4 سيناريوهات تحدد ملامح المرحلة المقبلة بعد إعلان صفقة القرن
رمى رئيس الأمريكي دونالد ترامب "صفقة القرن" التي شغلت العالم لنحو ثلاثة أعوام من فترة ولايته الرئاسية الحالية، وأدار ظهره مع صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تاركان خلفهما مشهدا سياسيا ضبابيا فيما يتعلق بالمرحلة المقبلة.
"صفقة" قلبت المنطقة رأسا على عقب، وفجرت غضبا لا يقل حدة عن تلك الموجات التي خلفها ترامب عقب قراريه: الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل نهاية 2017، ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى المدينة المقدسة في مايو/آيار 2018.
كل ذلك كان واضحا من طرف ترامب الذي طبخ صفقة القرن مع نتنياهو، بمساعدة مستشاره وصهره، جاريد كوشنر، وجيسون غرينبلات، مبعوث واشنطن السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، وديفيد فريدمان، سفير أمريكا لدى إسرائيل.
لكن الذي يتساءل عنه كثيرون حول الخطوة التي ستتبع إعلان ترامب، خاصة خلال السنوات الأربع المقبلة التي أخضع لها الطرف الفلسطيني "لإثبات حسن النية" تجاه تنفيذ ما اقترحه.
أربعة سيناريوهات من الممكن أن يحدث واحد منها بلا شك، رسمتها "الاستقلال" وبحثت معطياتها وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع مع محللين سياسيين فلسطينيين.
"قبول السلطة"
بمجرد طرح هذا السيناريو على أستاذ العلوم السياسية هاني البسوس، استبعده تماما، مرجعا الأسباب في ذلك إلى دوافع مستقاة من رفص شعبي ورسمي فصائلي.
لكن البسوس، قال في حديث لـ "الاستقلال": إنه "من الممكن أن توافق السلطة (على التفاوض) من تحت الطاولة"، إذا أوقفت المساعدات المالية عنها مع التضييق على قياداتها فضلا عن ضغوطات عربية.
إذا حدث هذا السيناريو -وهو احتمال ضعيف جدا كما يرى البسوس- فإن السلطة "قد تشترط الدمج ما بين مقترح ترامب والخطة العربية للتسوية (مبادرة السلام)".
و"مبادرة السلام العربية" أطلقها الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، خلال القمة العربية في بيروت عام 2002، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية في هذا الشأن أنه من الممكن "إجراء بعض التعديلات على صفقة القرن، ومن ثم المطالبة بوساطة جديدة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية".
وأشار إلى أن "هناك تسريبات أن عباس سيطرح خطة بديلة، تقوم غالبا على رمي الكرة في ملعب جامعة الدول العربية، من خلال التحرك السلمي والدبلوماسي والقانوني في المحافل الدولية".
"رفض السلطة"
هذا السيناريو يجسد الوقت الراهن، فقد سارع رئيس السلطة الفلسطينية إلى رفض خطة ترامب كأساس لتسوية الصراع القائم منذ 1947، ووصفها بأنها "صفعة العصر"، مشددا على أن "القدس ليست للبيع".
تصريحات عباس هذه جاءت مساء 28 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد ساعات من مؤتمر إعلان واشنطن صفقة القرن، مجددا موقفه في الاجتماع الوزاري العربي الطارئ الذي انقعد في القاهرة، يوم السبت الأول من فبرار/شباط الجاري.
استمرار السيناريو المتمثل برفض السلطة على مدار الأعوام الأربعة التي حددها الرئيس الأمريكي، ستضع السلطة أمام عقوبات وضغوطات سياسية واقتصادية صعبة، كما أنها ستجد نفسها محاصرة من إسرائيل وأمريكا وربما أطراف عربية.
الجانب السياسي من العقاب قد ينفذه الطرف الإسرائيلي، وذلك ربما بتكرار سيناريو حصار السلطة، كما حدث مع رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
حصار 2002 الذي قد تواجهه سلطة عباس الحالية، جاء كجزء من سياسة العقاب الجماعي التي تتبعها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، لإجباره على تقديم التنازلات المطلوبة إسرائيليا في قضايا الصراع الرئيسية.
أما العقاب الاقتصادي، فيتولاه الجانب الأمريكي الذي قد يواصل ابتزازاته بوقف الدعم المالي للسلطة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وهو ما ألمح إليه ترامب خلال إعلان صفقة القرن.
هذا الرفض قد يبيّض -إلى حد ما- صفحة رئيس السلطة المليئة بالانتقادات المعارِضة للمفاوضات مع إسرائيل، والمتوقفة أصلا منذ عام 2004، بسبب عدم إيفاء الاحتلال بالتزاماته، واستمراره في بناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية.
في تلك الحالة قد يلتقي عباس الذي يريد مقاومة سلمية، في حارة الفصائل الفلسطينية التي تؤمن بمقاومة مسلحة، وهو ما يعطي أملا بإنهاء الانقسام الداخلي بين حركتي "فتح" و"حماس" المستمر منذ 2007.
"تجاهل السلطة"
السيناريو هذا قائم على تجاهل الطرفين الأمريكي والإسرائيلي للسلطة الفلسطينية، والاستمرار في تطبيق بنود صفقة القرن بكل الأحوال السياسية التي ستشهدها المرحلة المقبلة.
كل المؤاشرات تلمح إلى أن رأي السلطة التي يرأسها محمود عباس منذ 2005، بات تحصيل حاصل، لكن ذلك لا يمنع الأمريكان والإسرائيليين من الضغط عليها من أجل تمرير الصفقة بوجود طرف الصراع.
وفي اجتماع سابق لممثلي الاتحاد الأوروبي في القدس، قال جايسون غرينبلات، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط: إن الخطة "تهدف إلى إفادة المنطقة ككل، ولا تتطلب موافقة الفلسطينيين".
وأضاف: "لم يعد الفلسطينيون هم الطرف الحاسم، لدينا خطة للمنطقة، ويمكن للفلسطينيين أن ينضموا إليها إذا أرادوا ذلك، لكنهم أيضا أحرار في عدم القيام بذلك".
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي الفلسطيني محمد العيلة: إن سيناريو تجاهل السلطة "هو القائم أصلا خلال الفترة الماضية، استنادا إلى فرض الوقائع على الأرض".
واستدرك في حديثه لـ "الاستقلال"، قائلا: "لكن بكل الأحوال، فإن الطرفين الأمريكي والإسرائيلي بحاجة إلى آخر فلسطيني من أجل شرعنة ما سلبوه"، في إشارة إلى صفقة ترامب التي تنحاز بشكل واضح للإسرائيليين على حساب الحقوق الفلسطينية.
وأضاف العيلة أن إسرائيل وأمريكا ستستمران بتجاهل السلطة لأسباب تتعلق بعجز تطبيق صفقة القرن كمسار تفاوضي؛ لأنها لا تبلي سقفها السياسي، كما أنها تتعارض مع "السردية" التي بنتها منذ اتفاق أوسلو (1993).
من خلال قراءة حديث العيلة، يمكن القول: إن هذا السيناريو من الممكن استمرار العمل به خلال المرحلة المقبلة، في حال رفضت السلطة الشروط التي تمليها صفقة ترامب.
"فشل الصفقة"
يميل المحلل السياسي الفلسطيني إلى هذا السيناريو، مرجحا فشل صفقة القرن جزئيا لعوامل سياسية غير مباشرة ترتبط بالأوضاع الداخلية الأمريكية والإسرائيلية كل على حدة.
ومن أمثلة هذه العوامل، برأي العيلة: خسارة نتنياهو في الانتخابات المزمعة في مارس/آذار 2020، وإخفاق ترامب في السباق الرئاسي المقرر في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
وزاد قائلا: إن وجود طرف آخر من الحزب الديموقراطي الأمريكي، أو تيارات إسرائيلية (معارضة لنتنياهو) سيكون أقل حماسا لهذه الصفقة التي تتعرض بالأساس إلى انتقادات داخل أوساط سياسية في تل أبيب وواشنطن.
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، لائحة اتهام وُجهت إليه رسميا في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، في ثلاث قضايا فساد، أخطرها الرشوة، إضافة إلى تهمتي خيانة الأمانة والاحتيال.
وأكد العيلة أن "السيناريو الرابع واقعي ووارد؛ لأن نتنياهو وترامب يعيشان أزمة حاليا، فالأول يواجه تهم فساد داخلية منذ سنوات، والثاني يواجه حاليا محاولات لعزله قد تبدو بعيدة، لكنها ستشوش على مساره السياسي".
وأشار إلى عوامل أخرى غير الانتخابات، أهمها: أن "جميع الأطراف الفلسطينية رافضة للخطة، وإن وافق فريق التسوية على الدخول فيها فلن يكون بمقدروه تحقيق جزء كبير من بنودها، وعلى رأسها نزع سلاح المقاومة (في غزة)".
وشدد المحلل السياسي على أن الرفض الفلسطيني عامل من عوامل فشلها، فـ "اتفاقية أوسلو التي أُبرمت قبل صفقة القرن بـ25 سنة تعتبر أقل ظلما للحقوق الفلسطينية، ومع ذلك فهو يرفضها رفضا قاطعا ويطالب بإنهائها".