"اتفاقية الصين".. ما سر إصرار وكلاء إيران بالعراق على تنفيذها؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الأطراف السياسية الموالية لإيران في العراق، تمكنت من اختيار رئيس حكومة جديد، يتعهد لها بتطبيق شروطها، بعد بحث دام شهرين على إثر استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على خلفية احتجاجات شعبية مستمرة منذ أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي.

كلف الرئيس العراقي، برهم صالح، في الأول من فبراير/ شباط الجاري، وزير الاتصالات السابق محمد توفيق علاوي، بتشكيل حكومة انتقالية جديدة، بترشيح من تحالفي "الفتح" بزعامة هادي العامري، و"سائرون" المدعوم من مقتدى الصدر.

ومن أبرز الشروط التي برزت على لسان تلك القوى، وتحديدا "الفتح" القريب من إيران، هو التزام رئيس الحكومة المكلف، بقرار البرلمان في إجلاء القوات الأجنبية من البلاد، إضافة إلى التعهد بتطبيق الاتفاقية الاقتصادية التي أبرمها العراق مع الصين في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي.

ورغم أن الشرط الأول المتعلق بالقوات الأجنبية، يفسر على أنه جاء عقب اغتيال واشنطن للجنرال الإيراني قاسم سليماني، والقيادي بالحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بطائرة مسيرة، فإن الإصرار على تنفيذ الشرط الثاني الخاص بالاتفاقية الاقتصادية مع الصين كان أمرا لافتا.

تحرر من أمريكا

سبق تكليف السياسي محمد توفيق علاوي، بتشكيل حكومة انتقالية تصريحات أطلقها قادة مليشيات وأحزاب عراقية قريبة من إيران تصر على شرط تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية المبرمة بين العراق والصين.

قائد مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وفي تغريدة نشرها مكتبه الإعلامي على "تويتر" وضع ستة شروط لاختيار رئيس الحكومة، وكانت الخامسة "يتعهد بتنفيذ الاتفاقية الاقتصادية مع الصين".

وبعيدا عن موجة السخرية الواسعة التي رافقت التغريدة من ناشطين على مواقع التواصل، كونه زعيم مليشيا "لا يعرف شيئا عن الاقتصاد"، إلا أن تفسيرات أوردها سياسيون محللون ربما تقود إلى حقيقة إصرار على أن يتعهد رئيس الحكومة بتنفيذ هذه الاتفاقية.

النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" مختار الموسوي، والذي يمثل جميع فصائل الحشد الشعبي ومن ضمنها "عصائب أهل الحق" بقيادة الخزعلي، قال: إن "الاتفاقية مهمة جدا بالنسبة للعراق وتحرره من قيود الصندوق الفيدرالي".

وقال الموسوي في حديث لـ"الاستقلال": إن "الاتفاقية إذا طبقت، فإنها ستحول العراق إلى أحدث بلد في المنطقة، حسبما أخبرنا الرئيس الصيني بذلك، وينهض البلد ببناه التحتية، وهي تختلف عن جميع الاتفاقيات التي كانت فاسدة ولم تقدم للبلد شيئا".

وأوضح النائب أن "العراق يبيع مئات الآلاف من براميل النفط للصين يوميا، لكن الأموال تودع في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بنيويورك، ولا يتمكن من التحكم فيها بشكل حر، لكن اتفاقية بغداد مع بكين، تنص على أن يكون الإعمار مقابل النفط مباشرة".

وأشار الموسوي إلى أن "الميزة الأخرى من الاتفاقية، هو أنها أبرمت بين الحكومة العراقية، ونظريتها الصينية مباشرة، وليس مع شركات خاصة، تجنبا لتكرار تجربة الفساد وأخذ العمولات في الصفقات، وهذا المجال ينشط فيه سياسيون عراقيون على مستويات عليا".

دعم اقتصاد إيران

في المقابل، ألمح السياسي العراقي جمال الكربولي زعيم حزب "الحل" في تغريدة عبر حسابه في "تويتر" إلى أن إيران هي من دفعت العراق لإبرام هذه الاتفاقية الاقتصادية مع الصين، من أجل تمويل اقتصادها.

وكتب قائلا: "ببساطة. اتفاقية الصين هي خطة إنقاذ اقتصادية وضعتها دولة مجاورة وفرضتها على الحكومة العراقية من أجل تمويل اقتصاد تلك الدولة من المال العراقي بالباطن - كما تفعل منذ سنوات- وهي تسعى بكل طاقتها لتمديد عمر حكومة تصريف الأعمال لضمان تنفيذ تلك الاتفاقية"، في إشارة لإيران.

لكن الكاتب العراقي خضير هادي كان أكثر وضوحا من الكربولي، بالقول: "خُطط للعراق مؤامرة اقتصادية كارثية بمساعدة وكلاء إيران، حيث عقدت الأخيرة صفقة مع الصين تقضي السماح لها في الاستثمار بالعراق مقابل حصول طهران على حق أن تكون لشركاتها حصة المقاولات الثانوية، إضافة الدعم السياسي وغيره الذي تقدمه الصين لإيران".

وأوضح هادي في مقال نشره موقع "أصوات العراق" أن "خطورة لعبة دخول الشركات الإيرانية إلى العراق تكمن في أنها ستتخطى كونها تعمل كمقاول ثانوي، بل ستنتشر تحت هذا الغطاء في جميع أرجاء البلد وستستولي على الصناعة والزراعة والبناء وأغلب القطاعات الأخرى ولمدة طويلة مفتوحة، وستفرض سيطرة كاملة على ثرواتنا وتنهب كل شيء تحت غطاء عمل الشركات وقبض أجورها".

واللافت، بحسب الكاتب أنه "رغم هذه الظروف السيئة نجد عملاء إيران تركوا كل مشاكل العراق وخرجوا في صوت واحد إلى وسائل الإعلام مطالبين بضرورة تنفيذ الاتفاقية مع الصين، وواضح أن هذه الحملة المركزة من يقف خلفها والمستفيد منها هي إيران".

وتماهيا مع هذا الرأي، قال المحلل الاقتصادي العراقي أسامة التميمي: إن "توجه العراق إلى الصين في الآونة الأخيرة يأتي بدوافع سياسية وبمشورة خارجية في إطار الصراع الدائر مع الولايات المتحدة"، ويهدف إلى "توجيه ضربة الى الوجود والهيمنة الأمريكية في العراق".

وأعرب التميمي في تصريحات صحفية عن اعتقاده بأن هذا التوجه يعكس "محاولات تخفيف ضغط العقوبات الاقتصادية الموجهة ضد إيران وبعض المؤسسات الصينية".

وأشار إلى أن "السياسة الاقتصادية الصينية بعد تحقيق معدلات نمو عالية ومنافستها للولايات المتحدة على المرتبة الأولى باعتراف ترامب (الرئيس الأمريكي) في ملتقى دافوس الأخير، تحاول بكين إحياء طريق الحرير البري الذي يمر عبر أفغانستان وإيران والعراق، والبحري عبر ميناء الفاو بأقل التكاليف والحصول على مردودات مالية هائلة بالمشاركة مع العراق ما يجعل اقتصادها يتجاوز الاقتصاد الأمريكي في السنوات القادمة".

ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن "جميع دول العالم المتقدم عيون شركاتها ترنو إلى العراق لما فيه الخير الكثير وأثره العظيم في تحقيق التنمية بالعديد من الدول ولهذا تجد الصراع يشتد في هذه المنطقة دون غيرها من دول العالم".

ما هي الاتفاقية؟

في تقرير سابق لـ"الاستقلال" أوضحت فيه، أن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين، كانت في المجالات المالية والتجارية والأمنية والإعمار والاتصالات والثقافة والتعليم والخارجية.

وعلى رأس الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة، اتفاق تنفيذ آليات الاتفاقية الإطارية بين وزارة المالية والوكالة الصينية لضمان الائتمان (ساينه شور)، واتفاق التعاون الاقتصادي والفني.

وقعت أيضا مذكرة تفاهم بين وزارة المالية العراقية ووزارة التجارة الصينية بشأن التعاون لإعادة الإعمار بعد الحرب في العراق، ومذكرة تفاهم بين وزارة الاتصالات والمكتب الصيني للملاحة الجوية في الأقمار الصناعية.

إضافة إلى مذكرات تفاهم أمني بين وزارة الداخلية العراقية والأمن العام في الصين، وأخرى بين وزارتي الخارجية العراقية والصينية بشأن الأراضي المخصصة للبعثتين الدبلوماسيتين، وثالثة بين وزارة التعليم العالي ومكتب الإعلام في مجلس الدولة لإنشاء المكتبة الصينية في جامعة بغداد، فضلا عن مذكرة تفاهم البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي.

تلك الاتفاقيات يرى العراق أن غطاءها سيكون النفط، لأنه بالأساس يصدر إلى الصين، وبالتالي فهنالك ضمانات جيدة بين الطرفين، ومن مصلحة الصين أن تتعامل مع العراق.

وكشف مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، تفاصيل جديدة لأبرز ما ستقدمه الاتفاقيات الاقتصادية بين العراق والصين، مبينا أن الاتفاقية تتضمن مبادلة عائدات النفط بتنفيذ مشاريع.

وقال صالح في تصريح صحفي، في 15 يناير/كانون الثاني الماضي: إن "الاتفاقية تتضمن مبادلة عائدات النفط بتنفيذ المشاريع في العراق"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية.

وذكر المسؤول العراقي أن حكومة بلاده فتحت حسابا ائتمانيا في أحد البنوك الصينية، لإيداع عائدات النفط البالغة 100 ألف برميل يوميا، ضمن الاتفاقية الصينية. وأوضح أن مهمة الحساب، ستكون استقبال قيم عائدات النفط وصرف المستحقات المالية للشركات الصينية التي تنفذ مشاريع في العراق.

وتابع: "الاتفاقية ستركز على مشاريع البنى التحتية، كالمدارس والمستشفيات والطرق والكهرباء والصرف الصحي، يتم تحديدها من خلال وزارة التخطيط وبالتنسيق مع مجلس الوزراء".

وأفاد بأن الاتفاقيات، ستوفر فرص عمل للعاطلين، ومنح فرصة لشركات القطاع الخاص العراقية، والاعتماد على المنتجات العراقية في تنفيذ المشاريع كالإسمنت والرمل وغيرها.

وتمتد الاتفاقية بشأن استبدال العائدات بالمشاريع، 20 عاما، بحسب صالح، الذي شدد على أن الاتفاقية ستنهض بالبنى التحتية للعراق التي ما زالت مدمرة منذ أربعة عقود.

خطر على الأجيال

وتعول الأوساط الحكومية والاقتصادية كثيرا على الشراكة بين البلدين على المديين المتوسط والبعيد، نظرا لحجم الأموال التي يتوقع أن تنفق في هذا الاتجاه، حيث كشف عبدالحسين الهنين مستشار رئيس الوزراء العراقي، أن "حجم الأعمال بين العراق والصين سيتجاوز الـ500 مليار دولار خلال الـ10 سنوات المقبلة".

وأوردت تقارير صحفية، نقلا عن مصدر مقرب من الحكومة العراقية، أن "الاتفاق الإطاري للإنفاق عبر الصندوق الائتماني المالي من بين أهم الاتفاقيات التي أبرمت مع الجانب الصيني، فهو طويل الأمد وسيشجع الشركات الصينية المعروفة على المزيد من الاستثمارات في العراق".

وأكد المصدر أن "الصين استنادا للاتفاقيات الأخيرة ستكون من أكبر البلدان المستوردة للنفط العراقي، وهي اليوم تستورد بحدود 800 ألف برميل من النفط يوميا من العراق ومن المتوقع ارتفاعها إلى المليون في العام الجاري 2020".

وأعلنت حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، توقيع ثمان اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات البنى التحتية والاتصالات والصناعة والأمن والطاقة.

وجاء الإعلان بعد زيارة وفد حكومي عراقي ضخم للصين ترأسه عبد المهدي إلى جانب وزراء ومحافظين ومسؤولين آخرين، إلا أنه منذ ذلك الحين لم تكشف الحكومة العراقية تفاصيل الاتفاق المثير للجدل حتى لأعضاء البرلمان العراقي.

ومؤخرا طالبت لجنة النفط والطاقة النيابية بالحصول على نسخة من اتفاقية التفاهم المبرمة بين العراق والصين. وقال رئيس اللجنة هيبت الحلبوسي عبر بيان صدر عن مكتبه في 15 يناير/ كانون الثاني: إن "هناك معلومات عن توقيع العراق أكثر من ثمانية اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الصين تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار للسنوات العشر القادمة".

وأضاف: أن "الاتفاقية تتضمن إقراض الصين الحكومة العراقية أكثر من مئات المليارات من الدولارات على شرط ضمان ورهن النفط العراقي لمدة 50 عاما القادمة لتسديد القرض مع الفوائد المترتبة عليه".

وحذر رئيس لجنة النفط والطاقة بالبرلمان العراقي، قائلا: إن "هذه الاتفاقية ستعرض اقتصاد العراق ومستقبل أجياله القادمة للخطر في حال ثبوت هذه البنود في الاتفاقية التي تم توقيعها".