هتافات معادية وحرق قنصليات.. لماذا زاد سخط العراقيين على إيران؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

عبّرت الاحتجاجات في العراق، عن مدى الرفض الشعبي للدور الإيراني، ولا سيما في المناطق ذات الغالبية الشيعية في وسط وجنوب البلاد، والتي تعتبر عمق إيران المذهبي، وخرجت منها معظم الأحزاب والمليشيات الشيعية المعروفة بقربها وولائها إلى طهران.  

تنامي الرفض الشعبي العراقي، ترجمته شعارات مناهضة لإيران رددها المتظاهرون في ساحات الاحتجاجات، ثم تحولت لاحقا إلى أفعال وذلك بحرق القنصليتين الإيرانيتين في كربلاء والنجف، وإطلاق حملة لمقاطعة البضائع الإيرانية.

"خلوها تخيس"

أطلق ناشطون عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي، مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، حملة لمقاطعة البضائع الإيرانية تحت وسم #خليها_تخيس (دعها تتعفن)، والتي لاقى تفاعلا واسعا بين العراقيين.

ونشر رواد مواقع التواصل، صورا لأشهر المنتجات الإيرانية في الأسواق العراقية، مطالبين بمقاطعتها واستبدالها بأخرى محلية، دعما للمنتج الوطني الذي لا يقل جودة عن المستورد الأجنبي، ولا سيما في منتجات الألبان والخضار، بحسب قولهم.

ولم تقتصر دعوات مقاطعة المنتجات على السلع الغذائية، وإنما امتدت إلى السيارات الإيرانية، إذ يعتبرها العراقيون من أردأ الأنواع المستوردة للبلد، متهمين الحكومات السابقة وخصوصا في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بنفع إيران على حساب الجودة.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الصحفي العراقي مهند الأعظمي: إن "أحد الشباب العراقيين من الخريجين الذين لم يجدوا عملا في البلد، لجأ إلى العمل كسائق أجرة، لكنه أقدم على خطوة غير متوقعة قبل أيام، عندما أحرق سيارته وسط ساحة التحرير ببغداد".

وأوضح الأعظمي: أن "حرق الشاب لسيارته (سابيا) إيرانية الصنع، جاء تعبيرا عن سخطه ورفضه لدور طهران في البلد، رغم أنها مصدر رزقه".

كما أظهر مقطع فيديو انتشر عبر منصات التواصل، مجموعة من الشباب وهم يرقصون داخل وخارج سيارة نوع "بيجو" من النوع الإيراني، إذ بدا واضحا خلال الفيديو أن الدبكة التي يقوم بها الشباب أحدثت أضرارا بسقف السيارة وصندوقها الخلفي، وهو أمر متوقع وطبيعي.

وحسب المقطع، فقد كان من غير الطبيعي هو رد مالك السيارة الشاب هو الآخر، حين يسأله أحدهم عن سبب قيام الشباب بذلك، إذ قال ضاحكا: "هذه سيارة إيرانية، لا أريدها بعد اليوم".

حملات مقاطعة البضائع الإيرانية، باتت تهدد التبادل التجاري بين البلدين والذي يصل إلى نحو 12 مليار دولار، والتي أعلنت طهران في مارس/آذار الماضي، أنها تسعى لرفعه إلى 20 مليار دولار، بحسب المشرف على منظمة تنمية التجارة الإيرانية محمد رضا مودودي.

حرق القنصليات

صاحبت الاحتجاجات الشعبية في العراق، مظاهر حرق المباني للأحزاب والمقار التابعة لمليشيات وأحزاب شيعية موالية لطهران وسط وجنوب البلاد، تعبيرا عن رفضهم للتبعية الإيرانية، والتي أتاحت للأخيرة التغول في القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والديني.

غير أن ظاهرة حرق المباني، وصلت إلى قنصليات إيران نفسها في مدينتي كربلاء والنجف الدينيتين، إذ كان لافتا إصرار المتظاهرين على حرق مبنى القنصلية الإيرانية في النجف لثلاث مرات متتالية خلال أسبوعين.

وأظهرت لقطات فيديو، للحظة اقتحام القنصلية الإيرانية في النجف وإحراقها من محتجين غاضبين، ضرب صورة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بالأحذية، في إشارة وصفها مراقبون أنها تعبر عن ردهم على وصفه لهم بأنهم "مشاغبين".

ذلك الأمر على ما يبدو، دفع إيران لوقف وفود الزوار إلى المزارات الدينية الشيعية بسبب الأوضاع الأمنية التي يعيشها العراق حاليا، ونقل التلفزيون الإيراني عن مصدر في بعثة المرشد الإيراني علي خامنئي، قوله: "الأمن غير متوفر في الوقت الراهن لحضور الزوار الإيرانيين".

وأضاف المصدر: أن "منظمة الحج الإيرانية طلبت من جميع المكاتب إيقاف إيفاد مواكب الزوار إلى العتبات المقدسة في العراق حتى إشعار آخر".

إيران غاضبة

الرد الرسمي الإيراني أظهر حالة من الغضب الشديد تجاه ما يجري في العراق، ولا سيما تنامي الرفض الشعبي لدورها هناك، عبر عنه ممثل المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي دعا إلى ملاحقة الذين أقدموا على حرق قنصلية بلاده في النجف.

وكتب حسين شريعتمداري في صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الإيراني، أن إضرام النار بالقنصلية يهدف إلى إضعاف ما سمَّاه محور المقاومة. وطالب "الحشد الشعبي" العراقي باقتلاع جذور من قاموا بإحراق القنصلية. كما وصفهم بـ"الأوباش المأجورين".

كما دعا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، ردا على حادث حرق القنصلية الايرانية في مدينة كربلاء، السلطات العراقية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز التدابير الأمنية لحماية الأماكن الدبلوماسية الإيرانية لديها.

المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، قال: إن "طهران نقلت للدولة المضيفة (العراق) مخاوفها عبر القنوات السياسية وتأكيداتها اللازمة فيما يتعلق بضرورة توفير الأمن للأماكن الدبلوماسية والقنصلية الإيرانية في العراق في إطار المقررات والمعاهدات الدولية".

ما الأسباب؟

وحول أسباب تنامي الرفضي الإيراني بالعراق، علق السياسي العراقي نديم الجابري في تصريحات صحفية، بالقول: "بات واضحا أن هناك رفضا شعبيا كبيرا في محافظات الوسط والجنوب للدور الإيراني في العراق، وهذا ما يتم التعبير عنه بشكل واضح وصريح في الشعارات التي رفعت أثناء الاحتجاجات الشعبية الواسعة".

الجابري رأى أن "العراق لا يزال ساحة صراع أمريكي إيراني، وأن كلا الطرفين يسعيان لأن تبقى أرض العراق هي أرض معركة لهما"، مشيرا إلى أن "إيران من مصلحتها أن تبعد المعركة عن أراضيها ونقلها إلى العراق، أما الجانب الأمريكي فله وجود عسكري وقواعد وأسلحة، وبالتالي فهو مستعد لخوض حرب على أرض العراق".

وتابع الزعيم السابق لـ"حزب الفضيلة الإسلامي" (الشيعي): أن "العراق يقع ضحية الصراع الإيراني الأمريكي، وأن من يمسكون بمقاليد السلطة ببغداد لم يحسنوا لعب دور مستقل ينأى بالبلد عن الصراع وتبعاته، لأنهم منقسمون فيما بينهم، فبعضهم يؤيد الدور الإيراني والبعض الآخر يؤيد الدور الأمريكي، دون وجود رؤية مؤسسة على المصلحة العليا العراقية".

ونقل موقع "راديو زمان" الإيراني المعارض، عن "أولا کاظم"، المدرس بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، قوله: "التصديق بوجود مشاعر معادية لإيران في العراق، لا يوضح بأي شكل القضايا (الاجتماعية-الاقتصادية) ومشكلات النظام السياسي الذي يقع في مرمى الحركات الاحتجاجية العراقية".

وأضاف: "مع هذا، فلا فائدة من الإنكار ولابد من الاعتراف بعمق هذه المشاعر. فقد أغار المتظاهرون على القنصلية الإيرانية، في كربلاء، وأشعلوا النيران في صور خامنئي، وهذا لم يكن متصورا قبل أسابيع".

ورأى الباحث الإيراني أن "ثمة 4 أسباب لذلكم الإجراء الشديد، وهي، أولا: بلغ النفوذ الإيراني، في الشأن الداخلي العراقي، مستوى التحذير، وتحول تعامل الإيرانيين مع العراق، من منظور الكثير من العراقيين، كالمتحكم في تحريك عرائس خيمة الظل. ثانيا: تقوية التدخل الإيراني بواسطة السياسيين والميليشيات المدعومة من النظام العرقي الفاسد في العراق، وهو ما يتطلع المتظاهرون إلى إصلاحه".

وتابع الباحث: "السبب الثالث: تحولت الميليشيات المدعومة من النظام الإيراني، والتي اعتبرها البعض بمثابة البطل في الحرب ضد تنظيم الدولة، إلى أدوات قمع حكومية. رابعا: نفوذ إيران الثقافي ملموس، وتنتشر بكثافة بوسترات رجال الدين الإيرانيين في كل مكان بالعراق، لا سيما المدن ذات الكثافة الشيعية".

ودخلت الاحتجاجات الشعبية في العراق التي انطلقت في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شهرها الثالث، مطالبة بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة برمتها، بعدما عجزت عن القضاء على الفساد، وإنهاء الدور الإيراني في البلد.