المنظمات الحقوقية في المغرب.. محاولة للهروب من أنياب الملكية
بعد أسابيع قليلة من تسمية العاهل المغربي الملك محمد السادس، أمين عام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، عاد اسم المؤسسة الحقوقية التابعة للدولة إلى الواجهة، بكثير من الجدل أثارته رئيستها أمينة بوعياش المعينة بقرار ملكي أواخر 2018.
بوعياش اتهمت بـ"الفشل" من طرف عائلات "معتقلي حراك الريف"، بعد أن نفت صفة "المعتقلين السياسيين" عن ذويهم في الملف الذي يقضي بسببه مجموعة من شباب منطقة الريف بالمغرب (شمال شرق) عقوبات سجنية تصل إلى حد 20 سنة، بعد خروجهم في حراك للمطالبة برفع الإقصاء عن منطقتهم من طرف الدولة.
ورأت رئيسة أكبر مؤسسة حقوقية في المغرب، أن المعايير غير مستوفاة لاستخدام المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمصطلح المعتقل السياسي، قائلة: " سيكون في غير محله وذا نتائج عكسية وغير مسؤول، وسيكون سابقة واستثناء على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي".
التصريح أثار الكثير من اللغط والانتقادات للمؤسسة والمسؤولين فيها، وهي ليست المرة الأولى التي تخرج تقارير لا تخدم حقوق الإنسان في المغرب. فكيف يمكن لمؤسسة تحت سلطة الدولة، يعين الملك كوادرها، أن تطرح تقارير موضوعية تنتقد ممارسات النظام المنتهكة لحقوق الإنسان؟
لسان الدولة
الخبير الحقوقي، عزيز إدمين، أفاد في مقال له رد فيه على بوعياش، بأنها حددت مفهوم "المعتقل السياسي بشكل نظري انطلاقًا من دليل استرشادي لمنظمة العفو الدولية، وأسقطته على معتقلي الحسيمة (معتقلي الريف)". معتبرًا أنها استعملت الدليل الاسترشادي لمنظمة "أمنستي" الحقوقية بـِ"سوء نية"، ذلك أن الدليل المكون من 6 فصول، الذي استندت له خاصةً الفصل الثالث منه، يميز بين فئتين اثنتين، معتقلو الرأي وهم بطبيعتهم معتقلون سياسيون، لا يمارسون العنف، وسجناء سياسيون يمارسون العنف.
ودعا إدمين المجلس إلى:" تحري الدقة دائما في تقييم حالات انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، سواء كانت انتهاكات مثبتة أو مجرد ادعاءات، في ضوء المسؤولية، ليس فقط القانونية، ولكن أيضًا الإنسانية والأخلاقية الملقاة على عاتقه".
رئيسة المجلس كتبت مقالًا حاولت فيه تبرير تصريحات سابقة لها، نفت فيها وجود معتقلين سياسيين في المغرب، وحاولت تبرير موقفها بانتفاء شروط الاعتقال السياسي عن معتقلي "حراك الريف" ومختلف الحراكات الاجتماعية. قائلة:" لو تعلق الأمر بمعتقلين سياسيين لكان عمل المجلس لإطلاق سراحهم أسهل".
الناشط الحقوقي المغربي أحمد فرحان، أوضح في مقال له، أن:" أمينة بوعياش هي ناطقة باسم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أي باسم اختيارات الدولة في مجال حقوق الإنسان، وليست ناطقة باسم مؤسسة حقوقية مدنية ناشطة في المجتمع المدني تترك مسافة حياد بينها وبين الدولة. وفي ظل اختيارات الدولة في مجال حقوق الإنسان يتعثّر الموقف الحقوقي عند الحسم في مسألة الاعتقال السياسي بالمغرب".
واعتبر أن:" تصريح الرئيسة في مؤسسة دستورية من مؤسسات الدولة، لم يكشف سوى عن متاهة اختيارات الدولة في مجال حقوق الإنسان وهشاشة مؤسستها الدستورية، وأن الحاجة إلى تقوية المؤسسة الوطنية الحقوقية ينبغي أن يواكبها إصلاح عميق في التشريعات السياسية والقانونية".
دور المجلس
تأسس المجلس في عام 1990 بوصفه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، قبل أن يتم تعديل القانون في عام 2001، ومرة أخرى تم التعديل في سياساته في عام 2011، تزعم الدولة بمنح المؤسسة "المزيد من الصلاحيات خاصة في جعلها أكثر استقلالية، ومنحها صلاحيات واسعة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان في المغرب وكذلك تعزيز المبادئ والقيم الديمقراطية".
وظيفة المؤسسة هي رسم تقارير سنوية عن حالة حقوق الإنسان أو إصدار التقارير الخاصة برصد أماكن الحرمان من الحرية، كما تعمل على معالجة الشكاوى والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى المشورة بشأن مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان كما تجري دراسات وقضايا الفتاوى ومذكرات بشأن المسائل المتصلة بحقوق الإنسان وما إلى ذلك.
هذا هو التعريف الرسمي بالمؤسسة، لكن هل تقوم بالدور على أحسن وجه؟، كشفت مصادر صحفية، أن تقرير التعذيب، الموثق بالخبرات الطبية الذي أنجزه الطب الشرعي ضمن مهمة التحرّي التي قام المجلس في حق معتقلي حراك الريف، هو الذي أطاح بالرئيس السابق للمجلس وأمينه العام.
وسارع المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، إلى إصدار تقرير، جاء فيه:" مسكونًا بهاجس نفي تعرض معتقلي الريف لأي تعذيب"، بحسب المصدر ذاته.
يعتمد المجلس الانتقائية في تعيين أعضاءه، الذين عليهم أن يكونوا أصحاب ولاء تام للدولة، وهذا ليس الحال بالنسبة للمحامي عن حزب "العدالة والتنمية" عبد الصمد الإدريسي، الذي يترافع في قضية الصحفي توفيق بوعشرين، الذي تثير قضيته كثيرًا من الجدل، ورفضت السلطات عضويته لأسباب غير معروفة. وبعد أن اقترحه مجلس النواب لعضوية المجلس، تلقى الحزب اعتراضًا من قبل اسلطات، وحاول معرفة السبب دون نتيجة.
مغضوب عليها
المجلس ليس هو المؤسسة الوحيدة التي تهتم بحقوق الإنسان في المغرب وتتابعها، فقد تأسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قبل 40 سنة كإطار حقوقي ينحدر مؤسسوه نساءً ورجالًا من تجارب سياسية ونقابية وجمعوية ونسائية تقدمية.
وتأسست الجمعية المغربية عام 1979، ولديها الآن 96 فرعًا محليًا، ما يجعلها أكبر منظمة حقوقية مستقلة في المغرب.
وتواجه الجمعية مضايقات من طرف السلطة، فهي مؤسسة مغضوب عليها، وتمارس عملها الحقوقي بانتقاد كل الممارسات والانتهاكات في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، حتى وإن كان مرتكبها هو النظام.
في عام 2017 أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية تقريرًا أفادت فيه بأن الدولة تعرقل عمل الجمعية وتلغى بعضًا من أنشطتها.
وقالت "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" :" إن السلطات أعاقت 125 من اجتماعاتها وندواتها، وغيرها من الأنشطة المنظمة في أماكن عمومية وخاصةً في مختلف أنحاء البلاد منذ يوليو/تموز 2014. كانت السلطات تحظر الأنشطة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل الضغط على مديري أماكن اللقاءات".
وأشارت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، إلى أن:" الإجراءات ضد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المتكررة وواسعة النطاق، مؤشر واضح على حملة بأوامر عليا هدفها إضعاف صوت حقوقي صريح يعبر عن الوطن كله".
"أسوأ المنتهكين"
ومنذ يوليو/تموز 2014، تكررت القيود على تجمعات الجمعية المغربية بعد أن كانت نادرة، عندما هاجم وزير الداخلية محمد حصاد بعض الجمعيات الحقوقية، واتهمها بعرقلة جهود الحكومة في مكافحة الإرهاب، وفقًا للجمعية المغربية.
وفي يونيو/حزيران 2015، طردت الحكومة باحثين من "منظمة العفو الدولية" من البلاد، ومن حينها لم توافق على أي من بعثاتها البحثية. وفي سبتمبر/أيلول 2015، منعت باحثي هيومن رايتس ووتش من القيام ببعثات بحثية في المغرب أو الصحراء الغربية.
في مقال له على مجلة "لو نوفيل أوبسيرفاتور" الفرنسية، قال الصحفي والحقوقي والباحث المغربي المعارض في جامعة ستانفورد أحمد رضا بنشمسي، في عيد العرش الذي كان في يوليو/ تموز الماضي:" بعد 20 عامًا من جلوس محمد السادس على العرش، أصبح روتينيًا أن تُصدِر منظمات حقوق الإنسان الدولية تقارير قاتمة عن الوضع في المغرب. كما أصبح مألوفًا أن تُندّد الحكومة بهذه التقارير وتعتبرها مُنحازة ومُعادية للمغرب".
معتبرًا أن:" هذا الخطاب يُذكّر بأسوءِ منتهكي الحقوق في العالم العربي، بما في ذلك عبدالفتاح السيسي في مصر، ومحمد بن سلمان في السعودية"، وزاد قائلًا:" إن كان المغرب حقًا استثناء في العالم العربي، فهامش الاستثناء يتقلّص سنة بعد سنة".
المصادر
- إدمين “يقصف” بوعياش: استعمالك لدليل أمنستي تم بسوء نية..وإذا لم يكن الغرض هو إطلاق سراح المعتقلين فلماذا استنزاف العائلات والوعود الوردية..هل لالتقاط الصور؟!
- أحمد فرحان: رد السيدة "أمينة بوعياش" يكشف عن متاهة دستورية في مجال حقوق الإنسان
- سليمان الريسوني يكتب: ما يملكه بنيوب..
- القيادي الإدريسي “ممنوع” من عضوية المجلس الوطني لحقوق الإنسان
- TRIBUNE. « Mohammed VI et le très inquiétant recul des droits de l’Homme au Maroc »
- المغرب: عرقلة عمل جمعية حقوقية.. الحكومة تتحدى قرارات المحكمة الإدارية