اتهامات بالمثلية وفقدان الذاكرة تطارد وزير دفاع العراق.. من وراءها؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

صُدمت الأوساط السياسية والشعبية بمعلومات خطيرة ساقتها وسائل إعلام سويدية ضد وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري، اتهمته بالشذوذ الجنسي، وأن لديه مشاكل في الذاكرة، الأمر الذي أثار جدلا واسعا وذهولا بين العراقيين.

وتسلم الشمري مهامه كوزير للدفاع في يونيو/حزيران الماضي. وظهرت تقارير الصحافة السويدية عقب اتهامات وجهها الشمري إلى "طرف ثالث" بالوقوف وراء قمع الاحتجاجات الشعبية في العراق، واستيراد القنابل المسيلة للدموع خارج سياق الدولة.

اتهامات صادمة

في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أفادت صحيفة "نايهاتر ايداغ" (أخبار اليوم) السويدية، بأن الشمري يحمل الجنسية السويدية، ومسجل في بلدية استوكهولم، واتهم خلال وجوده هناك بارتكاب عدة جرائم.

وذكرت أنه في عام 2015، اشتبه في أن الشمري متورط في عملية تزوير تتعلق بالتأمين، لكن القضية أغلقت بعد تحقيق أولي. وفي العام التالي، وجهت إليه تهم بارتكاب جريمة أكثر خطورة، لكن القضية شُطبت في اليوم الذي سبق المحاكمة لسبب ما، وجرى إطلاق سراحه.

وسلطت الصحيفة الضوء على شكوك حول الشمري، حيث كان الوزير البالغ من العمر 52 عاما، يتمتع بـ"إجازة مرضية بدوام كامل" في السويد بسبب ما قال إنها مشاكل في الذاكرة.

وأشارت إلى أن الحكومة السويدية تدفع مخصصات للأشخاص الذين لا يستطيعون العمل بسبب الإعاقة، إذ وصل الشمري إلى السويد عام 2009، والتحقت به أسرته بعد ذلك بثلاث سنوات، ثم حصل على الجنسية السويدية في عام 2015.

ولفتت الصحيفة إلى أن أسرة الشمري كان تحظى بدخل متواضع في عامي 2013 و2014، وكان هو يتلقى راتبا بعد تسريحه من العمل لأسباب مرضية. وتابعت: خلال عام 2013، تقدم بطلبات عدة للحصول على إعانات، لكنها قوبلت بالرفض، وسافر وأفراد أسرته إلى العراق مرتين على الأقل.

وفي تقرير آخر كان أكثر صدمة من الأول قالت الصحيفة السويدية: إن الشمري كان يتحرش بشاب سويدي يبلغ من العمر 20 عاما ودعاه إلى "ممارسة الجنس"، مبديا إعجابه به ومرسلا له عبارات "الإطناب والغزل المثلي" كما أوردتها الصحيفة موثقة بصور محادثات "واتساب" بين الطرفين.

وذكرت أن علاقة الشمري مضطربة ومتأزمة مع زوجته بسبب اكتشافها "الميول المثلية" لزوجها ومحاولتها الحفاظ على أبنائها وما تلا ذلك من مشاكل ومشاحنات زوجية، وأن زوجة نجاح الشمري عوملت معاملة سيئة وكانت تتعرض للضرب فيما يتعلق بالنزاع الأسري إثر اكتشافها الدعوات الجنسية مع رجال آخرين وجاءت لذلك طالبة الطلاق من السلطات السويدية.

وفي جانب آخر، لا يخلو من الإثارة، سلطت الصحيفة الضوء على مسيرة حياة الشمري السابقة قائلة: بأنه كان ضابطا في جيش صدام حسين وقد تخلل سيرته المهنية كضابط أيضا من بعض قصص المثلية الجنسية مع أحد الجنود العراقيين والتي سمع بها صدام نفسه.

تحقيق سويدي

لم يتوقف الحد عند الاتهامات، بل وصل إلى إعلان مكتب الادعاء السويدي، الشروع في تحقيق بشأن ارتكاب وزير في الحكومة العراقية "جرائم ضد الإنسانية"، ورغم أنه لم يشر إلى اسم الوزير فإن وسائل إعلام محلية كشفت هوية الشخص المعني.

ونقلت وكالة "رويترز" عن بيان للمكتب قوله: "تلقينا تقارير عن وزير عراقي يشتبه بأنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية.. تعمل الآن الوحدة الوطنية لمكافحة الجريمة الدولية والمنظمة لتحديد كيفية المضي قدما في هذا التحقيق، الذي لا يزال في مرحلة مبكرة للغاية".

وفي حين لم يذكر البيان تفاصيل عن القضية واسم الوزير، نقلت وكالة "فرانس برس" عن وسائل إعلام محلية قولها: إن التحقيق يطال وزير الدفاع العراقي، ويتعلق بمقتل مئات المتظاهرين في العراق، مؤكدة أن الشمري مواطن سويدي، رغم أنه يحمل اسما مختلفا في السويد.

وقال محام سويدي عراقي، لم يكشف عن اسمه لصحيفة "سفينسكا داغبلاديت": إنه أبلغ عن الشمري للشرطة في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، بسبب دوره في إطلاق النار على مئات المحتجين خلال أسابيع من الاضطرابات.

"حملة شعواء"

لم ينتظر الشمري الذي يعد نائب القائد العام للقوات المسلحة في العراق، كثيرا للرد على ما أوردته الصحافة السويدية، إذ أصدرت وزارة الدفاع العراقية بيانا اتهمت فيه أطراف (لم تسمها) بفبركة أكاذيب الهدف منها تشوية سمعة الوزير عبر منابر إعلامية وصفها بأنها "مشبوهة".

وعزا البيان أن السبب وراء "الحملة الشعواء" ضد الشمري، تأتي على خلفية وقوفه مع المتظاهرين ومطالبهم المشروعة، وحقهم الدستوري بالتظاهر والاعتصام. وبعد كشفه عن وجود "طرف ثالث"، عمد إلى استهداف المتظاهرين والقوات الأمنية على حد سواء بالقتل.

الوزارة العراقية، قالت: إن "منابر إعلامية وصفحات مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي، فبركت أخبارا كاذبة، ومحادثات مستندة إلى أطراف وصحف أجنبية تستهدف النيل من شخص الوزير ومسيرته الشخصية والمهنية بهدف التشويه".

وبحسب البيان، فإنه "لا يخفى أن هذه المحاولة الرخيصة لتشويه سمعة الوزير ومن خلال التحشيد الواسع لها تتصل مباشرة بالطرف الثالث والذي تفاجأ عندما أشار إليه الشمري بأنه المسؤول عن القتل والاستهداف المروّع ضد المتظاهرين والقوات الأمنية بهدف خلق الفوضى والفتنة لأن هذا الطرف كان يعتقد بأن لا أحد يجرؤ على كشف مخططه البغيض في العراق".

وشددت وزارة الدفاع على أن "تلك الحملة الشعواء بشقيها الشخصي والمهني التي تقف خلفها الجهات المتضررة من كشف الوزير الشمري للحقيقة، ما هي إلا تأكيد على فشلها في النيل من الوزير في إصراره على مواجهة الفساد والانتصار للحقيقة وكلمة الحق التي قالها المتظاهرون مهما كان الثمن".

وأكدت أن "الشمري كلّف محاميا سويديا مع مساعديه برفع دعاوى قضائية ضد الصحف والمواقع السويدية والعربية التي تناولت تلك الملفات الزائفة، والتي وراءها الطرف الثالث المعروف بهيمنته على الإعلام والصحف الصفراء في العالم".

بيان "الدفاع العراقية" رد على مليشيا عراقية موالية لإيران، إذ قال: "أما بخصوص تصريح الوزير عن عدم استيراد قنابل الدخان التي يبلغ وزنها ثلاثة أضعاف القنابل العادية، فنؤكد مرة أخرى أن تلك القنابل لم يتم استيرادها من وزارة الدفاع في الحكومة الحالية. وأن الشمري لم يوقع أي عقد شراء أو استيراد مع أي دولة منذ تسنمه المنصب وحتى الآن. وهذا بحد ذاته أربك الجناة".

من وراءها؟

اللافت في قصة الشمري هذه، أن المليشيا التي ألمح إليها بيان وزارة الدفاع العراقية، كانت قد شنت حملة على الوزير عقب اتهامه "طرفا ثالث" بقمع المتظاهرين، وكذلك بعد تقارير الصحافة الفرنسية.

وقالت مليشيا "كتائب حزب الله" المدعومة من إيران: إن ملكية القنابل المسيلة للدموع التي استخدمت في التظاهرات الأخيرة تعود لوزارة الدفاع، نافية بذلك تصريحات سابقة للوزير نجاح الشمري اتهم فيها "طرفا ثالثا" باستيراد هذه القنابل التي تقتل المتظاهرين في بغداد ومدن جنوب العراق.

ونقلت وسائل إعلام محلية مقربة من المليشيا ذاتها عن المسؤول الأمني في الكتائب أبوعلي العسكري قوله: إن "القنابل المسيلة للدموع التي استخدمت في التظاهرات تم استيرادها من صربيا لوزارة الدفاع واستعملت ضمن السياقات الرسمية". وأضاف العسكري: أن "ما قاله وزير الدفاع نجاح الشمري حول وجود طرف ثالث هدفه التنصل من المسؤولية أو قد يكون بسبب تعرضه لضغوط خارجية".

وبحسب تقارير، فإن رد مليشيا كتائب حزب الله على تصريحات الشمري دليل على تورطها بشكل أو بآخر في عمليات قتل المتظاهرين في العراق، إذ أن "رد كتائب حزب الله بالتحديد دونا عن باقي الميليشيات الموجودة في العراق يؤكد أو يعطي تلميحا بأنها كانت المقصودة بتصريحات وزير الدفاع العراقي، وهي التي تقف وراء دخول هذا النوع من القنابل القاتلة للعراق".

وعن رد الشمري، أفادت التقارير المحلية بأنه "من الواضح أن الشمري كان يقصد بالتحديد كتائب حزب الله، لكنه فضل عدم ذكرها بشكل مباشر وعلني كخطوة أولى تحذيرية لهم".

ولم يكن تصريح المليشيا أول رد فعل يصدر من قوى مقربة من إيران تجاه حديث الشمري، إذ أشار قبل النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" المقرب من إيران حنين القدو إلى أن تصريحات الشمري تهدف "لإثارة الفتنة وتأجيج للأزمة"، وأنه كان يقصد بها "الحشد الشعبي".

كما أن "كتائب حزب الله" نشرت مقطعا مصورا، ظهر فيه أحد قادة الاستخبارات الخاص بها مغطى الوجه يتحدث فيه عن سيرة حياة الشمري، وكيف وصل إلى المنصب بصفقة مالية بلغت 35 مليون دولار، ودوره مع الأمريكان في إيذاء العراقيين.

ونشرت "الاستقلال" تقريرا سابقا عن المليشيا ذاتها، بعدما بثت في يوليو/ تموز الماضي، تسجيلا صوتيا على قناة "الاتجاه" الفضائية التابعة لها، تزعم فيه تخابر قائد عمليات الأنبار اللواء الركن محمود الفلاحي، مع عنصر من المخابرات الأمريكية "سي آي إيه". وتبين فيما بعد أنها مفبركة، بحسب تصريحات رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي.

وكان نجاح الشمري، اتهم في تصريحات أطلقها من باريس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، "طرفا ثالثا" (لم يسمه) بالوقوف وراء قمع المتظاهرين وقتلهم باستخدام بنادق وقنابل غازية لم تستوردها الحكومة، وإنما جاءت خارج سياق الدولة، حسب تعبيره.

لكن وزارة الدفاع أصدرت بعد ذلك توضيحا قالت إنه قصد بتصريحاته "عصابات" ولا علاقة للأجهزة الأمنية أو البيشمركة الكردية أو الحشد الشعبي بذلك. إلا أن توضيح الوزارة العراقية جاء بعد بيان للحشد الشعبي، رفض فيه اتهامات وجهت إليه عبر نشر وثيقة قال إنها "مزورة" تظهر بأنه هو من استورد القنابل المسيلة للدموع التي تقتل المتظاهرين، متهما مؤسسات دولية بشن حملة تسقيط ضده.

وتسببت قنابل الدخان المسيلة للدموع في مقتل أكثر من 350 متظاهرا وجرح الآلاف في اشتباكات مع قوات الأم خلال التظاهرات التي انطلقت منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك بإصابات مباشرة اخترقت جماجم المتظاهرين.