نادر العمراني.. عالم ليبي عادى انقلاب حفتر فاغتاله موالون للسعودية
"امتدت يد الغدر والإجرام إليه لا لذنب إلا أنه كان يحمل لواء العلم، ولما كان عليه من الوسطية في دعوته، ومنابذة الغلو وأهله، والتمسك بالحق، والثبات عليه، والدفاع عنه، فتربص به الغلاة، مستندين على فتاوى مضللة من خارج البلاد".
بهذه الكلمات المؤثرة نعت دار الإفتاء الليبية الشيخ نادر العمراني الأمين العام لهيئة علماء ليبيا بعد اختطافه من أمام المسجد قبيل صلاة فجر يوم 6 أكتوبر/تشرين الثاني 2016.
هذا الخطف ومن ثم الاغتيال جاء إثر تحريض وفتاوى ممن عرفوا بـ"التيار السلفي المدخلي" المدعوم سعوديا والموالي للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذين يتبنون أجندة معادية للربيع العربي وثورة الشعب الليبي ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي التي ساندها الشيخ نادر العمراني منذ اندلاعها واجتهد للدفاع عنها.
من الطب للفقه
ولد الشيخ نادر العمراني في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1972م بطرابلس، درس المرحلة الابتدائية والإعدادية بمدرسة الوحدة العربية بالعاصمة، وتحصل على الشهادة الإعدادية سنة 1986، والثانوية من مدرسة جنزور الثانوية سنة 1989م بتقدير ممتاز.
الغريب في سيرة الشيخ الراحل أنه درس أربع سنوات في كلية الطب جامعة طرابلس قبل أن يتركها متوجها إلى المدينة المنورة للدراسة في الجامعة الإسلامية، فتحصل على شهادة الليسانس من كلية الحديث الشريف وعلومه عام 1997م بتقدير عام ممتاز.
ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا في الحديث الشريف وعلومه بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام 1998، ثم الشهادة العالية (الماجستير) في ذات التخصص والجامعة عام 2002 بتقدير ممتاز .
نال الشيخ العمراني الدكتوراة، من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة طرابلس عام 2010 بإشراف مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني، كما طلب العلم على عدد كبير من علماء المسلمين داخل البلاد وخارجها، وله إجازات في علوم شتى.
تولى وظيفة الرقابة الشرعية على عدة مؤسسات مالية، درّس في عدد من الكليات والأقسام الشرعية في الجامعات الليبية، كما تولى منصب عضو في عدة هيئات شرعية، أبرزها مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية ورابطة العلماء المسلمين.
للعمراني عدة مؤلفات، منها: قرائن الترجيح في المحفوظ والشاذ في زيادة الثقة عند ابن حجر من خلال فتح الباري، وكتاب في علوم الحديث يحمل اسم التمهيد والنصوص الشرعية بين جمود الظاهرية وخيالات المتعمقة وكذلك ألّف كتاب جهود المحدثين في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تولى مهمة رئاسة تحرير جريدة الهدي الإسلامي الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الليبية.
كما كان للعمراني دور رئيسي في تعديل القوانين الليبية بعد الثورة عبر شغله منصب نائب رئيس اللجنة التي شكلتها دار إفتاء المؤتمر الوطني العام لتعديل القوانين حتى لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
مناصرة الثورة
منذ اندلاع ثورة 17 فبراير/ شباط 2011، انحاز الشيخ نادر العمراني، مثل عدد كبير من العلماء الليبيين إلى الثورة، مؤكدين حق الشعب الليبي في التحرر من نظام معمر القذافي الديكتاتوري والذي استمر لأكثر من 42 عاما، منذ انقلاب القذافي في 1 سبتمبر/أيلول 1969 .
ومع إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر لعمليته الانقلابية من أجل السيطرة على السلطة في ليبيا في موجة الثورة المضادة المدعومة من المحور الإماراتي السعودي، بعد نجاح الجنرال عبد الفتاح السيسي من الانقلاب على أول رئيس منتخب في مصر ، وتحت نفس الشعارات أطلق حفتر ما سمي بعملية الكرامة.
وكان الشيخ منحازا بالكامل للربيع العربي، وهذا ما جعل معسكر الجنرال حفتر يضعه في خانة الخصوم والأعداء، ولا يتركون فرصة إلا ويتوعدونه هو وغيره من علماء ليبيا، خاصة دار الإفتاء بقيادة المفتي الشيخ الصادق الغرياني، وكذلك كان يفعل تنظيم الدولة في ليبيا، الذي كان يرى خطاب العمراني خطرا عليه.
كما كان العمراني نفسه يعتبر التنظيم كارثة حلت على الإسلام والمسلمين، ولم يتوان عن التصدي له بفكره وعلمه وحكمته، وهو ما انتشر في جل كتاباته وظهوره الإعلامي.
إلا أن مجموعة موالية لحفتر، ومنخرطة في القتال معه في عدد من المناطق الليبية، عرفت بولائها المطلق للمستبدين في المنطقة العربية مستندين على فتاوى بوجوب طاعة ولي الأمر المتغلب عرفوا منذ نشأتهم بـ "السلفية المدخلية" نسبة إلى "ربيع المدخلي" (المقيم في السعودية والذي ينسب إليه التيار).
ودعا المدخلي لتوحيد الجهود في ليبيا ضد جماعة الإخوان المسلمين، كما شنّ حربا ضروسا على الشيخ "الصادق الغرياني" مفتي ليبيا المناصر للثورة والمحبوب بشكل كبير من عموم الشعب الليبي، وشنوا حملة تحريضية واسعة على الشيخ نادر العمراني وعلى دار الإفتاء عموما، في إطار ما يعتبرونه "جرح وتعديل".
جريمة الاغتيال
عرض جهاز المباحث العامة في طرابلس مقطعا مرئيا به اعترافات مصورة لشخص ملتح يُدعى هيثم عمران الزنتاني وهو من مواليد 1986، حيث أدلى خلالها بتفاصيل عن عملية خطف الشيخ نادر العمراني ومن ثم قتله رميا بالرصاص.
وروى هيثم الزنتاني الذي ظهر في مقطع الاعترافات كيف أن عبد الحكيم مقيدش، وهو مسؤول مكتب أحد المليشيات، حفر حفرة عميقة للعمراني وأنزله بها ثم قال له: "أليس عيبا أن أضللت الناس وأصبحت ضالا مضلا بعد أن درست في السعودية وتخرجت منها ورجعت إلى ليبيا لتضليل الناس وغرتك المناصب والمقاعد التي أسندت لك في دار الإفتاء؟".
وتابع الزنتاني حديثه وهو يذرف الدموع كيف أن العمراني رد عليه وقال: أنا الذي درسته أنقله للناس "فرد عليه مقيدش بأنك ضللت وأضللت الناس من خلفك لأنك اغتريت بالمال والمناصب".
وأكمل كيف أن عبد الحكيم سحب أقسام سلاح كان بحوزته من نوع "كلاشنكوف" وكيف أن العمراني نطق الشهادتين بصوت عال فقام عبد الحكيم بتفريغ مخزن رصاص كامل في جسد العمراني ثم جاء شخص آخر يدعى أحمد الصافي وأطلق الرصاص بدوره في الهواء وفوق رأس الشيخ.
وكشف الزنتاني أن أحمد الصافي - أحد المشاركين في قتل العمراني - درس علوم الشريعة على يد الشيخ محمد سعيد رسلان وأنه أتى بفتوى من الأخير تجيز قتل العمراني كونه يضلل الليبيين.
كما زعم الزنتاني أن "الاجتماعات التحضيرية التي حضرها شخص يدعى أيمن الساعدي تركزت على بيان انحراف العمراني وتبعيته لجماعة الإخوان ودار الإفتاء"، وأن التخطيط لاختطاف الشيخ كان قبل ثلاثة أشهر، وأن المسؤولين عن اختطافه وقتله مجموعة من قوة الردع الخاصة المعروفة بانتمائها لتيار الفكر السلفي المدخلي بليبيا.
غير أن رد محمد سعيد رسلان، كان سريعا، حيث خرج بتسجيل مصور للرد على الاتهامات التي تطوله بالضلوع بصورة أو بأخرى في قتل "العمراني".
وقال "رسلان" في فيديو نشره عبره موقعه الرسمي: إن "العمراني" عضو دار الإفتاء الليبية كان رجلا صالحا وذا منصب علمي ديني وأكاديمي كبير، وكان مخلصا في خدمة الدعوة الإسلامية.
وتتالت البيانات المستنكرة لاغتيال العمراني من عدة جهات علمية في داخل ليبيا ومصر والمملكة العربية السعودية، جلها من شخصيات مقربة من التيار المدخلي مما جعل العديد من المتابعين يؤكدون أن الاغتيال كان محرجا لهذا التيار وشيوخه.