علاقة مصالح.. موقف روسيا المحتمل بعد انتهاء مهلة تركيا للأسد
ارتفعت وتيرة التهديدات التركية لقوات النظام السوري التي فرضت، في 6 فبراير/ شباط الجاري، سيطرتها على مدينة سراقب، بدعم جوي كثيف من الطيران الروسي، فيما سرّعت أنقرة وموسكو، اللتان تبادلتا سابقا اتهامات بخرق الاتفاقيات بشأن إدلب، من محاولاتهما للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن المنطقة.
وتحت عنوان "على روسيا أن تتخذ موقفها النهائي في إدلب" نشرته صحيفة "يني شفق" التركية، مقالا لمستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي أكد فيه أن عملية ما ستبدأ هناك، واصفا الحالة الراهنة في سوريا بأنها لحظة جديدة، يعاد فيها توزيع الملفات.
إبادة وحشية
وأضاف: رغم أن التصعيد الأخير الذي حدث، كان في ظل وجود عملية سوتشي وأستانة وبضمان روسيا وإيران، إضافة الى تركيا، في وقت كانت تعمل فيه أنقرة على تقوية نقاط المراقبة التابعة لها بمنطقة خفض التصعيد بإدلب، لكن النظام السوري مدعوما بروسيا كان يرى في إدلب حقًا له، ويريد الحصول عليها بأي ثمن وبغض النظر عن الخطوات والآليات التي قد يلجأ اليها نظير ذلك في محاولة لفرض أمر واقع كانت تركيا قد تجاوزته منذ زمن بعيد.
وتابع أقطاي: "لكن، من الواضح أن هجمات النظام على إدلب، برفقة القوات الروسية لفترة من الوقت، تحت دعمهم ورعايتهم، كانت قبل كل شيء محاولات متكبرة تجاهلت جميع الجهود الدبلوماسية في أستانة وسوتشي لبعض الوقت".
وتطرق إلى مطالب الشعب السوري من البداية، حيث وصفها بأنه لم تكن بالشيء الكثير، وكل ما طلبه هو أن حياة طبيعية كباقي الناس، لكن الأسد رأى ذلك كثيرا على شعبه، وقام بما يشبه الإبادة الشعبية لشعبه، فكان هناك مليون ضحية وملايين الجرحى والمعتقلين و12 مليون نازح ولاجئ ومهاجر.
وأردف أقطاي: مؤكد أن تركيا اتهمت بالذنب حين حاولت الوقوف في وجه الأسد والتخفيف مما يحدث هناك. لقد اتهمت تركيا بأنها طرفا في النزاعات في سوريا غير أن الإنسانية كان هم تركيا الأوحد. وفي إدلب، كانت روسيا والنظام يهاجمون إدلب بذريعة الأنشطة الإرهابية، لكن المدارس والمستشفيات والمخابز تعرضت للقصف من الجو وقضى ضحايا ذلك المدنيون وحدهم.
وبحسب قوله، فإن "روسيا يبدو أنها لا تأبه بذلك كله، وكلما يتحرك على الأرض هي عبارة عن آلات قتل ليس أكثر، من أجل السيطرة على المنطقة، يموت الناس، أو يهاجرون، لا فرق عندهم ولا أهمية بقدر أهدافهم وتحقيقها، لكن روسيا تواصل ترديد أكاذيب حول أنها تقاتل الإرهابيين في إدلب، غير أن مليون نسمة على الحدود التركية يؤكدون أن ما يحدث هو نوع من أنواع الإبادة الجماعية الوحشية ليس أكثر، وعليه تركيا لا تستطيع الصبر إزاء ذلك كله ولن تفعل".
علاقة مصالح
وفي الأثناء، قالت سيفيل نورييفا إسماعيلوف في مقال نشرتها صحيفة "ستار" التركية، إن "الكثير من الكتاب تحدثوا عن إدلب وآخر التطورات، لكن المسألة يجب فيها التأني حتى يسهل فهمها ومن ثم اتخاذ القرار المناسب، بغض النظر على أنه وبدون شك سيتم قطع الأيادي التي امتدت على الجنود الأتراك وقتلت عددا منهم، وما موقف روسيا الأخير من ذلك إلا كالصفعة على وجه النظام السوري وجنوده.
ورأت إسماعيلوف أن "الولايات المتحدة كانت مسرورة بهجمات الأسد وروسيا معًا في إدلب في موقفها البارد تمامًا الذي شهدناه في منبج، وحاولت واشنطن التدخل بشكل سافر في العلاقة بين روسيا وتركيا ولا حكمة تصرفات الرئيس أردوغان لوصلت العلاقات بين موسكو وانقرة إلى طريق مسدود وهي أي واشنطن معنية بذلك منذ مدة، حيث أذرع روسيا في منطقة الشرق الأوسط ممتدة أكثر مما تحمل الولايات المتحدة، ولهذا فهي رأت فيما حدث مؤخرا بسوريا فرصة للدخول في أتون التوتر بالعلاقات التركية والروسية".
ووصفت الكاتبة، العلاقات الجيدة مع روسيا بأنها "حيوية" على المدى المتوسط والطويل وفق عالم فيه الكثير من الألوان والاقطاب، تبدو روسيا الأقرب لتركيا وهي التي يمكن معها تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، وبوتين يعي جيدا ذلك تماما وهو الذي يدرك أزمات الصين المتلاحقة في الآونة الأخيرة، وعليه فهي آخر ما تريده أن تفقد شريكا في المنطقة مثل تركيا.
وأوضحت أن "تركيا هي الأخرى ترسل رسائل الى روسيا، وكانت آخرها زيارة الرئيس أردوغان الى أوكرانيا والتقاطه صورا مع المسؤولين هناك وإعلانه عدم اعتراف بلاده بالخطوات الروسية في القرم، ليتأتى من ذلك كله أن العلاقة تماما هي علاقة مصلحة، وأن كلا الطرفان لا يثقان في الآخر لكن كلما كان كل منهما قدم للآخر بعضًا مما يريد تقدمت العلاقة أكثر وأكثر".
وأردفت الكاتبة: في مقابل ذلك يمكن التطرق كذلك إلى تصريح وزير الخارجية الروسي الذي قال: إن جميع العناصر "الإرهابية" الموجودة في إدلب تنتقل إلى ليبيا عبر تركيا، ورغم أن هذه المعلومة لا أحد يؤكدها سوى من قالها، لكن الهدف منها هو الإشارة الى مصالح الطرفين أيضا في ليبيا وليرسل وزير الخارجية الروسية رسالة واضحة، أن مصلحة البلدين في المنطقة متشابكة ومعقدة بشكل كبير.
ونوهت إلى أن كلا الطرفان يعملان على صيغة توازن مقبولة. تصريحات الرئيس حول مهلة لبشار الأسد بالانسحاب حتى آخر الشهر، سيكون لتركيا الحق في اتخاذ ما يلزم، وقد يكون موقف روسيا هذه المرة معاندا للموقف التركي، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه من الضروري الحفاظ على العلاقات مع روسيا جيدًا، والتحلي بالصبر، وعدم الانزعاج ولا داعي للدخول في معادلات الحسابات الكبيرة بين دولتين بحجم روسيا وأمريكا، ويجب الالتفات إلى الأهداف التي تسعى تركيا لتحقيقها هنا وهناك.
مهلة للأسد
أما الكاتب إسماعيل ياشا، فقد قال في مقال نشرته صحيفة "ديرليش بوستاسي" إن حقبة جديدة بدأها النظام السوري بالاستيلاء على معرة النعمان ومن ثم سراقب، لترد تركيا على استهداف النظام السوري نقاط المراقبة وترسل رسالة أن على روسيا ألا تختبئ خلف النظام السوري في إدلب ولا يمكنها أن تفعل.
لكن ياشا لفت إلى نقطة أخرى في مقالة، وهي عملية "الدعاية السوداء" التي تبثها كل من السعودية والإمارات، مفادها: "لقد رأيتم نهاية الثقة بأردوغان" في رسالة مقيتة توجهها تلك الدولتين العربيتين إلى السوريين، وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض تركيا لكثير من الاتهامات بالخيانة للملف السوري هي والثوار السوريين، ولكن للأسف البعض من هذه المعارضة باتت أداة – بدون وعي- لهذه الدعاية السوداء.
وشدد الكاتب على أن "التطورات الأخيرة أسقطت كل هذه الادعاءات التي لا أساس لها وألقت بها في القمامة، وما المهلة التي أعطاها أردوغان لشبيحة النظام بالانسحاب من المنطقة وحول نقاط المراقبة التركية، إلا دليل على ذلك، وسيكون مجبورا على فعل ذلك، لأن القرار سيُترك لأنقرة تحدده، وسيكون قرارا قاسيا بلا شك، فزمن فرض الأمر الواقع على تركيا ولّى إلى غير رجعة.
وتابع ياشا: هناك شيء آخر يجب القيام به لإنهاء المأساة في إدلب وهو منع الغارات الجوية والمذابح للمدنيين الأبرياء، ففي7 فبراير/ شباط الجاري، فقد 15 شخصا أرواحهم جراء الهجمات، فمن غير المقبول أن يفرغ النظام وروسيا اللذان يدركان أنهما لا يستطيعان فعل أي شيء للجيش التركي ونقاط المراقبة، غضبهما في المدنيين الأبرياء، وفي هذه النقطة يبدو أن نقاط المراقبة التركية الراهنة لا تقوم، ما يستلزم إجراءً من نوع آخر.