رغم مطالبات كثيرة بإقالته.. لماذا يتمسك أكراد العراق بعبدالمهدي؟
تقف القوى الكردية عقبة أمام إقالة رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي، رغم توافق أغلب الكتل السياسية من شيعة وسنة على استبعاده استجابة للمظاهرات الشعبية، والإتيان بشخصية أخرى تدير حكومة تصريف أعمال والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
الأكراد اشترطوا على القوى السياسية في بغداد، الحفاظ على الاتفاقات التي جرت بينهم وبين عبدالمهدي، لأنهم عندما وافقوا على تسلمه رئاسة الحكومة كان يمثل بالنسبة لهم خيار "الفرصة النهائية ولا يجوز التفريط بها"، حسبما وصفها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.
ولا تزال الكتل السياسية في البرلمان العراقي، ولا سيما الشيعية منها، وأبزرها تحالفي "الفتح" بزعامة هادي العامري و"سائرون" المدعومة من مقتدى الصدر، والتي شكلت الحكومة الحالية وسمّت عبدالمهدي رئيسا لها، تطالب بإقالة الحكومة تلبية لمطالب المتظاهرين.
وفي حين قال الأخير: إن المظاهرات الحالية في العراق شخصت أخطاء متراكمة منذ عام 2003، مؤكدا: أن الحكومة لن تقدم استقالتها دون وجود بديل. ورأى: أن استقالة الحكومة قد تتسبب في فراغ ربما يأخذ العراق إلى المجهول، وأن البطء في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة عبر الأطر الدستورية أفضل كثيرا من الفراغ المحتمل حدوثه.
تمسك كردي
في تصريحات ذهبت باتجاه تبرئة عبدالمهدي من أسباب تفجر المظاهرات، قال بارزاني: "نعتقد أن المظاهرات والاحتجاجات ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة للفشل المتراكم خلال السنوات الخمسة عشر الماضية"، وبذلك استثنى العام الذي ترأس فيه عبد المهدي الحكومة الحالية.
وأكد ريبين سلام عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه البارزاني: أن حزبه يرفض قرار إقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وحكومته ويعتبرهم "الفرصة الأخيرة لإنقاذ العراق".
وقال سلام: إن "الكتل الكردستانية ستقاطع جلسة البرلمان لحجب الثقة عن عبدالمهدي، لأنها تعتقد أن هذه التظاهرات القائمة، مدفوعة من الجهات السياسية بغرض إسقاط الحكومة الحالية".
وأشار إلى: أن "الحكومة ما تزال لم تأخذ دورها الحقيقي بسبب الضغوطات المفروضة عليها من الأحزاب، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي لا يتحمل سوء الأوضاع الحالية، لأنه ورث تركة ثقيلة ممن سبقه تمثلت بوجود تفكك كامل للمكونات العراقية".
وأكد سلام بصريح العبارة: أن "الحزب الديمقراطي يساند رئيس الوزراء وحكومته لتخطي هذه الأزمة، ونؤكد أن إقالة الحكومة الحالية سيولد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار داخل المشهد السياسي العراقي".
ويعد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأس إقليم كردستان العراق وحكومته أحد الحزبين الكرديين الكبيرين في الإقليم، إلى جانب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي ينتمي إليه الرئيس العراقي الحالي برهم صالح.
الرئيس العراقي، كان موقفه محرجا من إقالة عبدالمهدي كونه المسؤول عن تلبية مطالب الكتل السياسية العراقية وتكليف بديل عنه لتشكيل الحكومة، إذ كشفت مصادر سياسية لـ"الاستقلال": أن "برهم صالح يمر بموقف لا يحسد عليه، إذ أن الحزبين الكرديين لا يرغبان بإقالة حليفهم عبدالمهدي، على العكس من الكتل الشيعية والسنية".
وكشف عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، غياث السورجي: عن رفض حزبه لأي تحرك نحو إقالة عادل عبدالمهدي "جملة وتفصيلا".
وقال السورجي: إن لعبدالمهدي إرادة جدية في حلحلة جميع المشاكل التي يشهدها البلد، مشيرا إلى: أن حزب الاتحاد الكردستاني يعرف عبدالمهدي ويثق به ويجده الشخص المناسب في المكان المناسب.
وفي السياق ذاته، أكد تحالف "الفتح" في البرلمان العراقي: أن الأكراد يمثلون العقبة الحقيقية أمام إقالة حكومة عبد المهدي، لا سيما بعد دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لإقالته.
"العصر الذهبي"
المتتبع لقرارات عبدالمهدي المتعقلة بالجانب الكردي يرى أنها تمثل "العصر الذهبي" كما يصفها سياسيون عراقيون بالنسبة للأكراد، وكان آخرها قرار سحب اللواء 61 التابع للقوات الخاصة، من محافظة كركوك وإحلال قوات البيشمركة الكردية التابعة لإقليم كردستان مكانها.
القرار لقي رفضا واسعا من حلفاء عبد المهدي السياسيين من الشيعة والسنة، فضلا عن محافظ كركوك، راكان سعيد، الذي أعرب خلال مؤتمر صحفي: عن رفضه لانسحاب اللواء 61 المرتبط برئاسة الوزراء. وتابع: "نرفض عودة قوات البيشمركة، المرتبطة بالأحزاب السياسية الكردية، إلى كركوك".
وكانت القوات العراقية فرضت في أكتوبر/تشرين الأول 2017، في عهد حكومة سلفه حيدر العبادي، سيطرتها على محافظة كركوك بعد أن كانت تخضع لسيطرة قوات إقليم كردستان منذ اجتياح تنظيم الدولة للبلد عام 2014، وذلك ردا على استفتاء نظمه الإقليم للانفصال عن العراق.
وأدان ائتلاف "النصر" بزعامة حيدر العبادي، قرار تسليم مركز العمليات في كركوك إلى الحزب الديمقراطي، وقال: إن "إجراءات حكومة عادل عبد المهدي المتمثلة بتسليم مركز العمليات المشتركة المتقدم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، تعتبر خطوة نسف لما تحقق من منجز بالتعامل مع كركوك على الأساس الدستوري".
في 21 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، قرر مجلس الوزراء في جلسة اعتيادية برئاسة عبد المهدي، توحيد التعرفة الجمركية في كافة المنافذ الحدودية بما فيها إقليم كردستان، رافعا بذلك نقاط جمركية بين محافظات الإقليم (أربيل، السليمانية، دهوك) وبقية المحافظات العراقية، لاستيفاء رسوم على السلع المارة منها، لمساواة التعرفة بين المنافذ الشمالية، التي كانت أقل، وبين المنافذ الوسطى والجنوبية.
القرار قوبل بترحاب من حكومة إقليم كردستان، وأكدوا: أنه "يحفظ وحدة العراق"، دون أن يطبقوه حتى الآن، حيث لا تزال التعرفة الجمركية أدنى في منافذ الإقليم، منها في منافذ الوسط والجنوب التي التزمت بقرار الحكومة، الأمر الذي دفع التجار لتفضيل المنافذ الشمالية وهجر موانئ البصرة.
وأقرت الهيئة العامة للجمارك، في بيان أصدرته في 7 أبريل/نيسان الماضي: بحصول "انكماش" في موانئ البصرة عقب قرار توحيد التعرفة، وفيما أشارت إلى: أن الحركة "فيها طبيعية حاليا"، أكدت أنها تتابع مع جهات حكومية أخرى لـ"مراقبة تنفيذ القرار من قبل منافذ إقليم كردستان".
وتحدث النائب عن محافظة البصرة فالح الخزعلي في 19 يناير/كانون الثاني الماضي: عن تأثر موانئ المحافظة بسبب "عدم وجود سيطرة كاملة" على منافذ إقليم كردستان، "التي تملك أيضا 5 منافذ غير أصولية وعشرات المعابر غير النظامية مع دول الجوار.
وهذا الأمر يتسبب بهدر عشرات المليارات يوميا وإلحاق الضرر بالمنتج المحلي نتيجة دخول محاصيل زراعية ممنوعة من الاستيراد، عبرها، ودعا النائب عبد المهدي إلى: "تحمل مسؤولياته تجاه ذلك".
ولم تقف قرارات عبدالمهدي عند ذلك، بل أقرت حكومته زيادة رواتب الموظفين في إقليم كردستان العراق بمقدار 50 بالمئة عما كان معتمدا في الحكومة السابقة، التي أرسلت بحسب رئيسها حيدر العبادي، لجنة "مهنية وحيادية" إلى الإقليم وتوصلت بعد حصولها على معلومات من الموظفين، إلى: "مستوى مناسب من الرواتب"، اعتمدته بغداد في صرفها لهم العام الماضي.
أبدى العبادي خلال مقابلة تلفزيونية، في 23 آذار/مارس الماضي، استغرابه من هذه الزيادة التي بلغت "ترليون و600 مليار دينار"، دون زيادة حكومة كردستان لإيرادات النفط التي يجب أن تسلمها بالمقابل إلى بغداد، متسائلا عن مصير هذه الأموال والجهات التي ستصل اليها، ملمحا، على ما يبدو، إلى اتهامات كانت قد وجهت إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، من نواب أكراد، وخاصة أعضاء حركة التغيير، بـ"سرقة وارادت الإقليم من تصدير النفط".
كما ألمح العبادي، إلى: أن الجدوى الوحيدة من قرارات عبد المهدي هي خدمة الأحزاب الكردية فقط، مشددا على: أن "هذا الأمر فيه تنازل عن مصالح وطنية، وظلم للمواطنين الذين يجب أن نكون منصفين معهم، سواء كانوا من الأكراد أو بقية المكونات".
خدم الأكراد
وحديث العبادي أكده نائب رئيس البرلمان بشير حداد، الذي رشحه الحزب الديمقراطي لهذا المنصب، حيث نقل في ندوة عُقدت في 27 أبريل/نيسان الماضي، عن عبدالمهدي قوله لقيادات كُردية لم يحددها: إنه "يدافع عن حقوق إقليم كردستان أكثر من الكرد أنفسهم".
وأصبحت تصريحات مسؤولين أكراد وعلى رأسهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، تنصب بالتركيز على إبقاء عبد المهدي كونه: "فرصة يجب استثمارها".
إذ كشف وزير المالية والاقتصاد في حكومة الإقليم ريباز حملان: أن حكومة بغداد أرسلت 9 رواتب لموظفي الإقليم خلال عام 2018، بمبلغ ترليونين و857 مليار دينار، دون التطرق إلى موضوع تسليم نفط كردستان لبغداد، كما بين: أن "رئيس الوزراء عادل عبد المهدي يؤدي دورا إيجابيا ووطنيا للغاية".
لكن النائب الكردي عضو اللجنة المالية ببرلمان العراق، جمال كوجر، أكد: أن "الحكومة لم تعد تشترط تسليم العائدات النفطية مقابل الاستمرار في دفع رواتب موظفي إقليم كردستان".
قرارات عبدالمهدي ليست وليدة تسلمه رئاسة الحكومة في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، فبعد أيام من تسلمه المنصب أبدت أطراف سياسية مخاوفا من تحقيق الأحزاب الكردية "مكاسب كبيرة" من "الصديق القديم"، لأنه سبق أن اتخذ قرارات خلال توليه مناصب مهمة بالحكومات السابقة، كانت لصالح إقليم كردستان.
من أبرز تلك القرارات، تحديد عبد المهدي حصة الإقليم في الموازنة المالية الاتحادية بنسبة 17 بالمئة منها، عندما كان وزيرا للمالية في حكومة إياد علاوي الأولى في 2004 إلى 2005، رغم أن نسبته المعتمدة لدى الأمم المتحدة منذ العام 1991 ولغاية العام 2003 كانت 12.3 بالمئة، لتتحول النسبة الجديدة إلى "عرف" أصرت عليه الأحزاب الكردية ولا تزال.
وبعد تولي عبد المهدي منصب وزير النفط في حكومة حيدر العبادي السابقة، منح حكومة إقليم كردستان حق التصرف بالنفط وتصديره "دون الرجوع لبغداد"، قبل أن يستقيل من منصبه في مارس/أذار 2016.
يقول الخبير السياسي غسان عبد الرزاق عن تحركات عادل عبد المهدي: إن "الكتل التي دعمت عبد المهدي وأوصلته إلى رئاسة الحكومة، تنصلت عن دعمه، وتتصارع على تحقيق مكاسب سياسية، ما تسبب بإحراجه وعدم قدرته على إكمال تشكيلته الحكومية".
أشار عبد الرزاق إلى: أن "هذه الضغوط دفعت عبد المهدي للتوجه نحو الجانب الكردي بحثا عن جهة تدعمه، وبالتأكيد فإن كل جهة سياسية تسعى لتحقيق مكاسب، الأمر الذي منح الكرد فرصة تمرير مطالبهم".
أما الكاتب العراقي إياد السماوي، فيقول: إنه "لو كنت أنا رئيسا لحكومة إقليم كردستان، لأمرت بنصب تمثال لعبد المهدي في كل مدن الإقليم وفاء لما قدمه للإقليم، لأن الذي أسداه لم ولن يفعله أي رئيس وزراء سابق أو لاحق".
وردا على سؤال لماذا عبدالمهدي يُعد الخيار الأفضل للأكراد، يجيب السماوي في مقال له بالقول: "هذا أمر لا يحتاج إلى دليل، فما قدمه عبدالمهدي لإقليم كردستان حتى الآن لم يحلم به أحد من قادة الإقليم، وهذا ما عبر عنه مسعود بارزاني بكل وضوح وصدق حين وصف عبدالمهدي بأنه الفرصة النهائية التي لا يجوز التفريط بها".
وأضاف الكاتب العراقي: "فلا أحد من العراقيين غير عبدالمهدي يستطيع أن يتنازل للإقليم عن واردات النفط والغاز والضرائب والرسوم والمنافذ الحدودية والمطارات ويمنح الإقليم كامل رواتب موظفيه ورواتب البيشمركة التي لا تخضع للقائد العام للقوات المسلحة وبشكل مضاعف".
المصادر
- عضو فيه: الوطني الكردستاني يرفض التحرك لاقالة عبدالمهدي
- حزب بارزاني يكشف عن موقفه من إقالة عبد المهدي
- بيان من مسعود بارزاني حول احتجاجات العراق: تغيير الدستور بالقوة لا يجوز!
- العراق.. وقفة ضد قرار عبد المهدي سحب "اللواء 61" من كركوك
- عبد المهدي والكرد.. "صداقة" قديمة و"تفريط" قد يؤدي إلى حرب!
- عادل عبد المهدي .. خيار الكرد الأفضل وخيار العرب الأسوأ
- مسؤولون أكراد: عبد المهدي "ايجابي" للغاية في دفع المستحقات المالية رغم عدم تسليم الإقليم واردات النفط
- ائتلاف العبادي يحذر "عبد المهدي" من تجاوز "الخط الأحمر" في ما يخص وضع محافظة كركوك
- ائتلاف العبادي يدين قرار تسليم مركز العمليات في كركوك للحزب الديمقراطي