مسألة حياة أو موت.. لماذا تصر تركيا على إرسال قواتها إلى ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

يجتمع البرلمان التركي الخميس 2 يناير/كانون الثاني الجاري، لبحث مسألة الدعم العسكري التركي المرتقب للحكومة الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس، في خضم هجوم يقوده اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة.

وتتسارع وتيرة التطورات المتعلقة بهذا الصدد، عقب الاتفاقيات الثنائية التي عقدتها أنقرة مع طرابلس والتي عرفت بأنها تفاهمات بحرية وعسكرية.

ودعا رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، الجمعية العامة للبرلمان إلى عقد اجتماع لمناقشة مذكرة رئاسية حول تفويض إرسال جنود إلى ليبيا، بعدما كان مقررا تقديمها في السابع من "يناير/كانون الثاني" المقبل.

حماية المصالح

وكان البرلمان التركي صادق على اتفاق للتعاون العسكري والأمني الذي وقع بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية، مما يتيح لتركيا تعزيز حضورها في طرابلس. ودخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية.

ورأى الكاتب محمد اجيت في مقالة له بصحيفة يني شفق أن سبب هذا التحرك السريع هو أن التطورات في ليبيا تتقدم بسرعة كبيرة وباتت مثيرة للدهشة.

وتدرك أنقرة بحسب الكاتب أن الاتفاقية الموقعة أنقذت طرابلس من ضغوط عسكرية، كما عملت على حماية المصالح المشتركة في البحر الأبيض المتوسط، وهذا قد يفسر العجلة التي تجري فيها الأمور في تركيا. 

ويمكن قراءة هذا الأمر من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخاطفة إلى تونس (25 ديسمبر/كانون الأول 2019)، الأمر الذي أثار التساؤلات حول ما إذا كان هناك تطور غير معتاد قد حدث هناك؟.

وذكر اجيت أنه وقبل يوم من رحلته إلى تونس، أجرى الرئيس أردوغان محادثة هاتفية مع نظيره التونسي، حيث احتل الموضوع الليبي مكانة كبيرة في المكالمة.

وحين أبدى الجانب التونسي الاستعداد للتعاون المشترك في قضية المسألة الليبية، على الفور رحبت أنقرة بهذه المسألة وفضل أردوغان زيارة تونس وإلقاء محادثات مباشرة وجها لوجه مع نظيره قيس سعيد.

ورأى الكاتب أن البرلمان التركي سيوافق على مذكرة التفاهم العسكرية مع ليبيا بأغلبية مريحة حيث أعلن حزب الحركة القومية دعمه للعدالة والتنمية الحاكم في هذه المسألة، فيما من المتوقع أن ترفض أحزاب المعارضة المتمثلة بـ"الشعب الجمهوري" والحزب الجيد والشعوب الديموقراطي.

رفض المعارضة

وهذه المسألة تبدو واضحة، حيث أكد زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، رفضه لأي دعم عسكري في ليبيا متسائلا: "ماذا لدينا من عمل؟!".

كما أن تصريحات نائب رئيس الكتلة الحزبية عن حزب الشعب الجمهوري التركي إنجين ألتاي تدعم حفتر وتعطي فكرة كافية حول انسجام المعارضة تماما مع تيارات تعادي تركيا ومنها حفتر الذي هدد سفن التنقيب عن الغاز التركية ويقف في صف الدول المجابهة لأنقرة كاليونان ومصر وإسرائيل.

ونقل الكاتب رد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين على تصريحات كليتشدار أوغلو بالقول: "تبدأ علاقات تركيا الخارجية من خلال ميثاقها الأممي وحدودها المتعلقة بذلك وعلى رأسها أمنها القومي".

وتابع: "إذا لم يكن هناك خطوط عريضة توضح هذه المسألة فلا يمكنك حتى حماية الحدود الوطنية في ظل العصر الراهن الذي يتسم بالعولمة، وهذه المسألة تكررت كثيرا مع بلاد أخرى".

وزاد كالين: "نعم، ليبيا قد تكون بعيدة جدا، لكنها جارة بحرية لنا، فهي غير أنها كانت جزءا أساسيا من تاريخنا الحديث، هي واحدة من الدول المؤثرة شمال إفريقيا، وعندما يكون هناك أزمة هناك، ستتأثر جميع البلدان المتوسطية وعندها ستتأثر تركيا".

ووصف المتحدث الرئاسي وجهة نظر المعارضة التي تعتبر ما يحدث مغامرة عاطفية بأنها ضيقة، "فلا يوجد ما يضمن ألا تصل النيران إلى تركيا لو تجاهلت ما يحدث حولها من أحداث، أو ألا يقوم أحد بالسيطرة على مواردها سواء البحرية أو البرية".

وبحسب كالين، فإن ضمانة مثل هذه غير ممكنة، "ولعل الشاهد القريب جنوب البلاد حيث هناك محاولات إنشاء دولة تحاول اقتضام ما أمكن من الأراضي التركية شمالا لربطها بخندق إرهابي شمال سوريا، عمدوا على تأسيسه منذ 2015، قبل أن تمزقه تركيا بقواتها العسكرية إربا في أيام معدودة".

عنوان الطمأنينة

من جانبه وصف الكاتب زكريا كورشون في مقالة له بصحيفة يني شفق الدعم العسكري التركي إلى ليبيا بأنه مسألة حياة أو موت، مؤكدا أن البعض يرى أن الحفاظ على تركيا وأراضيها يمكن حمايته والإبقاء عليه إلى الأبد، عبر التركيز على المشاكل الداخلية، وتحسين الحياة والتوزيع العادل للثروات وعلاج مشكلة البطالة.

لكن كورشون يرى أن هذه الآراء قد تكون جذابة لكنها بعيدة عن الحقيقة وعن المنطق، مضيفا "لا يمكن الحفاظ على الاستقرار الداخلي وجعل الرفاهية مستدامة من خلال محاولة حماية ما لديك فقط؛ فبينما تركز إحدى عينيك على كيانك، يجب أن تركز العين الأخرى على التطورات والتهديدات القريبة والبعيدة وإلا فوطنك يختفي وبسهولة من بين يديك".

وشدد على أن هذه المسألة ومنها قضية الدعم العسكري المرتقب إلى ليبيا، جرى تقزيمها، كما هو الحال مع العديد من القضايا حيث أزيلت من جوهرها عن طريق تقليصها إلى صراع معارضة السلطة أو عبر تصويرها على أنها تثير قلق البعض. 

ويتابع: "قضية ليبيا ليست مسألة شغف وانتشار وتدليل للسلطة وبطولة فردية؛ إنها مسألة وجود مباشر وسياسة دولة".

ويرى أن القضية الليبية هي مفتاح البقاء في البحر الأبيض المتوسط، وهي عنوان الطمأنينة في الجنوب والغرب، وهي مفتاح حماية شمال قبرص، تلك القضية الوطنية منذ نصف قرن، وهذا يعني أن هذه المسألة ليست منفصلة عن الجغرافيا ولا عن التاريخ.  

واعتبر أن من يقول "ليس لدينا عمل في ليبيا"، تماما كمن يدعو التخلي عن شمال قبرص وشواطئ البحر الأبيض المتوسط الخلابة، و"يعني هذا أيضا غض النظر عن سيل من التحالفات عقدتها دول الطوق متمثلة في إسرائيل ومصر واليونان وجنوب قبرص حول المتوسط".

وذكر أن تركيا هبت للدفاع عن شمال قبرص إزاء التهديدات المنبعثة من هذه الدولة، "فإذا لم تكن هذه التهديدات درس لنا لليوم الحاضر، فلن تجدي نفعا أي تهديدات آنية في أن تساعد على إجابة التساؤلات المتعلقة بما هو دورنا وعملنا في ليبيا، وسنجد تركيا أمام مخاطر ليس لها بداية أو نهاية". 

ولعل عام 1878 من أبرز الأمثلة على ذلك، حيث استطاعت إيطاليا أن توجد لها موطئ قدم في المنطقة عن طريق احتلال ليبيا، وذات الأمر تكرر في تونس عن طريق الاحتلال الفرنسي عام 1881.

كما حدث الأمر عن طريق الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، وليس نهاية بضم دولة النمسا-المجر القوية في ذلك التاريخ للبوسنة والهرسك التي تمثل الأراضي العثمانية الغربية، وأخيرا كيف فقدت الدولة العثمانية 12 جزيرة في بحر إيجة وبقيت تحت سيطرة اليونان حتى الآن. 

فالمسألة إذن بحسب الكاتب كورشون ليست مجرد أمر عاطفي، أو علاج للتصدعات التاريخية، مبينا أن "القضية الليبية بالنسبة لتركيا هي مسألة حياة أو موت، وعلى البرلمان التركي أن ينظر وهو يبحث هذه القضية بهذا المنظور ومن هذه المنطلقات".