لمواجهة "صفقة القرن".. هذا ما تطلبه "فتح" من الفلسطينيين والعرب (حوار)

12

طباعة

مشاركة

فور إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاصيل ما تسمى "خطة السلام" المعروفة بـ"صفقة القرن"، رفضت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح والقيادة في رام الله وجميع الفصائل، الخطة، وأكدت العمل على إستراتيجية وطنية لحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.

وتتضمن خطة ترامب، التي لاقت رفضا عربيا وإسلاميا أيضا، إقامة دولة فلسطينية في صورة "أرخبيل" تربطه جسور وأنفاق، وعاصمتها "في أجزاء من القدس الشرقية"، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة مزعومة لإسرائيل.

وبهذا الشأن، حاورت "الاستقلال" جمال نزال الناطق باسم حركة فتح في أوروبا وعضو المجلس الثوري للحركة، حول موقف الحركة من صفقة القرن وما هي الآليات والإجراءات التي يمكن للشعب الفلسطيني من خلالها أن يواجه تلك الصفقة. 

  • ما هو الموقف الرسمي لحركة فتح مما أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب مع نتنياهو أو مايطلق عليه صفقة القرن؟

الأمريكان والإسرائيليون في خندق واحد ضد الحقوق العربية والفلسطينية، ولهذا السبب فإن حركة فتح لن تتعامل أو توافق على هذه الصيغة لأننا نريد السيادة في دولة فلسطينية انطلاقا من حقنا في تقرير المصير، وهذا لا يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. 

الأمريكيون يحاولون تضليل العرب وخداعهم وكوشنر (صهر ترامب)، يستخف الذكاء العربي وينطلق من عدائه واحتقاره للشعب الفلسطيني، ولا تنسَ أنه ربيب أسرة نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته)، وله جذور صهيونية ينطلق منها في شعوره ونظرته تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام. الفارق كبير بين التفاوض والتنازل عن الأرض. 

  • حركة فتح كانت تؤمن في مسار التفاوض فما الذي تغير بين ما جاء في صفقة القرن وما قبلت به فتح قبل ذلك؟

في السابق، أيدت حركة فتح التفاوض على أساس ما يسمى الشرعية الدولية والقانون الدولي وهو الإطار أو المرجعية التي تعطينا الحق لإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967، وهذا ينسجم مع ما نسميه مبادرة السلام العربية التي أطلقها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله، وتبنتها القمة العربية سنة 2002، ونحن أيدنا التفاوض على أساس أن الفترة الانتقالية في أوسلو تسمح بحسم ما أسميناه قضايا الحل النهائي ومنها القدس وملف اللاجئين والمياه والحدود بشكل عام.

مبادرة ترامب أو ما تسمى صفقة القرن لا تعطينا شيئا، وتخصم من أرضنا مساحات شاسعة جدا، ثم إن هذه الصفقة تستثني القدس كعاصمة لدولة فلسطين، لذا فالأمريكان والإسرائيليون يطرحون علينا التالي: دولة منقوصة السيادة ذات طبيعة ممسوخة، ليست القدس عاصمتها ولذا سنكون شعبا بلا قيادة بلا هوية يتخلى عن هويته وانتمائه وتاريخه.

  • كيف تقيم موقف الفصائل الفلسطينية باختلاف توجهاتها وأفكارها من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وما أعلنه في رام الله والقاهرة تعليقا على صفقة القرن؟ 

هناك تأييد عام من الفصائل الفلسطينية لموقف الرئيس أبو مازن، فعندما هبطت طائرته في القاهرة، كان هناك من الدول العربية من يؤيد صفقة القرن وبعضها لم يحسم موقفه بعد، ولكن المداولات التي جرت في القاهرة بين أبو مازن والقادة العرب ووزراء الخارجية أوضحت الموقف الفلسطيني، مما حسم الموقف العربي لصالح رفض الصفقة.

  • ولكن الرئيس عباس طالب الدول العربية باتخاذ مواقف عملية ضد ما يسمى صفقة القرن، ما الذي ينتظره الفلسطينيون من الدول العربية؟ 

نطلب من الدول العربية ألا تتجاوز الشعب الفلسطيني في تعاطيها مع أطروحات الرئيس ترامب والتي تبنت الموقف الإسرائيلي تبن كامل، نريد منها أن تتوقف عن استقبال الوفود الإسرائيلية وأن لا تطبع مع الإسرائيلين على حساب دمائنا وأن لا تنطلي عليهم الابتسامات الإسرائيلية، فالقلوب االصهيونية تحتقر العرب وتستخف بهم ولا تعترف بوجودهم كبشر ولذلك نطالبهم جميعا بعدم السماح بتمرير هذه الصفقة.

  • الشعب الفلسطيني وقيادته في بؤرة اتهام دائم بأنهم تفننوا في إضاعة كل الفرص السابقة، لماذا لا تقومون بدراسة ما أعلنه ترامب دراسة متأنية كما طالبتكم بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات؟

عندما يحتل أحدهم منزلك المقسم لستة غرف ويعرض عليك غرفة واحدة فإنك سترفض بالتأكيد هذا المقترح، وعندما يحتل نصف الغرفة السادسة ويعرض نصفها فانك أيضا ستفوت هذه الفرصة، ثم يتهمك بأنك تتفنن في إضاعة الفرص.

أجدادنا نحن يتذكرون فلسطين قبل وجود الصهاينة فيها، ولكن الخريطة بدأت تتلون من خلال الهجرة الصهيونية إلى فلسطين إلى الحد الذي لم يعد هناك مجالا للحياة داخل فلسطين، هؤلاء الصهاينة قد اعتدوا على حق الشعب الفلسطيني نعم ولكن هناك بعض دول الجوار تعرضت للاعتداءات والقتل أيضا من قبل الإسرائيليين منهم مصر وسوريا والأردن، ولذلك اتهامنا بتضييع الفرص مع احتلال كهذا هو أمر مردود عليه.

الغياب العربي

  • بالحديث عن الدول العربية، هل ترى أن هناك تواطؤا من هذه الدول ضد القضية الفلسطينية بالتنسيق مع ترامب استجابة لإغراءات اقتصادية أو دعم سياسي؟ 

أنا لا أتحدث عن تواطؤ، ولكن هناك بعض الدول العربية غائبة تماما عن الواقع الفلسطيني يعني عندما تحدث الرئيس الفلسطيني  أبو مازن عن منطقة المثلث الفلسطيني التي تقترح إسرائيل إعادتها للفلسطينيين، اعتقدت أن جيلا من الساسة العرب على مستوى وزراء الخارجية لا يعرفون تفاصيل الجغرافيا الفلسطينية فبعض العرب في غربة عن الواقع الفلسطيني.

لا أتهم أحدا ولكن بعض الأخوة العرب قد أصابهم الملل من طول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ونحن الذين نكتوي بأشد صور هذه النيران، أبناؤنا يقتلون ويسجنون ويعذبون وتهدم منازلنا وتقتلع أشجارنا، فهذا النزاع يحرقنا حرقا ولكن هذا الألم لا يصل لكافة الأماكن ولا يشعر به الآخرون.

ومع ذلك فنحن نثق في الشعوب والدول العربية لتشعر بما نشعر وتفكر بما نفكر، مع تحذيري من ظاهرة العربي الشاذ الكاره لنفسه الذي يمجد إسرائيل ويعبر عن إعجابه بهذا الكيان الذي تفنن بقتل العرب وهضم حقوقهم واحتقارهم.

  • هل تقصد المدون السعودي محمد سعود؟

أنا يحضرني هذا المثال ويحضرني أيضا الوفود الإسرائيلية التي تصل لبعض البلدان العربية ولا نفهم لماذا يصفعنا العرب عندما يستقبلون صهاينة خدموا في الجيش الإسرائيلي وقتلوا أطفال ونساء فلسطينيين. ألا يعز عليهم هذا الدم العربي الذي يسفكه الإسرائيليون؟ ما معنى السلام العربي الإسرائيلي بينما تذبح إسرائيل الفلسطينيين وتضطهدهم وتحتقرهم. ماذا عن الكرامة العربية كيف يفعلون ذلك؟

  • أشرت منذ قليل إلى الجغرافيا الفلسطينية، كيف ترى محاولة تمرير خريطة صفقة القرن ورسم حدود لما أطلقوا عليه دولة فلسطين الجديدة؟

طريقة تقسيم الدولة الفلسطينية في هذه الخريطة تشبه مرآة محطمة وهذا الاعتماد على الحرب النفسية في هذه التفاصيل الصغيرة هو تفنن من الذي رسم هذه الخريطة في إشارة إلى احتقار الانتماء العربي في فلسطين. 

هؤلاء تحركهم منطلقات عنصرية تكره العرب والإسلام والمسيحيين العرب أيضا، وبالتالي تجعل الشعب الفلسطيني منقوص السيادة عديم الارتباط بتاريخه المؤصل بالقدس. لذلك،  فهذه الخريطة صفعة للتطلعات القومية العربية الفلسطينية في فلسطين.  

موقف كوشنر

  • كيف قرأت الظهور الإعلامي المكثف لجاريد كوشنر صهر ترامب في القنوات العربية المختلفة؟ 

أنا أنظر لهذا الظهور في محورين: أولا إنه جند نفسه متحدثا باسم اليمين الإسرائيلي، فنحن عندما نسمع له نعتقد أنه متحدث إسرائيلي وليس أمريكيا وهذا له علاقة بالتصاق الموقف الأمريكي بإسرائيل على صيغة تطابق كامل.

الأمر الثاني أن أحاديث كوشنر أصبحت جزءا من المشكلة، حيث أن عدم الاحترام الذي يبديه في أحاديثه عن الفلسطينيين عندما يقول مثلا: "عليهم أن يقبلوا أو يخرسوا"، أو عندما يقول: "إنهم غير مؤهلين لإقامة الدولة الفلسطينية" أو عندما يقول: "إنهم أضاعوا فرصهم"، فإن هذه اللغة العنصرية من وجهة نظرنا جزء من المشكلة، وبالتالي فحربه الكلامية على الفلسطينيين تفسد أي إمكانية لهم لمجرد التفكير في التعامل مع هذه الخطة.  

  • هل يحاول كوشنر أن يضغط على الجانب الفلسطيني لقبول ما أعلن عنه عن طريق هجومه الدائم ضدكم؟

 هذا الشخص آخر لقاء له مع أي فلسطيني كان قبل سنتين، وهو عندما يشكك بقدرة وأهلية الفلسطينيين على إدارة دولة فإنه ينسى ثلاثة أشياء مفصلية أولها: تقرير من البنك الدولي صدر في 2014 يؤكد أن الفلسطينيين جاهزون على صعيد المؤسسات لإقامة الدولة. ثانيا: تقرير من الأمم المتحدة في 2014 يؤكد استعداد الفلسطينيين الآن لإقامة دولتهم. ثالثا: تقارير أوروبية شهدت في عام 2014 أن الاقتصاد الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية قادرة على حمل دولة.

تهديدات عباس

  • قيل إن الرئيس عباس أرسل تهديدا لبنيامين نتنياهو بوقف التنسيق الأمني وأن اتفاقية أوسلو ستنهار أمام خطة ترامب، ما الذي يمنعه من تنفيذ هذه التهديدات؟

الرئيس عباس يعني ما يقول، فهي ليست تهديدات وإنما تطبيق لقرارات اتخذتها الأطر القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومنها المجلس المركزي الذي اتخذ قرارا بوقف التنسيق الأمني، ولذلك رسالة أبو مازن هي ما سنقوم بتطبيقه، ولا تنسَ أنهم أعلنوا أنهم سيطبقون صفقة القرن وهناك فرق بين الإعلان وبين البدء الحقيقي في ضم مناطق الغور  والمستوطنات.

نحن نأمل ألا يفعلوا ذلك وهناك إشارات من الأمريكان أنهم يضغطون على إسرائيل لاتخاذ قرار الضم قبل الانتخابات وهذا شيء مهم، فإذا سقط نتنياهو لن تنجح صفقة القرن، حيث أن إسقاطه يتبع له سقوط هذه المبادرة لأنه من الصعب تطبيقها دون وجود اليمين الإسرائيلي في الحكم، وهذه رسالة لشعبنا الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة منذ عام 48، حيث يمكنهم إقصاء نتنياهو عن الحكم وهذا من خلال التصويت عالي النسبة في هذه المناطق. 

  • ولكن ما هي كتلتهم الانتخابية حتى يكونوا وزنا نسبيا ثقيلا يغير من كافة الأمور؟

أنا أجزم لك بشكل حتمي وقاطع أن خروج ما يزيد عن 65 في المائة من شعبنا بالداخل المحتل للتصويت في الانتخابات الإسرائيلية قادر على حرمان اليمين الإسرائيلي من الأغلبية الحاكمة. 

  • من وجهة نظر حركة فتح، ماذا يجب على الشعب الفلسطيني أن يفعل لمواجهة هذه الصفقة؟

بالأسلوب الفاعل كما رأيت، أول خطوة توجه الرئيس لمحيطه العربي وتغيير وجه النقاش العربي من القبول أو الحياد إلى الرفض القاطع، ثم في محور آخر على مستوى القمة الإسلامية، ثم سينطلق الرئيس إلى مجلس الامن لمناقشة دولية بهذا الخصوص. 

وعلى الصعيد المحلي نواجهها من خلال الوحدة الوطنية أو من خلال الهبة الشعبية أو عبر أيام الغضب. هذا على الصعيد الفاعل، أما على الصعيد السلبي نستطيع مواجهتها من خلال عدم التعامل معها، أن نحبطها ونقطع طريقها إلى النجاح.