أزمة معلمي الأردن.. هل يتدخل الملك أم يكون الشارع ميدان الحسم؟

يدخل العام الدراسي في الأردن أسبوعه الثالث، ونحو 4 آلاف مدرسة حكومية خاوية على عروشها، بفعل إضراب المعلمين الذي دعت له نقابتهم، للمطالبة بزيادة 50% من الراتب الأساسي.
المفاوضات المتواصلة بين الحكومة الأردنية والنقابة باءت بالفشل، حتى الآن، وسط إصرار المعلمين على مطالبهم وتأكيد الحكومة عجزها عن توفير الزيادة، لتراوح الأزمة مكانها ويبقى الجميع منتظراً تدخُّل الملك.
أسبوع الإصرار
تحت شعار "أسبوع الإصرار"، أكد نقيب المعلمين بالإنابة ناصر النواصرة استمرار الإضراب، متعهداً بمواصلة الطريق "مهما كانت التهديدات"، وفي إشارته لرسائل حكومية مهددة قال: "بل إن التهديدات تزيدنا إصراراً".
وأعلن النواصرة، في تسجيل مصوّر نشره حساب النقابة على فيسبوك، فشل الجولة الأخيرة من الحوار مع الحكومة قبل أسبوع، في وضع حل للأزمة التي عطّلت نحو مليون ونصف طالب عن الدراسة حتى الآن.
نقيب المعلمين بالإنابة نقل عن وزير التربية والتعليم وليد المعاني قوله خلال اللقاء: "قدّمنا مقترحاً لوضع نموذج يُؤسس لعلاقة جديدة"، مشيراً إلى أن عبارات الوزير جاءت كلها مجهولة يريد أن يُفضي منها إلى تشكيل لجنة لتظل الأزمة قائمة.
وأضاف النواصرة أن الوزير لم يتحدث عن علاوة الـ 50 % التي وصفها بمفتاح الحل، مشدداً على أن كلمات الوزير والفريق الحكومي في حواره مع المعلمين لم تحمل مبادرة جدية لحل الأزمة.
وضرب النواصرة أمثلة على وجود وظائف وعلاوات في وزارات أخرى، متساءلاً: "يوجد أموال في الموازنات لرفع مداخيل السلك الدبلوماسي ولا يوجد للمعلمين؟".
واختتم بقوله: "يا حكومة نحن مصرون على أن ينال المعلم حقوقه قبل دخول الغرف الصفية، تعهدنا على أن نعوِّض أبناءنا الطلبة عن كل حصة دراسية، مع أن درس الإضراب وانتزاع الحقوق والثبات والصمود الذي يتعلموه الآن أكبر من الدرس في الفصول".
وكان ثمّة ملاحظتان على قدرٍ من الأهمية في مقطع الفيديو السابق، أولاهما ما يمكن اعتباره محاولة لتوسيع دائرة الاحتجاج لتشمل قطاعات ومهن أخرى، وذلك في حديث نقيب المعلمين عما أسماه "الطبقة المسحوقة" من الجيش والأمن والدرك والبلديات ومن في مستواهم، والذين قال إنهم يُمثلون أكثر من 90% من الشعب الأردني.
أما الملاحظة الثانية فكانت الحرص على إبراز صورة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وولي عهده الحسين في التسجيل المصوّر، ربما لإيصال عدة رسائل أبرزها أن مطالب المعلمين اجتماعية بحتة وليست سياسية، وكذلك محاولة استمالة الملك في صف المعلمين، فضلاً عما يُشكّل ذلك من دعوة صريحة للتدخل ووضع حد للأزمة.
مطالب ومخاوف
استجابة المعلمين لدعوة الإضراب كانت واسعة، وقدرها كثيرون بنسبة 100%، أي بمشاركة نحو 120 ألف معلم، حيث تُعد نقابة المعلمين إحدى أكبر النقابات المهنية في الأردن من حيث عدد الأعضاء.
رفض الحكومة لمطلب المعلمين، جاء مبرراً بالكلفة غير المسبوقة للزيادة على المالية العامة، والتي تبلغ 150 مليون دولار سنوياً وسط عجز في موازنتها، واشترطت الحكومة لقبول الحوار مع النقابة، أن يتم التنازل عن علاوة الـ50% المطلوبة والقبول بالمسار المهني للمعلمين، الذي ربطته الحكومة بمنح العلاوة.
وبحسب تقارير إعلامية، يبلغ الراتب الأساسي للمعلم المعيّن حديثاً درجة سابعة 150 ديناراً (211 دولاراً)، تضاف لها زيادة فنية وغلاء معيشة وعلاوة عائلية للمتزوج ليصل الراتب الإجمالي إلى 470 ديناراً (660 دولاراً).
بعدها يخضع الراتب لعدة اقتطاعات، منها الضمان الاجتماعي، وضمان التربية، والمالية، والتأمين الصحي؛ بواقع 16.5% ليحصل المعلم في النهاية على أجر مقداره 390 ديناراً (550 دولاراً).
في المقابل، هناك حالة تفاوت في الأجور بين موظفي الحكومة في المؤسسات المختلفة، فبعض الوزارات والمؤسسات يصل راتب الموظف المعيّن حديثاً فيها إلى 800 دينار (1110 دولارات)، نتيجة المكافآت والحوافز.
اقتصاد منهك
لا شك أن تأثيرات إضراب المعلمين تتجاوز تعثُّر انطلاق العام الدراسي الجديد، بل تتخطاها إلى انعكاسات اقتصادية واجتماعية سلبية يعاني منها المجتمع بأكمله، نظراً لضخامة أعداد الأُسر الموصولة بالأزمة، في الجانبين المعلمين والطلاب على حد سواء.
إلا أن تلك الضغوط على الحكومة والمسؤولين تقابلها ضغوط أزمة اقتصادية خانقة يعاني منها الأردن، حيث انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى حدود 2% في عام 2018، ومن المتوقع أن لا يزيد عن 2.3% في عام 2019، و2.4% في عام 2020، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
كما تباطأت تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى الأردن بشكل ملحوظ، وبحسب بيانات البنك المركزي الأردني، هبط صافي الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق في النصف الأول من عام 2018 بنسبة 56.3% إلى 538 مليون دولار مقارنة مع مستواه البالغ 1.234 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2017.
ومع ضعف النمو الاقتصادي، لم يستطع الاقتصاد الأردني توفير مزيد من الوظائف الكفيلة بتخفيض البطالة التي ارتفع معدلها إلى حوالي 18.7% بنهاية عام 2018 وبزيادة 4 نقاط مئوية عن معدل عام 2016 البالغ 14.6%.
وفي الوقت نفسه، بدت أوضاع المالية العامة غير مستقرة، حيث حققت الموازنة العامة عجزاً مستمراً في الأعوام الماضية وبمعدل 2.5% في عام 2018 مقابل 3.2% في عام 2017.
وبناء عليه، اضطرت الحكومة للاستدانة داخلياً وخارجياً لسد العجز، ونتيجة لذلك ارتفع إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي المستحق على الأردن إلى 39.9 مليار دولار بنهاية عام 2017، أى ما يعادل 98% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتُعتبر تكلفة استضافة اللاجئين السوريين المرتفعة من ضمن الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تزايد الأعباء المالية على الحكومة في الأعوام الماضية، إذ استقبل الأردن أكثر من 670 ألف لاجئ سوري حتى الآن بما كبّده مبالغ مالية كبيرة، حيث قال رئيس الوزراء عمر الرزاز: إن "سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين كلّفت الأردن 2.5 مليار دولار سنوياً".
ومن أجل التعامل مع الأوضاع المالية المضطربة، لجأت الحكومة إلى تنفيذ سياسات للإصلاح المالي شملت تقليص الدعم الحكومي للسلع الأساسية بجانب زيادة الضرائب، إلا أن هذه الإجراءات كانت سبباً في اندلاع احتجاجات واسعة بما اضطر الحكومة إلى إجراء تعديلات عاجلة على هذه الإجراءات بهدف تقليص الأعباء المالية على المواطنين.
وعلى غرار مصر كانت خطوات تقليص الدعم توجهاً أردنياً من أجل الاتفاق الممدد مع صندوق النقد الدولي، الذي يستفيد الأردن بموجبه من "تسهيل الصندوق الممدد" (EFF)، ومع استكمال المراجعة الثانية في مايو/أيار الماضي، صرف الأردن حوالي 166.4 مليون دولار أمريكي، ليصل مجموع المبالغ المنصرفة في إطار البرنامج إلى 309 ملايين دولار، من إجمالي 723 مليوناً قيمة الاتفاق.
الملك المخلّص!
الطريق المسدود الذي وصلت إلي المفاوضات بين الحكومة ونقابة المعلمين، يُؤدّي في جميع اتجاهاته إلى شخص واحد وهو الملك عبدالله الثاني، حيث بات الرهان معقوداً عليه للتدخل في الأزمة بأقصى سرعة ممكنة.
استدعاء العاهل الأردني في القضية ليس مجرد تحليلات بل كان مطلباً صريحاً من قبل نقيب المعلمين بالإنابة، في بدايات الإضراب، ربطه بفشل حكومة الرزاز في تقديم حلول واقعية للأزمة.
قبلها ومع انطلاق اليوم الأول للإضراب، علّق الملك عبدالله على الأزمة، قائلاً وفق بيان للديوان الملكي: "يجب أن يكون هدفنا دائماً الحفاظ على مصلحة الطلبة، وهذا الذي يجب أن نُركز عليه جميعاّ، والوصول له من خلال الحوار المسؤول".
ربما أصبح تدخل الملك شخصياً أمراً لا مفر منه، إلا أن غموضاً وتساؤلات عدة تحيط جميعها بكيفية هذا التدخل في أزمة معقدة، أو على الأقل تبدو كذلك، وإلى أي طرف يميل.
ولعل خيارات الملك في تلك الحالة محصورة بين مجموعة بدائل أحلاها مُرٌّ، أولها الاستجابة لمطالب المعلمين، وتكليف رئيس الوزراء بتدبير المخصصات المالية لزيادات المعلمين من موازنة الدولة كنفقات حكومية، أو من خلال المنح والمساعدات الواردة إليها.
الاستجابة على هذا النحو، قد تفتح على البلاد باباً لن ينغلق من المطالب الفئوية لجميع المهنيين وأرباب القطاعات الأخرى الذين يُعانون أوضاعاً معيشية صعبة، وهذا ما ألمح إليه نقيب المعلمين بالإنابة في تسجيله المصوّر الأخير حول من أسماهم "الطبقة المسحوقة".
وربما يسعى الملك في سيناريو آخر لتدخله، إلى إلزام الطرفين بالتفاوض مجدداً وتقديم كل منهما تنازلات تفضي إلى توافق يُحقق مطالب المعلمين بشكل أو بآخر ويُعيد الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، ولا يُرهق في الوقت ذاته كاهل الدولة.
قد يبدو هذا السيناريو مرجحاً إلى حد كبير، خاصة أن دعوة الملك منذ بداية الإضراب كانت إلى "حوار مسؤول" واستجاب بعده مباشرة طرفا الأزمة وبدأ الحوار، وإذا جدد الملك دعوته العلنية، وكانت مشددة في الغرف المغلقة، فلا ريب أن الجميع سيستجيب.
هامش الحريات النسبي الذي يتمتع به الأردنيون ومكّن المعلمين من مواصلة الإضراب حتى الآن، لا يُستبعد معه اللجوء إلى خيار قمع الإضراب وإنهائه بالقوة، ولو أنه سيناريو غير مرجح.
القمع قد يجرُّ معه نتائج كارثية، واتساعاً لنطاق احتجاج المعلمين وامتداده لقطاعات أخرى، حتى يتحوّل من المطالب الاجتماعية والاقتصادية إلى احتجاج سياسي متكامل الأركان، رغم أن النقابة أعلنت عدم وجود أي أهداف سياسية خلف مطالب المعلمين وحراكهم.
ولا تغيب المخاوف عن السلطات الأردنية وأجهزتها المختلفة، والتي تخشى توظيف الإضرابات المطلبية لأغراض سياسية وخلق مناخات تفرض تغييرات تحت ضغط الشارع مثلما حدث في أثناء احتجاجات الدوار الرابع عام 2017، حين فُرض الرحيل على حكومة هاني الملقي.
ورغم أن الملك لم يعُد بإمكانه تجاهل الأزمة، إلا أنه يبقى سيناريو متوقع حدوثه، لكن نتائجه ربما تكون الأكثر ضرراً من غيرها، حيث يمكن أن تُغذي الاحتقان داخل المجتمع، وسط غياب مبادرات جدية لكسر حالة الإحباط المسيطرة على فئات واسعة من الأردنيين، في ظل حكومة عاجزة عن تقديم حلول تمنع تدهور الأوضاع الاقتصادية.
المصادر
- أنهى أسبوعه الثاني.. إضراب معلمي الأردن يتواصل والأزمة تراوح مكانها
- الأردن.. لماذا تفاقم غضب المعلمين؟
- هل تساعد القوى الدولية الأردن لتجاوز الأزمة الاقتصادية؟
- إضراب المعلمين... مخاوف من تبعات سياسية للاحتجاجات في الأردن
- المجلس التنفيذي يستكمل المراجعة الثانية لأداء الاقتصاد الأردني في ظل "تسهيل الصندوق الممدد"
- نقيب المعلمين بالأردن يهاجم رئيس الوزراء ويطالب الملك بالتدخل
- ملك الأردن يعلق على أزمة المعلمين