“العقرب فيه سم قاتل”.. كيف حصدت معتقلات السيسي مئات الأرواح؟

12

طباعة

مشاركة

رغم أن سبعة معتقلين فارقوا الحياة في سجن العقرب بجنوب القاهرة، على مدار الأعوام الأربعة الماضية، إلا أن وفاة المهندس محمود صالح، كانت مختلفة، لأنها الأولى التي جاءت نتيجة الجوع والبرد الذي يعانيه المعتقلون داخل السجن، حسبما أكدت أسرته.

أسر المعتقلين في العقرب، حملوا في بيان لهم بعد وفاة صالح في 4 يناير/ كانون الثاني الجاري، السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن حياة ذويهم، الممنوعين من الزيارة منذ أكثر من عامين، إضافة لمنع الأغطية والملابس الثقيلة والأدوية والمستشفيات عنهم، وهو ما وصفته التقارير الحقوقية، بأنها "أكبر عملية موت بطيء يشهدها التاريخ".

هل يمكن أن تكون وفاة صالح سببا في إلقاء الضوء عما يحدث بالعقرب سيئ السمعة، وغيره من السجون المصرية التي تعاني من غياب الرقابة والمتابعة القانونية والقضائية، أم أن السلطات المصرية تعتبر لوائح السجون غطاء يمكنها من القتل البطيء الذي لا يعاقب عليه القانون؟

كارثة محمود صالح

حسبما أكد متابعون لشؤون المعتقلين في السجون المصرية، فإن المهندس محمود صالح الذي يبلغ 47 عاما، اعتقل منذ 6 سنوات، وحكمت ضده محكمة عسكرية بالسجن المؤبد 25 عاما، بتهمة تفجير أبراج الكهرباء في الجيزة والاسكندرية، وقد أطلقت أسرته قبل أشهر نداء استغاثة للمعنيين بحالة حقوق الإنسان، من وضعه الصحي المتراجع، نتيجة عدم توفر الطعام والأدوية داخل السجن.

وأكدت أسرته أن صالح وأكثر من ألف معتقل آخرين، ممنوعين من الزيارة، والتشميس، أو ما يطلق عليه المعتقلون "التريض"، وهي الفترة التي يقضيها المعتقل خارج الزنزانة، في الشمس، لحمايته من الأمراض التي تسببها الزنازين المغلقة، والتي تكتظ بالمعتقلين رغم أن مساحتها لا تتجاوز 6 متر مربع، ويسكنها ما بين 3 إلى 4 أفراد، باستثناء عدد قليل من الزنازين الانفرادية المخصصة لقيادات "الإخوان المسلمين" وبعض قيادات الحركات الإسلامية الأخرى.

وفي بيان نشرته أسر معتقلي العقرب، على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن صالح فارق الحياة، نتيجة المعيشة غير الآدمية التي يحيا ويعيش فيها المعتقلون، إضافة إلى الإهمال الطبي الجسيم، مطالبين المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، بالتحرك لإنقاذ سجناء العقرب، خاصة وأن إدارة السجن بقيادة رئيس المباحث الضابط محمد شاهين، يتبعون سياسة القتل البطيء الممنهج مع جميع المعتقلين في ظل البرد القارس.

وأضاف البيان: وذلك باستخدام سياسة التجويع والإنهاك البدني والنفسي، بمنع "التريض" ومنع الزيارات وغلق الكافتيريا ومنع إدخال الملابس والبطاطين، والحرمان من الملح والسكر والمنظفات مع كميات ضئيلة للغاية من الطعام الرديء، بالإضافة إلى التكدس داخل الزنازين بدون أغطية أو ملابس كافية، ما جعلهم يعيشون عمليا في مقبرة حقيقة.

وحول ملابسات وفاة صالح، أكد البيان أنه تعرض لأزمة قلبية داخل زنزانته، نتيجة البرد الشديد ودرجة الحرارة التي تصل لأربع درجات مئوية داخل الزنازين، إضافة لسياسة التجويع المتعمدة، وقد رفضت إدارة السجن الاستجابة لاستغاثات زملائه لأكثر من ساعة كاملة، ما نتج عنها وفاته داخل الزنزانة نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.

وطالبت أسر "معتقلي العقرب"، بفتح تحقيق عاجل في هذه الجريمة المروعة، التي لم تكن أولى جرائم القتل الممنهج في سجن العقرب حيث سبق صالح، في ظروف مشابهة، كل من الدكتور فريد إسماعيل والمهندس عصام دربالة، والشيخ مرجان سالم، والشيخ نبيل المغربي، والشاب أحمد عبدالله، والشاب حسام مروان، والشاب عماد حسن، إضافة للمعتقل السيناوي مدحت أبو شيتة.

كما طالب البيان بفتح سجن العقرب، لزيارة حقيقية، غير مزيفة للنيابة العامة، والجهات الحقوقية، والالتقاء بالمعتقلين في مقبرة العقرب ورفع الواقع المميت الذي يعيشون فيه، كما طالبوا المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان بالتضامن مع معتقلي العقرب، ودعوا كذلك لفتح الزيارات المتوقفة من أكثر من عامين، وإعادة فتح "كانتين" السجن المغلق منذ وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي في 17 يونيو/ حزيران 2019.

الدخول بإضراب

وفي بيان أصدرته رابطة "أسر معتقلي العقرب" في 7 يناير/كانون الثاني الجاري، أعلنت دخول المعتقلين بسجن العقرب المصري في إضراب كلي مفتوح عن الطعام منذ الرابع من الشهر ذاته، مؤكدة استمرار إضرابهم حتى تتم محاكمة من وصفوهم بقتلة "شهيد البرد، محمود عبدالمجيد صالح، وغلق سجن العقرب سيء السمعة، ونقل جميع المعتقلين منه إلى سجون أخرى".

وقالت الرابطة، في بيانها إن الصحفي والناشر محمود عبدالمجيد صالح، الذي توفى داخل سجن العقرب قبل أيام، نتيجة الإهمال الطبي، "راح ضحية انتهاكات ممنهجة من إدارة السجن التي احترفت انتهاك حقوق الإنسان".

وأشارت رابطة "أسر معتقلي العقرب" إلى "توالي سقوط الشهداء، نتيجة الجوع والبرد والمرض والحرمان من الأبناء والزوجات".

وأكدت على رفضها التام لما وصفته بـ "التعامل الغاشم من قبل إدارة سجن العقرب"، مستغيثة بـ"جميعات حقوق الإنسان العالمية والمجتمع الدولي قبل أن يلقى أولادنا مصير الإحدى عشر شهيدا الذين سقطوا بين جدران مقبرة العقرب".

وتوجهت رابطة "أسر معتقلي العقرب" بنداء إلى "الشعب المصري الذي ضحى أولادنا من أجل حريته وكرامته وانتزاع حقوقه التي نُهبت، ونحن علي أتم الثقة أنه لن يتركنا وحدنا".

كما أطلقت نداء إلى "العالم الحر لإنقاذ ما تبقى من المعتقلين في مقبرة سجن العقرب سيء السمعة قبل أن يلقوا مصير من قتلوا بالجوع والبرد والمرض".

وشدّدت الرابطة على أن أبنائهم في "مقبرة العقرب" يواجهون أشد صور المعاناة، محملة إدارة السجن وعلى رأسهم ضباط الأمن الوطني، ورئيس المباحث محمد شاهين، مسؤولية مقتل محمود عبدالمجيد صالح.

وأكدت رابطة "أسر معتقلي العقرب" أن "أولادنا المعتقلين بالعقرب لن يتنازلوا عن هذه المطالب ولن يتذوقوا الطعام أبدا حتى تتحقق مطالبهم".

شاهد عيان

ويعد سجن العقرب أسوأ السجون المصرية، وهو يقع بمجمع سجون طرة بالقرب من جبل المقطم جنوب القاهرة، ووفقا لشهادة الإعلامي مسعد البربري الذي اعتقل بالعقرب عدة أشهر، فإن السجن تم بناؤه للحبس الانفرادي وهو يتكون من 4 عنابر، وفي كل عنبر 4 أجنحة، وكل جناح به 20 زنزانة، وهناك عزل كامل بين كل جناح وآخر داخل العنبر، وبين العنابر الأربعة التي يتكون منها السجن.

وأكد البربري في شهادته لـ"الاستقلال"، أن "السجن تم بناؤه بنظام الخرسانات الجاهزة، ما يجعله يمتص الحرارة في فصل الصيف، ويمتص البرودة في فصل الشتاء، وأن هذه الحيطان تجعل درجات الحرارة في فصل الشتاء أقل من الدراجات العادية بما يقرب 7 درجات كاملة".

وحسب البربري، فإن السجن به عيادة صغيرة وفقيرة للغاية، ولا تقدم إلا خدمات طبية ضعيفة ونادرة، ومع غلق العنابر في حدود الساعة الخامسة مساء، فإن التوصل لأي مسؤول بالسجن، حتى لو كان مجندا أمر في غاية الصعوبة.

وأردف: "كثير من الأحيان يسمع أفراد الأمن استغاثات المعتقلين نتيجة تعرض أحدهم لأزمة صحية، ولا يتم الاستجابة لهذه النداءات، ما كان سببا في النهاية لوفاة الشيخ مرجان سالم الذي يعد أحد القيادات البارزة في تنظيم القاعدة، عام 2015، وبعده بأيام توفي المهندس عصام دربالة رئيس مجلس شوري الجماعة الاسلامية لنفس السبب، وأخيرا المهندس محمود صالح".

وأوضح البربري أنه "منذ وفاة الرئيس محمد مرسي، وإدارة السجن تنتهج سياسة القتل البطيء للمعتقلين، حيث أغلقت الكانتين الذي يعد المنفذ الوحيد للطعام شبه الجيد للمعتقلين نتيجة غلق الزيارات بشكل كامل عن السجن منذ عامين، إضافة لمنع التريض، ومنع المتابعة الصحية، والتحويلات لمستشفى ليمان طرة، أو مستشفى المنيل الجامعي للحالات الحرجة".

ولفت إلى أن "إدارة السجن لديها الكثير من المبررات القانونية التي تحميها ضد أية محاسبة إن جرت لهم من الأساس، منها التعذر الأمني الذي يمنح الإدارة الحق في عدم نقل المعتقلين المرضى للمستشفيات خارج السجن، حتى لو كان ذلك إلى مستشفى داخل سجن آخر، وليس مستشفى مدني".

كما أن طبيعة السجن المشدد تجعل فتح الزنازين بعد الساعة الخامسة مساء، من سلطة مأمور مجمع السجون وليس من سلطة مأمور السجن نفسه، وهو ما يكون سببا في تأخر تقديم الخدمة الطبية مع الحالات العاجلة، وهو المبرر الدائم الذي كان تستخدمه معهم إدارة السجن في الحالات الحرجة، بحسب البربري.

تحذيرات سابقة

ووفق تقارير حقوقية عديدة، فإن وفاة الرئيس محمد مرسي، داخل قفص محاكمته في 17 يونيو/ حزيران 2019، كانت بسبب الظروف المعيشية والصحية، التي عانى منها طوال فترة حبسه لمدة 6 سنوات، منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013.

وأطلق خبراء الأمم المتحدة في تقريرهم الرسمي حول ملابسات وفاة مرسي، تحذيرا أمميا من تعرض آخرين للوفاة لنفس أسباب الإهمال الطبي والاحتجاز التعسفي داخل السجون سيئة السمعة، من بينهم مساعد مرسي للشؤون الخارجية عصام الحداد، ونجله جهاد الحداد، وغيرهم من آلاف المعتقلين الذين باتت حياتهم في خطر ومعرضون للوفاة أو إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بصحتهم بسبب ظروف الاعتقال غير الكافية، التي تتفاقم بسبب الانتهاكات الواسعة النطاق للإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك الاحتجاز دون تهمة، وعزلة عن العالم الخارجي، وعدم كفاية الوصول إلى المحامين، وغيرها من الممارسات التي تمنع المحاكمة العادلة.

وأكد تقرير الخبراء الأمميين أنهم تلقوا تقارير عن الاكتظاظ وعدم كفاية الطعام وسوء التهوية وعدم وجود أشعة الشمس، إضافة لحرمان السجناء من الزيارات العائلية، وغياب الرعاية الطبية اللازمة، ووضعهم في الحبس الانفرادي لفترات زمنية طويلة.

600 حالة وفاة

وحسبما أكد تقرير أصدرته "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" ومقرها المملكة المتحدة، فإن أكثر من 600 معتقل لقوا حتفهم منذ انقلاب يوليو/ تموز 2013، أثناء احتجازهم نتيجة للبيئة غير المواتية والإهمال الطبي الجسيم والفشل التام في توفير الرعاية الصحية الأساسية. من بينهم أكثر من 100 شخص قتلوا نتيجة التعذيب وسوء المعاملة في السجن.

وأكد التقرير الذي ناقشه مجموعة من الخبراء الحقوقيين الدوليين، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أن العديد من الآلاف الآخرين الذين يقبعون في السجون المصرية في خطر شديد، ووفقا لما ذكرته "هانا فيليبس"، الباحثة عن الوفيات أثناء الاحتجاز في مصر، فإن نظام الرعاية الطبية داخل السجون المصرية يهمل إلى حد كبير المعايير القانونية الأساسية المنصوص عليها في القانون المحلي والدولي لمعاملة السجناء.

وأكدت فيليبس، أن "هناك سياسة واضحة للإهمال الطبي تجاه السجناء السياسيين تؤدي إلى الوفيات التي يجب فهمها على أنها سياسة متعمدة للقتل البطيء".

"البرد قرصة عقرب"

وفي إطار إلقاء الضوء على الكارثة التي يتعرض لها المعتقلون بسجن العقرب على وجه التحديد، أطلق نشطاء مصريون حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحت شعار "البرد قرصة عقرب".

وأشار النشطاء إلى أن الهدف من حملتهم هو تسليط الضوء على معاناة المعتقلين السياسيين بسجن العقرب، وما تقوم به إدارة السجن من استخدام للطقس والمناخ كسلاح ضدهم، الأمر الذي تسبب لهم في أمراض متعددة، ضمن ما أسماه البعض بآليات السلطة للقتل البطيء.

وحسبما ذكرت تقارير إخبارية، فإن النشطاء شاركوا على هاشتاج #البرد_قرصة_عقرب"، منددين بالظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون في السجون المصرية، وخاصة سجن العقرب الذي تتعمد إدارته التنكيل بمن فيه، ودعوا لمشاركة واسعة في الحملة من كافة الجنسيات والبلدان قصد الضغط على السلطات المصرية لإنهاء معاناة المعتقلين السياسيين.

وقال حساب "صوت الزنزانة" على "فيسبوك": إن معتقلي العقرب يتعرضون لانتهاكات عدة، منها "الحرمان من الزيارة، والتجويع، والاهمال الطبي، وزنازين قذرة، وحرمان من الهواء، إضافة للتعذيب البدني من خلال الحبس في زنازين التأديب للمعترضين على إجراءات إدارة السجن".