مقاتلون إيرانيون انسحبوا من سوريا.. هل حققت غارات إسرائيل هدفها؟
مع استمرار القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة من سوريا، تحدثت وسائل إعلام عبرية عن انسحاب آلاف المقاتلين الإيرانيين جراء تلك الضربات المكثفة، والتي وعد وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، بمواصلة تنفيذها حتى تخرج جميع القوات الإيرانية.
الضربات الإسرائيلية التي زادت وتيرتها منذ 27 أبريل/ نيسان 2020، أثارت تساؤلات عن حقيقة تأثيرها على الوجود الإيراني في سوريا، وهل هو انسحاب حقيقي أم تكتيكي؟، وهل بالفعل يمكن لتلك الغارات الجوية أن تدفع إيران إلى الانسحاب من سوريا؟.
أين الحقيقة؟
حديث الصحافة العبرية عن الانسحاب الإيراني، أيده المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري، خلال مؤتمر صحفي عبر دائرة تلفزيونية في 8 مايو/ أيار 2020، بالقول: "شاهدنا تحركات إيرانية في سوريا وانسحابا من المناطق التي ضربها الإسرائيليون. وكذلك انسحاب مليشيات مدعومة من إيران، بعضها لحزب الله، وبعضها من دول أخرى".
لكن الخبير العسكري السوري أحمد الرحال قال لـ"الاستقلال": "الصحافة العبرية تقدم مادة انتخابية أكثر منها معلوماتية، لأنها تحاول القول إن هناك إنجازات إسرائيلية أجبرت إيران على الانسحاب من سوريا، وهذا الكلام غير صحيح".
واستذكر الرحال تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جولة الانتخابات الماضية عن انسحاب الإيرانيين من جنوب سوريا وقرب الجولان، وأنها التزمت المسافات المحددة.
لكن قبل أيام فقط، نشرت إسرائيل صورا تظهر وجود الحرس الثوري قرب الجولان، إضافة إلى إعلان قصفها مواقع للإيرانيين في تلك المناطق، ولا سيما في تل أحمر، وهذا يدلل أن الحقيقة على الأرض مختلفة، خلافا لما تكتبه الصحافة العبرية.
وفي السياق ذاته، قال مستشرق إسرائيلي: إن هناك الكثير من المبالغات في الحديث الإسرائيلي عن الانسحاب الإيراني من سوريا، رغم حديث "المسؤول الأمني الكبير" الأخير خلال إطلاع الصحفيين العسكريين، مشيرا إلى أنه للمرة الأولى يقوم "الحرس الثوري الإيراني" بإخلاء قواعده في سوريا، وإخراج قواته من هناك".
وأشار إيهود يعاري، الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية والعربية، في تقريره على موقع "القناة 12" الإسرائيلية، إلى أنه "ربما حدث خطأ ما في هذا التصريح الإسرائيلي، ما دفع المسؤول الأمني ذاته للمبالغة فيما كان يحدث في الواقع، ودفع الصحفيين لنشر نصف الحقيقة، التي تضلل الجمهور الإسرائيلي فقط، وهو ما كان غير ضروري على الإطلاق".
ورأى الباحث الإسرائيلي أن "الأمر بحاجة لتنظيم النقاش الإسرائيلي، صحيح أن الإيرانيين يقومون فعلا بتغيير في سلاح فيلق القدس وحزب الله ومليشياتهم هناك، وغادر 150 من رجالهم مؤخرا المقر الرئيسي في مخيم كسوة، المسؤول عن مرتفعات الجولان".
كما غادر آخرون منطقة جمرية قرب دمشق، حيث يتم إطلاق الصواريخ، وكذلك مقاتلي المليشيات من عدة مواقع تسيطر عليها الحدود الإسرائيلية، مثل تل الأحمر، وفق يعاري.
وأشار يعاري، إلى أن هذه الشكوك دفعت بأصوات للقول: إن "هذه كلها نقاط إيرانية هاجمها الجيش الإسرائيلي مرات عديدة، وخفضوا ترتيب القوات في سوريا، وانتقلوا في الوقت نفسه إلى قواعد أبعد في شمال سوريا، على سبيل المثال، منطقة حلب والصحراء ونهر الفرات في الشرق".
تحركات تكتيكية
الانسحاب الإيراني من بعض المناطق الحدودية مع إسرائيل، اعتبره الخبير العسكري أحمد الرحال أنه "أمر طبيعي لأنه لا يوجد عمليات قتالية، بيد أن إيران عوضت عنهم بنحو 15 ألف مقاتل شيعي ومن طوائف أخرى وأنشأت نحو 6 مليشيات موالية لها في مناطق عدة من سوريا".
وأضاف: "هناك بجنوب سوريا مليشيات عدة هي: الغيث، لواء 313، أسود العشائر، في دير الزور، والإمام علي، النبل والزهراء، كفريا والفوعة، والسيدة زينب، إضافة إلى حزب الله، وكلهم موالون لإيران، ويمولهم ويقودهم الحرس الثوري، أصبحوا مثل الحشد الشعبي في العراق وحزب الله بلبنان".
ونوه إلى أن "إيران قوتها اليوم ليست بالوجود العسكري الخاص بها، وإنما سيطرتها على مؤسسات الدولة السورية بأكملها، من الاقتصاد إلى العسكر والمخابرات، فأصبح المواطن السوري يذهب إلى السفارة الإيرانية لحل مشكلاته".
وحسب الرحال: "الملحق الثقافي الإيراني كلمته أعلى من أي وزير سوري، والمخابرات نصفها تابع لإيران، والحرس الجمهوري للنظام، وتحديدا الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد هي أشبه بالحرس الثوري، فهي ذراع إيران بسوريا".
أما المسؤول الأميركي جيمس جيفري، فرأى أن انسحاب قوات إيران من الأراضي السورية "يتعلق بالهدوء النسبي في القتال. هذه التحركات تشمل القوات القتالية في الخطوط الأمامية".
واتساقا مع ما ذكره الخبير العسكري السوري، فإن جيفري، أكد أن "بعض التحرك التكتيكي للإيرانيين، سببه أنهم لا يحتاجون إلى العديد من القوات البرية المكلفة في وقت يتعرضون لضغوط بسبب العقوبات، وكذلك ضغوط مالية بسبب أزمة كورونا".
ومثل ذلك، أشار الباحث الإسرائيلي إيهود يعاري إلى أن "هناك سببين رئيسيين لهذه التحركات: الأول البحث عن الاختباء في الأماكن التي يصعب فيها تشغيل القوات الجوية، ولا يمكن الوصول إليها بواسطة الصواريخ من الأرض، والسبب الثاني تراجع حدة القتال في سوريا بشكل كبير منذ اتفاق وقف إطلاق النار التركي الروسي في محافظة إدلب".
"ضربات ميتة"
وبخصوص جدوى الضربات الحالية، وهل بالفعل هي قادرة على إخراج إيران من سوريا كما يدعي المسؤولون الإسرائيليون، قال الرحال: "لا شك أن الضربات الإسرائيلية مؤلمة، لكنها ليست الضربات التي يمكن أن تخرج إيران من سوريا، بمعنى أنها ضربات متفرقة ونوعية تستهدف ما يخل بتوازن القوى مع إسرائيل، لكنه لا يستهدف جذور وداعم الوجود الإيراني".
وأوضح: "إذا وجهت إسرائيل 5 ضربات على قصور ومقرات نظام بشار الأسد، وقتها نفهم أنها تقول للأسد أخرج إيران من سوريا، لكن طالما رئيس النظام مُصان، وأن من يقتل هم القليل من الإيرانيين والسورين، فذلك يعني أنها ضربات لها أبعادها الإعلامية بأن إسرائيل تقصف في سوريا".
وأردف الرحال قائلا: "نعم إسرائيل لا تريد الوجود الإيراني في سوريا، لكن لو سألنا قبل 9 سنوات: هل إيران كانت قادرة على الدخول إلى هذا العمق في سوريا، لولا موافقة أميركا وإسرائيل؟ الجواب: إيران التي تدعم نظام الأسد ليست مشكلة لواشنطن وتل أبيب، وإنما إيران التي تخل بتوازن القوى هي المشكلة لإسرائيل، وهذا ما تواجهه الآن".
وتابع: "بالتالي اليوم الحديث عن إخراج إيران بهذه الضربات الإسرائيلية الميتة، ليس من ورائه جدوى، وإخراج إيران يتم بطريقتين، الأولى: إسقاط بشار الأسد، لأنه طالما الأخير موجود في السلطة فإن إيران لن تخرج".
أما الخطوة الثانية: فهي بتوجيه ضربات مدمرة للوجود الإيراني، فمناطق الكسوة والسيدة زينب والحضر، ومعامل التصنيع العسكري، مراكز البحوث العلمية، معامل التصنيع العسكري في حلب، والقواعد الجوية والمطارات كلها أصبحت إيرانية، وبالتالي أصبح وجودهم في سوريا للعظم، بحسب الرحال.
وعلى حد قول المسؤول الأميركي جيمس جيفري: "لم ير حتى الآن أي التزام إيراني إستراتيجي بعدم محاولة استخدام سوريا كمنصة إطلاق صواريخ بعيدة المدى ضد إسرائيل، وكطريق للهلال الشيعي بهدف تزويد حزب الله بصواريخ قاتلة وأكثر حداثة ودقة، لتهديد إسرائيل. انسحاب إيران هدف أساسي لنا في سوريا".
وفي 5 مايو/ أيار 2020، قالت مصادر أمنية إسرائيلية: إن إيران بدأت في الخروج من سوريا وإخلاء قواعدها هناك، وذلك عقب تكثيف تل أبيب غاراتها وقصفها الصاروخي على أهداف متعددة في مختلف أنحاء سوريا، في حين قتل 14 من القوات الإيرانية والمجموعات العراقية الموالية لها في غارات استهدفت مناطق في محافظة دير الزور شرقي البلاد.
ونقلت قناة "كان" الرسمية الإسرائيلية عن مصادر مسؤولة في وزارة الدفاع لم تسمها قولها: إن طهران بدأت للمرة الأولى منذ دخولها سوريا في تقليص قواتها وإخلاء قواعدها هناك، وذلك على خلفية القصف الإسرائيلي المتواصل في الفترة الأخيرة.
المصادر ذاتها، أكدت أن إسرائيل سوف تكثف الضغط على إيران حتى خروجها من سوريا تماما. ونقلت قناة "كان" عن وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت قوله: "تل أبيب لن تسمح بإقامة قاعدة إيرانية أمامية في سوريا".