القطاعات الحيوية بالعراق.. كيف عرقلتها الاحتجاجات وضربتها كورونا؟
في ظل ظروف عصيبة يعيشها العراق خلال المرحلة الراهنة بسبب استمرار الاحتجاجات الشعبية التي دخلت شهرها السادس، وخلافات القوى والكتل البرلمانية بخصوص تشكيل الحكومة، تعاني قطاعات حيوية عدة منذ مدة بشلل شبه تام، دفع الأوضاع بالبلد نحو الأسوأ.
ورغم محاولة بغداد إلقاء اللوم في معظم هذه الأزمات على عاتق الاحتجاجات الشعبية، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك تماما، إذ يؤكد مراقبون أن الحكومة هي من تركت الأوضاع تسير نحو الفوضى دون إيجاد حلول حقيقية.
ولعل من أبرز القطاعات الحيوية التي شهدت تعثرا خصوصا بعد تفشي فيروس كورونا، كانت السياحة الدينية، والتربية والتعليم، إضافة إلى المنافذ الحدودية البرية والبحرية، التي انعكست سلبا على صادرات النفط قبل تراجع أسعاره عالميا مؤخرا.
السياحة الدينية
في خطوة نادرة، أغلقت السلطات العراقية، المراقد الدينية المقدسة لدى الشيعة حول العالم وإلغاء صلاة الجمعة، بعدما أعلنت تسجيل إصابات بالفيروس في مدينة النجف، ثم انتقاله إلى مدن عدة في كربلاء وبغداد ومحافظات أخرى.
وكذلك إغلاق الحدود مع إيران، ومنع التجمّع والتجمهر لأي سبب كان ومنها المناسبات الدينية، تجنبا لتفشي كورونا، بتوجيه من وزارة الصحة، أدت إلى توقف المدن الدينية عن استقبال السياح من داخل وخارج البلد.
تلك الخطوة جاءت لتقتل السياحة الدينية بشكل كامل في العراق، إذ تقدر بيانات محلية، عدد السياح الدينيين الوافدين إلى العراق سنويا بين 4 إلى 6 ملايين زائر من جنسيات مختلفة، يتوجه أغلبهم إلى النجف وكربلاء. ووصلت عائداتها في 2017 إلى نحو 5 مليارات دولار.
وفي الأول من مارس/آذار 2020، نشرت الوكالة الفرنسية، تقريرا إنه تم إغلاق 300 من أصل 350 فندقا في النجف لوحدها، إذا قال صائب أبو غنيم، رئيس جمعية الفنادق والمطاعم بالمدينة : "عدد الزوار الإيرانيين سابقا تجاوز 4 آلاف شخص في اليوم، لكن الآن لا يوجد أي زائر هنا وجميع الفنادق فارغة ومخيفة".
وأكد أن الفنادق المتبقية أصبحت تعمل بنسبة 5 بالمئة جراء غلق الحدود وحظر الدخول إلى البلاد، لافتا إلى أن "الوضع التجاري في النجف كان في وقت سابق يعاني جراء الاحتجاجات في بغداد والآن أصبح منهارا تماما بسبب تفشي الفيروس".
أما الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، فأكد في تصريحات صحفية: أن "الأوبئة والأمراض تؤثر بشكل كبير على القطاعات الاقتصادية، وأكثر قطاع يتأثر هو قطاع السياحة، لكن العراق لا يمتلك غير السياحة الدينية، لذلك تأثرت بشكل كبير".
الهماشي لفت إلى أن "تأثير الفيروس سيكون على الأفراد أكثر من تأثيره على الدولة، لأنها غير مستفيدة كثيرا من السياحة الدينية، لكن المستفيد هم الأفراد، لأن الفنادق والمطاعم والمتاجر تعتمد في مبيعاتها على السائحين، وبذلك ستتوقف هذه المشاريع إضافة إلى البطالة، وتآكل رأس المال".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "العواقب كبيرة جدا على المواطن نفسه، وخاصة أن المدن الدينية هي تجارية أكثر من كونها مراكز صناعية، مثل: كربلاء والنجف وسامراء"، لافتا إلى أن "الأرقام التقريبية تفيد بأن أكثر من 20 بالمئة من سكان المدن الدينية يعتمدون في اقتصادهم على السياحة الدينية سواء كانت الداخلية أو الخارجية".
ولم يكن تفشي فيروس كورونا وحده من تسبب بتوقف السياحة الدينية في العراق، إذ أن الاحتجاجات الشعبية والقمع الذي واجهه المتظاهرون على يد الأجهزة الأمنية والمليشيات الموالية لإيران كانت أيضا سببا في تراجع هذا القطاع الحيوي.
وإثر تصاعد القمع من قبل الأجهزة الأمنية بدعم من المليشيات الموالية لإيران، أقدم المحتجون على إحراق قنصليتي طهران في كربلاء والنجف أكثر من مرة، تعبيرا عن رفضهم للتدخل الإيراني في الشأن العراقي.
تلك التطورات دفعت إيران منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019، إلى إيقاف رحلاتها السياحية البرية إلى العراق، إذ نقلت وكالة "فارس" بيانا للشركة المركزية لمكاتب خدمات الزيارة في إيران، جاء فيه: "نظرا للاعتبارات الأمنية المُعلنة من جانب المسؤولين المعنيين، تم حتى إشعار آخر منع خروج الزوار برا (إلى العتبات المقدسة في العراق)".
المنافذ الحدودية
وليس ببعيد عن الأزمة السابقة، حيث شهدت المعابر الحدودية للعراق خسائر فادحة بسبب الإغلاقات المتقطعة، لا سيما بالمنافذ البحرية، في وقت يؤكد فيه نواب بالبرلمان أنها لو استثمرت بالشكل الصحيح وبعيدا عن الفساد، فبإمكان أن تسد إيراداتها العجز بالموازنة المالية للبلد.
وقال عضو اللجنة المالية في البرلمان جمال أحمد كوجر في تصريحات صحفية: إن "إغلاق ميناء الفاو في البصرة لمدة أسبوعين كبد العراق خسائر بلغت 6 مليار دولار"، بسبب الاضطرابات التي نتجت عن الاحتجاجات الشعبية في المحافظة.
وأكد كوجر في تصريحاته أن إيرادات المنافذ الحدودية بإمكانها سد العجز في الموازنة لو استغلت بشكل صحيح وبعيدا عن الفساد، إذ أن الحكومة تقول إن الموارد من المنافذ جميعها على مستوى العراق تبلغ سنويا من 10 إلى 13 مليار دولار، برغم تصريحها أن إغلاق منفذ واحد لأسبوعين كبد العراق 6 مليارات دولار.
وقبل تدهور أسعار النفط مؤخرا، يقدر العجز في موازنة 2020 بأكثر من 72 تريليون دينار (نحو 60 مليار دولار)، بحسب تصريحات رياض التميمي، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان.
ويصل العراق مع دول الجوار أكثر من 20 منفذا حدوديا بريا، بينها وبين دول السعودية والكويت والأردن وسوريا وإيران وتركيا، وفقا لخريطة الهيئة العامة للجمارك التابعة لوزارة المالية.
وفي الأزمة الأخيرة بسبب تفشي كورونا، قررت هيئة المنافذ الحدودية، إغلاق 5 منافذ برية مع إيران بشكل تام، أمام حركة التبادل التجاري كإجراء احترازي، وشملت منافذ: الشلامجة (بمحافظة البصرة)، الشيب (ميسان)، زرباطية (واسط)، المنذرية، مندلي (ديالى).
وحسب التقديرات التي أصدرتها اللجنة المالية في البرلمان في سبتمبر/ أيلول 2019، فإن حجم خسائر العراق جراء الفساد في السنوات الماضية بلغ نحو 450 مليار دولار، من بينها 360 مليار دولار خلال فترة حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية (2006 إلى 2014).
التربية والتعليم
وبعيدا عن الجانب الاقتصادي، فقد أدت الأزمات المتلاحقة في العراق ولا سيما أزمتي تفشي فيروس كورونا والاحتجاجات الشعبية، إلى انعكاسات سلبية على وضع التربية والتعليم في العراق خلال العام الدراسي 2019- 2020.
فمع دخول العام الدراسي الجديد الذي بدأ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019، اندلعت احتجاجات شعبية في محافظات وسط، وجنوب العراق من ضمنها العاصمة بغداد، وكان فيها الطلبة العامل الأكثر تأثيرا في ديمومة زخم هذه المظاهرات.
وشهدت المدارس والجامعات في وسط وجنوب العراق، إضرابات عامة وتوقف للدوام الرسمي استمر لأشهر عدة، وبعد محاولات جاهدة تحدثت عنها السلطات لإعادة ضبط الدوام وتأدية الامتحانات النصفية في فبراير/ شباط الماضي، داهم فيروس كورونا أغلب المحافظات.
وبذلك انسحبت العطلة الربيعية من منتصف فبراير/ شباط 2020 وحتى إشعار آخر، إثر قرارات "لجنة الأزمة الحكومية" بتأجيل الدوام في المدارس والجامعات لأكثر من مرة لأسباب تتعلق بمنع تفشي كورونا.
الجهات الرسمية ممثلة بوزيرة التربية سها العلي بك، أكدت صعوبة الظرف الحالي على الطلبة ومستقبلهم الدراسي، لافتة إلى أن البلد يعيش ظروفا استثنائية نتيجة الاحتجاجات الشعبية المتواصلة، وتفشي فيروس كورونا الأمر الذي تسبب بانقطاع عن الدوام.
لكن الوزارات المعنية (التربية، والتعليم العالي والبحث العلمي) أعلنت اتخاذ خطوات عدة في محاولة منها لمعالجة مشكلة الانقطاع الذي عطّل السير في المناهج الدراسية، ومنها التعليم عن بعد عبر محطات تلفزيونية تعليمية، وكذلك الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي.
وبسبب المشاكل التي تهدد الموسم الدراسي الحالي، تدور أحاديث عن إلغاء السنة الدراسية، أو جعلها سنة عبور "نجاح جماعي"، لكن وزيرة التربية رفضت اللجوء إلى الخيارين تماما، وأكدت أن الحلول المطروحة تمديد الموسم الدراسي إلى العطلة الصيفية وتوفير أجواء مناسبة للطلبة خلال فصل الصيف ملتهب الحرارة.
وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي العراقي أستاذ التاريخ الدكتور عمر التكريتي لـ"الاستقلال": "العام الدراسي الحالي واجه الكثير من العوائق، فما أن تمكنت المؤسسات التعليمية من معاودة نشاطها بعد انقطاع دام أكثر من شهرين بسبب الإضراب، عادت لتغلق أبوابها بسبب تفشي وباء كورونا".
ولفت إلى أن "القيادات التعليمية تحاول قدر المستطاع معالجة المسألة بتفعيل التعليم الإلكتروني، وهو أمر لم يألفه طلبة العراق الذي يمكن القول إنه متأخر في هذا المجال ولكن تبقى الأمور صعبة".
وتابع التكريتي: "الإضراب والاحتجاجات واليوم كورونا كلها تؤثر على مسيرة التعليم وجودته، فالحلول البديلة مهما كانت متقنة لن تكون بنفس جودة الأصل، الإشكالية التي تواجه التعليم اليوم هي عدم وضوح نهايات ما يواجهه، فانتشار الوباء وتأخر العلاجات الطبية، كلها تجعل من الصعوبة التكهن به".
المصادر
- تقرير: الكورونا يقتل السياحة الدينية في العراق
- إيران توقف رحلاتها الدينية إلى العراق
- "حتى إشعار آخر".. إيران تُوقف جميع الرحلات البرية لزيارة العتبات المقدسة بالعراق
- بالوثائق.. التربية تُحدد مواعيد امتحانات نصف السنة ونهاية الكورس الاول للمحافظات كافة
- المالية النيابية: بامكان المنافذ سد عجز الموازنة لكن..!!
- العراق يبدأ بتنفيذ قرار إغلاق المنافذ الحدودية مع إيران
- 60 مليار دينار إيرادات المنافذ الحدودية العراقية في أكتوبر