انتخابات إيران التشريعية.. لماذا تقدم المتشددون على حساب الإصلاحيين؟

12

طباعة

مشاركة

في مشاركة تعد الأضعف منذ الثورة الإيرانية عام 1979، سيطر المرشحون المقربون من الحرس الثوري، ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، على مقاعد البرلمان الإيراني، وسط تراجع كبير للتيار الإصلاحي الذي يتزعمه الرئيس الإيراني حسن روحاني.

المتابعون لنتائج الانتخابات أرجعوا ضعف المشاركة الشعبية، بأنها تمثل ثورة صامتة للشعب الإيراني الذي يبدو أنه لا يقتنع بفكرة وجود حمائم وصقور داخل النظام الإيراني، بينما اعتبر آخرون النتائج بأنها رسالة موجهة للولايات المتحدة بعد اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس قبل أسابيع في العراق.

في حين اعتبرها فريق ثالث بأنها تمهيد للانتخابات الرئاسية التي تشهدها إيران بعد أقل من عام، ووصفها فريق رابع بأنها الفرصة التي أرادها الإيرانيون لإنهاء أزمتهم مع الولايات المتحدة.

أيا كانت الاستنتاجات، فإن المحصلة النهائية التي تمثلت في سيطرة التيار المتشدد، تمثل ضربة موجعة لكل الأطراف الإقليمية والدولية التي كانت تراهن على المعادلة السياسية داخل طهران في ضبط سياساتها الخارجية تجاه جيرانها بدول الخليج، وتجاه القوى الإقليمية التي بدأت تكشر عن أنيابها تجاه التوغل الإيراني في لبنان وسوريا واليمن.

نتائج مقلقة

وفقا لتصريحات المسؤولين الإيرانيين، والمراقبين الذين تابعوا أجواء الانتخابات، فإن القلق لم يكن فقط من النتائج التي كانت لصالح المقربين من المرشد الأعلى خامنئي، وإنما في تراجع الإقبال الذي سجل نسبة حضور بلغت 42.5%، وهو ما اعتبرته هيئة الانتخابات الإيرانية، الأضعف منذ الثورة الإيرانية عام 1979، مقارنة بنسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية، التي بلغت 62%.

وحسب النتائج التي أعلنها المتحدث باسم هيئة الانتخابات الإيرانية إسماعيل موسوي، يوم 23 فبراير/ شباط الجاري، فإن التيار المحافظ حقق 221 مقعدا، من إجمالي 290، هو العدد الإجمالي للبرلمان، بينما حصل التيار الإصلاحي على 16 مقعدا، والمستقلون 34 مقعدا، وكانت النتيجة الأبرز في العاصمة طهران، التي فاز التيار المحافظ بجميع مقاعدها الثلاثين.

ووفقا للنتائج السابقة توقعت وكالة "رويترز"، أن يفوز رئيس بلدية العاصمة السابق محمد باقر قاليباف برئاسة البرلمان، واعتبرته واحدا من غلاة المحافظين، كما أنه كان قائدا سابقا للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري.

المرشد الأعلى علي خامنئي، حمَّل الإعلام الأجنبي، مسؤولية عزوف الناخبين عن المشاركة، مؤكدا عبر موقعه الرسمي، أنه مارس "ضخّا إعلاميا" لإحباط الإيرانيين وثنيهم عن المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 21 فبراير/ شباط الجاري.

وأضاف خامنئي في التصريحات التي نشرها موقعه الرسمي قائلا: "مارست الوسائل الإعلامية الأجنبية ضخها الإعلامي السلبي منذ أشهر وكثّفته مع اقتراب موعد الانتخابات ولم تتوان خلال اليومين الماضيين (قبل الانتخابات) عن استغلال أدنى فرصة وتحججت بمرض وفيروس من أجل ثني الناس عن المشاركة في الانتخابات".

وذهب عدد من المحللين الإيرانيين إلى أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية، لن تغير شيئا من الواقع السياسي في إيران، حتى وإن اعتبرها البعض تمثل وسيلة ضغط على الرئيس روحاني للفترة المتبقية من حكمه، في ظل التوقع بأن يحاول البرلمان ممارسة ضغوط من أجل التأثير على السياسة الخارجية.

إلا أن الواقع سيكون مغايرا لذلك، وفقا لرأي "عباس أصلاني"، الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، والذي توقع في تصريحات لشبكة "الجزيرة"، أن يدعم البرلمان بأغلبيته المحافظة ما ذهبت إليه الحكومة بشأن الملفات الإقليمية، ومنها دعم محور المقاومة، كما أن البرلمان المحافظ سيعمل على تعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية.

العودة للخلف

محللون آخرون اختلفوا مع الرأي السابق، فوفقا لـ "وكالة بلومبرغ" الأمريكية، فإن النتائج التي أفرزتها الانتخابات، ستعيد البرلمان لأيدي التيار المصمم على إعادة عقارب السيارة للخلف مرة أخرى فيما يتعلق بالمصالحة مع الغرب، وهو ما سيكون ظاهرا في التراجع عن الالتزامات المتعلقة بالاتفاق النووي.

واعتبر "عدنان طباطبائي"، المؤسس المشارك بمركز البحوث التطبيقية في بون بالشراكة مع الشرق، أن الانتخابات الأخيرة تجعل الأمور أكثر صعوبة لحماية الاتفاق النووي، خاصة وأن المحادثات مع واشنطن تعتمد على "حساب التفاضل والتكامل الإستراتيجي، وليس توازن القوى المحلية".

وترى "بلومبرغ"، أنه بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015، زادت المشاعر السلبية للإيرانيين تجاه الغرب، وزاد من ذلك اغتيال اللواء سليماني، وهو ما كان من نتائجه أن حصل مجلس صيانة الدستور، على الضوء الأخضر لإقصاء معظم المعتدلين والوسطاء من الترشح في الانتخابات، وفي النهاية جاءت نتيجة الانتخابات مخيبة لآمال الغرب.

ووفق الوكالة نفسها، فإن التمثيل المتزايد لشخصيات أمنية سابقة بالبرلمان الجديد، سيقلل من التسامح لإجراء مناقشات حول المجتمع المدني والحريات الاجتماعية وحرية الإعلام، وهو ما يزيد من الصعوبات على الرئيس روحاني، الذي سيجد نفسه في حرب وكفاح من أعضاء البرلمان المتشددين للحصول على تصديق البرلمان على أي تشريع رئيسي خلال عامه الأخيرة في منصبه.

وتوقع خبراء تحدثوا للوكالة، بأن "التعامل مع إيران متشدد، سيكون أصعب بكثير بالنسبة للغرب، خاصة وأن البرلمان الجديد ملزم بتبني مقاربة أكثر تشددا للسياسات الخارجية والنووية".

وبالعودة لرأي للباحث الإيراني "عباس أصلاني"، فإن البرلمان في ثوبه الجديد، سيكون أكثر تشددا في علاقات طهران مع القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، متوقعا أن تتجه الأمور للتصعيد، وأن البرلمان المقبل سيقضي على أي فرصة للحوار المباشر مع واشنطن.

لكن، ربما يكون الوضع مختلفا مع الدول الأوروبية، في ظل رغبة الأغلبية المحافظة بالضغط على أوروبا، وحثها على الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي، وإلا فإن خيار خروج إيران من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي، سيكون مطروحا بقوة على أجندة البرلمان الجديد.

عين على الرئاسة

محللون آخرون معارضون للسياسات الإيرانية، اعتبروا أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية، لها مدلولات خطيرة، خاصة وأنها توضح إلى أي مدى وصل الوضع الاقتصادي السيء في إيران نتيجة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة.

ولذلك فليس من المستبعد أن يلجأ خامنئي، لنفس سياسة سلفه الخميني، عندما اضطر لعقد هدنة طويلة مع الولايات المتحدة برعاية أممية، لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية.

وحسب صحيفة "ذا ناشونال" التي تصدر من الإمارات، فإن خامنئي يمكن أن يشرب من نفس الكأس، ويلجأ للسياسة بدلا من المواجهة المباشرة، في ظل الوضع الهش الذي يعاني منه الاقتصاد الإيراني، والذي زاد من أزمته انتشار فيروس كورونا بشكل مفزع داخل المدن الإيرانية.

ووفق مقال رأي نشرته وكالة رويترز للباحث بالمعهد النمساوي للسياسات الأوروبية والأمنية "مايكل تانشوم"، فإن "إيران على بعد أزمة واحدة في النظام لتصل إلى نقطة الانهيار، وحتى لا تصل لهذه النقطة يجب على التيار المحافظ أن يقدم تنازلات للولايات المتحدة من أجل استمرار النظام القائم".

مسؤولون إيرانيون كشفوا كذلك لصحيفة "ذا ناشونال"، أن عيون المحافظين تتجه نحو الرئاسة، وبالتالي تكون السيطرة الكاملة للتيار المحافظ، في الشأن الخارجي والداخلي والتشريعي، وفي ظل صعوبة الوضع الاقتصادي، فإن ذلك سيكون سببا قويا لفتح صفحة جديدة بين إيران وأمريكا.

وبررت الصحيفة رأيها بالمواقف السابقة التي اتخذها خامنئي، عندما وافق على خطة روحاني مهندس الاتفاق النووي مع أوروبا وأمريكا، وكان سببا في إنهاء العزلة الاقتصادية والسياسية للبلاد حتى خروج ترامب من الاتفاق في 2018.

تفاؤل حذر

ويقدم رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" اللندنية، عبد الباري عطوان، تحليلا مغايرا لما سبق، موضحا أن نتائج الانتخابات، تشير لأمرين في غاية الخطورة:

الأول أنها جاءت بعد احتِجاجات شعبية في العديد من المُحافظات على تدهور مُستويات المعيشة نتيجة ارتِفاع الأسعار بسبب الحِصار الأمريكي، وهو ما يدفع للأمر الثاني، وهو أنها مؤشر على تراجع شعبية الجناح المعتدل الإصلاحي الذي يتزعمه روحاني، وتكبدهم خسارة كبرى ربما تنعكس في الانتخابات الرئاسية العامة التي ستجري بعد عام تقريبا.

ويشير عطوان إلى أن روحاني أعلن أنه تقدم باستِقالته ثلاث مرات لخامنئي في الأشهر الأخيرة، ولكنه رفضها وطالبه بالاستمرار في منصبه وإدارة دفة البلاد، مانحا له الثقة رغم معارضة الجناح الراديكالي المتشدد الذي كان يطالب برحيله بعد فشل سياساته “المعتدلة”.

ومن أمثلة ذلك الفشل، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي هندسه روحاني، وما ترتب عليه من فرض عقوبات أحدثت حالة من الشلل في الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك فرض حظر على الصادرات النفطية الإيرانية.

ويرى عطوان أن "محور المقاومة الذي تتزعمه إيران تعرض لضربات قوية في الأشهر القليلة الماضية، أبرزها احتجاجات شعبية صاخبة في لبنان، وأخرى في إيران، وثالثة ما زالت مستمرة في العراق، والقاسم المشترك فيها جميعا المطالبة بإنهاء النفوذ الإيراني وقصقصة أذرع حلفائه العسكرية مثل “حزب الله” في لبنان، و”الحشد الشعبي” في العراق".

ويستدرك أن "تعيين رئيس وزراء جديد في لبنان (حسان دياب)، واختيار آخر (محمد توفيق علاوي) في العراق، وانحسار الاحتجاجات الشعبية في إيران، ربما يمهد الطريق لعودة قوية لهذا المحور، واتخاذ مواقف أكثر صلابة وفاعلية في وجه التغول الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، والعراق ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة على وجه الخصوص".

ويراهن عطوان على نَفَس الإيرانيين الطويل، متوقعا أن تشهد الأيام المقبلة اتخاذ قرارات، وتطبيق سياسات “مُؤلمة” للولايات المتحدة من بينها الرد على الحصار بوقف كل أشكال الالتزام ببنود الاتفاق النووي، ورفع مُستوى تخصيب اليورانيوم إلى مُعدلات مُرتفعة جدا، وإعطاء ضوء أخضر للأذرع العسكرية الحليفة بشن هجمات انتقامية ضد مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة.

وينهي عطوان مقاله بأن سيطرة الحرس الثوري على البرلمان الإيراني، يعني تحكمه بدوائر صُنع القرار بشقيه التنفيذي والتشريعي في إيران، والحصول على “تفويض” مفتوح من المرشد الأعلى لقيادة المرحلة المقبلة، وكسر الحصار وإنهاء العُقوبات الأمريكية بكل الطرق والوسائل وفي أسرعِ وقت مُمكن سِلما أو حربا.