تخوض معركة مصيرية.. لماذا تحارب تركيا لمنع سقوط إدلب؟
تمثل محافظة إدلب شمال غربي سوريا أهمية كبيرة لتركيا لأسباب ديموغرافية وسياسية وعسكرية كونها منطقة حدودية مشتركة، بالإضافة إلى أن سقوطها في يد النظام السوري، قد تكون آثاره كارثية على الوضع الإقليمي، والداخل التركي.
وهو ما يفسر التموضع العسكري التركي في إدلب، والحشود المستمرة التي تعزز بها أنقرة نقاطها الواقعة هناك، والاستنفار الكامل من قبل الدولة، لمنع سقوط إدلب، والحد من تدهور الأوضاع فيها.
وضع مأساوي
في ديسمبر/كانون الأول 2019، بدأت قوات النظام السوري، بدعم روسي، هجوما واسعا على محافظة إدلب، وفي 10 فبراير/ شباط 2020، أعلن نظام الأسد أنه سيطر على مساحة جغرافية تزيد على 600 كيلومتر مربع في إدلب وحلب.
بعدها في 11 فبراير/ شباط 2020، أعلنت الأمم المتحدة مقتل 1710 مدنيين، بينهم 337 امرأة و503 أطفال، شمال غربي سوريا منذ بدء النظام السوري وحلفائه التصعيد العسكري هناك.
وحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية، فإنه منذ اتفاق سوتشي، أجبر نظام الأسد وحلفاؤه حوالي مليون و800 ألف مدني، على النزوح من ديارهم، وحصرهم في المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا.
وأكدت الوكالة أن قوات النظام السوري سيطرت خلال 9 أشهر على عدد من المدن الكبيرة مثل كفر نبودة، وخان شيخون، ومعرة النعمان، وسراقب، لتسيطر بذلك على نحو 2000 كيلو متر مربع، رغم اتفاق سوتشي.
فيما قال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في المنظمة الدولية، ديفيز سوانسون: "الوضع يزداد تأزما قرب منطقة الحدود مع تركيا، حيث يعيش أكثر من 400 ألف نازح بالفعل، تركوا منازلهم بعد هجمات سابقة على المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة العام الماضي، قبل الحملة الأخيرة".
قتلى وجرحى
في 10 فبراير/ شباط 2020، أعلنت وزارة الدفاع التركية "مقتل 5 جنود أتراك وإصابة عدد آخر بجروح في قصف شنته القوات الحكومية السورية على محافظة إدلب".
وقامت قوات نظام الأسد بمهاجمة نقطة عسكرية تركية في منطقة تفتناز في المحافظة الواقعة شمالي سوريا. وأعلنت الحكومة التركية أنها ردت على القصف الأخير، وجاء في بيان لوزارة الدفاع: "حددت فورا أهداف في المنطقة واستهدفت بكثافة ودمرت".
وقالت قيادة مسلحي المعارضة، المدعومين من تركيا: إنهم "شنوا عملية عسكرية قرب بلدة سراقب، جنوب تفتناز، بدعم من المدفعية التركية".
كان هذا هو الهجوم الثاني المميت الذي تشنه القوات السورية مستهدفة جنودا أتراكا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في إدلب، حيث قتل 8 جنود أتراك في الهجوم الأول، في 3 فبراير/شباط 2020.
وبعد الهجوم الأول قالت تركيا: إنها "قتلت العشرات" في عملية كبيرة ضد القوات الحكومية السورية، ونقلت وكالة الأناضول عن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قوله: إن أنقرة قصفت أكثر من 50 هدفا، ما أسفر عن مقتل العشرات من القوات الحكومية السورية.
وبعد الهجوم الثاني قام الجيش التركي بشن حملة انتقامية على قوات نظام الأسد، وأصدرت وزارة الدفاع التركية، بيانا قالت فيه: "علمنا من مصادر متنوعة في منطقة إدلب بأن عدد قوات النظام السوري الذي تم تحييدهم اليوم، وصل إلى 55 عنصرا".
وكثف الجيش التركي وجوده على الحدود السورية، وزاد عدد نقاط المراقبة في المنطقة التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة من محافظة إدلب السورية، وسط زيادة التوتر في المنطقة.
وتداولت وسائل الإعلام التركية على نطاق واسع، عملية نشر القوات التركية، وأفادت بعضها بأن أكثر من 1000 مركبة عسكرية أرسلت إلى إدلب، خلال الأسبوع الماضي، وأن "الأسلحة مصوبة مباشرة إلى أهداف تابعة لحكومة الأسد السورية".
وأضافت صحيفة "يني شفق" الموالية للحكومة التركية أن عملية كبرى قد تشن "في أي لحظة" بمشاركة أكثر من 4000 من وحدات القوات الخاصة "كوماندوز".
أهمية إستراتيجية
تحتل محافظة إدلب التي تقع في شمال غربي سوريا، أهمية إستراتيجية كبرى، تتمثل في موقعها على الطريق الدولي الواصل بين تركيا وسوريا والأردن والخليج العربي، كما تمتلك أهمية خاصة محليا فهي بوابة محورية على البحر الأبيض المتوسط.
ويحد إدلب من الشمال الغربي ولاية هطاي التركية، ومن الشرق محافظة حلب السورية، ومن الشمال الشرقي مدينة عفرين التابعة لقضاء ريف حلب، والواقعة في زمام العمليات العسكرية التركية، ومن الجنوب محافظة حماة، ومن الجنوب الغربي محافظة اللاذقية، التي تعد من أهم معاقل النظام ومعقله البشري، والتي تتضمن أيضا قاعدة حميميم العسكرية الروسية.
وتعتبر إدلب فعليا أهم قلاع قوات المعارضة السورية، عقب تحريرها من النظام في مارس/ آذار 2015، أما النقطة المفصلية والحاسمة في أهمية إدلب، فتمثل كونها خزانا كبيرا للسكان.
حسب أرقام مجالس الإدارة المحلية في المدينة (التابعة للمعارضة)، يعيش في المحافظة حوالي 3.7 مليون شخص، منهم 1.3 من المدنيين النازحين إليها من المدن السورية الأخرى، ويعيش حوالي مليون مواطن من السكان في 200 مخيم بالقرب من الحدود التركية.
تخوفات تركية
ذلك الخزان البشري الهائل الموجود على حدود تركيا، مهدد بالانفجار في أي لحظة حال تغول النظام السوري، وسحقه للمعارضة هناك، وهو ما يهدد تركيا بشكل فعلي، لوجود ملايين اللاجئين السوريين على أراضيها، وتسبب الهجوم الروسي السوري الأخير على إدلب بنزوح نحو 4 ملايين سوري نحو الحدود مع تركيا.
وفي يناير/ كانون الثاني 2019، كشفت إدارة الهجرة والجوازات التركية، عن عدد اللاجئين السوريين ليبلغ (3.636 ملايين)، مع عودة عشرات الآلاف إلى مناطق درع الفرات، وغصن الزيتون التي تسيطر عليها تركيا.
ويأتي البعد الثاني للمخاوف التركية متمثلا في تنظيم (YPG) أو وحدات حماية الشعب الكردية، الموجودة في منطقة تل رفعت والشهباء، المتاخمة لعفرين، التي حررها الجيش التركي في عملياته العسكرية بمحافظة إدلب.
ويخشى النظام التركي، من استغلال الأكراد السوريين التطورات لبسط نفوذهم عند سقوط إدلب، بحسب الأكاديمية التركية أوزلام البيرق، ضمن الفريق الإعلامي المرافق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جولاته الخارجية.
من أجل ذلك تحشد الدولة التركية بقوة، وتقوم بتعبئة عسكرية، ودبلوماسية لحماية إدلب ومنع سقوطها.
إنذار وحشد
في 12 فبراير/ شباط 2020، قال أردوغان: "مصممون على إخراج النظام خارج (المناطق) المحددة باتفاق سوتشي حتى نهاية فبراير"، وأضاف: "هذا يعني إلى ما بعد نقاط المراقبة التركية ولتحقيق ذلك سنقوم بما يلزم في البر والجو دون أي تردد أو السماح بمماطلتنا".
وفي 12 فبراير/ شباط 2020، صرح وزير الدفاع التركي لصحيفة حرييت قائلا: إن "بلاده بصدد تنفيذ خططها العسكرية في إدلب في حال لم يستجب نظام الأسد للمهلة التي منحها الرئيس أردوغان". وأكد أكار: "إذا لم يلتزم النظام بالمهلة المحددة حتى نهاية الشهر الحالي، فسنطبق الخطة (ب) والخطة (ج)".
ووضح وزير الدفاع التركي مقصده بالخطة (ب) و(ج) قائلا: "في السابق تحدثوا مع شركائهم الأمريكيين، بشأن إبعاد الإرهابيين عن الحدود التركية، وعندما لم يتم الرد على الطلب، قام الجيش التركي بتنفيذ عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، في ريف حلب، ونبع السلام بريفي الحسكة والرقة".
ورسخت القوات العسكرية التركية من وجودها في نقاط المراقبة بإدلب، ففي 12 فبراير/ شباط 2020، حيث توجه رتل من التعزيزات العسكرية، يضم عناصر من القوات الخاصة من مختلف الوحدات التابعة للجيش التركي، بالإضافة إلى راجمات صواريخ متعددة المزايا، وكذلك قوات المهام الخاصة (كوماندوز)، إلى نقاط المراقبة التابعة لها في محافظة إدلب شمالي سوريا.
وتوجد 12 نقطة مراقبة تركية في منطقة خفض التصعيد بإدلب السورية بناء على اتفاق أستانة.
مواقف متباينة
في 12 فبراير/ شباط 2020، خلال مؤتمر صحفي عقده بعد جلسة اليوم الأول، لاجتماع وزراء الناتو، في مقر الحلف ببروكسل، دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، النظام السوري المدعوم من روسيا لوقف الهجمات التي ينفذها في محافظة إدلب (شمال غرب) ويدفع الأبرياء تكلفتها بأرواحهم.
وأكد: أن "ما نراه الآن في المنطقة، نتيجة للعنف الوحشي والهجمات الشديدة التي يشنها النظام السوري ضد المدنيين الأبرياء، والقصف الذي يطال الأهداف المدنية دون تمييز".
وفي نفس اليوم أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي "ناتو".
وفي تصريحات صحفية لعدد من وكالات الأنباء الدولية، أعرب جيفري خلال لقائه نائب وزير الخارجية التركي "سادات أونال" بمقر الخارجية في العاصمة أنقرة، عن وقوف واشنطن إلى جانب تركيا حليفتها في الناتو.
وفي 13 فبراير/ شباط 2020، دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، روسيا للضغط على النظام السوري من أجل إيقاف الأخير هجماته على "المدنيين العزّل"، وأشار في تصريحات صحفية إلى "تصاعد التوتر بشكل كارثي يرتقي إلى مستوى المأساة الإنسانية في منطقة إدلب شمال غربي سوريا، داعيا إلى إنهاء العنف والهجمات على المنطقة".
وكان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قد دعا إلى ضرورة الحوار بين تركيا وسوريا، بعد زيادة التوتر بين قوات البلدين في محافظة إدلب.
وقال ظريف في تغريدة باللغة الإنجليزية، في 10 فبراير/ شباط 2020، على تويتر: "إيران تؤكد استعدادها لتسهيل حوار بين الجارين الشقيقين، تركيا وسوريا".
أما الموقف الروسي، الحليف الرئيسي للأسد، فتمثل يوم 13 فبراير/ شباط 2020، عندما قال رئيس قسم التهديدات والتحديات المستجدة في وزارة الخارجية الروسية، فلاديمير تارابرين: "صرحنا أكثر من مرة وبشكل لا لبس فيه، بأنه لا روسيا ولا القوات المسلحة السورية تهاجم السكان المدنيين، كل الهجمات موجهة حصرا إلى الجماعات الإرهابية، أولئك الذين يقاتلون السلطات الشرعية".
وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف: "تركيا لا تلتزم بالاتفاقات التي أبرمتها مع روسيا (لتحييد المتشددين) في محافظة إدلب، والهجمات على قوات النظام والقوات الروسية مستمرة في المنطقة".
وأضاف بيسكوف: "موسكو لا تزال ملتزمة بالاتفاقات مع أنقرة، لكنها تعتبر أن الهجمات في إدلب غير مقبولة وتتنافى مع الاتفاق مع تركيا".
المصادر
- ضم قوات خاصة وراجمات صواريخ.. تركيا ترسل رتلا جديدا إلى سوريا
- إدلب.. العقدة الأكبر للصراع السوري (تحليل)
- ألمانيا تدعو روسيا للضغظ على النظام السوري لوقف استهدافه المدنيين العزّل
- تهجير الملايين من إدلب.. صفحة جديدة في حرب النظام الديموغرافية
- متحدث أممي: مقتل 1710 مدنيين شمال غربي سوريا منذ أبريل 2019
- أنقرة تعلن "قتل العشرات" من القوات الحكومية السورية في إدلب عقب مقتل جنود أتراك
- واشنطن: نأخذ الهواجس التركية بشأن إدلب على محمل الجد
- ما أهميّة إدلب بالنسبة إلى تركيا؟
- الدفاع التركية: تحييد 55 عنصرا من قوات النظام السوري بإدلب
- الحرب في سوريا: مقتل جنود أتراك في قصف للقوات السورية على إدلب
- أمين عام الناتو يدعو النظام السوري لوقف الهجمات ضد إدلب
- الأمم المتحدة: موجة النزوح في إدلب هي الأسوأ منذ بدء النزاع في سوريا
- نظام الأسد يحرق "حدود سوتشي"في إدلب ويهجّر سكانها