سجلت أرقاما قياسية في 2019.. حقيقة المقابر الجماعية بالعراق

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

حصيلة غير مسبوقة لأعداد المقابر الجماعية، عثرت عليها السلطات العراقية خلال عام 2019 موزعة بين مناطق مختلفة من البلاد، الأمر الذي فجر جدلا واسعا بخصوص الجهات التي نفذت عمليات القتل الجماعي، ولا سيما في مرحلة المعارك ضد تنظيم الدولة.

رغم إعلان "مؤسسة الشهداء" (حكومية) اكتشاف 18 مقبرة جماعية على مدار عام كامل، إلا أن الأعداد الحقيقية مغايرة تماما، حيث أعلن نواب في البرلمان أرقاما تفوق بكثير ما تكشف عنه المؤسسات القريبة من الحكومة.

عدد المقابر 

في 24 ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلن مدير دائرة المقابر الجماعية بـ "مؤسسة الشهداء" ضياء كريم في تصريحات صحفية، أن "المقابر التي عثر عليها تعود لضحايا تنظيمي القاعدة والدولة مع أخرى لضحايا نظام صدام حسين".

وأضاف أنه "نتيجة تزايد أعداد المفقودين، فإن حملات البحث لا تزال مستمرة للكشف عن مواقع مقابر جماعية جديدة"، مؤكدا "العثور على مقابر في النجف وذي قار وديالى والفلوجة".

لكن البيان المقتضب للمؤسسة الرسمية، لم يتطرق إلى أعداد الجثث والأماكن التي عثر فيها على المقابر الجماعية، كما أن الحصيلة التي أعلنت خلال عام 2019، لم تكن دقيقة وفقا للمعطيات على الأرض.

ففي الوقت الذي أعلنت فيه بشكل رسمي أنها اكتشفت مقبرة جماعية بمدينة الفلوجة كبرى أقضية محافظة الأنبار، في 15 ديسمبر/ كانون الأول، فإن مصادر من "مؤسسة الشهداء" ذاتها، كشفت لمواقع محلية عن وجود 15 مقبرة جديدة لمغدورين قتلوا إبان سيطرة تنظيم الدولة على الأنبار.

وذكرت المصادر أن "مختلف مدن الأنبار ما زالت تحوي نحو 15 مقبرة جماعية لمغدورين تم اكتشافها من قبل الجهات المعنية لم يتم تنقيبها حتى الآن، بانتظار الإجراءات القانونية لقيام فريق التنقيب بالعمل على انتشال الجثث".

وفي السياق ذاته، قال عضو اللجنة القانونة في البرلمان الذي حضر إلى المقبرة المكتشفة في الفلوجة: "هذه ليست المرة الأولى التي يعثر فيها على مقبرة أو مقابر جماعية في مناطق الأنبار، أعتقد أنها الخامسة أو السادسة".

وفي جنوبي البلاد، أعلن إعلام محافظة ذي قار في 8 ديسمبر/كانون الأول، العثور على مقبرة جماعية تضم جنودا من الجيش العراقي السابق. وقال: إنه "بناء على الأخبار المبلغ إلينا من شركة تقوم بأعمال حفريات بمدينة الناصرية".

وأوضحت السلطات في ذي قار "تبين أن المقبرة تضم رفاة لجنود من الجيش العراقي السابق والعثور على (3 ) أحدهم يحمل هوية عسكرية ومن مواليد عام 1972".

يأتي هذا بعد أشهر قليلة من اكتشاف مقبرة جماعية ضخمة في منطقة المحاويل شمالي بغداد، تضم رفات العشرات الذين أعدموا رميا بالرصاص، دون أن تكشف الحكومة عن ملابساتها، خاصة أنها وجدت في مكان لم تطأه أقدام تنظيم الدولة، وتسيطر عليه مليشيات الحشد الشعبي وقوات أمنية.

هوية الضحايا

مع أن المعلومات الحكومة لم تكن دقيقة لمعرفة أعداد الضحايا في المقابر الجماعية وهوياتهم، إلا أن تقارير صحفية محلية نقلت عن مصادر أمنية وسياسية تكشف عن أعداد تقريبية والجهات التي تقف وراء عمليات القتل الجماعي هذه.

وخلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019، عثر على مقبرتين ضخمتين في الفلوجة، أخذ الحديث عنهما مساحة واسعة في وسائل الإعلام، الأولى كانت في اليوم العاشر من الشهر، شرق المدينة على الطريق الرابط مع العاصمة بغداد، داخل مربع كانت مليشيات الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية وقوة من الجيش تتخذه مقرا لها.

المقبرة التي تضم نحو 100 جثة، أظهرت الصور آثار ملابس مدنيين بينهم أطفال وبدت على الجماجم آثار ثقوب رصاص، كما وجدت قيود على عظام الرسغ للضحايا، ووفقا لطبيب بدائرة الطب العدلي فإن المعلومات الحالية تؤكد أنهم مدنيون تم إعدامهم ودفنهم بشكل جماعي في المكان.

وتقع المقبرة قرب ما يعرف بـ"سيطرة الصقور"، وهو حاجز عسكري أمني مشترك لقوات الجيش والشرطة الاتحادية ومليشيات ضمن الحشد الشعبي أبرزها: كتائب حزب الله، وبدر، وكتائب الإمام علي، وكتائب سيد الشهداء، ومليشيات أخرى مرتبطة بإيران، واشتهرت بجرائم تطهير طائفية وعرقية خلال المعارك ضد تنظيم الدولة.

ونقلت تقارير عن مسؤول محلي في الفلوجة قوله: إن المعطيات الأولية تظهر أنها لسكان محليين تمت تصفيتهم من القوات الموجودة في تلك المنطقة"، مضيفا "الضحايا على ما يبدو تم اقتيادهم وإعدامهم بشكل جماعي، وهو أسلوب اشتهرت به مليشيات مسلحة خلال معارك التحرير، وتوصف بأنها مرتبطة أو قريبة من إيران".

جريمة إعدام

وأكد المسؤول المحلي أن المنطقة لم يصل إليها تنظيم الدولة، لذلك تجد أن هناك أطرافا أمنية وسياسية تحاول التكتم على المقبرة، لأنها ببساطة جريمة إعدام جماعية نفذتها قوات حكومية أو مليشيات مدعومة من الحكومة.

واتهم المتحدث قيادات سياسية ونواب برلمان عن محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية، بتلقي توجيهات بعدم إثارة الموضوع حاليا لتجنب أي أزمة جديدة بالبلاد.

أما المقبرة الثانية، فعثر عليها في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وتضم رفات 643 مدنيا، يُعتقد أنهم كانوا أفراد قبيلة سنيّة استُهدفتهم ميليشيات عراقية.

ونقلت مصادر إعلامية عن مسؤولين تأكيدهم أن الجثث التي عُثر عليها إلى جانب الطريق في منطقة تبعد 5 كيلومترات من الفلوجة، تعود إلى عشيرة المحامدة التي اختفى غالبية أبنائها عام 2016 ولم يُعرف مصيرهم منذ ذلك الوقت.

ووفق المصادر، فإن المنطقة كانت خاضعة لسيطرة ميليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران، إذ أعلنت منظمة العفو الدولية في وقت سابق، أن 643 رجلا وصبيا على الأقل اختفوا من المنطقة في سلسلة عمليات اختطاف جرت على أيدي رجال تبين أنهم من عناصر مليشيات الحشد الشعبي.

وأفادت المنظمة في 12 يونيو/ حزيران 2017، بأن المدنيين احتُجزوا في مكان وصفوه بـ"البيت الأصفر"، حيث تعرضوا للتعذيب والاحتجاز بدون طعام أو ماء. وقال الناجون أنهم تعرضوا للضرب على الرأس والجسم.

وقال أحد الناجين للمنظمة غير الحكومية: إنهم "لم يقدموا لنا الماء في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني أحضروا زجاجة صغيرة لعشرة أشخاص. ومن ثم أخذوا حوالي 300 منا إلى الشاحنة، كانت قذرة ورائحتها نتنة.. أعتقد أنها كان تُستخدم لنقل الحيوانات".

وأكدوا في حديثهم للمنظمة، أنهم "وضعوا الأصفاد في أيدي كل اثنين معا، مات أحدنا في العربة من شدة العطش والاختناق.. وأخرجوا آخرين، ثم سمعت صوت طلقات نارية، وفي وقت لاحق كان بوسعنا أن نشم رائحة الحرق".

تهرب حكومي

كشفت تقارير عن محاولة الأجهزة الحكومية التكتم على المقابر الجماعية التي عثر عليها مؤخرا تهربا من المسؤولية، إلا أن مصادر خاصة وبعض الأهالي  كشفوا تفاصيل تلك المقابر، فضلا عن مطالبات كتل سياسية من منظمات دولية بالتحقيق في القضية.

ولم تتخذ السلطات العراقية أي إجراءات عقب الكشف عنها، واكتفت بتشكيل لجنة من وزارتي الصحة وحقوق الإنسان والشرطة لبدء أخذ عينات الـ "دي إن أي" من رفات الضحايا للتوصل إلى الهويات، مع أن هناك أوراقا ثبوتية للضحايا وجدت في ملابسهم يجري التحقق منها أيضا، حسب أحد المسؤولين بالفلوجة.

وتتذرع الحكومة بوقوف تنظيم الدولة خلف هذه المقابر، إلا أنها بحسب تصريحات كتل سياسية، لم تكن أماكن المقابر الجماعية التي عثر عليها، وتحديدا في الفلوجة، تحت سيطرة تنظيم الدولة، بل كانت تحت سيطرة مليشيات موالية لإيران.

الأمر الذي أكدته "جبهة الإنقاذ" التي يتزعمها نائب الرئيس السابق أسامة النجيفي قائلة في بيان نشرته وسائل إعلام محلية: إنها تؤكد العثور على مقبرة جماعية جنوب شرقي الفلوجة، وبالقرب من معسكر طارق، ضمن منطقة لم تكن يوما تحت سيطرة القاعدة أو تنظيم الدولة.

ودعت الجبهة، الحكومة والأمم المتحدة إلى إجراء "زيارة ميدانية لموقع المقبرة، وأخذ عينات من الجثث بهدف مطابقتها مع عائلات المخفيين قسرا، إذ ما زال مصير المخفيين قسرا من مناطق الفلوجة والصقلاوية مجهولا، مع كشف الملابسات التي تحيط بمقتل هؤلاء المواطنين، وإجراء التحقيقات اللازمة لإحقاق الحق والعدالة".

وتعود قصة اختطاف نحو 12 ألفا من المكون السني، إلى قبل 5 أعوام، وتحديدا في 2014 و2015 و2016، خلال المعارك التي خاضتها القوات العراقية ضد تنظيم الدولة في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، ومناطق شمال محافظة بابل.