عبد الله الشريف: لأول مرة يتحول الإعلام المعارض إلى مربع الفعل (حوار)

12

طباعة

مشاركة

لم يكن طالب كلية الحقوق جامعة الإسكندرية يتخيل في يوم من الأيام وهو يعمل كسائق تاكسي كي يوفر قوت يومه، أنه بعد سنوات قليلة سيصبح إعلاميا مشهورا في مصر والعالم العربي.

فيديوهاته وتسريباته المصورة كشفت حقيقة القصور التي بناها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لزوجته انتصار وأبنائه من أموال الشعب، وعرت زيف حديث الجنرال القابض على حكم مصر بالحديد والنار، عن الزهد والتقشف.

من غرفته الصغيرة بأحد أحياء الإسكندرية بدأت علاقة عبد الله الشريف بعالم الإنترنت، فقدم مجموعة من القصائد العامية السياسية الرافضة لأحداث 30/ 6/ 2013 وما بعدها، حققت مشاهدات بمئات الآلاف.

قدم الشريف (مواليد 1978 متزوج ولديه أطفال)، برنامج "الشاب أشرف" في أغسطس/آب 2014، وتصدرت حلقاته قائمة يوتيوب في مصر، وكان يتقمص فيها شخصية شاب منافق يتملق النظام، ليتفرغ بعدها لقناته التي تحمل اسمه على يوتيوب، والتي تظهر قدرته الفذة على التجويد والتطوير والوصول أكثر للجماهير.

الشريف الذي خرج من مصر في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2013، فجر قنبلة تسريبات القصور والاستراحات الرئاسية التي أحدثت ضجة كبرى على مواقع التواصل الاجتماعي واقتربت مشاهداتها من حاجز الـ 3 ملايين مشاهدة، أما صفحته على فيسبوك فيقترب متابعوها من مليون ونصف المليون متابع، ويتابع حسابه الرسمي على تويتر مليون شخص.

صحيفة الاستقلال حاورت عبدالله الشريف اليوتيوبر المصري الساخر الذي تحول إلى "نجم" تسريبات من قلب المناطق التي ترفع فيها لافتة "ممنوع الاقتراب أو التصوير"، تعرض على إثرها لحملة تشويه ممنهجة من قبل النظام المصري وأدواته وأذرعه الإعلامية.

إذا ضربت فأوجع

  • "إذا ضربت فأوجع فإن العاقبة واحدة".. دعني أبدأ معك من هذه العبارة تحديدا وهي مكتوبة على حافظة هاتفك الخاص وأصبحت ملازمة لك في كل حلقة، ما هو مصدر هذه العبارة؟ وما هي الرسالة التي تريدها منها؟

مصدر العبارة هو الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما ذكرتها في إحدى حلقاتي السابقة تلقفها الجمهور بشكل كبير وكأنها لامست ما يمر به الوطن العربي كله وليس في مصر فحسب.

أستطيع القول أن الجمهور هو من ساقني إليها ولست أنا من ساق الجمهور إليها وعندما أنساها في حلقة ما يطالبني بها الجمهور بشدة في التعليقات ويطالبون بذكرها في الحلقة القادمة، هي عبارة تمثل بصدق ما يريدونه، كفاية ذل، كفاية إهانة، كفاية انبطاح خلاص "إذا ضربت فأوجع، فإن العاقبة واحدة"، الجملة تمنحهم قوة.

  • كيف تحول عبد الله الشريف من سائق تاكسي إلى يوتيوبر ساخر يتابعه الملايين؟

البداية كانت مفاجئة بالنسبة لي، استيقظت يوم 19 يناير/كانون الثاني 2013 وكتبت بعض الكلمات على هاتفي المحمول وصورتها فيديو ونشرته على يوتيوب وفوجئت بإقبال شديد جدا من الناس.

ولأني كنت مستجدا في المجال الإعلامي وليست لدي خبرة كافية، أنشأت قناة على موقع يوتيوب برقم هاتفي الخاص لأستقبل بعدها كما هائلا من الاتصالات والرسائل التي أثنت على أدائي وعلى محتوى الفيديو الذي حظي بألف مشاهدة في ساعات قليلة.

كان هذا إنجازا كبيرا بالنسبة لي ودافع كي أكمل، منذ ذلك التاريخ وحتى الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013 بدأت في إنتاج مزيد من المواد المصورة حتى تحول الأمر إلى شخصية "الشاب أشرف" والتي انتشرت بقوة بعد الانقلاب العسكري وخروجي من مصر.

  • على طريقة وكلاء النيابة أسألك، ما قولك فيما نسبه إليك عباس كامل والإعلام المصري من اتهامات بأنك قيادي في جماعة الإخوان المسلمين وهارب من العدالة وتاجر مخدرات؟

أنت تعلم طريقة الإعلام المصري في تشويه المعارضين وليس الرد على التهم أو الحقائق التي نقولها، أنا عرضت تسريبات وقلت السلام عليكم ياجماعة هذه قصور السيسي، فكان ردهم تخوينا وسبابا وحديثا عن شخصي وجيراني وأهلي ليأخذ المشاهد إلى مساحة أخرى بعيدا عن فضيحته وهذا ما فعلوه مع محمد علي ومعتز مطر ومحمد ناصر وأسامة جاويش وآخرين، وأنا أقول لهم نحن جميعا من الأشرار دعكم من أشخاصنا وأجيبوا علينا هل هذه قصور السيسي أم لا؟.

  • وهل ترى أن طريقتهم هذه من التشويه والتخوين لك وللمعارضين الآخرين تؤثر سلبا أم إيجابا على المتابعين؟ هل صدقوا أنك تاجر مخدرات؟ 

بالتأكيد لا، لأن الأمر أصبح فجا والناس كلها بات لديها وعي كافي بما يفعله هذا النظام وأذرعه الإعلامية، والدليل عندما تتابع أي فيديو على قنواتهم ستجد تعليقات الجمهور تؤكد ما أقول.

لا أنسى تعليقا قرأته يقول صاحبه: "طيب عبدالله الشريف فيه كل العبر، لكنه كشفكم، بدلا من أن تتهموه بكذا وكذا، ردوا على ما اتهمكم به"، هذا هو الوعي الذي أتحدث عنه، حتى من لا زالوا ضدنا أصبحوا ضد هذا النظام أيضا، وهذا تغيير كبير.

التسريبات الأخيرة

  • مع إذاعتك لتسريبات أحدثت صدى واسعا، هل ترى أنك تتحول رويدا رويدا من "يوتيوبر" ساخر إلى مذيع تسريبات ومناضل سياسي؟

عندما تريد تصنيفي بأني إما إعلامي أو سياسي أو صحفي أو يوتيوبر ساخر، في الحقيقة أنا أحاول أن أكون خليط بين كل هؤلاء، ولا أريد أن أصنف نفسي حتى لا أضع نفسي في دائرة معينة تعوقني عن أداء أدوار أخرى، أنا مؤمن تماما أننا لا نختار ما نريده، وإنما نساق إلى هذا الطريق أو ذاك بتقديرات الله عز وجل.

بالعودة إلى الوراء، تجد أنني بدأت بالسخرية، فالبداية كانت بـ"الشاب أشرف"، وكان هدفه إسقاط هيبة السيسي  بالسخرية المستمرة منه وهدم صورته، وفي نفس الوقت تسلية للناس المكبوتة والمقهورة ، ثم انتقلت إلى مرحلة عبدالله الشريف، حتى جاءت مرحلة التسريبات، وهنا أسأل من كان يصدق أننا سننتقل إلى مربع الهجوم ونجبر السيسي ونظامه على الدفاع، الإعلام المعارض لا يمكن مقارنته بشريا وماديا مع الآلة الإعلامية العسكرية في مصر، ومع ذلك وضعناهم في موقف ضعف للمرة الأولى.

  • من الجهة التي تقف وراء التسريبات الأخيرة التي عرضتها في برنامجك وهل انتهت التسريبات أم لا زال لديك المزيد؟

هي ليست جهة داخل الدولة ولكنهم مجموعة من الأشخاص في جهات مختلفة داخل مؤسسات الدولة وكل ما أستطيع قوله إنهم مجموعة من الساخطين على هذا النظام من الداخل ويتولون مناصب حساسة في الدولة.

التسريبات لا تتوقف وحالة الغضب المتزايدة ضد السيسي من الداخل باتت أمرا واقعا، وفي الأيام الماضية تواصل معي أحدهم من داخل الجهاز المركزي للمحاسبات ولديهم فضائح وتسريبات جديدة ولكني في مرحلة التحري عنها والتأكد من صحتها قبل النشر لأننا نحترم مصداقيتنا لدى المشاهد ولا يمكن أن أفقدها بعرض أمر لست متأكدا منه.

  • هل كانت تجربة محمد علي والفضائح التي عرضها للسيسي وأسرته هي الدافع لك للاتجاه نحو التسريبات ونشر هذه الصور؟

عندما تحدث محمد علي وعرض ما عرضه من فضائح فساد للسيسي وعائلته تنبهت إلى إمكانية أن تكون هناك معلومات أخرى وصاحبها ينتظر طريقة لتوصيلها فوضعت رقم للواتس آب الخاص بي، وفوجئت بعدها بوقت قصير بمئات الرسائل والفيديوهات وكان أهمها التسريبات التي عرضتها.

ما أريد قوله أن الناس لم يكن يهمها كل ما كنت أركز عليه أنا وغيري من حديث عن الدماء والمعتقلين، لكن الناس تحركت وتفاعلت مع محمد علي لأنه فضح فساد السيسي وكسر الصنم الأكبر الذي بناه منذ الانقلاب وهو أننا "فقراء أوي" ويجب أن نتقشف، فمن هنا استطاع محمد علي والتسريبات بعدها أن تكشف زيف السيسي وعائلته فمثلا عبد الناصر ارتكز خطابه على مفهوم القومية العربية والسادات بنى مجده على أنه  بطل الحرب والسلام ومبارك وضع نفسه في صورة رجل التنمية والبنية التحتية ولكن السيسي ارتكز علي خطاب التقشف والفقر وأمة العوز فجاء محمد علي ليهدم المعبد فوق رأسه ويحرك الناس.

إسقاط السيسي

  • هناك اتهام لكل من يعرض مثل هذه التسريبات أنه مجرد أداة في يد الجهة أو الشخص الذي يرسل التسريبات، ما تعليقك؟

هذه وجهة نظر وتحترم فما المانع من ذلك فلتكن جهة ما مثل الضباط الأحرار فأنا كإعلامي لا يهمني مصدر التسريبات، لكن يهمني أن هدفها هو إسقاط السيسي لأن أي جهة ستأتي بعد السيسي حتى لو عسكرية لن تكون أسوأ منه ، مصر تنتظر سيناريو أنور سادات جديد يأتي بعد حقبة سوداء كحقبة عبد الناصر ليخفف من حدة القمع والسجن ولتتحرك الأمور قليلا فلدينا آلاف المعتقلين، فلو رحل السيسي وجاء غيره يمكن لنا أن نتفاهم معه.

  • بمناسبة الحديث عن السيسي كيف كانت ردة فعلك عندما استمعت إليه يقول مصر "عرت كتفها وكشفت ضهرها" بعد ثورة يناير؟  

لا يعقل أن نحقق كل هذه الملايين من المشاهدات وهو يشاهدنا نفعل ذلك دون أن يتحرك، أنا قلت لنفسي هذا السيسي يبدو أنه قرر منافستنا في سوق السخرية بنفسه، السيسي نفسه فيديوهاته وحدها بدون تعليق سياسي تحقق ملايين المشاهدات، نعم أعتقد أنه قرر منافستنا في الفيديوهات الساخرة.

رسالة توجهها إلى أسرتك التي أجبرتها السلطات الأمنية على تسجيل فيديوهات مسيئة لك..

عايز أقول لأبويا وأمي وأهلي وجيراني، اختلفنا في الآراء أو اتفقنا أنتم أهلي وأنا ابنكم، لا يمكن أن أكرهكم ولا يمكن أن تتبرأوا مني، دمنا ولحمنا واحد، جيناتنا واحدة، أنا أحبكم وأنتم تحبونني، نسأل الله أن ينجي بلدنا من المحنة التي تعيشها الآن وأن يجمعنا الله أنا وأنتم في منطقتي التي أفتقدها بعد أن هجروني منها قسريا منذ 6 أعوام.