عندما راسلني بوريس جونسون
"عزيزي السيد أسامة جاويش،
بداية أشكرك على رسالتك لي التي شرحت لي فيها مشاكل طفلك بسبب عدم دخوله إلى المدرسة حتى الآن، وأريدك أن تعلم أنني أقدر تماما ما تمر به من ضغوطات وما تعانيه من صعوبات من أجل مصلحة طفلك. لذلك فإنني أحيطك علما أنني وبالنيابة عنك خاطبت الإدارة التعليمية في المنطقة التي تسكن فيها وطالبتهم بشرح ما يحدث وإيجاد حل فوري لمشكلة طفلك وستجد في الخطاب الآخر ردهم المرفق فيه شرح لكل الخطوات التي اتخذوها لحل هذه المشكلة بشكل عاجل، وأرجو منك أن تطلع على الخطابات المرفقة، وأتمنى أن أكون ساهمت في حل مشكلة طفلك في دخول المدرسة، وأتمنى منك فورا لو لديك أي استفسار أو مشكلة أخرى أن لا تتردد أبدا في التواصل معي بشكل مباشر".
ما شعورك عزيزي القارئ عندما تستيقظ صباحا فتجد في صندوق بريدك الخاص في المنزل خطابين موقعين من رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون باسمك وعنوانك؟ فما القصة؟
راسلت مكتب رئيس الوزراء البريطاني، وهو بالصدفة عضو مجلس العموم البريطاني عن المنطقة التي أسكن فيها الآن في العاصمة البريطانية لندن، أشكو إليه مشكلة خاصة بعدم توفر أي مقعد في أي مدرسة من أجل طفلي الصغير الذي لم يبلغ ثمانية أعوام بعد، وكم أثر هذا بشكل سلبي على حالته النفسية، في الحقيقة أرسلت الخطاب بناء على نصيحة من طبيب الحي الذي أسكن فيه، ولم أتوقع أبدا الرد من بوريس جونسون، حتى أنني سخرت من هذا الموقف على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لأسباب كثيرة أولها انشغال جونسون الغير طبيعي بمأزق البريكست وكيفية إنقاذ حكومته من الانهيار.
وثاني هذه الأسباب هو عداء بوريس جونسون نفسه للمهاجرين والأجانب في بريطانيا، وظهر هذا جليا من خلال خطاباته في الأعوام الماضية وثالث هذه الأسباب وأقواها في الحقيقة هو ثمانية وعشرون عاما عشتهم في مصر رسخوا بداخلي قناعات أن الإنسان والمواطن في ذيل قائمة اهتمام أي مسؤول، فما بالك برئيس الحكومة وأهم شخصية في الدولة.
عشنا في بلدان رسخت في أذهاننا أن المسؤول يهتم لأمر الغلابة أو يستمع لشكوى شعبه فقط إذا ما أراد أن يصنع لقطة تلفزيونية قبيل انتخابات أو مكايدة لمعارضيه بأنه الحاكم والمسؤول العطوف الحنون، ولكن جونسون رد علي بالفعل وخيب سوء ظني به.
استحضرت صورة واحدة واستمعت إلى صوت واحد وقرأت كلمات واحدة وتذكرت خطابات وتصريحات لشخص واحد، فقط، فور قراءتي لخطاب رئيس الحكومة البريطانية والمرسل إلي بشخصي واسمي، نعم ما خمنته صحيح إنه السيسي ولا أدري لماذا أطل علي هذا الجنرال في مشهد خاص وموقف جميل كهذا، ربما لحسرتي على أطفال في مثل عمر أطفالي يبكون من أجل أن يناموا ربع ساعة فيسخر منهم القاصي والداني. أو ربما من أجل مقطع فيديو شاهدته لأم وطفلتها في بداية العام الدراسي وهم يتفقدون مدرسة الطفلة الصغيرة وهي تبكي لأبيها في الفيديو، وتقول هل ترى يا أبي كم هي قبيحة مدرستي؟ أو ربما من أجل سقف مدرسة كفر الشيخ إبراهيم التابعة لمركز قويسنا بمحافظة المنوفية في أول يوم من العام الدراسي الحالي، وقبل كل هذا أطلت علي صورة السيسي بتصريحاته البائسة والمخيبة للآمال عن التعليم "يعمل ايه التعليم في وطن ضايع، احنا معندناش تعليم في مصر ".
لم أولد في بريطانيا ولا أحمل الجنسية البريطانية ولست مقيما دائما هنا ولم يمر على حصولي على حق الإقامة هنا إلا بضعة أشهر، وإقامتي مكتوب عليها كلمة لاجئ ومع ذلك أتمتع بكامل حقوقي القانونية ويعامل أطفالي معاملة المواطن البريطاني ويهتم مكتب رئيس الحكومة بمشكلتي ويراسلني بوريس جونسون بشكل شخصي لمتابعة حل مشكلة طفلي الصغير الأجنبي، الذي لم يكمل شهره الأول بعد في هذه البلد.
أعلم تماما أن هذا الخطاب يكتب عن طريق مكتبه وأن هذا من روتين عمله مع أبناء دائرته الانتخابية، وأن هذا واجبه القانوني، ولكن ما الذي فعله النظام المصري مع ليلى أحمد وهدان؟ طفلة مصرية لم تبلغ ثلاثة أعوام؛ أعدم النظام المصري والدها الشاب أحمد طه وهدان، ثم أمرت إدارة المدرسة التي تذهب إليها الطفلة بفصلها من المدرسة وعدم قبولها بين الطلاب لأن والدها كان محكوما ثم تم إعدامه، هكذا بكل عنصرية وانعدام للآدمية تحرم طفلة من التعليم من أجل انتماءات والدها السياسية.
في مقابلة لي مع الصحفي البريطاني بيتر أوبورن؛ قال لي إن مصر لديها المقومات التي تجعلها من أعظم دول العالم اقتصاديا وسياسيا أيضا، لو ابتعد الجيش عن اقتصادها وترك الحكم للساسة، مصر التي تحدث عنها بيتر كادت أن تصل إلى ما وصفه بها، فبعد ثورة يناير عشنا حلما جميلا أننا نستطيع جلب مستقبل أفضل لأبنائنا وأن مصر باتت على طريقها الصحيح من أجل نهضة حقيقية. ولكن سرعان ما تبخر حلمنا على يد طغمة عسكرية دمرت مستقبل أطفالنا وسلبتهم الحق في التعليم والرعاية والاهتمام الذي يستحقونه وتعاملت مع الجميع بعنصرية وفوقية.
ربما أختلف مع بوريس جونسون وأفكاره وطريقة إدارته للبلاد والرعونة التي يتعامل بها مع ملف البريكست، ولكن هذه هي الديمقراطية عندما تحكم، وهذه هي الدول عندما تنحني لإرادة شعوبها، وهذه هي تصرفات المسؤولين عندما يدركون أن خدمتهم للناس وتلبية مطالبهم هي رأس مال بقائهم في مناصبهم. فمتى يكتب مواطن مصري عن رسالة أرسلها له رئيس الجمهورية ليشرح له فيها كيف سعى لحل مشكلته.