في شركة بناء عائلته لبضع سنوات، ثم أسس شركة LocoSonix التي تبيع ألواح التزلج ومعدات رياضية أخرى بهدف توفير بدائل للملل القائم في البلاد. 

إلا أن الانكماش الاقتصادي شكل تحديا غير متوقع لمروان وعائلته، حتى قبل انتشار الوباء، اضطرت شركة البناء التابعة لعائلته إلى تقليص قوتها العاملة.

يشعر مروان الآن بالقلق من زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف، مما سيؤثر على أعمال عائلته ولكنها تجعل من الصعب أيضا إغراء الناس لشراء السلع المتخصصة في متجره، وهي منتجات جديدة في السوق السعودية يعتقد كثير من العملاء أنها مبالغ فيها بالفعل.

وقال: إنه نجا حتى الآن من الأزمة، وزاد من المبيعات عبر الإنترنت أثناء الإغلاق وجذب المئات من المتابعين الجدد إلى حسابه على انستجرام أثناء محاولته بناء علامته التجارية، ولكن الشركات الأخرى ستجد صعوبة في التكيف، مضيفا أن السعوديين يحاولون جميعا معرفة إلى أين يتجه الوباء والبلد بعد ذلك.

واختتم صافي مروان حديثة لصحيفة واشنطن بوست بقوله: "يشعر الجميع بالحيرة من أمرهم على نطاق واسع".