دول الخليج تخطب ود حلفاء جدد لضمان أمنها.. هل تنجح الخطة؟
ليس واضحا كيف سيتم إقناع دول الخليج المتناحرة كقطر والسعودية والإمارات وإيران، بالجلوس على طاولة واحدة، لتدارس الاقتراح الروسي بإنشاء مظلة أمن جماعي لمنطقة الخليج، حتى وإن كانت موسكو تحافظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف.
وتقترح روسيا بدعم من الصين، إجراء إصلاح جذري للهندسة الأمنية في منطقة تضم احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وبعضا من المجاري المائية الأكثر إستراتيجية في العالم، للحد من الشكوك المُتزايدة في منطقة الخليج بشأن الولايات المُتحدة باعتبارها الضامن الأمني الوحيد في المنطقة.
وفي مقال له على موقع "لوب لوج" الأمريكي، أوضح الباحث في مدرسة "راجاراتنام" للدراسات الدولية، جيمس م. دورسي، أن الدعم الصيني لمفهوم الأمن الجماعي الروسي المُقترح الذي سيحل محل مظلة دفاع الولايات المتحدة في الخليج، سيجعل من روسيا وسيط قوة جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة".
وذلك وسط تصاعد التوترات؛ بسبب الاستيلاء على ناقلات النفط مقابل الرهائن، وتعزيز وجود الجيش الأمريكي والبريطاني في مياه الخليج.
فقد احتجز الحرس الثوري الإيراني ناقلة نفط يُزعم أنَّها عراقية في خليج هرمز. في حين قالت إيران إن السفينة كانت تُهرب النفط إلى دولة عربية مجهولة.
وجاء احتجاز السفينة العراقية في أعقاب الاستيلاء الإيراني الشهر الماضي على الناقلة "ستينا إمبيرو" التي ترفع العلم البريطاني. وكان ذلك ردًا على احتجاز ناقلة إيرانية قبالة جبل طارق يُشتبه في خرقها لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا.
اقتراح روسيا
وأشار الباحث إلى أن الاقتراح الروسي الذي ينطوي على إنشاء تحالف لمكافحة الإرهاب يتألف من جميع الجهات المعنية، من شأنه أن يكون محركًا لحل النزاعات التي تجتاح جميع أنحاء المنطقة، وتعزيز ضمانات الأمن المتبادلة.
ونوّه بأن الاقتراح سيشمل إنهاء النشر الدائم لقوات الدول خارج المنطقة في أراضي دول الخليج، في إشارة إلى القوات والقواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية.
لقد دعا الاقتراح إلى تبني نظام أمني عالمي وشامل يضع في الاعتبار مصالح جميع الأطراف الإقليمية، وغيرها من الأطراف المعنية، في جميع مجالات الأمن، بما في ذلك الأبعاد العسكرية والاقتصادية والطاقة.
وفي مؤتمر دولي بشأن الأمن والتعاون في الخليج سيتم إطلاق التحالف، الذي يضم كلا من دول الخليج، وروسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، بالإضافة إلى أصحاب المصلحة الآخرين، "على الأرجح في إشارة إلى إيران"، بحسب المقال.
يخطبون ود الصين
ويحظى الدعم الصيني للاقتراح الروسي بأهمية إضافية؛ إذ يُشير بعض المحللين إلى أن الولايات المُتحدة، التي لم تعد تعتمد على واردات نفط الخليج، تُقلل تدريجياً من التزامها بالرغم من الزيادة المؤقتة في عدد القوات الأمريكية التي أُرسلت إلى المنطقة نتيجة العلاقة المتوترة مع إيران.
واعتبر المحللون أن رد الفعل الأمريكي على تصاعد التوتر الإيراني كان في المقام الأول "مسرحيا ومكتوف الأيدي". وبالرغم من خطاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العدائي، إلا أنه ثبت أن التحذيرات من العواقب الوخيمة ليست إلا مجرد تهديدات لفظية.
ونقل كاتب المقال عن الباحث لدى مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، "ستيفن.أ.كوك"، قوله: "ليس هناك أدنى شك في أن الولايات المُتحدة في طريقها لمُغادرة الخليج العربي. فهى تتخذ بالفعل التدابير اللازمة لذلك؛ لكنها لن ترحل كليًا العام الجاري أو المُقبل، فالقادة في الرياض وأبوظبي والدوحة والمنامة ومسقط، على دراية بما يحدث. لقد احتاطوا ضد الرحيل الأمريكي، وشملت التدابير التي اتخذوها تقديم مُبادرات إلى كل من الصين وروسيا وإيران وتركيا".
وكشفت أحدث إحصائيات ناقلات النفط بأن المملكة العربية السعودية تُرسل شُحنة من النفط الخام إلى الصين تفوق في حجمها أي وقت مضى. كما سعى ولي عهد دولة الإمارات محمد بن زايد؛ إلى توطيد علاقة بلاده مع الصين من خلال إقامة علاقة شركة إستراتيجية، وذلك خلال لقائه مع الرئيس الصيني شي جين بينج خلال زيارته لبكين الشهر الماضي.
تحالف خادع
وذهب الباحث إلى حد القول، إن تفهم وجود التزام أمريكي منخفض قد يجعل الاقتراح الروسي الخاص بالنهج المتعدد الأطراف أكثر جاذبية على المدى القصير.
وبالرغم من ذلك؛ فالتعامل طويل الأجل مع تحالف صيني-روسي مستمر قد يكون خادعًا. وقد يثبت أنَّ التحالف انتهازي أكثر منه إستراتيجي، مشيرا إلى أن ذلك قد يجبر دول الخليج على تسريع تولي مسؤولية أمنها.
وأوضح الكاتب أن الشعور بالريبة تجاه مدى الموثوقية الأمريكية، نتج عن التوسّع الإيراني الإقليمي الملموس، والسخط الشعبي المستمر في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التدخل السعودي-الإماراتي في اليمن، وكذلك محاولة سعودية فاشلة لإجبار رئيس وزراء لبنان على قبول إملاءات المملكة، والتوقعات السعودية والإماراتية للقوة العسكرية والنفوذ التجاري في القرن الإفريقي.
ومضى يقول: "بالرغم من ذلك، فإن الاجتماع الأخير بين الإمارات ومسؤولي الأمن البحري الإيراني، الذي يُعد الأول من نوعه منذ 6 سنوات، بالإضافة إلى الانسحاب الإماراتي الجزئي من اليمن، يمكن أنْ يُشير إلى اتباع نهج بناء وأكثر إيجابية".
وأضاف: "إذا ما تم تبني الاقتراح الروسي فيمكنه أن يستوعب الصين وروسيا. ورغم قدرتهما حتى الآن على الحفاظ على روابط وثيقة مع جميع أطراف الانقسامات الإقليمية، في صراعات الشرق الأوسط المُتعددة -لا سيما التنافس السّعودي الإيراني- إلا أنه بإمكان النهج متعدد الأطراف دفع الخلافات الروسية الصينية لتصبح في المقدمة".
الحلفاء الأعداء
ونقل عن الخبيرة الجيوسياسية "فيلينا تشاكاروفا"، تحذيرها من أن التحالف الصيني الروسي المعروف باسم "دراجون بير"، ليس تحالفًا ولا حتى زواج مصلحة؛ بل مُجرد علاقة غير مُتكافئة عابرة؛ تكون فيها الصين غالبًا المخطط للاقتراح بينما تقوم روسيا في الغالب بتنفيذه على أرض الواقع.
ورأى الباحث، أن التقارب الصيني-الروسي يرتكز بحسب كلمات تشاكاروفا على المبدأ القائل: "اجعل أصدقاءك مُقربين إليك، أما أعدائك فقربهم منك أكثر".
ومضى يقول: "ستبقى علاقة الوضع الراهن مقبولة وستتطور أكثر طالما أن نهوض الصين لا يُمثل تهديدًا مباشرًا لمصالح روسيا الإستراتيجية المتمثلة في تقرير المصير، وترسيخ الأمن على امتداد حدودها، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط".
وأردف: "تقل الشكوك حينما تبدأ روسيا في إدراك أن المصالح الصينية تُهدد مصالحها. قد يكون أحد الاختلافات في قطاع الطاقة؛ نظرًا لكون روسيا واحدة من أكبر موردي النفط في العالم في حين أن الصين هي المستورد الرئيسي له".
وأضاف: "على نفس المنوال، قد لا ترغب الصين على المدى الطويل في الاعتماد على روسيا فيما يتعلق بوارداتها والترتيبات الأمنية".
ونقل عن الباحث في المجال الروسي والأورو-آسيوي، "بول سترونسكي"، قوله عن مدى استدامة التحالف الروسي الصيني: "مع إدراك الصين الآن أنها قد تحتاج إلى تعزيز موقفها الأمني، فمن غير الواضح إلى متى سيستمر هذا الاستقرار".