أزمات متتالية تحيط بتبون.. هل استبدل النظام الجزائري مرشحه؟

12

طباعة

مشاركة

لا تقل الأزمات التي يمر بها المترشحون الخمسة للانتخابات الرئاسية الجزائرية المزمع إطلاقها يوم 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، عن الأزمة التي تعيشها البلاد منذ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، واستمرار المظاهرات الرافضة لمواصلة رموز نظامه في إدارة البلاد طيلة الفترة الماضية وإشرافهم على الانتخابات الرئاسية.

ومنذ تقديم المرشحين لترشحاتهم بشكل رسمي، سلّطت الأضواء في الجزائر على الوزير الأول السابق عبد المجيد تبّون باعتباره مرشحا للسلطة القائمة حاليا في الجزائر والتي يسيطر عليها الجنرال أحمد قائد صالح.

تبّون نفى مرارا وتكرارا هذا الربط بينه وبين السلطة الحالية، مؤكدا أن زمن صناعة الرؤساء قد انتهى في الجزائر، وأن الجيش يحمي الشعب ومطالب الحراك حتى غاية تحقيقها كاملة. 

إلا أن أزمات تفجرت في الحملة الانتخابية لتبون، بعد إيقاف أحد رجال الأعمال الذي وصفته صحف محلية بالممول الرئيسي لحملته الانتخابية، كما  أعلن مدير حملته الانتخابية، الدبلوماسي عبد الله باعلي استقالته، في افتتاح مسلسل من الاستقالات داخلها.

هذا الوضع يفتح تساؤلات أمام المتابعين للشأن الجزائري في هذه المرحلة الدقيقة عن الأسباب الحقيقية لهذه المشاكل التي طرأت في محيط تبّون، مما قد تؤثر على حظوظه في الوصول لقصر المرادية.

أزمات متتالية 

استقبل سجن الحراش، رجل الأعمال عمر عليلات ووالمستشار السابق برئاسة الجمهورية زين حشيشي، بعد أن تحول بعد استقالة بوتفليقة إلى مقر لإقامة أبرز وأكبر رجال الأعمال الجزائريين، من الذين وجهت إليهم تهم بالفساد واستغلال النفوذ.

وأكدت صحف محلية أن عليلات هو الأحد الممولين الرئيسيين لحملة المرشح الرئاسي عبد المجيد تبّون، وهو ما قوبل بنفي واحتجاج من قبل تبّون، حيث قرر المرشح منع طاقم قناة “النهار” من مرافقته لتغطية تجمعه الشعبي يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

وهو ما دفع القناة الجزائرية لإصدار بيان عبرت فيه عن تعاملها مع الخبر بحياد ومهنية، حيث قالت "نؤكد أن توقيف عمر عليلات بارون الخمور في الجزائر، خبر نشرته كل الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية، وللأسف الشديد لم يعد سرا يخفى".

وكان عمر عليلات نائبا بالرلمان الجزائري عن التجمع الوطني الديمقراطي من 2012 إلى 2017، ويعرفه الجزائريون باحتكاره لتجارة الخمور في البلاد. أما زين حشيشي فبدأ عمله كمترجم ثم أصبح مستشارا لفترة قصيرة في الرئاسة الجزائرية.

وقبل عامين، كشفت صحيفة "الموندو" الإسبانية عن تورط حشيشي في قضية فساد خلال تحقيق أجرته السلطات الإسبانية حول رشاوى بلغت حوالى 18 مليون يورو دفعتها مجموعة "فيلار مير" الإسبانية لمسؤولين جزائريين.

وقالت الصحيفة: إن زين حشيشي كان من بين المسؤولين المرتشين الذين شاركوا في تسهيل عملية إنشاء أكبر مصنع للأمونياك في العالم بمدينة أرزيو غرب الجزائر.

واتهم حشيشي في التحقيق بالحصول على رشاوى بقيمة 18 مليون دولار ليسهل للشركات الإسبانية عمليات الحصول على عقود بملايين اليوروهات لمشاريع اقتصادية ضخمة وصفقات في قطاعي الموارد المائية والنقل في الجزائر، ذكر فيهم اسم عليلات أيضا.

وكانت لحشيشي علاقات مقربة مع وزراء ومسؤولين سابقين أبرزهم رئيس الوزراء السابق عبدالمجيد تبّون، ووزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب (خارج الجزائر حاليا) الذي ورد اسمه في قضية مصنع "كيا" المتابع فيها أيضا الوزير الأول السابق أحمد أويحيى المسجون حاليا بتهم فساد أيضا.

استقالات من الحملة

في الوقت نفسه، ومع بداية الحملة الانتخابية بشكل رسمي، أعلن باعلي عبد الله مدير الحملة المرشح الرئاسي عبد المجيد تبّون، استقالته بشكل رسمي من الحملة الانتخابية.

وتداولت عدد من المواقع الإخبارية الجزائرية أخبارا حول الأسباب الحقيقية التي دفعت الدبلوماسي السابق من الاستقالة من رئاسة الحملة الانتخابية لتبّون، واعتبرت أنها جاءت نتيجة خلافه مع المرشح حول إستراتيجية الدبلوماسية الخارجية في برنامجه الانتخابي، خاصة الملف الفرنسي الجزائري، إلا أن المترشح الرئاسي لم يعلق عن الخبر وسارع بتعيين مدير جديد لها.

وكانت صحيفة "مساء الجزائر" الناطقة بالفرنسية قد نشرت بخصوص استقالة عبد الله باعلي قائلة إن هذه الاستقالة سببها أن تبّون أسر لبعض مقربيه بأنه اجتمع مع ضباط في المؤسسة العسكرية وأنهم أكدوا له دعم الجيش له.

وأضافت الصحيفة أن تبّون قال: إن هذا الاجتماع جرى بحضور مدير حملته الانتخابية عبد الله باعلي، وأن هذا الكلام الذي وصل إلى مسامع باعلي جعله يستشيط غضبا.

ويقول: إن الاجتماع الذي تحدث عنه تبّون لم يحدث أصلا، ولم يكن هو حاضرا في أي اجتماع مشابه، وأنه يبقى متمسكا بالموقف الذي أعلنه قائد أركان الجيش بشأن حياد المؤسسة العسكرية.

كما أعلن رئيس المجلس الشعبي الولائي لولاية عين الدفلى خداوي محمد عن انسحابه من اللجنة الولائية للحملة الانتخابية للمترشح تبّون.

وتأتي هذه الخطوة بعد تعليمات أطلقها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بالنيابة علي صديقي بعدم دعم أي مترشح للرئاسيات المقبلة، وهذا حسب ما صرح به المنتخب، محمد خداوي، في رسالة وجهها إلى مديرية الحملة التابعة للمترشح عبد المجيد تبون.

وسبق أن جرى الكشف عن قائمة بأسماء عدد من النواب من جبهة التحرير الوطني ضمن حملته.  

هذه الحوادث المتتالية المحيطة بالمترشح تبّون، أثارت سيلا من التحليلات ما بين المراقبين للشأن السياسي في البلاد، إذ يستبعد العديد منهم أن تكون مجرد أحداث عرضية، دون تدبير من السلطة التي لا تزال تتحكم في أوراق اللعبة السياسية.

وإذ يعتقد أن جميع المرشحين الخمسة يمتلكون درجات قرب من السلطة الحالية التي تعتبر امتدادا لنظام بوتفليقة، إلا أن الجهات المؤثرة في الحياة السياسية يعتقد أنها تعلب دورا حاسما في ترجيح وصول أحدهم إلى سدة الحكم.

المرشح المفضّل

وتأتي هذه الانتخابات في سياق معاكس لما كان يطمح له الجزائريون منذ انطلاق حراكهم في 22 فبراير/شباط 2019، حيث اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الجزائري علي الخضاري أن قطاعا واسعا من الجزائريين يجمع على أن هذه الانتخابات أمر واقع، وهي مفروضة من قبل السلطة الفعلية  والتي بيدها إدارة القرار ألا وهي المؤسسة العسكرية.

وأضاف الخضاري في حديث لـ"الاستقلال": "العسكر يرى نفسه صاحب شرعية تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، وشرعية بناء الدولة والحفاظ على الجمهورية فيما يخص مقاومة التطرف في التسعينات (في إشارة للجبهة الإسلامية للإنقاذ) وشرعية أخرى أضيفت له وهي حماية الحراك والانحياز لمطالبه، وكانوا سببا في رحيل ما يسمى بالعصابة وعلى رأسها الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة".

واعتبر المحلل السياسي الجزائري أن هذه الانتخابات تأتي كمحاولة لإعادة إنتاج النظام بشكل أو بآخر، بعد تخلصه من واجهته السياسية، ومراهنته على الالتفاف على مطالب الحراك بطرح عدد من الملفات التي أضعفت الحراك مثل قضية الراية الأمازيغية وقضايا الهوية ومسألة العربية والفرنسية.

وقال الخضاري: "المرشحون الخمسة لرئاسة الجمهورية كلهم من أبناء النظام، عملوا مع بوتفليقة وخدموا النظام الحالي وكانوا وزراء عند رأس العصابة، أمّا تبّون فكان واضحا أنه يحظى بدعم خفي من المؤسسات التي تدير القرار في البلاد والمؤشرات عديدة، حيث نجح في جمع أكبر عدد من التوقيعات تجاوزت 100 ألف توقيع من دون ماكينة حزبية".

وأضاف: "هذا الرجل من النظام القديم ومرشحه، أما ما يحدث هذه الأيام، يشير إلى أننا أمام مشهد بائس من مسرحية رديئة الإخراج في محاولة للإقناع بأن نتائج الانتخابات غير معلومة النتائج".

واعتبر أنه رغم ما حدث في الحملة الانتخابية لتبّون، ودعوة حزب جبهة التحرير لكوادره بالتحول من دعم تبّون إلى دعم مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي، وما يحوم حوله من شبهات فساد في ظل تورط ابنه في قضية الكوكايين واعتقال ممول حملته بتهم الفساد، إلا أنه يبقى المرشح المفضل للنظام".

وقال: "الرجل يعول عليه أن يكون موظفا في قصر المرادية، لا يرفض طلبا من قبل من ساهم في وصوله لرأس الدولة، فالسلطة الفعلية تريد أن لا يذهب هذا المنصب إلى شخص ربما يكون مزعجا أو يكون رئيسا بكامل الصلاحيات، وللأسف ما سيأتي به الصندوق يوم 12 ديسمبر/كانون الأول سيكون أسوأ من بوتفليقة".