عمر القزابري.. شيخ مغربي يؤم الملك ويصلي خلفه محبوه عبر يوتيوب
يتوافد الآلاف من المغاربة كل رمضان إلى مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، ثاني أكبر مسجد في إفريقيا والثالث عشر في العالم، لأداء صلاة التراويح خلف الإمام عمر القزابري.
يأتون من مدنهم يوميا، وتتضاعف أعدادهم ليلة دعاء ختم القرآن، أما في ليلة القدر (يعتبرها كثيرون في 27 رمضان) فيصلي أشهر إمام في المملكة بملك البلاد محمد السادس بن الحسن.
المصلون يحجزون كل سنة أماكنهم ليلة الختم منذ صلاة العصر ويفطرون في المسجد، يمتلئ داخله وساحته الشاسعة وتعرف الشوارع المحاذية للمسجد حالة استثنائية.
وفي زمن كورونا حيث يفرض حظر التجول على المغاربة، وتغلق المساجد أبوابها في وجه المصلين، كتدبير احترازي للحد من انتشار الفيروس، يلجأ المصلون في المغرب إلى أداء التراويح في المنزل خلف الإمام القزابري على موقع يوتيوب.
كسب القزابري كل هذه الشعبية بفضل نبرة صوته المميزة وخشوعه في الصلاة الذي يبكي معه كل من يصلي خلفه رجالا ونساء، في مشهد روحاني تلتقطه عدسات المصورين وكاميرات القنوات التي تبث التراويح من أكبر مسجد في المملكة.
بداية الإمام النجم
اهتمت وسائل الإعلام بالصوت الشجي الذي أسر قلوب المصلين، وبرحلته التي بدأها في سن الثانية عشرة، حين بدأ بإمامة المصلين، بينما بدأ حفظ القرآن الكريم في سن أصغر.
أمّ القزابري المصلين في التراويح وهو طفل بأحد مساجد مدينة مراكش (غربا) فيما بدأ حفظ القرآن الكريم، وهو ابن 8 سنوات وتمكن من ختمه في سن الحادية عشر، بعدما كانت أسرته تظهر له إعجابها بصوته.
تعرف عمر الطفل على المسجد وهو يرافق والده الذي كان يؤم الناس في صلاة التراويح، لينوب عنه في سن صغيرة، ويستمر في الإمامة بطلب من المصلين، ما جعله مصدر فخر والده، بحسب تصريحه في أحد حواراته الصحفية.
يروي الإمام تفاصيل أول صلاة له بالناس في كل مرة يسأل فيها عن انطلاق مشواره خلف المنبر، ويقول القزابري في حوار إذاعي: إنه شعر بالارتباك في الركعة الأولى لكنه سرعان ما تخطى الأمر.
"عالم الإمامة ليس بالأمر الهين"، يجزم القزابري في نفس الحوار مشبها إياه بـ"حمل الجبال فوق الكتفين"، معتبرا أن "إمامة المصلين ليست بالأمر السهل كما يتصور الناس".
تابع عمر وهو أصغر إخوته الستة، دراسته في المدارس العمومية بمراكش، كما ارتاد عددا من دور القرآن في نفس المدينة، وبعد حصوله على الثانوية العامة، سافر إلى السعودية لإتمام دراسته.
تأثر بكبار شيوخ المغرب مثل؛ مولاي أحمد، والشيخ مولاي مصطفى اليحياوي، وفي تلاوة القرآن تأثر بالشيخ محمد رفعت في مصر.
كان عمر القزابري مرتبطا بوالده ارتباطا شديدا، وشكلت له وفاته عام 1996 صدمة دفعته إلى الرحيل نحو السعودية حيث استكمل دراسته وتحصيله العلمي.
وجاء العرض من الشيخ عبد الرحمن نصيف السعودي الجنسية، بعد لقاء بينهما في المغرب، حيث أعجب عبد الرحمن بصوت عمر.
أثر شيوخ مصر
في جدة، صقل عمر موهبته، خصوصا عقب احتكاكه مع مشايخ وعلماء من السعودية ومصر وسوريا والعراق وموريتانيا، وتلقى القرآن على يد كبار المشايخ كمحمود إسماعيل والشيخ الفاه الموريتاني.
كان القزابري يؤم الناس في أحد المساجد، بالإضافة إلى تدريس مجموعة من الشباب القرآن وعلوم التجويد، وبرز أيضا في دراسة علوم الشريعة.
سافر الإمام عمر القزابري بعدها إلى القاهرة، حيث تلقى دورة دراسية لختم قراءات القرآن العشر على يد الشيخ أحمد عيسى المعصراوي.
تحدث القزابري مطولا في أحد حواراته التلفزيونية عن علاقته بالشيخ المعصراوي، التي بدأت سنة 2003 في القاهرة عندما وجهت له دعوة لتسجيل المصحف تحت إشراف الأزهر برواية ابن ذكوان عن ابن عامر، وكان الشيخ هو المشرف عن التسجيل.
هنا توطدت العلاقة، يقول القزابري، بين الشيخ الذي ميزته روح الدعابة وخفة الدم المعروفة لدى المصريين، وكانت تلقى تجاوبا من ابن مراكش التي يعرف أهلها بالنكتة.
تكرر لقاء الشيخين في المغرب ثم في قطر، حيث كان الشيخ المعصراوي يقدم القزابري لإمامة الناس في صلاة الفجر، وكان يتأثر لتلاوته.
عن هذه التجربة، يقول القزابري: هي مسؤولية أن يصلي خلفك شيخ المقارئ المصرية الذي خالف الحصري. وأكد الإمام المغربي أن الشيخ قدم له الكثير من الدعم وأن علاقتهما استمرت سنوات بعد ذلك.
عبّر عمر القزابري عن تأثره الشديد بالشيخ محمد رفعت، واصفا إياه بـ"الدواء"، مشيرا إلى أن أشرطته ترافقه في حله وترحاله، وأن صوته يخاطب أعماقه.
أهم مساجد المملكة
أمّ عمر القزابري الناس في مكة المكرمة في ثاني أكبر مسجد بها بعد بيت الله الحرام، وعند عودته إلى المغرب تولى الخطابة في أحد مساجد الدار البيضاء، حيث كان آلاف المصلين يحضرون خطبته.
وبعد التفجيرات الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء في 2003 واتهم فيها سلفيون، توقف القزابري عن الإمامة بطلب من السلطات.
ومن ثم، سافر إلى السعودية بدعوة منها لإمامة الناس في مسجد ابن باز في مكة المكرمة. بعد فترة تلقى القزابري اتصالا من وزارة الأوقاف المغربية تخبره أنه اختير لممارسة الإمامة في مسجد الحسن الثاني.
من هنا ذاع صيت الشيخ حتى أصبح أشهر إمام شاب (46 سنة) في المملكة بعد انتقاله إلى الصلاة في مسجد الحسن الثاني في 2005، وهو الأكبر في المملكة والأشهر بفضل تاريخه ومعماره.
يعتبر المسجد صرحا إسلاميا شيّد فوق مياه المحيط الأطلسي، وساهم في بنائه 2500 عامل و10 آلاف حرفي تقليدي.
ويبلغ طول مئذنته مئتي متر، شيدت على الطريقة الأندلسية، ويمتاز المسجد ككل بالزخارف التي تحكي حضارة وتاريخ البلد.
تبلغ مساحة مكان الصلاة في المسجد نحو 20 ألف متر مربع، وتتسع لـ25 ألف شخص، فيما خصصت للنساء شرفتان مساحتهما 3550 مربعا، ويمكن لباحته الخارجية استيعاب ما يناهز 80 ألف شخص.
ولا يقتصر المسجد على كونه مكانا للصلاة فقط، بل خصص بناء آخر وسط باحته لمدرسة لعلوم القرآن، كما يضم مكتبة عمومية ومتحفا يضم أهم منشآت الصناعات التقليدية التي تم اعتمادها في بناء المسجد.
وفي 2012، أسس الملك محمد السادس أكاديمية الفنون للصناعة التقليدية لتكوين مهندسين متخصصين في التراث المعماري المغربي.
الشيخ المتواضع
يتحول الإمام بزيه التقليدي المتناسق دائما مع عمامته المغربية، في كل رمضان إلى نجم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ يتناقل روادها مقاطع فيديو من تلاوته وتعبر عن الإعجاب به.
هذه الشهرة جعلت للقزابري معجبين بالمئات، تسعى وسائل الإعلام لتقريبهم من حياته خلف المحراب. يظهر الشيخ الشاب متواضعا في كل حواراته، ويبعث هدوئه في الحديث على استشعار الطمأنينة.
الإحساس الذي يصل لكل من يتابع حواراته المصورة، أكده مقربون منه في أكثر من مناسبة، وهم يؤكدون أنه لا زال يسكن منزله البسيط وأن علاقته بهم لم تتغير، إذ ما زال يحافظ على نفس عادات ما قبل الشهرة.
وفي رمضان ينتقل المقرئ وأسرته للسكن في منزل الإمام داخل المسجد.
يعتبر القزابري صوته هبة من الله وجب عليه استثمارها في إيصال كلامه للناس. وفي أكثر من فرصة أشار الإمام أنه لا يتضايق من إلحاح المعجبين على التقاط الصور معه.