صلاة على أرض الهولوكست.. تغيير سعودي جذري في العلاقة مع إسرائيل

12

طباعة

مشاركة

إكمالاً لمسيرتها التطبيعية مع إسرائيل جاءت مؤخرا زيارة مسؤول سعودي رفيع، معسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية، أوشفيتز، وذلك بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ75 لـ "الهولوكوست".

زيارة وزير العدل السعودي السابق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، محمد العيسى، الخميس 23 يناير/ كانون الثاني 2020، جاءت على رأس وفد إسلامي رفيع المستوى من علماء العالم الإسلامي من مختلف المذاهب، مصحوباً بقيادات دينية أخرى (مسيحية ويهودية) توجهوا إلى موقع الإبادة الجماعية في سربرنتسا في البوسنة والهرسك، ومعسكر الإبادة الجماعية في أوشفيتز ببولندا.

يأتي هذا ضمن جولة دولية في عدد من المواقع التي تعرضت للظلم والاضطهاد، للتأكيد على التنديد بتلك الجرائم البشعة دون استثناء أي منها، حسبما نقل الموقع الرسمي لرابطة العالم الإسلامي.

رجال دين إسرائيليون التقوا "العيسى" في السعودية، أعربوا عن اعتقادهم بأن العيسى يحظى بدعم القيادة في الرياض للقيام برحلة إلى أوشفيتز، حيث لم يكن ليجري الزيارة دون طلب من ولي العهد محمد ابن سلمان.

معسكر أوشفيتز

حسب "سي إن إن" فإن معسكر أوشفيتز يعد من أكبر معسكرات الاعتقال النازية، ويتكون من 3 معسكرات رئيسية و45 معسكراً فرعياً، من تصميم وزير داخلية ألمانيا النازية، هانيريك هملر، وتم نقل اليهود إليه بالقطارات في الفترة بين ربيع عام 1942 وخريف عام 1944، حيث أدخلوا إلى غرف الإعدام بالغاز.

ووفق أوراق محاكمة نورنبيرغ، جرى إعدام نحو 1.1 مليون شخص في هذا المعسكر، يمثل اليهود 90% منهم، بالإضافة إلى 150 ألف بولندي، و 15 ألف من السجناء السوفييت في الحرب، وعشرات الآلاف من الجنسيات الأخرى.

وتم تحرير المعسكر في 27 يناير/ كانون الثاني 1945، على يد قوات الاتحاد السوفيتي. ويحيي العالم ذكرى هذا المعسكر فيما بات يعرف بـ"اليوم الدولي لذكرى الهولوكوست".

صلاة مصورة

الرئيس التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية، ديفيد هاريس، قال إن زيارة محمد العيسى إلى بولندا "تمثل أرفع وفد على الإطلاق لزعماء دينيين مسلمين يقومون بزيارة أوشفيتس"، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

جاءت زيارة العيسى تنفيذاً لاتفاق موقّع بين اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة العالم الإسلامي، والذي نص على قيام الأمين العام للرابطة بالمشاركة في رحلة إلى أوشفيتز.

احتفاء كبير بزيارة "العيسى"، أبدته مؤسسات وشخصيات صهيونية، حيث نشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" التابعة للخارجية الإسرائيلية، مقطع فيديو يظهر رجل الدين السعودي وهو يصلي في مقر معسكر أوشفيتز.

وفي تغريدة أخرى، نشر حساب تويتر التابع لـ "إسرائيل بالعربية"، صورة احتضان العيسى لرجل دين يهودي، معلقا عليها بأنها "صورة بألف كلمة"، معبرا عن اللقاء بـ "ترحاب أخوي يفتح صفحة جديدة من التسامح"، بحسب تعبيره.

وقال باول سافيسكي، وهو مسؤول في المكتب الإعلامي في المتحف لتخليد ذكرى أوشفيتز: إنه "في حين أن شيوخ وقادة ونشطاء مسلمين وعرب قاموا في السابق بزيارة المعسكر، ولكن يبدو أن العيسى هو أكبر زعيم ديني يزور الموقع"، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

تحولات مهمة

في 3 مايو/أيار الماضي، كشفت الخارجية الإسرائيلية أن وفداً يهودياً سيزور السعودية بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي، وذلك خلال توقيع اتفاقية تعاون بينها وبين مؤسسة نداء الضمير الأمريكية لتعزيز قيم الوئام والتطرف.

اتفاق الزيارة بررته رابطة العالم الإسلامي في تغريدة على حسابها في تويتر بكونها ليست زيارة لوفد ديني خاص، ولكنها لوفد أمريكي مستقل ومتنوع دينيا، ومهتم بقضايا اللاجئين السوريين، والمجازر ضد الروهينغا.

وأشادت وزارة الخارجية الإسرائيلية بمشاركة مشايخ مسلمين إضافة إلى الوفد السعودي في إحياء ذكرى المحرقة في أوشفيتز، ووصفت الزيارة بـ "المهمة والتاريخية"، حسب مصادر صحفية.

نفس المعنى أكده زعيم تحالف "أزرق أبيض"، بيني غانتس، الذي ينافس على تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، إذ كتب تغريدة قال فيها إن "مشاركة الوفد الإسلامي والسعودي في إحياء ذكرى المحرقة في بولندا، خطوة مهمة وتاريخية".

وأوضح أن "هذه المشاركة للوفد السعودي تعكس التحولات والمتغيرات المهمة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتعبّر عن الفرص الجوهرية والمهمة التي تتوفر أمام إسرائيل"، على حد تعبيره.

يأتي هذا فيما اقتبس المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، كلمة العيسى خلال تصريحه لقناة "العربية"، إذ قال: "نحن دعاة سلام والمعايير الإسلامية غير مزدوجة والجرائم ضد الإنسانية مرفوضة في جميع الأديان".

ووصف "أدرعي" زيارة العيسى، بـ "التاريخية والمهمة"، معقبا بقوله: إن "هذا هو الإسلام الحقيقي" وأن "التآخي بين الديانات يجلب كل خير"، حسب قوله.

في مقابل ترحيب إسرائيل والمجتمع اليهودي بهذه التحركات، أثار  الحدث غضب واستياء العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين نددوا بفعل العيسى، مشيرين إلى أن السعودية مستمرة في تطبيعها مع إسرائيل.

فقال ساجد: "رابطة العالم الإسلامي التي يقودها الشيخ السعودي محمد العيسى، هي الذراع التطبيعية لمحمد بن سلمان. تطبيع ديني مع إسرائيل مُغلّفة بقيم التسامح الديني مع اليهود!! الفتاوى التي كانت جاهزة للتكفير والتفجير، هي ذاتها جاهزة لعقد الحلف السعودي الإسرائيلي في قادم الأيام".

خطاب جديد

في الأثناء، يؤكد تقرير نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن توسع إيران ودورها المزعزع للاستقرار الذي لعبه وكلاؤها في سوريا، دفع دول الخليج إلى لعب دور سياسي أكبر على المستوى الإقليمي.

ويضيف التقرير، أنه "في ظل شعف وتراجع عواصم كانت تصنع القرار العربي مثل بغداد ودمشق والقاهرة، فإن التصور الذاتي لدول الخليج جعلها أكثر قبولاً لفكرة السلام بين العرب وإسرائيل".

يتجلى ذلك الخطاب الجديد في حملة غير مسبوقة شنتها السعودية ضد معاداة السامية عبر منابرها الإعلامية، وفي عدة مؤتمرات ومنابر صحفية داخل السعودية وخارجها، وبعض رموزها الدينية مثل محمد العيسى.

ركز الخطاب السعودي الجديد على نبذ الكراهية، ومهاجمة كل من يبث هذا النوع من الخطاب ضد اليهود. نافيا وصفه بأنه "تطبيع" مع الكيان الصهيوني، مشدداً على القيم الإسلامية التي تقرر التسامح وتنبذ العنف.

في سبتمبر/ أيلول الماضي، استقبل ولي العهد السعودي، وفداً من الرموز الإنجيلية الداعمة "لإسرائيل" يرأسه الكاتب الإسرائيلي جول روزنبرغ، في ثاني زيارة يجريها إلى السعودية.

وخلال اللقاء الذي حضره العيسى، "جرى التأكيد على أهمية بذل الجهود المشتركة لتعزيز التعايش والتسامح"، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية.

بدوره، أعرب جول روزنبرغ -وهو مسيحي إنجيلي وكاتب أمريكي إسرائيلي، كان التقى مع العيسى مرتين في السعودية- عن اعتقاده بأن العيسى يحظى بدعم القيادة في الرياض للقيام بالرحلة إلى أوشفيتز، حسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

وقال روزنبرغ: "بالتأكيد ما كان العيسى ليجري هذه الزيارة لو لم يكن ولي العهد يريد منه فعل ذلك"، مشيراً إلى أن الرجل موجود في "المدار القريب" من الأمير محمد بن سلمان.