السلطة تحجب مواقع فلسطينية بدلا من الإسرائيلية.. ما الخطوة التالية؟

12

طباعة

مشاركة

تباينت التفسيرات تجاه قرار محكمة فلسطينية حجب عشرات المواقع الإلكترونية، بين من رآه قرارا قضائيا لا يمكن التعليق عليه، أو قمعا أمنيا يستهدف منتقدي السلطة الفلسطينية ومعارضيها، في خضم قانون يقول إنه ينظم عمل تلك المواقع.

قائمة المواقع جاءت خالية من أي موقع إسرائيلي، وبالتزامن مع إجراءات مشابهة لسلطات الاحتلال، ما يثير تساؤلات عن سبب إقدام السلطة على حجب المواقع الفلسطينية واستثناء الإسرائيلية، وما هي خطوتها التالية؟

وفي أحدث إجراء، قررت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، أمس الثلاثاء، التوجه للقضاء الفلسطيني للاستئناف على قرار السلطة في رام الله، حظر المواقع الإلكترونية، بعد أخذ توكيلات من موقعين جرى حجبهما من أصل العشرات، فيما قال نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر خلال مؤتمر صحفي: إن قرار الحجب مجزرة سوداء في تاريخ الصحافة الفلسطينية.

وأصدرت محكمة الصلح الفلسطينية في رام الله يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول قرارا بحجب وحظر قرابة 59 موقعا إلكترونيا وإخباريا فلسطينيا وعربيا، بتهمة التحريض على القيادات الفلسطينية، وتهديد الأمن القومي، والإخلال بالنظام العام، بعد نشر هذه المواقع صورا ومقالات تنتقد رموز السلطة الفلسطينية، مستندة في قرارها إلى قانون الجرائم الإلكترونية الذي صادق عليه رئيس السلطة سنة 2017.

المواقع التي تقرر حجبها توزعت بين كونها إخبارية جادة، وأخرى متخصصة بنشر أخبار فساد السلطة الفلسطينية، وفيما جاءت معظمها مواقع فلسطينية، فقد وردت بعض المواقع العربية، ومن أهمها: حل عنا، ألترا فلسطين، طوباس24، فلسطينيو الخارج، وكالة pal news الإخبارية، متراس، ميدان، سلطة، فلسطين بوست، سواد بخت، ايش في، صاحيلك، تحت الحزام، مطلع، new pal 21، ps 24، المجد نحو وعي أمني، عرب48، التيار الإصلاحي، رياض المالكي لا يمثلني، نبض الحقيقة، مشانق، حركة فتح - تيار الإصلاح الديمقراطي. 

ومن المواقع المحظورة أيضا: أمد للإعلام، إشراقات، مواطنون ضد الفساد، الشاهد، بدون رقابة، فلسطين27، عكس التيار، صوتكم، قم وافضحكم، محمود عباس لا يمثلني، مطبات، حبطرش، شبكة أوراق الإخبارية، وطن نيوز، عربي21، وكالة شهاب للأنباء، شبكة قدس الإخبارية، فلسطين أون لاين، صوت فتح الإخباري، قناة الكوفية، شبكة فلسطين للحوار، الرسالة نت، غزة الآن، النورس نت، العين الأمني، فلسطين بالفيديو.

ردود فعل

القرار المجحف لاقى ردود فعل فلسطينية غاضبة من القوى السياسية والمنظمات الحقوقية، التي أصدرت بيانات متعاقبة، استنكرت فيه القرار، لأنه يشكل حربا على حرية الرأي والتعبير، ولا يمثل إلا تضييقا لهامش الصحافة الضيق أصلا في الأراضي الفلسطينية.

"الاستقلال" حاول الحصول على تعقيبات رسمية من شخصيات مسؤولة في السلطة الفلسطينية، لكنهم رفضوا، بزعم أن القرار قضائي، ولا يجوز التدخل في عمل السلطة القضائية من جهة، ومن جهة أخرى، الاكتفاء بالبيان الصادر  عن الحكومة الفلسطينية.

وطالب إبراهيم ملحم المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية النائب العام بالتراجع عن قرار حجب المواقع الإلكترونية، وفي الوقت ذاته دعا المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، لتوخي المعايير المهنية والأخلاقية فيما ينشر من أخبار ومواد إعلامية.

حسن خريشة، نائب رئيس المجلس التشريعي، قال لـ"الاستقلال" إن: "قرار حظر المواقع الإلكترونية دليل جديد على أن العقلية التي تدير القرار الفلسطيني تعيش في أبراج عاجية لا علاقة لها بالواقع، وكل من فكر بهذا القرار، ودفع به للتطبيق صاحب عقلية مظلمة، لا تختلف عن عقلية داعش ومنظمات الإرهاب في كل مكان". 

ودعا خريشة إلى: "التصدي لهذه العقليات، وطردها من منظومة الحكم والسلطة في الأراضي الفلسطينية، كونها وباء يجب حصاره، والقضاء عليه فورا، لأن أكثر ما أثار استغرابي في القرار هو حظر مواقع فلسطينية عدد مشاهديها يتجاوز ثمانية ملايين مشترك، ثم يدعي صاحب القرار أنه يمثل الشعب الفلسطيني".

فيما جاء لافتا إعلان جمال نزال عضو المجلس الثوري في "فتح"، أن القرار حجب صفحات تحض على الكراهية، وتتناقل المعلومات الخاطئة، وهذا قرار سيحقق التسامح بين الفلسطينيين، ويقلل من نسبة المعلومات الفاحشة في الفضاء الاعلامي الفلسطيني، بحسب رأيه.

هذا يؤكد أن قرار السلطة الفلسطينية بحجب وحظر المواقع الإلكترونية يعتبر امتدادا لسياستها المعلنة بمحاربة حرية الرأي، وملاحقة الصحفيين، فقد أظهر تقرير صادر عن مجموعة "إيكونوميست" البريطانية للأبحاث والتحليل وجود تراجع حاد في مستوى حرية الإعلام في الأراضي الفلسطينية التي جاءت في المرتبة 108 من إجمالي 167 دولة.

مع العلم أن رزمة القوانين المحلية، والإجراءات المتعلقة بالحريات الإعلامية التي اتخذتها السلطة في الضفة الغربية خلال الفترة الماضية، كقانون الجرائم الإلكترونية، لعبت دورا أساسيا في التأثير على مستوى حرية الرأي والتعبير، كما أن استمرار ملاحقة الصحفيين، وأعمال التوقيف والملاحقة على خلفية التعبير عن الآراء والمواقف السياسية، ساهمت مجتمعة في وضع فلسطين بمرتبة متأخرة.

تزامن إسرائيلي

رماح مبارك، مدير عام وكالة شهاب للأنباء، أحد المواقع المحظورة، قال لـ"الاستقلال" إن: "القرار خارج عن القانون الأساسي الفلسطيني وكافة الأعراف الصحفية، وانتهاكا لحرية الرأي والتعبير في فلسطين، ويمثل محاولة بائسة لإسكات الإعلام الفلسطيني الذي يواجه آلة القمع والقتل الإسرائيلي".

وتابع: أن هذا القرار يأتي استكمالا لمحاولات سابقة من السلطة، بحجب موقع وكالة "شهاب" بالضفة الغربية، دون منحها فرصة الدفاع عن نفسها، بجانب محاولات الاحتلال الإسرائيلي حجب منصات الوكالة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتحريض عليها لإغلاقها بشكل كامل.

وأكد أن: "قرار السلطة وفي هذا الوقت بالذات يعتبر مشاركة في الحملة الإسرائيلية التي تسعى لإخراس صوت الحقيقة، لأن المواقع التي طالها قرار الحجب تهتم بنقل الأحداث والقضايا الفلسطينية، وتعزيز الرواية الصحيحة، ونشر معاناة وهموم المواطن الفلسطيني في الوطن والشتات".

حازم قاسم، المتحدث باسم حماس، قال إن: "السلطة الفلسطينية بقرارها هذا تريد إعلاما يرى بعين واحدة، وتسعى للتغطية على فشلها في مسارها السياسي، وسلوكها الخارج عن الإجماع الوطني، والتغطية على الحديث المتزايد عن حالات الفساد داخل مؤسسات السلطة".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن: "القرار يعبر عن مخالفة للقانون، ويحاول أن يلغي وجود أي جهة معارضة، وهو سلوك غبي من السلطة الفلسطينية التي تظن أنه بالإمكان منع الناس من التعبير عن رأيهم في عصر انفجار ثورة الاتصالات".

سياسات معادية

إن سياسة السلطة الفلسطينية المعادية لحرية التعبير لم تكن بالقوانين والتشريعات فقط، بل بإجراءات ميدانية تفرضها الأجهزة الأمنية الفلسطينية تمثلت بوضع قيود الرقابة بصورة انفرادية، وفرض السلطة غرامات باهظة، وتنفيذ اعتقالات ضد كل من يوجه انتقادا بحقها، ويشمل صحفيين ونشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، وكل من يغرد، أو يعيد تغريدات أخرى، ويضع إعجابات عليها.

اللافت أنه رغم الانتقادات الموجهة ضد السلطة الفلسطينية من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية التي تتابع بقلق مظاهر تقليص حرية التعبير، فإن السلطة لا تبدو أنها مردوعة من هذه التحفظات والملاحظات، بل تصعد من إجراءاتها ضد الصحفيين.

الخطوة التالية

ومنذ أن صادق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على "قانون الجرائم الإلكترونية"، زادت وتيرة الاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة على خلفية حرية الرأي والتعبير، لأن أبرز ما جاء في ذلك القانون هو تشريع مراقبة كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وإتاحة مراقبة المستخدمين، والتنصت عليهم، وتخزين بياناتهم كاملة لمدة 3 سنوات، وإلزام الشركات المزودة للإنترنت بالتعاون مع الجهات الأمنية للوصول إلى بيانات المستخدمين.

فالأخطر من قرار المحكمة حجب المواقع، ما أعلنته رئيسة نيابة مكافحة الجرائم الإلكترونية في السلطة الفلسطينية، نسرين زينة، أنها ستتواصل مع إدارة موقع فيسبوك من أجل حظر الصفحات التي صدر بحقها قرار الحجب.

عماد الإفرنجي الرئيس السابق لمنتدى الإعلاميين الفلسطينيين، قال لـ"الاستقلال" إن: "القرار خارج الإجماع الوطني، وهو جريمة بحق الوطن، ومجزرة إعلامية جديدة، على اعتبار أن قرار المحكمة استند لقانون الجرائم الإلكترونية، وكل من يهتم بالإعلام وحقوق الإنسان أكد أن هذا القانون سيكون سيفا مسلطا على رقاب الصحفيين".

وأضاف أن: "الغريب في القرار الفلسطيني أنه لا يوجد من بين المواقع المستهدفة موقع إسرائيلي واحد، لا دعائي ولا مخابراتي، كما يتزامن القرار مع حملة فيسبوك والمواقع الاجتماعية لمحاربة المحتوى الفلسطيني، ومن الواضح أن السلطة لا تستطيع أن تواجه الكلمة بالكلمة، فذهبت لعملية إعدام للمواقع الإعلامية".

فيما نشر داوود كتاب، الخبير الإعلامي الفلسطيني تغريدة ذكر فيها أن: "من الملاحظات الواردة في القرار المذكور أنه استهدف المواقع التي يتهمها بالحصول على تمويل قطري من جهة، ومن جهة أخرى، تلك المقربة من محمد دحلان، العدو اللدود لعباس، مما يعني أن من يقف وراء القرار جهة قريبة جدا من دائرة صنع القرار في السلطة الفلسطينية، إن لم تكن هي القيادة الرسمية، أو جهة مخابراتية مقربة من الرئاسة".

لم يعد سرا أن عباس يشن حربا لا هوادة فيها على حرية التعبير، ويتمثل ذلك بفرض غرامات باهظة على الصحفيين، واعتقالهم، وتشديد الرقابة عليهم، مما يعني أن سلوكه هذا تجاه الصحفيين والإعلاميين يعبر عن إستراتيجية عليا، من خلال فرض رقابة صارمة على العمل الصحفي والإعلامي لإضعاف الأصوات الناقدة من حماس وقوى اليسار.