مع تفشي كورونا.. كيف فاقم ابن سلمان من أزمات العالم الاقتصادية؟
قالت مجلة "أوريان 21" الفرنسية: إن رهانات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (تولى السلطة في 2017)، تواصل الفشل، حيث أخفق مؤخرا في قطاع النفط، مما خلق ذعرا اقتصاديا في جميع أنحاء العالم.
وأوضحت المجلة في تقرير لها: "سواء كانت حربية أو دبلوماسية أو شرطية أو إستراتيجية أو حتى اقتصادية، فإن اختيارات الأمير البالغ من العمر 34 عاما، حصدت تقريبا الفشل تلو الآخر".
وتساءلت: هل يمكن أن يعزى ذلك إلى "عمره"، مقارنة بالقادة الذين سبقوه في حكم المملكة النفطية هذه؟ أم لصلاته بشخصيات مثل جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟
وأكدت أن ضربته الأخيرة في قطاع النفط وانهيار أسعار الذهب الأسود، تحولت إلى إخفاق وخلقت موجة من الذعر، وفقا للخبراء، إذ تضرر الاقتصاد العالمي المتأثر بالفعل من جائحة كورونا.
وتطرقت المجلة إلى الاجتماع الذي عُقد بفيينا في ديسمبر/كانون أول 2019 بين الأعضاء الأربعة عشر في منظمة البلدان المنتجة للبترول (أوبك) بهدف الحفاظ على أسعار الذهب الأسود، الذي كان انخفاضه في الأسواق يقلق الدول المنتجة.
وأوضحت: "لم يؤد هذا الاجتماع إلى نتائج مرضية، حيث دعا وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان (الأخ غير الشقيق لولي العهد) إلى اجتماع استثنائي لإجبار روسيا على قبول انخفاض جديد في الإنتاج من أجل زيادة الأسعار.
ونوهت بأن موسكو منذ عام 2017 تلعب دورا أساسيا في سوق النفط فهي شريكة لأوبك والمملكة.
وكان من المتوقع بالفعل أن يؤدي اجتماع أوبك الذي عقد يوم 6 مارس/ آذار 2020 إلى انخفاض جماعي إضافي يصل بالإنتاج إلى 1.5 مليون برميل في 2020، ليضاف إلى 2.1 مليون برميل من التخفيض الذي تم تحديده وتجديده بالفعل في يونيو/ حزيران 2019.
رفض موسكو
ورفضت موسكو لعب المباراة حتى النهاية، واستغرق الاجتماع نصف ساعة فقط، بحسب ما نقلته صحيفة "فاينانشال تايمز" عن المشاركين.
أما بالنسبة للرياض، كان من الضروري دعم أسعار النفط التي انخفضت بنسبة 30٪ منذ بداية العام بسبب وباء كوفيد- 19، والذي أثر في الطلب على النفط الخام لتحقيق ميزانية متوازنة، إذ تحتاج السعودية إلى إبقاء سعر برميل النفط عند 80 دولارا (71.64 يورو).
وكجزء من هذه المفاوضات، وافقت روسيا على تمديد اتفاقية خفض الإنتاج الأولية حتى نهاية عام 2020، لكنها رفضت أي تخفيض آخر في الإنتاج، قائلة: إنها راضية عن سعر خام برنت (سعر النفط الخام القياسي) السائد.
ونتيجة لرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تلبية مطالب ولي العهد، اشتعلت النيران في منظمة أوبك.
وكان رد فعل الأخير، على الرغم من كل التوقعات، هو فتح بوابات النفط وإغراق السوق للحفاظ على حصص المملكة، لكنه فعل ذلك في ظل انخفاض عالمي في الطلب، فتفاقمت الأوضاع بسبب أزمة اقتصادية عالمية، يبدو أن البنوك المركزية عاجزة عن مواجهتها في الوقت الحالي، بحسب المجلة الفرنسية.
وقالت "أوريان 21": إن حرب الأسعار التي شنتها المملكة العربية السعودية، مع زيادة الإنتاج بنسبة 25٪ إلى 12.3 مليون برميل في اليوم - وهو ارتفاع غير مسبوق - شكل بالفعل ضربة قوية للدول المجاورة من المنتجين العرب.
ولكن طال أيضا روسيا التي انخفضت عملتها، بالرغم من أن لديها القدرة على الصمود بفضل احتياطاتها الأجنبية من 562 مليار دولار (503 مليار يورو)، وهو رقم أعلى من احتياطي المملكة البالغ 501 مليار دولار (448.65 مليار يورو)، حسب أحدث الأرقام المتاحة.
وأكدت أن الحرب ضربت كذلك إنتاج الشركات الأميركية للنفط والغاز الصخري، لكن هل يمكن للأخيرة الانتظار، عندما تكون تكاليف إنتاجهم أعلى بالفعل من أسعار البيع؟، مضيفة: أنه "يمكن للرئيس دونالد ترامب أن ينقذهم عن طريق شراء نفطهم بثمن أعلى من سعر السوق، ولكن هل هذا ممكن؟ الجدل ينتعش بواشنطن".
وبحسب المجلة، فإن السذاجة أو اللاوعي من جانب الأمير الشاب، زادت من انخفاض سعر برميل النفط، حيث انخفض من 110 دولارات (98.50 يورو) في 2014-2015 إلى ما يقرب من 20 دولارا (17.91 يورو) في 18 مارس/ آذار، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2003. وبنسبة أكبر مقارنة ببداية عام 2020، حيث ظل السعر نحو 50 دولارا (44.77 يورو).
وتابعت: "بحلول 18 مارس، انخفض النفط إلى أكثر من النصف في غضون أسبوعين، وساعد في ذلك الوباء العالمي، وفي هذا السياق، قررت المملكة خفض الإنفاق بنسبة 5٪ لعام 2020، وربما هذه هي البداية فقط".
وبينت أنه وفقا لصحيفة "فاينانشيال تايمز" في افتتاحيتها يوم 21 مارس/ آذار، فإن "صناعة النفط (في العالم) تواجه أسوأ أزمة لها منذ 100 عام حيث استمرت أسعار الذهب الأسود في الانخفاض، إذ يرى العديد من المحللين أنها ستعود إلى ما دون 10 دولارات".
عجز متزايد
وبحسب "أوريان 21"، يبدو أن ابن سلمان يعاقب نفسه، إذ بات العديد من الخبراء لا يترددون في التشكيك بسياسياته، وفي خطته للتنويع الاقتصادي "رؤية 2030" والتي أطلقها عام 2016.
ويهدف ولي العهد من خلال الرؤية إلى جعل مملكته "قلب العالم العربي والعالم الإسلامي" وكذلك "مجتمع نابض بالحياة"، وفقا لما أعلنه خلال الإطلاق الرسمي للمشروع، والذي لا يزال يمكن قراءته على الموقع الرسمي المخصص للرؤية.
وتشمل الخطة التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار (447 مليار يورو) العديد من المشاريع العملاقة، بما في ذلك نيوم المدينة المستقبلية التي تستحق فيلم خيال علمي، وفق تعبير المجلة.
وتابعت المجلة الفرنسية: "من هنا جاءت فكرة بيع 5٪ من أرامكو السعودية، عملاق النفط السعودي، لزيادة الاستثمار خارج قطاع الطاقة وتمويل برنامجه الإصلاحي وانفتاحه على العالم".
وفي ديسمبر/ كانون أول 2019، جرى إدراج 1.5٪ فقط من رأس المال في سوق الأسهم السعودي فقط.
لكن رغم ذلك، أعلنت أرامكو (التي انخفضت قيمتها السوقية عن السعر التمهيدي، وبنسبة 12 ٪ منذ 1 مارس/آذار 2020)، في 14 من نفس الشهر، انخفاضا في الأرباح بنسبة 20 ٪ عام 2020، لتصل إلى 88.2 مليار دولار (79 مليار يورو) بحسب أمينها التنفيذي أمين ناصر.
وبحسب مركز الأبحاث كابيتال إيكونوميكس، فإن تأثير الفيروس التاجي وانهيار أسعار النفط سيزيد من عجز الموازنة السعودية عام 2020، مما أدى إلى انخفاضها 6.4 أي بنسبة 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
اعتقالات وفشل
وقارنت المجلة بين الإنجازات "الإيجابية" التي حققها ولي العهد لتحديث المجتمع المحافظ الذي يسيطر عليه، من خلال زيادة مساحة التسامح الديني، والتفويض الممنوح للمرأة لقيادة السيارة، والانفتاح النسبي على العالم، وما إلى ذلك، مقابل استمرار الرقابة وسجن مئات المعارضين دون محاكمة، وقتل مخالفي الرأي كما حدث مع الصحفي جمال خاشقجي أو ابتزاز رجال الأعمال من خلال سجنهم.
وتطرقت كذلك إلى اعتقال اثنين على الأقل من أفراد العائلة المالكة في أوائل مارس/ آذار 2020 وهما أحمد بن عبد العزيز آل سعود، شقيق الملك، وكذلك ابن شقيق الملك ووزير الداخلية السابق وولي العهد السابق محمد بن نايف، وكلاهما متهمان بإعداد انقلاب للإطاحة بالرجل القوي الجديد.
وفي غضون ذلك، نقلت عن "فاينانشيال تايمز" أن هيئة مكافحة الفساد في البلاد، اعتقلت نحو 300 مسؤول حكومي، بينهم عسكريون كبار، بتهم تشمل الفساد.
وعن السياسة الإقليمية لمحمد بن سلمان ورغبته في بناء شرق أوسط وفقا لرؤيته، قالت المجلة: إن "حرب اليمن المستمرة أثبتت فشله من الناحية الإنسانية والعسكرية والاقتصادية، حتى الدول الحليفة مثل الإمارات العربية المتحدة اعترفت بخطأ دعمه لكن متأخرا".
كما جرى شجب حصار قطر في جميع أنحاء العالم وكذلك بالدول العربية، لمعارضتها مواقف المملكة العربية السعودية، فهذا الحصار – الذي لم يسبق له مثيل - أحرج أكبر حليف للولايات المتحدة.
وبينت أنه حتى مواجهته ضد عدوه الأكبر، إيران، لم تسفر عن نتائج مقنعة، فعلى الرغم من العقوبات التي تلحق ضررا كبيرا باقتصادها، أصبحت طهران لاعبا رئيسيا في المنطقة، من العراق إلى اليمن عبر سوريا وحتى إلى لبنان الموالي للغرب، من خلال حزب الله الشيعي.
كما لفتت إلى أن التدخل غير المباشر للسعودية في سوريا (عبر الأسلحة والمليشيات والأموال) فشل فشلا ذريعا، لأنه إذا كان ابن سلمان سعى لإسقاط بشار الأسد، فقد بقي محتفظا بسلطته بفضل الدعم الذي تلقاه من روسيا وإيران.
وخلصت المجلة إلى أنه في الوقت الراهن، تعاني المملكة العربية السعودية الجديدة تحت رعاية محدثها محمد بن سلمان من نقص في الإستراتيجية المدروسة والمنظمة، على الرغم من "رؤية" الأمير الشاب الذي يمسك بكامل السلطة.