التهجير أو القتل.. هكذا يبني ابن سلمان "نيوم" على أجساد السكان الأصليين
مرارة التهجير والحنين للدار وللأرض معا، تجلّت بشكل كبير في ملامح وكلمات المواطن السعودي عبدالرحيم الحويطي، وهو يصور مقاطع الفيديو قبل أن يقتل عقابا لرفضه قرار التهجير وترك أرضه ومنزله من أجل تأسيس مشروع "نيوم".
مواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت باسم الحويطي، الذي كشف عن تفاصيل قصته مع نظام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وما قال إنها مراحل "ترحيل أهالي قرية الخريبة لبناء مشروع نيوم".
مشروع "نيوم"
يسعى ابن سلمان إلى تشييد مشروع "نيوم" السياحي العملاق لينافس وادي السيليكون في مجال التكنولوجيا والترفيه، في إطار رؤية 2030.
وبتكلفة 500 مليار دولار، يقام المشروع على مساحة 26 ألفا و500 كيلومتر مربع، تقطنها قبيلة الحويطات العربية العريقة، كما تتوزع في الأردن وفلسطين وسيناء بمصر.
وحسب تصريحات ولي العهد فإن أول بلدة في منطقة نيوم الاقتصادية، ستكون جاهزة عام 2020 على أن تكتمل المنطقة كلها بحلول 2025، وأن المشروع سيضخ 100 مليار دولار في خزينة المملكة.
الحويطي رفض قرار التهجير، ورفض أن يؤول به الحال لينادي مستقبلا بحق العودة، كما هو حال المهجرين في فلسطين، فكان جزاؤه القتل، بعد أن ختم حياته، قائلا: "أنا ضد الترحيل، ما أبغى أرحل، ما أبغى تعويض، ما أبغى شيء، أبغى ديرتي فقط".
ومع أن الحادثة مضى على وقوعها أيام، لكن مقتله تحول إلى قضية رأي عام داخليا وخارجيا، ومازال الجدل مستمرا، ومنصات التواصل الاجتماعي مشتعلة بالحديث عن الحويطي وقصته.
مقاطع الفيديو التي صورها الحويطي قبل مقتله كانت كفيلة بأخذ المعلومات من مصدرها الرئيسي، وهو الأمر الذي أكسب قضيته مصداقية ووضوحا، وجعلته في أذهان الكثيرين صاحب حق، واعتبرت من حاول تهجيره من بيته وأرضه ثم قام بقتله لاحقا طرفا معتديا.
البعض شبه التهجير الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين أصحاب الأرض، بما يقوم به ولي العهد السعودي من تهجير أبناء جلدته من أجل إقامة مشروع سياحي.
نبش الذاكرة
تلك الحادثة بالقدر التي رأى البعض أنها انتهت على نحو مؤلم، بقدر ما رأى كثيرون أنها قالت الكثير، عن النظام السعودي وحجم إجرامه، وعن الفئات التي تتماهى مع ظلم النظام وتهجيره للمواطنين.
حادثة الحويطي أعادت إلى الأذهان انتهاكات نظام ابن سلمان ضد المواطنين الذين انتقدوا سياساته، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019، جرى اعتقال الشخصية القبلية فيصل بن سلطان شيخ قبيلة عتيبة، على خلفية انتقاده لهيئة الترفيه، ما عده سعوديون إذلالا وامتهانا للقبيلة المكون الأساس للمجتمع السعودي.
وكما أهان القبيلة، أهان كذلك المؤسسة الدينية واعتقل رموزها الذين انتقدوه أو حتى وجهوا له النصح، حيث يقبع عشرات من رجال الدين السعوديين في معتقلات ابن سلمان، على رأسهم الدكتور سلمان العودة.
اغتيال الحويطي استدعى حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، كما أعادت إلى الذاكرة حوادث الاعتقالات والتصفيات التي مارستها الأجهزة السعودية ضد الشيعة، وعلى رأسهم إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر.
تعويض سخي
عقب مقتل الحويطي، صرحت السلطات السعودية أنها منحته تعويضا سخيا مقابل ترك منزله، ومع هذا رفض العرض وأصر على البقاء في بيته وأرضه، وقاوم السلطات.
رفض الحويطي للتعويض المالي السخي، وإصراره على موقفه، برره في مقاطعه المصورة قبل مقتله بقوله: "نحن أبناء هذه الأرض. لن نترك أرضنا لبناء المراقص والخمارات والنوادي الليلية".
بالنسبة للحويطي، فكرة الأرض والوطن بامتدادهما التاريخي والحضاري، يتجاوز فكرة المال أو التعويض المادي، وإن قريته وقبيلته الضاربة في عمق التاريخ بما فيها من رموز تاريخية ومقابر لآبائه وأجداده، لن تكون أرضا تبنى عليها المراقص والملاهي والنوادي الليلية، ويمارس فيها ما اعتبره "فسوقا".
في واقع الأمر لم يكن هذا موقف الحويطي وحده، بل كان موقف كثيرين من أبناء قبيلته الذين أشار إليهم في هذا الفيديو، وإن كان بعضهم لم يعلن موقفه، كما فعل الحويطي.
الحويطي أدرك أن الذي يشيد المراقص في جدة، وهي المدينة المكتظة بالأسر المحافظة والمتدينة، سوف يبني ما هو أسوأ من ذلك في البقعة النائية في شمال غرب المملكة.
علاوة على ذلك، رأى أن مشروع " نيوم" ليس مشروعا وطنيا، وأنه يخدم اليهود أكثر مما يخدم السعوديين، لهذا رفض أن يكون شريكا بإنشاء هذا المشروع، أو جزءا منه طوعا أو كرها.
رسالة الحويطي
حملت رسالة الحويطي بُعدا دينيا وقوميا، ففي بعدها الديني انتقد الحويطي ما يمارسه ابن سلمان من تفسخ وتفكيك لمنظومة القيم الأخلاقية والمجتمعية في السعودية، بدعوى الانفتاح على العالم.
الحويطي أشار أيضا إلى موقف العلماء "المخجل" من كل ما يجري، من إجراءات لتمييع المجتمع السعودي التي يقوم بها محمد بن سلمان، والذي انتهك من خلالها كل المعايير الدينية والاجتماعية المحافظة.
وجه الحويطي صفعة لكل العلماء الذين تماهوا مع ابن سلمان وقاموا بالتنظير الديني لمشاريعه المراهقة، قائلا لهم: "بئس وعاء العلم أنتم".
كما حملت رسائله بعدا قوميا، حيث أبدى تعاطفه الكامل مع المهجرين الفلسطينيين، بعد أن خاض تجربتهم، وذاق مرارة التهجير مثلهم، وأشار إلى أن ما تمارسه الرياض من تهجير ضد أبناء قبيلته وقريته، هو ذات السلوك الذي يمارسه الكيان الصهيوني الغاصب ضد أبناء فلسطين وضد أرضهم وقراهم.
أيقونة ثورية
بالقدر الذي مثلت رسائل الحويطي صفعة لنظام محمد بن سلمان، ولعلماء السعودية، ولكل من تماهى مع إجراءات النظام الجائرة، فإن مقتله مثل اختبارا حقيقيا لكل فئات الشعب القبلية والدينية والحقوقية.
بموازاة ذلك، يثق كثيرون أن الحويطي قد تحول لأيقونة ورمز ثوري، وأن السعوديين سوف يستدعونه عندما يقررون حسم أمرهم وإنهاء العبث الذي يمارسه محمد بن سلمان.
يدل على هذا الشعور حالة الغضب في أوساط السعوديين، والحملات الإلكترونية التي انطلقت تحت عدة هاشتاجات، من بينها هاشتاج #استشهاد_عبدالرحيم_الحويطي، وهاشتاج #الحويطات_ضد_ترحيل_نيوم، وهاشتاج #ضد_الترحيل_القسري، وغيرها من الهاشتاجات التي لقيت تفاعلا كبيرا ولافتا.
الحقوقي السعودي عبدالله الجريوي كتب تغريدة قال فيها: "تأكد مقتل عبدالرحيم، مخلفا وراءه صبيا وابنتين، والخسائر غير مؤكدة في الطرف المقابل".
وغرد المواطن السعودي يحيى عسيري قائلا: "قُتل عبد الرحيم الحويطي من أجل أحلام بائسة ومشاريع فاسدة فاشلة.. قتله من كان يجب أن يحميه ويحفظ حقه"، وأضاف: "نيوم ومبس (ولي العهد) وكل مشاريعه لا تساوي قطرة دم بريئة!".
إرهاب دولة
يبدو أن نظام ابن سلمان تعمد، من خلال قتل الحويطي، بث الرعب في قلوب السعوديين الذين تبنوا نفس موقف الحويطي ورفضوا تسليم أرضهم والتفريط في حقوقهم.
رواية السلطات بأن الرجل كان يقاوم الأجهزة الأمنية وتمترس خلف أكياس رملية، أشار إليها الحويطي قبل مقتله بقوله: "لا أستبعد أن يقتلوني.. ويضعوا بندقية بجانب (جثتي)، ويلبّسوني تهمة مقاومة السلطات، من أجل تبرير قتلي وأخذ حقي".
الغريب أن السلطات السعودية تأخرت يومين في الإعلان عن مقتل الحويطي، وبعد الحديث عن مقتله على وسائل التواصل الاجتماعي.
السلطات التقطت صورا لأسلحة قالت إنها كانت بحوزة الحويطي وأنه قاوم بها السلطات، وأضافت أنه تترس خلف أكياس من الرمل، غير أن صور مكان الحادثة كانت خالية من أي أكياس رملية.
تعتري تلك الحادثة تفاصيل كثيرة، وتتميز بألا غموض يكتنفها، وبين كل ما قيل ويقال، ويعتمل في صدور أبناء قبيلته وغيرهم من السعوديين، تبرز حقيقة تشير إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد قرر أن يفتتح مرحلة مشروع "نيوم" بسفك دم السعوديين، وأن هذا المشروع لن يُبنى على أكتاف أبنائه، كما هو حال المشاريع الوطنية، بل سيقوم على جثثهم ويرتوي من دمائهم.
المصادر
- عبدالرحيم الحويطي: قضية مقتله تعيد الجدل حول "تهجير" قبيلة الحويطات ومشروع نيوم في السعودية
- السعودية.. أمن الدولة يُعلن مقتل عبدالرحيم الحويطي أثناء مهام القبض عليه
- "أول ضحايا نيوم"... ردود فعل سعودية على تهجير "الحويطات" ومقتل من رفض تسليم بيته
- مستوطنة "نيوم" الإسرائيلية التي يبنيها بن سلمان
- بعد رفضه "التهجير القسري" من قريته.. السلطات السعودية تقتل الحويطي واستنكار على مواقع التواصل