فيروس كورونا.. شهادات من وسط جحيم مستشفيات ووهان الصينية
تتخذ العديد من البلدان تدابير وقائية في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، فمن خلال إغلاق الحدود وإلغاء الرحلات الجوية وإعادة الدول الأجنبية لرعاياها، أصبحت الصين معزولة عن العالم، إذ كانت مدينة ووهان مركزا للوباء الفيروسي التنفسي المميت.
صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، رصدت الوضع المزري الذي وصفته بـ"الجحيم" في أحد مستشفيات مدينة ووهان الصينية التي ظهر فيها الوباء الفيروسي للمرة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ومنذ ذلك الحين أودى بحياة المئات وإصابة الآلاف وانتشر ليصل إلى أكثر من 20 دولة حول العالم.
يتخطفهم الموت
وخلال تقريرها، نقل مراسل الصحيفة في بكين شهادة إحدى المرضى، وصفت فيها الحياة اليومية المخيفة بمستشفى كافكيان "المتهالك" بمدينة ووهان مركز الوباء، حيث تكشف هذه الشهادة الظروف الصحية المحفوفة بالمخاطر في مواجهة التدفق المستمر للمرضى الجدد.
وقالت الصحيفة: إن "شي مويينج التي غادرت لندن لقضاء بداية العام الصيني الجديد إلى جانب والدتها المصابة بالسرطان، سقطت في براثن وباء الفيروس التاجي، وأصبحت أسيرة في مستشفى متهالك، محاطة بأشخاص في غرفة متجمدة يتخطفهم الموت واحدا تلو الآخر".
وأضافت هذه الشابة، 37 سنة، وهي مستلقية على سريرها في غرفة مزرية مع امرأتين أكبر سنا تعانيان من السعال الشديد، في الطابق الثالث من المستشفى رقم (8) القديم في عاصمة مقاطعة هوبى: "أنا يائسة".
فهذا المستشفى بدون ماء ساخن أو تدفئة، بينما درجة الحرارة 7 درجات مئوية، والجو متأثر برطوبة مياه نهر يانغ تسي كيانج الذي يتدفق عبر ووهان، إذ يُعتبر الشتاء هناك من أكثر الفصول القاسية بالصين، بحسب "لوفيجارو".
وأوضحت شي مويينج، عبر الهاتف لمراسل الصحيفة الفرنسية: "الكل متوتر للغاية، نحن بالكاد نتحدث مع بعضنا البعض، لأن لدينا صعوبة في التنفس. الممرضات تمنعنا من مغادرة الغرفة، نحن محاصرون هنا".
وبحسب "لوفيجارو" فإن هذه الشابة هي الأفضل حالا داخل الغرفة، إذ أكدت "أعراضي خفيفة أنا شابة، لكن المستشفى لا يمكنه فعل شيء بالنسبة لنا".
وأشارت إلى قلقها أيضا على والدها الذي يعاني من الحمى في الطابق الذي يعلوها، وتتواصل معه عبر الهاتف "إنه ضعيف وبالكاد يستطيع التحدث. في الطابق العلوي، توفي ثلاثة أشخاص، الجمعة 31 يناير/ كانون الثاني الماضي. رأى والدي رجلا عجوزا يموت. أخبرني أن الرجل العجوز أصيب بالهلع، وبعد ذلك جاء الناس لأخذ الجثة".
وأوضحت الصحيفة: أن "شي غادرت من لندن إلى ووهان في 11 يناير/ كانون ثاني الماضي لمرافقة والدتها المصابة بسرطان الأمعاء. ومع ذلك، سقطت في كابوس لا يبدو في الأفق نهاية سعيدة له، خاصة أن هذا المستشفى الذي يشبه الجحيم أصبح ملجأها الوحيد، لعدم وجود بدائل في أماكن أخرى بالمدينة مركز الوباء الذي قتل بالفعل المئات وأصاب أكثر من 14000 شخص.
ولفتت "لوفيجارو" إلى أنه في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما زارت شي والدتها بغرفة رعاية مركزية في أحد مستشفيات ووهان، أصيبت ووالدها بالحمى، حيث ظلوا يطوفون مدينة الأشباح بالدراجة بحثا عن أدوية في الصيدليات التي تم السطو عليها، على طول الطرق المغلقة أمام حركة المرور، وبعد كل المحاولات الفاشلة استسلموا للذهاب إلى مستشفى ووهان المركزي في 26 من الشهر ذاته لمعرفة السبب.
وقالت الشابة: "بعد اختبارات الدم والأشعة المقطعية للأنف، أخبرنا الطبيب أننا أصبنا بفيروس كورونا"، مضيفة: "لكن لم يكن هناك طاقم اختبار لتأكيد ذلك ولا سرير أيضا لاستقبالنا".
وبحسب الصحيفة منذ ذلك الحين، سقطت هذه الشابة في طي النسيان كالعديد من حالات الإصابة المشتبه بها والمنتشرة في أنحاء الصين، لا يعرفون ما إذا كانوا مصابين بالفيروس الغامض أو إنفلونزا بسيطة، ولا يعرف إلى أين يذهبون.
وأكدت أن "الحشد المذهل للنظام الشيوعي ليس كافيا لتلبية الحاجة في ووهان، على الرغم من مستشفيين قيد الإنشاء، حيث تتحدث الشائعات عن 30 ألف إصابة".
وذكرت شي أنه "يوم السبت 1 فبراي/ شباط الماضي، جاء طبيب وأخبرني أن هناك فقط عشر مؤسسات في ووهان باستطاعتها إجراء اختبار لتأكيد الفيروس، وعلينا أن نذهب ونطلب منهم ذلك بأنفسنا. لكننا عالقون هنا، لا يمكننا الخروج"، من المستشفى الواقع على نهر اليانجتسي.
"نحن عالقون هنا"
وأكدت "لوفيجارو" أن العوائق التي اصطدمت بها شي تكشف عن المعضلة التي يواجهها الكثير من الصينيين والأجانب المقيمين في الإمبراطورية الوسطى، والذين لديهم أعراض مشابهة للمرض، وليس لديهم خيار سوى الذهاب إلى المستشفيات المكتظة والبدائية في الجمهورية الشعبية.
ولفتت إلى أن الحمى والسعال والأعراض الخفيفة في منتصف الشتاء أصبحت مصدر قلق في المنازل. ونقلت عن الدكتور فيليب كلاين، مدير العيادة الدولية في ووهان، قوله: "في الصين، لا يوجد نظام الممارسين العامين للأطباء كما هو الحال بفرنسا. لا يوجد أيضا أكثر من 15 شخصا يُمكن استدعاؤهم للفحوصات المنزلية".
وفي مواجهة هذا الوباء، أغلق الطبيب عيادته الواقعة في برج بمستشفى الاتحاد مقابل قيامه بزيارات منزلية وذلك بهدف منع مرضاه من المخاطرة والإصابة بالعدوى من خلال الاختلاط، بحسب الصحيفة.
وقالت شي مويينج للصحيفة الفرنسية: "في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، ذهبنا إلى المستشفى لإعادة الفحص، احتجزنا لمدة 4-5 ساعات في غرفة صغيرة، الجميع سواء المصابون بالفيروس أم لا".
ومع يأسها، نشرت شي مويينج رسالة استغاثة على "ويبو"، موقع تدوين في الصين، تطلب فيها المساعدة، لتجني بعدها الثمار، ففي 30 من الشهر ذاته، أعلن المسؤولون في الحي أنهم عثروا على سريرين لهما في مستشفى ووهان رقم (8).
ووفقا للصحيفة، فإن الأب وابنته أصبحا عالقين في هذا المشفى في شرفة تطل على النهر، لكن مويينج ليس لديها أمل على الرغم من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات للقضاء على الوباء.
وقالت: "أنا وأبي عالقون هنا. من غير المرجح أن يتم علاجنا. قرأت أن هناك عددا قليلا من الفرق الطبية من المقاطعات الأخرى التي أتت إلى ووهان. لكن هذا لا يكفي فالمرضى كثر"، رغم أنها لا تزال لا تعرف ما إذا كانت مصابة بالفيروس أم لا.
وهي في سريرها بالمستشفى، تعاني شي من القلق على أمها أكثر من خوف إصابتها بالمرض، حيث تم فصلها عن والدتها العجوز، التي تصارع الموت وحيدة في غرفة العناية المركزة، على بعد بضعة كيلومترات، في مستشفى بالمدينة الكبيرة.
واختتمت الصحيفة تقريرها، بالقول: إن شي لا تعرف إن كانت سترى والدتها التي ضحت بحياتها من أجلها أم لا، بل "ما يخيفني أكثر هو أنه إذا ماتت أمي، فلن نتمكن حتى من الذهاب إلى المستشفى لتسلم جثتها، سيضر هذا الأمر بوالدي أكثر، أخشى أنه لا يستطيع تحمل ذلك".