الاتفاق التجاري بين أمريكا والصين.. ينهي الحرب أم مجرد هدنة؟
بعد حالة من الشد والجذب، والعقوبات الأمريكية، وقع الرئيس دونالد ترامب، مع نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين البلدين، بقيمة 200 مليار دولار خلال عامين، تمهيدا لمرحلة ثانية وأخيرة، لمعالجة أزمة التجارة بينهما.
ورغم أن الاتفاق الأمريكي الصيني لقي ترحيبا وإشادة من قطاعات أمريكية عديدة، وخاصة المزارعين، إلا أن هناك آراء أخرى ترى أنه لم ينه التحركات الصينية للاستحواذ على نصيب الأسد من التجارة العالمية.
الأمر الذي جعل الجميع في واشنطن، يعتبر الاتفاق انتصارا لترامب على وجه التحديد، لتقوية صورته في الجبهة الداخلية، سواء قبل الانتخابات الرئاسية المقرر لها نهاية 2020، أو في دعم موقفه في محاكمته التي دخلت إجراءاتها مرحلة حاسمة في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
التساؤلات المطروحة على خلفية الاتفاق الأمريكي الصيني، تنوعت بين مدى المكاسب التي حققها كل طرف مقابل الطرف الأول، في ظل الشعارات المتبادلة ""أمريكا أولا" و"الصين أولا"؟، وما هي تأثيرات الاتفاق على الاتحاد الأوروبي الذي بات ينتظر دوره في اتفاقية مماثلة الهدف الأساسي منها الاقتصاد الأمريكي؟، وفي النهاية كيف يمكن لترامب وأنصاره الاستفادة من نتائج هذه الاتفاقية التي جاءت في وقت حساس للغاية؟.
بنود الاتفاق
تنص الصيغة النهائية للاتفاق، الذي نشره البيت الأبيض بتوقيع الرئيس الأمريكي ترامب، ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني "ليو هي"، في 15 يناير/ كانون الثاني 2020، أن الجانبين اتفقا على قيام واشنطن بتخفيض التعريفة الجمركية التي تفرضها على المنتجات الصينية، مقابل قيام بكين بزيادة مشترياتها من السلع الزراعية الأمريكية مثل فول الصويا، ولحم الخنزير، ووضع التزامات جديدة بشأن الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا القسري والعملة.
وتوقع ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد توقيع الاتفاق، أن يؤدي ذلك لزيادة قيمة مشتريات الصين من المنتجات الزراعية الأمريكية إلى 50 مليار دولار سنويا، بينما أكد الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتزر، في تصريحات صحفية أن "الولايات المتحدة ستعلق أيضا ضرائب الاستيراد الجديدة التي كان سيتم تنفيذها في 19 يناير/ كانون الثاني 2020، والتي تغطي 160 مليار دولار من المنتجات الصينية مثل الهواتف الذكية والألعاب".
وقال لايتزر: "الصين ملتزمة بزيادة واردات السلع والخدمات الأمريكية بما لا يقل عن 200 مليار دولار عن مستوى عام 2017، على مدار العامين المقبلين وهذا سيكون أكثر من ضعف القيمة البالغة 187 مليار دولار في السلع والخدمات التي صدرتها واشنطن إلى بكين عام 2017.
وحسب قوله، فإن ترامب، "وافق بالمقابل، على تخفيض بعض التعريفات الأمريكية الحالية، وخفض 15 بالمئة من الرسوم على 120 مليار دولار من الواردات، مع الحفاظ على 25 بالمئة، ضريبة على حوالي 250 مليار دولار من البضائع الصينية".
على الجانب الآخر، أكد نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو هي، حاجة كلا البلدين للعمل معا لمواجهة تحديات مثل "الإرهاب والشيخوخة وحماية البيئة"، مشيرا إلى أن بلاده "أنشأت نظاما سياسيا ونموذجا للتنمية الاقتصادية يناسب خصائصه، إلا أن هذا لا يعني أن الصين والولايات المتحدة لا يستطيعان العمل معا".
ونقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، عن جون فريسبي، الخبير الصيني في شركة الاستشارات التجارية في هيلز أند كو، قوله: "في حين أن الصفقة تحتوي على انتصارات للولايات المتحدة، فإن حقيقة أن معظم الرسوم الجمركية ستبقى على الواردات الصينية، تخيم على فرص نمو الاستثمار التجاري بين البلدين".
مجرد هدنة
وفقا لوكالة "دويتشه فيله" الألمانية، فإن "الاتفاق ربما يخفف من الصدام التجاري بين واشنطن وبكين، لكنه لن يوقف الحرب الدائرة بين الطرفين، خاصة وأن الولايات المتحدة تنتظر سياسة اقتصادية مختلفة من الصين، بما يسمح بدخول أفضل لمنتجاتها للسوق الصينية، وأن يكون هناك مجال تحرك أكبر للشركات الأمريكية وعدم السطو على الملكية الفكرية".
ويرى التحليل السابق، أن ترامب عندما عمل بشعار "أمريكا أولا"، وجد أمامه من يتبع نفس السياسة ويرفع شعار "الصين أولا"، لذلك كانت أهم قضية تعكر صفو العلاقة بين البلدين، هي قضية الأمن في البنية التحتية لشبكة الهاتف المحمول من الجيل الخامس.
كانت الولايات المتحدة قد رفضت مشاركة شركة "هواوي" الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس، لاتهامها بالقرب من قيادة الدولة والحزب في بكين، وفي المقابل يستمر الحلفاء الغربيون في مناقشة هل من الممكن إيجاد سبيل للتعاون مع الشركة الصينية؟.
وفي تحليل لمستقبل الاتفاق الاقتصادي الهام بين البلدين، أكد محللون ومختصون اقتصاديون، للوكالة الألمانية، أنه لا يمكن لأحد معرفة الكيفية التي يتطور بها النزاع التجاري رغم الاتفاق الجزئي بين العملاقين العالمين، حيث يتوقع المختصون استمرار سياسة الخطوات الصغيرة، مع إشارات انفراج مفاجئة، إلا أن ذلك لا ينفي حدوث نزاعات جديدة.
المرحلة الثانية
ويشير تحليل لشبكة "سي إن إن بزنس"، إلى أن الأزمة لم تكن في المرحلة الأولى التي انتهت بالاتفاق الذي وقعه الجانبان منذ أيام، وإنما الأزمة والصعوبة في مفاوضات المرحلة الثانية، والتي سيتحدد موعدها في وقت لاحق من العام 2020.
وحسب تحليل الشبكة الأمريكية، فإنه من المرجح أن تستمر التوترات بين البلدين خلال عام 2020، رغم التوصل للاتفاق الحالي، وأن ما يدعم هذا التوتر هو النزاع التجاري الذي من المتوقع أن يخوضه الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة، كما أن الانهيار الوشيك للمملكة المتحدة مع أوروبا يجلب معه مجموعة من التحديات، حيث تحاول البلاد إقامة علاقة جديدة مع أكبر سوق تصدير لها.
ونقلت "سي إن إن بزنس" تحليلا أعدته مجموعة "كابيتال إيكونوميكس"، أكد فيه أن الاتفاق الأخير، هو أشبه بحصاد "كل الثمار المنخفضة"، كما أن الاتفاق لا يمكن أن يمثل نهاية التوترات بين البلدين.
وبرر التحليل ذلك بأمور عدة، منها: أن الجانبين لا يزالان يحافظان على تعريفات جمركية كبيرة، حيث يظل ما يقرب من ثلثي جميع واردات الولايات المتحدة من الصين (370 مليار دولار) مشمولة بالتعريفات بعد توقيع الاتفاق.
ونسبت الشبكة لخبراء في "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" تأكيدهم أن أكثر من نصف صادرات الولايات المتحدة إلى الصين ستظل خاضعة أيضا للتعريفة الجمركية الانتقامية، وبالتالي فإن الاتفاق الأخير لا يخرج عن كونه أشبه باتفاق لـ "وقف إطلاق النار في حرب تجارية مدته عامان"، بينما سوف تترك التعريفات الأمريكية المطبقة على حوالي 370 مليار دولار من البضائع الصينية، أو حوالي ثلاثة أرباع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، كما هي.
انتصار ترامب
ووفق تحليلات إعلامية وسياسية أمريكية، فإن ترامب، هو أكثر المستفيدين من الاتفاق التجاري الذي جرى مع الصين، وهو ما عبر عنه أنصاره ومساعدوه في حملته الانتخابية، بتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن "الرئيس حقق نصرا كبيرا على الصينيين".
وفي هذا الإطار أظهرت صحيفة "نيويورك تايمز"، الاحتفالات التي أقامها مؤيدو ترامب في توليدو بولاية أوهايو، ووصفهم ترامب بأنه "الوحش الكبير الجميل".
وتقول الصحيفة: "ترامب عمل في هذه الصفقة كالبائع التي يستخدم الدعاية لإبهار الزبائن"، معتبرة أن قيام ترامب بإطلاق الاتفاق بالشكل الذي جرى به، وتأكيده أن الاقتصاد الأمريكي سوف يجني عوائد كبيرة من خلاله، ليس له علاقة على الإطلاق بالأرقام الاقتصادية الصادمة التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي.
ونقلت الصحيفة الأمريكية تعليقات لعدد من مؤيدي ترامب من بينهم تيموثي بيدرو، العمدة الجمهوري لمدينة وترفيل في أوهايو، قوله: "التعريفة الجمركية ليست هي الحل، لكن ظهر ترامب وهو يقف ضد الجدار".
واتساقا مع موقف مؤيدي ترامب، أظهر استطلاع للرأي، أن "المزارعين الأمريكيين دعموا بشكل متزايد ترامب في سعيه لإيقاف حرب تجارية مطولة مع بكين، أدت إلى تراجع المبيعات الزراعية في الولايات المتحدة".
ووفقا للاستطلاع الذي أجرته وكالتي "إيبسوس" و"رويترز" قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2019، وكان قاصرا على المزارعين، فإن "49 في المئة ممن شملهم الاستطلاع أيدوا الطريقة التي يتعامل بها ترامب مع الزراعة الأمريكية، و40 بالمئة لا يوافقون عليها، بينما كانت النسبة في استطلاع مماثل في سبتمبر / أيلول 2019، 43 بالمئة موافقة، و45 بالمئة معارضة".
ونقلت "رويترز" تعليقا على لسان إسين زيمرمان، أحد المشاركين في الاستطلاع من الحزب الجمهوري بولاية مينيسوتا، قوله: "الجميع يأمل حدوث طفرة بعد تنفيذ الاتفاق التجاري".
وفي مقابل الفريق المؤيد، نقلت "نيويورك تايمز"، آراء أخرى منتقدة للاتفاق، مؤكدين أن "الهدف منها سياسي لخدمة مصالح ترامب بالقرب من موعد الانتخابات الرئاسية، نهاية 2020، خاصة وأن الحرب التجارية التي نفذها مع الصين طوال عامي 2018/2019، لم تكن تستحق التضحية بنسبة مبيعات فول الصويا، ولحم الخنزير، والسلع الأخرى".
المصادر
- الولايات المتحدة والصين توقعان اتفاقية تهدف إلى إنهاء الحرب التجارية
- حرب تجارية عالمية تختمر. الصفقة بين الولايات المتحدة والصين لن توقفه
- الصفقة ستخفف التوترات التجارية. لكن قد لا يكون كل ما وعد به الرئيس.
- ترامب يتمتع بقوة الاقتصاد الأمريكي في صراعات مع الحلفاء والخصوم على حد سواء
- حذر أوروبي بعد الاتفاق التجاري بين أمريكا والصين
- بنود الاتفاق التجاري بين الصين وأمريكا
- "أمريكا أولاً" في مواجهة "الصين أولاً"
- النمو البطيء في الصين يؤكد الضغوط التي تواجه اقتصادها في عام 2020
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين: جدول زمني
- أنصار ترامب يرون النصر الأمريكي في صفقة التجارة الصينية
- الحرب التجارية ولعبة الصين الطويلة
- استطلاع للرأي يظهر دعمًا متزايدًا لترامب بين الأسر الزراعية الأمريكية