نذر معركة طاحنة بين الإسلاميين واليسار.. ماذا ينتظر السودان؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يلف الغموض مستقبل العلاقة (المحتقنة) بين الإسلاميين المتجذرين في أركان ومفاصل الدولة والمجتمع السوداني، وبين نظام الحكم الجديد في البلاد.

مجلس السيادة الذي يقود المرحلة الحالية بمشاركة قوى اليسار بدأ في حرق مراحل واسعة بتوجيه ضربات متتالية للإسلاميين، بداية من حل حزب المؤتمر الوطني (حزب البشير)، وفصل موظفين، وحل جمعيات خيرية ومجالس نقابات، وصولا إلى تجميد أموال ومضايقات، فإلى أي مدى يمكن أن تصل عاقبة الأمور بين الفريقين؟.

خلال معظم تجارب الثورات العربية، على مر عقود، كانت القوى اليسارية والقومية حليفة للأنظمة العسكرية، بينما كان الإسلاميون في الأغلب ضحايا الاضطهاد العسكري ذي التوجه الناصري أو البعثي، كما كان الحال في مصر وسوريا.

للسودان طبيعة مختلفة حيث تحكم الإسلاميون في مجريات الحكم خلال عهدين، أولهما زمن الرئيس الراحل جعفر النميري، والثانية دارت رحاها خلال حكم الرئيس المعزول عمر البشير، الذي أطاحت به الثورة يوم 11 أبريل/ نيسان الماضي.

بعدها بدأ السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، وبات مستقبل الإسلاميين على المحك، في ظل محاولات عزلهم وإقصائهم المستمرة، على يد الحكومة الحالية، صاحبة التوجه اليساري، بقيادة رئيس الوزراء "حمدوك"، إضافة إلى الجنرال "حميدتي" نائب رئيس المجلس السيادي، وقائد قوات الدعم السريع، المدعوم إماراتيا، والمناهض لوجود الإسلاميين.

لكن الأيام ستبقى حبلى بالمفاجآت والسيناريوهات المفتوحة في إطار مستقبل غير واضح الملامح في منطقة غير مستقرة من العالم وتشهد تغيرات سريعة وخاطفة.

الزحف الأخضر

في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في شوارع الخرطوم خرجت مظاهرات أطلق عليها اسم "مليونية الزحف الأخضر" تزامنا مع محاكمة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير.

واتهم المتظاهرون، الذين ينتمي غالبيتهم إلى حزب المؤتمر الوطني السوداني "المنحل"، والتيار الإسلامي، النظام السوداني الجديد، بـ"الابتعاد عن حكم الشرع والهوية الإسلامية للسودان" وبـ "ممارسة سياسة العزل والإقصاء" وطالبوا بتنحي حكومة حمدوك. 

وأعلنت 3 أحزاب ذات مرجعية إسلامية مشاركتها بالتظاهر، وهي تيار "نصرة الشريعة" و"دولة القانون" و"المسار الوطني"، بالإضافة إلى "حزب المؤتمر الوطني"، الذي قال القيادي فيه محمد الحسن الأمين: "المؤتمر الوطني متمسك بقيام المسيرة في موعدها الذي يصادف جلسة النطق بالحكم على الرئيس المخلوع عمر البشير في تهم متعلقة بالثراء الحرام".

ودخل على خط التأييد للتظاهر أخيرا حزب "المؤتمر الشعبي" الذي دعا أمينه العام المكلف بشير آدم رحمة، قوى المعارضة إلى "إسقاط الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك".

رحمة قال في فيديو بثه إعلام الحزب على صفحته بموقع "فيسبوك": "ندعو إلى إسقاط الحكومة الانتقالية لأنها غير جديرة بإدارة السودان، وقوى الحرية والتغيير ستؤجج الصراعات في السودان".

تصفية حزبية

الحكومة السودانية استمرت في العسف بحزب المؤتمر الوطني، ففي 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال الناطق الرسمي باسم مجلس السيادة محمد الفكي: "لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال أصدرت قرارا بتشكيل لجنة لتصفية حزب المؤتمر الوطني المحلول".

وأوضح الفكي: "رئاسة اللجنة أُسندت للمحامي طه عثمان إسحاق، على أن تتمتع  باختصاصات واسعة، فيما ستعمل على استلام وحجز جميع الأصول الثابتة والمنقولة من دور وعقارات وعربات وآليات كانت مملوكة للحزب المحلول بكل أنحاء البلاد، والذي كان يتزعمه الرئيس السابق عمر البشير".

وأصدرت اللجنة أيضا قرارا بحل المكتب التنفيذي ومجلس نقابة المحامين السودانيين وحل النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل.

ويدخل في حيز القرار، حل المكاتب التنفيذية ومجالس النقابات المنشأة بموجب قانون النقابات لسنة 2010، وحل المكاتب التنفيذية ومجالس الاتحادات المهنية المُنشأة بموجب قانون الاتحادات المهنية 2004. بالإضافة إلى حل المكاتب التنفيذية، ومجالس الاتحادات المُنشأة بموجب قانون أصحاب العمل لسنة 1992.

وبموجب القرار "يحق للجنة حجز العقارات المسجلة بأسماء النقابات والاتحادات المهنية وأصحاب العمل، وحجز السيارات والآليات ووسائل النقل المُسجلة باسم النقابات، والاتحادات المهنية، واتحاد أصحاب العمل، وحظر التصرف فيها".

في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبموجب ذلك القرار "استلمت قوة من الشرطة السودانية، مقرات الاتحادات والنقابات المهنية بالبلاد"، في الوقت الذي قرر فيه بنك السودان المركزي، استنادا إلى القرار الحكومي، "حجز وتجميد أرصدة التنظيمات النقابية والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل". 

كما قامت قوات الأمن السودانية، بمنع الموظفين والعاملين في الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، واتحاد المحامين، والمهندسين، والمعلمين، ونقابات عمال السودان، من الدخول إلى مكاتبهم لمزاولة أعمالهم، إنفاذا لقرار إزالة التمكين. 

واستولت قوات الشرطة على المقر بشكل كامل، ومنعت دخول الموظفين والعاملين، كما شددت على عدم دخول أي شخص إلى داخل المكاتب، بحسب أعضاء الاتحاد. وسبق أن تعرضت مقرات "حزب المؤتمر الوطني" للحرق، والاعتداء أثناء اندلاع الثورة.

ضربة مباغتة

في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفي اجتماع مشترك بين مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء في السودان، تم إقرار قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، الذي يقضي بحل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ومصادرة أمواله وتعليق النشاط السياسي لرموزه.

وفي ظل المرحلة الانتقالية، يتولى المجلسان (السيادة والوزراء) معا مهمة إقرار القوانين بدلا من الهيئة التشريعية (البرلمان)، وذلك بحسب الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

أخطر ما يستهدفه القانون الجديد، تفكيك البنية السياسية وشبكة علاقات القوى التي بناها ما يعرف بنظام الإنقاذ في السودان، الذي جاء بانقلاب في 30 يونيو/حزيران عام 1989 واستمر في الحكم لثلاثة عقود. 

وينص القرار على حل حزب المؤتمر الوطني، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، فضلا عن حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له أو لأي شخص أو كيان مرتبط به.

وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أصدرت مفوضية العون الإنساني بالسودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها.

مع مطالبة تجمع المهنيين السودانيين، صاحب التوجه "اليساري"، وأبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، التي قادت المظاهرات في البلاد، بحل هذه الاتحادات والمنظمات والجمعيات، والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات.

فيما اعتبر مراقبون أن القرار جاء ضمن سياق إقصاء الإسلاميين، وتحييد دورهم في المفوضية، والعمل الطوعي الإنساني بشكل عام.

قيادة شيوعية

في 24 أبريل/ نيسان الماضي، قال نائب الأمين العام لحزب "المؤتمر الشعبي"، الدكتور بشير آدم رحمة لوكالة سبوتنيك الروسية: "الحزب الشيوعي السوداني، وبدعم خارجي أفلح في قيادة تجمع المهنيين والحراك ضد حكومة المؤتمر الوطني، إلى أن سقط نظام عمر البشير".

وتابع: "يهدف الحزب الشيوعي الذي يقود الحراك لإطالة المدة، حتى يتمكن من محو كل أثر للنظام القديم في كل مؤسسات الدولة، لأن الحزب الشيوعي ليست لدية قاعدة شعبية على الأرض تجعله ينجح في أي انتخابات حرة ونزيهة". 

وفي 2 مايو/ آيار 2019، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرا قالت فيه: "من الواضح بينما يتعنت المجلس العسكري في تقديم تنازلات للحراك فإن المجال الوحيد الذي لا يعترض فيه على التنازلات هو ما يتعلق بإقصاء الإسلاميين إرضاء للحراك".

وأكدت: "يبدو أن هدف المجلس العسكري ورعاته الخليجيين هو إبقاء العسكريين وإخراج الإسلاميين من السلطة، لتكون السلطة الجديدة في السودان، على شاكلة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي (في مصر) نظاما عسكريا معاديا للإسلاميين، وليس متحالفا معهم كما كان البشير". 

وذكرت: "يبدو تكرار هذا السيناريو من الصراع بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين، الذي تكرر في مصر، ويعد من سمات السياسة العربية منذ عقود، أو كما يقول البعض فإن هذا خلاف عمره قرن كامل. إلا أنه في السودان يكتسب الصراع مرارة خاصة".

صفر كبير

من جانبه قال الدكتور ربيع عبد العاطي، القيادي بحزب المؤتمر الوطني السوداني، لـ"الاستقلال": "العزل السياسي لحزب المؤتمر الوطني، والإسلاميين في السودان غير ممكن، فالتيار الإسلامي راسخ في البلاد، وليس مجرد لافتة تمزق، فهم بالملايين، ومتداخلين في كل مفاصل الدولة والمجتمع السوداني". 

وأردف القيادي بحزب المؤتمر، عن قرارات تفكيك الحزب، من قبل حكومة "حمدوك" مؤكدا: "تلك محاولات بائسة، ومن يقدم عليها، سيكون مصيره مظلما، لأنه يصطدم بشريحة واسعة من المجتمع، التي ترفض تلك الإجراءات، وتنهاضها". 

وشدد عبد العاطي: "السودان ليس ببعيد عن الاقتتال الأهلي، كما الحال في سوريا، واليمن، وليبيا، وإمكانية اشتعال حرب طاحنة قائمة، في حال استمرت طرق الإقصاء، والاضطهاد، خاصة وأن الذين يتسيدون المشهد حاليا، ليس لهم وزن سياسي، بداية من الشيوعيين، إلى الناصريين، وكل دوائر اليسار، وهم يعلمون تماما أنهم لو دخلوا إلى معترك انتخابي حقيقي، لن يحصلوا على دائرة واحدة، وسيحصدون صفرا كبيرا"

وأكد السياسي السوداني: أن "المناكفات الأخيرة التي تقوم بها حكومة حمدوك، واستفزاز التيار الإسلامي، وإغلاق الجمعيات الخيرية، وحل النقابات سوف تعجل بنهاية المرحلة الانتقالية قبل أوانها، خاصة وأنها أنقصت من رصيدهم، وأظهرت كيف سيكون حال البلاد إذا استلموا زمامها بشكل فعلي، وعلم السودانيون حقيقتهم".