فيروس كورونا.. هكذا أحيا مبادرات شعبية للتكافل الاجتماعي بالعراق
أظهرت أزمة وباء كورونا في العراق، صورا عديدة للتكافل الاجتماعي التي بدأت عفوية وبمبادرات شخصية، لكنها سرعان ما أصبحت ظاهرة شعبية تفاعلت معها مختلف فعاليات المجتمع الدينية والسياسية والأكاديمية والإعلامية، إضافة إلى بعض مؤسسات الدولة.
ولم يقتصر التكافل بين فئات المجتمع على المعونات الغذائية، التي تصدرت هذه المبادرات، وإنما تعدت ذلك إلى أوجه أخرى عدة، شملت إسقاط أو خفض إيجارات المنازل والمحال التجارية، والأقساط الشهرية للمولدات الكهرباء الأهلية، وتأجيل دفعات شراء السيارات.
وفي 8 أبريل/نيسان 2020، أعلنت السلطات الصحية في العراق، تسجيل 38 إصابة جديدة بكورونا في محافظات النجف (جنوبا) وأربيل (شمالا)، ليرتفع إجمالي الإصابات في عموم البلاد إلى 1160.
السلال الغذائية
انتشرت وبشكل لافت مبادرات توزيع السلال الغذائية بين العائلات ذات الدخل المحدود واليومي، والتي تضررت بشكل كبير جراء حظر التجوال الذي فرضته السلطات منذ 16 مارس/ آذار 2020 ولا يزال مستمرا حتى 18 أبريل/ نيسان من نفس العام.
وفي حديث لـ"الاستقلال" قال أبو عبدالله المشهداني صاحب إحدى مبادرات توزيع السلال الغذائية: إن "الحملة انطلقت مباشرة عقب فرض حظر التجوال، وتقدم المحسنون بالتبرع لإخراج سلال غذائية للعائلات التي تقطعت بها السبل في ظل أزمة تفشي كورونا".
وأضاف أبو عبد الله: أن "السلال الغذائية انقسمت إلى نوعين: كبيرة ومتوسطة، الأولى سهم التبرع لها يصل إلى نحو 15 دولارا، والثانية بنحو 25 دولارا، وتحتوي على المواد الغذائية الأساسية، من العدس، والحمص، والدقيق، والأرز، وصلصة الطماطم، وزيت الطبخ، والأجبان، وبعض المعلبات الأخرى".
وأشار إلى أن "حملات السلال الغذائية شملت محافظات عدة في البلد، لكن عملنا تركز في العاصمة بغداد، ووزعنا المواد إلى مئات العائلات المحتاجة، وكانت الفرحة كبيرة، ولا سيما أن هذه المنازل جرى اختيارها حسب المعرفة الشخصية لأبناء الحي".
وبخصوص حجم السلة مقارنة بعدد أفراد العائلة، قال أبو عبد الله: إن "السلة الواحدة المتوسطة، تمنح إلى العائلة المكونة من 4 إلى 5 أفراد، وتكفيها لمدة أسبوع، وهكذا بالنسبة للعائلة التي تتكون من عدد أفراد أكثر إما تعطى السلة الأكبر، أو تخصص لها أكثر من سلة غذائية، طبقا لأعداد الأسر بالمنزل الواحد".
أما عن المتبرعين، أكد أبو عبد الله أن "المحسنين الذين جادوا في هذه المحنة كثيرون، ولم يقتصر التبرع على الأموال فقط، وإنما أصحاب المحال الغذائية يتبرعون بالكثير من المواد عندما يعرفون الغرض من شرائنا لها، وكانوا متحمسين في المساهمة بهذه المبادرات".
من جهته، قال عمر الدليمي من فريق "أصدقاء الأنبار" الطوعي: إن "الفريق تركز عمله في محافظة الأنبار غرب العراق، ولم يقتصر على السلال الغذائية، وإنما شمل إيصال الخضروات الأساسية، من الطماطم والبصل والخيار، والبطاطس، وغيرها".
وأكد الناشط عمر الدليمي في حديث لـ"الاستقلال" أن "فريق أصدقاء الأنبار يواصل جهوده بشكل يومي في دعم الأسر المتعففة وذوي الدخل المحدود، حيث وزع المواد الغذائية لمئات العائلات، بُغية التخفيف عن كاهلها في ظل فرض حظر التجوال الذي تشهده محافظة الأنبار".
وأشار إلى أن الجهات الحكومية متعاونة في تسهيل مهمة الفريق بالوصول إلى المناطق المختلفة وتوزيع السلال الغذائية، "وفي بعض الأحيان تكون الأجهزة الأمنية معنا في جولاتنا لأن عملنا يقتضي التنقل في مدن مختلفة من المحافظة".
وبشأن تمويل الفريق، أوضح الدليمي أن "التجار والميسورين من أبناء الأنبار، هم من يقدم الدعم المادي وكذلك المواد الغذائية لتوزيعها بين العائلات المحتاجة، وأيضا لدينا أرقام هواتف على مواقع التواصل الاجتماعي لمن يرغب بالتبرع للحملة".
خفض الإقساط
وفي صورة أخرى للتكافل الاجتماعي، بادر عدد من مالكي العمارات السكنية والمحلات التجارية، بإسقاط الإيجار كاملا لشهر أبريل/ نيسان 2020 أو خفضه إلى النصف في أحيان كثيرة، بسبب حظر التجوال المفروض بعموم مناطق البلد منذ 16 مارس/آذار 2020.
المبادرة هذه في الغالب كانت ذات دوافع شخصية، لكن الكثير منها ساهمت المساجد في الحث عليها، والحديث وتوعية الناس عن أجرها العظيم بالتخفيف عن كاهل المواطنين خلال الأزمة التي يشهدها البلد والعالم في الوقت الحالي.
وقال أبو محمد أحد أصحاب المعاهد التعليمية في بغداد لـ"الاستقلال": إن "إيجار المعهد يبلغ ألف دولار في الشهر الواحد، وأن تعطيل الدوام بدأ منذ بداية شهر مارس/آذار، قبل إعلان حظر التجوال، ولذلك طالبنا صاحب المبنى بدفع نصف المبلغ".
وأضاف: أن "الظروف الحالية لا تسمح باستمرار عمل المعهد، ولذلك كان الضرر كبيرا علينا، ولا نعرف إلى متى تستمر أزمة كورونا فالأمر لم يعد محليا، وإنما يشمل أغلب دول العالم".
وعلى صعيد آخر، قال أبو إبراهيم أحد سكان العاصمة بغداد: إن "توعية المساجد لأصحاب المولدات الكهربائية الأهلية ساهم بشكل كبير في خفض أسعار القسط الشهري إلى ربع المبلغ، كما لا ننسى أن الطاقة الكهربائية الحكومية تحسنت أيضا خلال الأزمة، ما كان له الأثر أيضا في ذلك".
وأشار أبو إبراهيم إلى أن "التكاتف بين المواطنين في بغداد وعموم العراق لا يزال يبعث على الأمل، فالكل يحاول بشكل أو بآخر تقديم شيء يخدم به أبناء مدينته، فسمعنا أن تجارا لم يقطعوا الأجور التي تمنح للعاملين، على الرغم من توقف عملهم بالكامل".
في وقت جشع التجار والصيدليات ومحلات المواد الغذائية والخضروات واستغلال الناس ورفع الأسعار
— �� نور�� (@noor4Aldin) March 16, 2020
قرر احد اصحاب المولدات تخفيض سعر الامبير الى 5000 الاف نظرا للظروف الصعبة التي يمر بها البلد
الله يكثر من امثالك وفي ميزان حسناتك �� pic.twitter.com/WAXMWRcVXo
دعوات للتكاتف
وحظيت مثل هذه المبادرات باهتمام كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ كانت الدعوة كبيرة لحث أصحاب الأموال والأملاك في المساهمة، وأن يكونوا أصحاب مواقف مشرفة بالتخفيف عن المواطنين حتى عبور الأزمة الحالية.
ويتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي يوميا عشرات الصور لحملات تطلقها منظمات خيرية وفرق تطوعية، لمساعدة العائلات المتعففة، وتوزيع السلال الغذائية بينهم، في جميع محافظات العراق.
كما نشر رواد مواقع التواصل صورا لمساهمات عدد من المطاعم في دعم الكوادر الصحية التي تعتبر خط الصد الأول في مكافحة كورونا، بوجبات غذائية مجانية بشكل يومي، تعبيرا عن مساندتهم في جهودهم المبذولة لإنهاء الوباء القاتل.
مبادرة كريمة في الانبار ��
— Husham Alhashimi هشام الهاشمي (@hushamalhashimi) March 21, 2020
يقوم مطعم (القصر الابيض) في محافظة الانبار / الرمادي
يومياً بتوزيع الوجبات للكوادر الصحية والامنية مجاناً دعماً لمواجهة وباء كورونا �� #خليك_بالبيت #ظل_بالبيت #شكرا_للكوادر_الطبية_والامنية pic.twitter.com/h0McKbXU20
وأطلق أكاديميون وإعلاميون نداءات إلى الخيرين والمحسنين في العراق إلى التكاتف وإعانة بعضهم البعض لأن أزمة كورونا أصابت جميع القطاعات الحيوية بالشلل، "ولا بد من تفقد المحتاجين وأصحاب الدخل اليومي وإعانتهم".
وكتب الأكاديمي وأستاذ الإعلام الدكتور عبدالقادر الحديثي على حسابه في "فيسبوك" قائلا: "أذكر نفسي أولا وجميع من معي بأن في هذه الأيام الصعبة، نحتاج أن نفكر جديا بالتكافل والتعاون الاجتماعي فيما بيننا، فكل عائلة من عوائلنا فيها الميسورون أو من أنعم الله عليهم بالمال فيها من هم ضعاف الحال والمحتاجون بسبب الظروف الصعبة التي نمر فيها والعالم أجمع بسبب فيروس كورونا الذي عطل الكثير من المصالح والأعمال".
وأضاف: "لذا أجد من الواجب الشرعي والأخلاقي والإنساني على المحسنين منا جميعا سواء من كانوا داخل أو خارج العراق أن نفكر على أقل تقدير ونساهم بمساعدة الفقراء والمحتاجين وضعاف الحال بأي شيء ممكن أن نجود فيه، وأن نساعد الآخرين فيه وبالذات من هم أقاربنا وأهلونا وأعتقد أن ذلك ليس منة ولا فضلا".
وتأتي هذه المبادرات الشعبية في العراق، رغم مروره في ظروف اقتصادية وسياسية مربكة، واحتجاجات شعبية اجتاحت مدن وسط وجنوب البلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قبل أن تدخل إليه أزمة كورونا التي عطلت أغلب مفاصل الحياة.
وعلى الصعيد الحكومي، وجه نائب رئيس الوزراء وزير المالية العراقي فؤاد حسين، مصرفي الرافدين والرشيد الحكوميين بتأجيل استيفاء أقساط القروض وفوائدها لأصحاب سيارات الأجرة ولمدة شهرين، بسبب توقف أعمالهم اليومية جراء حظر التجوال.