هكذا سيكون حال دول الخليج إذا تعرضت محطات التحلية لهجوم
تعتبر المياه موردا إستراتيجيا وحيويا في بلدان الخليج العربي، ويتطلب تأمينها وضمان توفرها نفس اليقظة التي يتم اتباعها لتأمين وحفظ النفط.
وأدى تزايد عدد سكان المنطقة في السنوات الأخيرة وزيادة النشاط الاقتصادي إلى زيادة الطلب على المياه العذبة بشكل أكبر، وفي الوقت ذاته أصبح الحصول عليها مكلفا بوتيرة متزايدة، خاصة بالنسبة للبلدان التي لديها القليل من مصادر المياه الطبيعية، التي تتوفر في طبقات المياه الجوفية والأنهار والبحيرات.
وبما أنه لا وجود للبحيرات أو الأنهار في السعودية والبحرين والكويت والإمارات وعمان وقطر، وحتى اليمن، فإن دول الخليج تعتمد بشكل شبه كامل على محطات التحلية لإنتاج المياه العذبة.
أهداف سهلة
في سبتمبر/أيلول 2019، أوضح الارتباك في السياسة السعودية الذي أعقب الهجمات الإيرانية على المنشآت النفطية في المملكة هشاشة الأمن القومي لمنطقة الخليج وسهولة تلقيها لضربات محتملة تستهدف البنية التحتية والقطاعات الحيوية، بما في ذلك محطات تحلية المياه ومرافق تخزيها.
وتواجه محطات التحلية ومرافق تخزينها في دول الخليج عدة تهديدات، منها: انسكاب النفط وتلويث المخزون من المياه المحلّاة أو حصول هجمات إرهابية عبر إطلاق صواريخ موجهة.
كما يمكن أن تتعرض محطات التحلية إلى هجمات جوية، أو شن حملات إلكترونية تخريبية على محطات الطاقة الضرورية لتشغيل محطات تحلية المياه.
لمعرفة ضعف إمدادات المياه العذبة لدول منطقة الخليج فإن من المفيد مراجعة القدرات الحالية لتلك الدول بشأن إنتاجها وتخزينها، بحسب مجلة ناشيونال إنترست.
اعتماد كلي
وتقول المجلة: "أنفقت العديد من بلدان المنطقة، بما في ذلك إيران، مبالغ طائلة لإنشاء محطات تحلية المياه لتأمين حاجة سكانها للمياه العذبة".
ففي عمان تمثل المياه العذبة التي تنتجها مصانع تحلية المياه 86 في المئة من مواردها المتاحة للسلطنة، بينما تشكل في الكويت 60 في المئة من الاستخدام المحلي للمياه العذبة.
أما بالنسبة لكل من السعودية والإمارات وقطر فإن اعتمادها على المياه المحلّاة من مصانع التحلية يتراوح بين 40 إلى 50 في المئة من المياه المستخدمة.
كما تكثر عدد محطات التحلية في منطقة الخليج العربي، حيث تمتلك الإمارات سبعين محطة لتحلية المياه، وإيران ستين محطة والسعودية 31 محطة. وتعمل هذه البلدان على زيادة عدد محطات التحلية لمواكبة الطلب المتزايد.
ففي إيران يوجد حاليا 25 محطة جديدة لتحلية المياه تحت الإنشاء، وعند الانتهاء من عمليات الإنشاء في عام 2022 ستصل قدرة التحلية الإيرانية إلى نصف مليون متر مكعب من المياه العذبة يوميا.
في عام 2018، افتتحت عُمان محطة بركاء 4 لتحلية المياه التي تنتج 74 مليون جالون من المياه العذبة يوميا، مما يزيد من قدرة السلطنة لتوفير المياه بنسبة عشرين بالمئة.
وقد عملت الحكومة البحرينية مؤخرا على تحديث محطاتها الأربع لتحلية المياه، وتواصل السعي لاستثمار أجنبي لمواكبة احتياجات البلاد المتزايدة من المياه.
سوء التخزين
ولكن ينبغي الإشارة، بحسب المجلة، إلى أن تخزين المياه العذبة لا يقل أهمية عن إنشاء محطات التحلية اللازمة لتوفيرها.
فالكثير من المياه التي تنتجها محطات التحلية في الإمارات على سبيل المثال لا يتم استخدامها مطلقا؛ بسبب نقص مرافق التخزين.
ووفقا لما ذكره محمد داود من وكالة البيئة في أبوظبي، فإن "محطات التحلية تستمر في إنتاج نفس الكمية باستمرار، على مدى ٢٤ ساعة في اليوم".
ونقلت عنه المجلة: "ماذا تتوقعون أن نفعل بالمياه الزائدة؟ نرميها في الخليج".
وتوضح أنه "في الوقت الحالي إذا تعرضت محطات التحلية إلى هجوم مدمر، فقد تكون دول الخليج الكبرى بدون مياه عذبة في غضون أيام بسبب سوء التخزين".
يقظة متأخرة
وتوضح المجلة أن الجهود المبذولة في دول الخليج لتوفير الكميات الاحتياطية من المياه والتي يمكن تخزينها بأمان تحت الأرض أقل بكثير من جهود تأمين احتياطيات النفط.
وقد بدأت بعض الدول الخليجية مؤخرا الاستثمار بسخاء في تأمين احتياطي المياه الذي من شأنه أن يؤمن المياه الضرورية على مدى بضعة أيام أو أسابيع في حال حدوث أزمة.
يتجاوز الاستهلاك اليومي للمياه في السعودية حاليا سعة تخزينها، وتقوم السلطات ببناء خزانات متعددة للتخفيف من عواقب فقدان محطات التحلية وإدارة الطفرات الدورية في الطلب على المياه العذبة.
كما أطلقت قطر مبادرة مماثلة لبناء تسعة خزانات في مواقع مختلفة في جميع أنحاء البلاد. وقدمت السلطات مشروع الخزانات الضخمة للأمن المائي لرفع احتياطياتها الإستراتيجية في قطر من يومين إلى سبعة أيام.
مثل هذه المشاريع مكلفة وضرورية للأمن القومي والنمو الاقتصادي، وستبقى تكلفة الحفاظ على المياه العذبة وحمايتها مستمرة في الارتفاع إلى الوقت الذي تصل البشرية فيه إلى تقنيات بديلة توفر لها احتياجاتها من المياه العذبة.